الى الاعلى
  • إذا قعد أحدكم في منزله فليُرخِ عليه ستره، فإنّ الله تعالى قسم الحياء كما قسم الرزق"النبي عيسى(ع)"

التربية الجنسية ثقافة العفاف وواقع الوثائق الأممية


 

 

نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي رقم 10 للعام 2022 وذلك مساء الأربعاء بتاريخ 28 كانون الأول 2022 م، تحت عنوان [التربية الجنسية ثقافة العفاف وواقع الوثائق الأممية] (قدمه الدكتور حسين صفي الدين)

  • المداخلة رقم 1: واقع الثقافة الجنسية في الوثائق الأممية (الشيخ د. محمد النمر /لبنان)

  • المداخلة رقم 2: التربية على ثقافة العفاف (الشيخ د. محمد باقر كجك /لبنان)

 

بدأ الملتقى بمقدمة للدكتور حسين صفي الدين تناول فيها المشكلة التي تواجه المجتمع حول التربية الجنسية التي نفضل تسميتها بالتربية على العفاف، فالإشكالية الأساسية في هذا الموضوع لم تكن حول ضرورة أو عدم ضرورة تثقيف الناشئة حول هذه المواضيع، ولكن النقاش هو حول المضمون الذي يجب تقديمه، والذي يحافظ على العفاف ولا يخدش الحياء العام. فالتربية الجنسية لا تهدف لتعليم الجنس للأطفال، بل هي السبيل لتوعيتهم حول التغيرات التي تحدث لأجسادهم ولإعطائهم المعلومات السليمة وتثقيفهم حول العفاف عملاً بأحكام الدين الحنيف، لإبعادهم عن السلوكيات المنحرفة التي بدأت تغزو مجتمعاتنا.

 

المداخلة رقم 1: واقع الثقافة الجنسية في الوثائق الأممية (الشيخ د. محمد النمر /لبنان)

بدأ د. النمر مداخلته عبر عدة أسئلة تمهيدية مع إعطاء أجوبة عليها، على الشكل الآتي:

  • ما هي التربية الجنسية؟ أشار د. النمر بأن تعريفات التربية الجنسية تختلف حسب الأهداف التي تريد المنظمات إيصالها للمجتمع. فتُعَرِّف مثلاً [منظمة الصحة العالمية] التربية الجنسية على أنها "تعلم كافة النواحي البدنية والنفسية والمعرفية والاجتماعية عن الجنسانية"، حيث تهتم التربية الجنسية بدعم الأطفال والمراهقين وإكسابهم المعلومات الكافية والمهارات اللازمة والقيم الإيجابية حتى يتفهموا ويستمتعوا بمراحل حياتهم المختلفة، وما يصاحبها من تغيرات فسيولوجية ونفسية. وأيضاً القدرة على تكوين علاقات آمنة وصحية، وتحمل مسؤولية قراراتهم الخاصة بالصحة الجنسية.

  • ثم طرح سؤالاً آخر: هل التربية الجنسية تعني ممارسة الجنس؟ أظهر د. النمر بأن الكثير من الناس يخلطون ما بين التربية الجنسية والعلاقة الجنسية، ولكن الحقيقة أن التربية الجنسية تتضمن عدد من الموضوعات الأخرى الهامة لضمان صحة المتربين ومنها:

أ- العلاقات: وتشمل العلاقة مع الأهل والأشقاء وكيفية بناء حوار مثمر وفعّال وآمن مع الآباء والأمهات، وأيضاً دور الطفل نحو العائلة وحقوقه عليها، وتشمل العلاقة مع الأصدقاء وكيفية بناء علاقات حقيقية وإيجابية، وأيضاً كيفية مواجهة ضغط الأقران. وأخيراً تشمل العلاقات الرومانسية وكيف يرى كل جنس الجنس الآخر، والطرق السليمة للتعبير عن مشاعر الحب والإعجاب وتحمل المسؤولية تجاه مشاعرنا وقراراتنا.

ب- العنف: أي مناقشة التحرش والاعتداء الجنسي بكافة أشكاله وصوره، وكيف نحمي الطفل منه.

ت- الإنترنت: ويشمل كيفية حماية الطفل لنفسه عبر الإنترنت، وفوائد وأخطار مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً مواقع الأفلام الإباحية وأضرارها النفسية والصحية على المراهقين والشباب.

