الى الاعلى
  • النظر إلى وجه العالم عبادة " الرسول الأعظم (ص) "

القيم التربوية بين الإسلام والغرب


نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي رقم 2 للعام 2024 وذلك عصر نهار الثلاثاء بتاريخ 5-3-2024 م، تحت عنوان [القيم التربوية بين الإسلام والغرب] (قدمه الشيخ الدكتور محمد النمر).

  • المداخلة رقم 1: القيم التربوية في الإسلام: أسسها ومبادؤها ودورها (أ. د. نور الدين أبو لحية/ الجزائر)

  • المداخلة رقم 2: القيم التربوية في الرؤية الغربية المادية الحديثة (أ. د. طلال عتريسي/ لبنان)

 

بدأ الملتقى بمقدمة للشيخ الدكتور محمد النمر قال فيها:

إنّ مبحث القيم من أهم المباحث التي تشكل تحديا راهنا في كل عصر، باعتبار تأثيرها المباشر على الأهداف الغائية للمجتمع وحركة الانسان ونشاطه العملي والحضاري والفكري، كما تؤثر على العملية التربوية والتخطيط التربوي وصناعة المناهج وغيرها من المجالات المرتبطة بها.

وتشير القيم على المستوى الحضاري إلى مجموعة من الأصول القواعد العامة التي تحدد الوظائف والنماذج السلوكية والجزاء وما ينبغي وما لا ينبغي، فتشكل عند العمل بموجبها إيجاد واقع مطلوب يشكل كمالاً للنفس البشرية ويتسامى بها في مراتب الوجود، والذي يعتبر هدف العملية التربوية.

 إنّ ملاك صدق أو كذب أي قضية قيمية هو في مدى تأثيرها في الوصول إلى الأهداف المطلوبة. ففي الإسلام يعتبر الوصول إلى الحياة الإنسانية الطيبة التي هي أحد تجليات القيمة الغائية النهائية للحياة أي القرب من الله تعالى إنما يتم بواسطة الالتزام بقيم النظام المعياري الإسلامي. وتحقق الحياة الطيبة يترافق مع تحقق كافة الأهداف والقيم الإنسانية المطلوبة. في مقابل الرؤى المادية التي لا ترى مشروعها الحضاري مبنيا على قيم التوحيد والارتباط بالله، لذلك حددت قيمها العليا وفق مشروعها الحضاري المتناسب مع رؤيتها الكونية.

وبما أنّ هناك عدة اتجاهات ومدارس في تحديد القيم التربوية وأسسها ومصادرها، سنعمل في هذا الملتقى على تقديم أهم الأسس التي قامت عليها القيم التربوية في الغرب المادي الحديث  في مشروعه الحضاري، في مقابل الرؤية الإسلامية للقيم التربوية في ظل المشروع الحضاري الاسلامي.

لذلك سيكون هذا الملتقى مؤلفا من محورين أساسيين:

 

المحور الأول: القيم التربوية في الإسلام: أسسها ومبادؤها ودورها

لنجيب عن الأسئلة الآتية:

  1. ما هي أسس القيم التربوية في الإسلام ومنشؤها؟

  2. ما هي أهم القيم التربوية الإسلامية؟

  3. ما هو دور هذه القيم في المشروع الحضاري الإسلامي.

  4. كيف تؤثر هذه القيم في العملية التربوية؟

 

المحور الثاني: القيم التربوية في الرؤية الغربية المادية الحديثة

لنجيب عن الأسئلة الآتية:

  1. ما هي أسس القيم التربوية في الرؤية المادية الحديثة؟

  2. ما هي أهم القيم التربوية الغربية؟

  3. كيف أسهمت هذه القيم في بناء المشروع الحضاري الغربي؟

  4. كيف أثرت هذه القيم في العملية التربوية (الأهداف والغايات التربوية – مناهج -..)؟

 

 

المداخلة رقم 1: (أ. د. نور الدين أبو لحية/ الجزائر)

بدأ الدكتور أبو لحية مداخلته بالحديث عن أن ما يحدث في فلسطين اليوم هو مشكلة قيم، فالأحداث فضحت الغرب وأظهرت وجهه الحقيقي، وكذلك ظهر الخذلان لدى الكثير من أفراد الأمة الإسلامية، ما عدا محور المقاومة، والمشكلة هنا هي مسألة قيم.

فلو أنّ الغرب لديه قيم فاضلة لما حصل ما حصل، ولو أن المسلمين طبقوا قيمهم أيضًا لما حصا ما حصل في فلسطين المحتلة.

 

 

خصائص القيم الإسلامية

للقيم الإسلامية عدة خصائص هي على الشكل الآتي:

  1.  القيم الإسلامية هي قيم ربانية، تنطلق من الرؤية الكونية التوحيدية، بخلاف الرؤى المادية الغربية.

  2. القيم الإسلامية الربانية تستند للفطرية، وهي عبارة عن حقيقة مطلقة ليست مزاجية أو وضعية، فالقيم لدينا كمسلمين هي عبارة عن حقائق لا تتغير.

  3. الخاصية الثالثة هي الشمول، فالقيم الإسلامية شاملة لكل المعايير ولكل المجتمع.

  4. الأساس الرابع هو العموم، فالقيم الإسلامية تتعامل مع الجميع بنفس العدل.

  5. الجزاء، أي هناك جزاء مؤلف من وعد ووعيد، كل بحسب أعماله في الحياة الدنيا.

  6. الأساس الأخير في القيم الإسلامية هو قيمة السير التكاملي والسمو، فالتربية تجعل الإنسان يسمو ويرقى بروحه ونفسه في هذه الدنيا، فهذه الدنيا هي مكان للتدريبات الإلهية للوصول للكمال، وأفضل نموذج لهذا الكمال هو الرسول الأكرم محمد (ص).

 

أهم قيم التربية الإسلامية

  1. القيم الروحية التي تتعلق بالله تعالى: التي نرتبط بها مع الله تعالى عز وجل من خلال محبته وطاعته لأنه ربنا الخالق والمُحسن لنا.

  2.  القيم الأخلاقية التي تتعلق بالناس: أي التزكية الأخلاقية، والتي طبقها رسول الله (ص) والأئمة (ع) من خلال مكارم الأخلاق، فالكثير ممن أسلموا، كان إسلامهم نتيجةً لأخلاق رسول الله وآل بيته عليهم السلام.

  3. القيم الحضارية والتي تتعلق بالأمة: فعلينا فهم القيم التي تتعلق بالأمة بشكلٍ دقيق، فمثلاً: ما هو التواضع؟ هو التكبر على المتكبرين. فالقيم تُطبّق في مكانها الصحيح وبشكلٍ مضبوط.

 

فمن خلال عدم تطبيق القيم الإسلامية بشكلٍ صحيح من قبل الكثير من الدول العربية وذلك من خلال السلام مع العدو الإسرائيلي، فهذا ما أدى للخذلان ولعدم إقامة القسط على مستوى الأمة الإسلامية، وبالتالي عدم مواجهة الإستكبار ونصرة المستضعفين.

في المقابل هناك من فهم هذه القيم المتعلقة بالأمة بشكلٍ صحيح، فمحور المقاومة الشرفاء في اليمين يعتبرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم واجب، وهذه هي القيم الحضارية.

وتطبيق البكاء على الإمام الحسين (ع) يظهر في ساحات الجهاد كما نراه من قبل محور المقاومة.

 

 

مميزات الحضارة الإسلامية عن الحضارة الغربية

  1. تشكيل الإنسان النموذج، وليس العمران هو الأساس، بل هو تجليات لاحقة بالإنسان، فليس من الصح أن نبني العمران وننسى الإنسان، فهذا الإنسان هو من سيشكل الحضارة الإسلامية والأمة الإسلامية.

  2. تحمّل المسؤولية وحفظ الدين والعدالة. فمثلاً هذا هذه المرحلة الدقيقة من حياة الأمة الإسلامية وما نشهده من إعتداءات على فلسطين وغزة، هناك من يهتم بكرة القدم أكثر من اهتمامه بهموم الأمّة.

 

 

وأخيرًا فهناك ضرورة للفهم الصحيح للقيم الإسلامية وعدم اختصارها ببعضها البعض، فابتعاد الأمة عن همومها هو ابتعاد عن القيم وهي من المعاصي.

والأمة ألغت قانون العقاب الإلهي، وهنا الخطر في الكثير من الأمم الإسلامية، فهناك ضرورة لإعادة جانب الوعيد الإلهي، وبالتالي هناك ضرورة للعودة للقرآن الكريم وللرسول محمد (ص) ولآل بيته (عليهم السلام) في كل حركتنا وفي كل حياتنا، وعندها تستقيم كل حياتنا.

 

 

المداخلة رقم 2: (أ. د. طلال عتريسي/ لبنان)

 

بدأ الدكتور عتريس مداخلته فقال:

كنقطة انطلاق، لا تربية دون فلفسة، فالتربية هي إعداد للإنسان، والفلسفة هي رؤية العلاقات المختلفة بين الكون والإنسان والخالق. فالرؤية الفلسفية عندما تسيطر في مجتمع ما ستؤثر على الأفكار التربوية. فمثلاً يمكن دراسة الفكر التربوي ونستنتج منه الفكر الفلسفي، وعلى هذه القاعدة يمكن أن نقول بأن الفكر التربوي في الغرب عمومًا مرّ بمرحلة انتقالية ما بين عصر النهضة (تغيير جوهري بطبيعة الحياة)، والمرحلة الثانية ما بعد عصر النهضة (والتقدم الذي عرفه الغرب في كل الاتجاهات).