ث- الجسم: ويشمل دراسة الأعضاء التناسلية للجنسين، والتغيرات الجسدية والنفسية أثناء فترة البلوغ، والحمل والإنجاب.

ج- الصحة الجنسية: تشمل معرفة طرق انتقال المراض المنقولة جنسيًا وأعراضها، وطرق الحماية من فايروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز).

 

بعد ذلك عرض الشيخ النمر بعض وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بالثقافة الجنسية، والتي ارتكزت على دليل [اليونيسكو] للتربية الجنسية، وهو تحديدًا برنامج [التربية الجنسية الشاملة CSE]، حيث تم إعداده من قبل اليونيسكو عام 2015، وتم إقراره في [الجمعية العامة للأمم المتحدة] عام 2016، وهو عبارة عن منهج تعليمي يتضمن الجوانب المعرفية والعاطفية والجسدية والاجتماعية حول الجنس، ويهدف إلى تزويد الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات والمواقف والقيم التي من شأنها تمكينهم من:

  • تحقيق صحتهم ورفاههم وكرامتهم.

  • تطوير علاقات اجتماعية وجنسية محترمة.

  • النظر في كيفية تأثير اختياراتهم على رفاههم ورفاهية الآخرين.

  • فهم وضمان حماية حقوقهم طوال حياتهم.

 

كما يعالج [CSE] قضايا الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

  • علم التشريح والوظائف الجنسية والإنجابية.

  • البلوغ والحيض.

  • الإنجاب ومنع الحمل والحمل والولادة.

  • الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز.

 

ويتناول [CSE] أيضًا القضايا النفسية والاجتماعية والعاطفية المتعلقة بهذه الموضوعات. وهو يدعم تمكين المتعلمين من خلال تحسين مهاراتهم التحليلية والتواصلية والمهارات الحياتية الأخرى من أجل الصحة والرفاهية فيما يتعلق بما يلي:

  • العلاقات الجنسية.

  • حقوق الانسان.

  • حياة أسرية صحية ومحترمة وعلاقات شخصية.

  • القيم الشخصية والمشتركة.

  • الأعراف الثقافية والاجتماعية.

  • المساواة بين الجنسين، والجندر.

  • عدم التمييز بين البشر.

  • السلوك الجنسي.

  • العنف القائم على النوع الاجتماعي وغيره من أشكال العنف.

  • التآلف والسلامة الجسدية.

  •  الصحة الجنسية: الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، فيروس نقص المناعة البشرية.

  • الاعتداء الجنسي والممارسات الضارة مثل زواج الأطفال والزواج المبكر والقسري وختان الإناث.

  • الحرية بكافة أنواعها ومنها الجسدية والجنسية (إظهار الجسد أمام الآخرين أو عدمه، الممارسات الجنسية، ...).

 

وأشار د. النمر بأن هذا أبرز ما جاء في دليل التربية الجنسية الشاملة حول موضوعات التربية الجنسية وقد قام بدراسة كفايات هذا المنهج وعلى أساسه استخلص بعض الملاحظات:

  1. تعمل [منظمة اليونيسكو] على إدخال منهج التربية الجنسية الشاملة في جميع المناهج التعليمية حول العالم.

  2. لا شك أن هذا المنهج يعتمد على القيم الغربية بشكل أساسي وخاصة الإباحية والحرية.

  3. حاول المنهج أن يعالج آثار ما وصلت إليه الدول الغربية من الناحية الاجتماعية والتربوية والثقافية، حيث أن الحرية الجنسية تشكّل عاملاً أساسيًا في ثقافتهم.

  4. مشكلة المنهج بالرغم من التوصيات بأن يكون متوافقًا مع حاجات المجتمع المحلية، ولكن في بنائه القائم على الثقافة العلمانية والتي هي متعارضة مع القيم المحلية في كثير من الدول وصلت إلى طريق مسدود.

  5. هناك كثير من المصطلحات التي يعتبرها المنهج أمرًا عاديًا والتي يجب التوقف عندها:

  • التربية الجنسية في الصغر، حيث تبدأ من عمر 5 سنوات وما فوق.

  • التشجيع على الإباحية الجنسية والزنا وعدم العفة عبر اعتباره أمرًا عاديًا  وحقًا من حقوق المتعلم، ومحاولة التقليل من الجنس الجماعي.