 

سمات الفكر التربوي في المرحلة الأولى والثانية مختلفة، ففي المرحلة الأولى قبل عصر النهضة كان الفكر المهيمن هو الفكر الديني من خلال سلطة الدين والكنيسة ورجال الدين. فالدين في تلك المرحلة كان من الثوابت، وهذه الثوابت في مرحلة سلطة الكنيسة كانت تنعكس على التربية كنظام متشدد، فالتربية كانت متشددة، بمعنى أن الطفل يخضع بالقوة لضوابط ما هو مسموح وما هو ممنوع، مع العلم بأن ما هو ممنوع في تلك الحقبة كان أكثر بكثير مما هو مسموح. ومن أنواع التشدد مثلاً: ففي النظام التربوي اليسوعي كان الطفل يعاقَب بالجلد. ومن سمات هذه المرحلة المتشددة أن الأسرة كانت متماسكة، والسلطة للأب، وعدد أفراد الأسرة كبير، والأسر محافظة، والجوانب الأخلاقية موجودة في الأسرة.

في مرحلة لاحقة أُخذ التشدد كذريعة فتم ضربه وتم ضرب الأسرة المحافظة معه، ففي هذه المرحلة الثانية مع بدايات القرن العشرين، ومع الثورة الفرنسية التي كانت موجهة ضد الدين وضد الكنيسة، فهذا الوضع أنتج فكر فلسفي يقوم على أطروحة أساسية وهي التحرر من كل الضوابط (دينية، أخلاقية، العادات والتقاليد،..إلخ). فأصبحنا أمام منطق جديد يقوم على:

  • التحرر من أي ثوابت مسبقة.

  • عندما أتبنى هذا التحرر فأنا أعظّم الحرية الفردية.

  • لا قيود أخلاقية أو دينية على أي سلوك.

 

وأنتج هذا الوضع 3 أنواع من السلطة، هي:

  •  العقل: هو بديل الغيب، فلا يوجد معرفة غيبية دينية.

  •  التجربة: هي من تصنف ما هو مفيد وما هو غير مفيد، وما هو صالح وغير صالح.

  •  العلم: والذي هو بديل أي معرفة ثانية، وهذا كان له تأثير كبير من خلال معاداة الكنيسة للعلم، ومن خلال الخرافات (بيع صكوك ملكية في الجنة).

 

وطبيعة هذه السلطات الثلاث أنها في حالة حركة دائمة، وبالتالي فليس هناك من ثابت، فمن خلال ضرب الكنيسة لا يعود هناك حياة أخرى وجنّة، وبالتالي تصبح الجنة والملذات هي الدنيا، ولهذا أصبحت الفلسفة قائمة على أن لي كامل الحرية، وحياتي الطيبة تكون من خلال إشباع الرغبات وفي تحقيق ما أريد، وليس هناك من مبرر لتأجيل اللذة.

 

هذه الخلفية الفكرية للمفاهيم انتقلت للتربية، وخاصة التربية الحديثة القائمة على حرية الطفل، والتي تعني إضعاف أي سلطة والدية مقابلة له (الأهل، المدرسة)، في مقابل إعطاء الطفل ما يريد (محورية المتعلم). فمحورية المتعلم هي نتاج هذه الفلسفة، أما وجهة نظرنا فنحن مع محورية المعلّم، فالطفل هو الهدف من التربية وليس المحورية.

 

التربية على الحرية تعني غياب السلطة، وبالتالي غياب الأسرة والأهل وأدوارهم عن كل التربية، فيقول جون ديوي في هذا الصدد "التربية هي الحياة (عيش اللحظة الراهنة)، وليست الإعداد للحياة (الإعداد للحياة لا تمنع الحياة، بينما الحياة تمنع الإعداد للحياة)". وفي هذا الصدد أيضًا يتم اعتبار التربية التقليدية تجعل الطفل تعيسًا (فلا يجب للأهل التدخّل).

فبنظرة غربية التربية ليست ما ينبغي أن يكون عليه الطفل، والتي أتت من الفلسفة التي كانت أيام الثوابت الدينية (يجب عليّ) إبى شعار (أنا أريد)، وبالتالي بحسب هذه النظرة فلا يجب أن نفرض على الطفل أي شيء من أجل تطويعه لرغباتنا.

 

وكخلاصة اليوم التربةي على الجندر وعلى التحول الجنسي وعلى منع تدخل الأهل في هذه التحولات هي ترجمة لحرية الاختيار، وبالتالي فهذا مسار عندهم في الغرب، ومناهج التعليم عندهم تستجيب وتعزز هذه الرؤى الفكرية الجديدة والشاذة.

 

 

أضيف بتاريخ :2024/03/18 - عدد قراءات المقال : 331