  • الجندر.

  • الشذوذ الجنسي ومحاربة المناهج التي تحاربه.

  • الصحة الإنجابية ودورها في تأخر الزواج والإنجاب.

  • استغلال الوزارات والمدارس عبر الدعم المالي لتنفيذ المنهج.

  • المنظمات غير الحكومية ودورها في الترويج للمنهج.

  • أشكال العائلة المطروحة (بدون أب، بدون أم، رجلان، امرأتان،...).

  • حرية الإجهاض.

  • عدم التمييز بين الجنسين.

  • حمل المراهقات.

  • تشجيع ثقافة العري والنظر المحرمين.

وهذه المواضيع والمفاهيم من شأنها أن تروّج للثقافة الإباحية بأبشع صورها ولثقافة العري والتحلل الأخلاقي والتي لا تتناسب مع ثقافة مجتمعنا وتعاليمه الدينية، لذلك يجب الحذر من هذه المفاهيم التي توضع في المناهج وتُدرَّس لأبنائنا على أساس أنها موضوع علمي بحت، وختم بالقول: نحن لسنا ضد التعلم ولا ضد التربية ولكن نحن نرفض الفوضى الجنسية والإثارة الجنسية، قبل أوانها وبغير الطرق التي حلَّلها الشرع.

 

المداخلة رقم 2: التربية على ثقافة العفاف (الشيخ د. محمد باقر كجك /لبنان)

بدأ د. كجك مداخلته بالتوقف قليلاً عند قضية الجسد الإنساني باعتباره المساحة المادية والملحوظة التي تتمظهر فيها كافّة أشكال السلوك الإنساني، فليس لدى الإنسان في كينونته الدنيوية غير هذا الجسد كجسر دائمي لإثبات هويته الوجودية، فكيف يكون موجودًا في هذا العالم المادي دون جسد؟ كذلك، فهو يحتاج الجسدَ لأجل كافة أنماط السلوك التي تعبّر في حقيقتها أيضاً عن تلك البنية الثقافية الكامنة فيه. قضية السلوك والفعل الإنساني، لا تنفكّ عن الجسد، للضرورة.

لقد عالجت أدبيات علم الاجتماع والأنثروبولوجيا قضيةَ الجسد الإنساني (كما في كتاب أنثروبولوجيا الجنس لهاستنغر دونان وفيونا ماغوان مثلاً) بوصفه ساحةً لأكثر العمليات الثقافية تعقيداً، فاللغة، والفن، وأساليب التواصل، والسياسية، والاقتصاد، والدين، والسلوك الجنسي، هي تمظهرات الموقف الثقافي للفرد الإنساني والجماعة الإنسانية من الذات والآخر والكون. فالجسد الإنساني، مع كونه مكوّنا بيولوجياً، إلا أن تحديد الهوية الثقافية لهذا الجسد تخضع، إضافةً للعامل البيولوجي، إلى عوامل ثقافية واجتماعية وتاريخية شديدة التعقيد. يقع السلوك الجنسي للإنسان هنا، وعلى عكس المتصور بداهةً، على رأس شبكةٍ معقدةٍ من البنى الثقافية مع كافة مكوناتها الوظيفية، وهذا ما كشفتْ عنه أدبيات أنثروبولوجيا الجنس  في مراقبة ومدارسة طويلة الأمد للمجتمعات القديمة والحديثة، في أنَّ السلوك الجنسي تم تحميلهُ ذلك الكمّ الهائل من أشكال السلطة والقرابة، والبعد الاقتصادي والديني والسياسي والفني وغير ذلك. بل إن تصورات بعض الجماعات البشرية قديمًا وحديثاً، لأنماط الاستمتاعات الجنسية أعادت ترتيب شكل الأسرة، والعلاقات بين أفرادها، وأنماط الإنتاج الاقتصادي، ونحن نعلم أن تقسيم العمل -في علم الاجتماع- باب عريضٌ لإعادة تحليل وتفكيك بنية المجتمع وفهمه وفق منطق عملاني مباشر.

يقدّم أحد الباحثين في مقاربته للسلوك الجنسي وارتباطه بالجسد أنه تجري مقاربة مفهوم الجسد عادةً عبر خطاب علمي، يرتكز بشكل أساسي على البيولوجيا، أو ما يُعرف بالـ"المنطق البيولوجي"، فيُصوّر الجسد كآلة طبيعية، محكومة بالهرمونات والجينات، حيث تصدر الفروقات الجنسية كنتيجة حتمية لهذه المعطيات، تتبعها ترتيبات هرمية اجتماعية تقسم الأدوار بين "الجنسين الطبيعيين". هناك نظرة أخرى مختلفة، تقارب موضوع الجسد بطريقة مغايرة، باعتباره سطحًا محايدًا تنطبع عليه الرموز الثقافية. أما النظرة ثالثة، حاولت دمج المقاربتين السابقتين، بالنظر إلى السلوك الجندري لدى الإنسان كنتيجة التأثير المشترك بين البعد البيولوجي والجانب الاجتماعي.

 

وأضاف د. كجك بأنه لا بد للتأكيد على هذا النوع من التفكّر والتأمل، الذي يبحث –قبل طرح أي بديل أو تأصيل الموجود- عن جذور الوقائع الاجتماعية والظواهر الانثروبولوجية الأساس، ودراسة كيف تقع السلوكيات البشرية الأولية موضعاً للاستغلال والتوجيه والتوظيف، ما يكشف بالتبع عن الفضاء الثقافي الذي يحكم هذا النوع من السلوك الجنسي –في حالتنا- أو يرفض ويقيد ويوسع من ذلك السلوك الجنسي الآخر.

لقد انفتح مؤخراً باب الحوار والنقاش حول قضية التربية على العفاف، كاتجاه تربوي يعبّر في عمقه عن بنىً ثقافية ومعرفية ونفسانية خاصة بالفضاء الإسلامي، عقبَ ما وصلتْ إليه البشرية حالياً من تداعيات خطيرة جداً على مستوى المواقف المتطرفة –في رأينا- التي اتخذتها المدارس التربوية العلمانية في العالم الغربي، من الجسد الإنساني والسلوك الجنسي المتصور، بناءً لمباني المدرسة العلمانية في تحيّزها غير المحدود بحدود عقلانية الفردانية وشبكة حرياتها المفرطة، ومحورية اللذةِ بناء للحرية الشخصية، وتجلّي كل ذلك في خيارات جنسيةٍ حرّة مختطلة بقضايا النسوية تارة، والجندرة تارة أخرى، فضلاً عن نزعة الاستهلاك الثقافي الغربية الحادة الكاسرة للسياج الثقافي والديني والتاريخي لمختلف المجتمعات على الكرة الأرضية، فهذه السيرورة كسرت أنماط الزواج التقليدي، ومفاهيم الذكورة والأنوثة، وفتحتْ باب الاستمتاع الجسدي واللذة على سلوكيات جنسية فعلاً هي مخيفة خصوصاً إذا ما استمرت في سقوطها الحر مستقبلاً من الزواج المثلي، والمتعدد، إلى تشريع العلاقة مع غير الإنسان، والزواج من الدمى،  إلى ظاهرة الكلاب البشرية كمظهر متطرف من هذه السيولة المرّة التي أصيبت بها المجتمعات العلمانية والغربية.

تدفع هذه الظواهر والمؤثرات والتداعيات على مستوى بنية السلوك الإنساني، خصوصاً مع عوامل القوّة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والفنية التي تمتلكها هذه الدول، والتي تشكّل سطوة كبيرة تدفعها إلى فرض أجندات تربوية وثقافية على بقية الدول والمجتمعات من بوابة المؤسسات الدولية والمعونات الاقتصادية، وصولاً إلى الضغط والتدخل الثقافي في المناهج والمؤسسات التربوية ووسائل الإعلام في هذه الدول من أجل تعديل وتغيير أنماط السلوك الجنسي وشكل العلاقات الزواجية في هذه المجتمعات.. يدفعنا هذا الأمر إلى إعادة النّظر بعمقٍ في البنى المعرفية والثقافية والأسس الدينية التي نؤمن بها  والتي من شأنها صناعة رؤيتنا الخاصة إلى الجسد ووظائفه، والسلوكيات الجنسية ووظائفها، وما يمكن تقدمه هذه السلوكيات من تنظيم للمجتمع المسلم والدفاع عنه في وجه الطروحات الخاصة بالتربية الجنسية في العالم الغربي التي كما ألمحنا قبل قليل تقوم على بنى نظرية وأيديولوجية وثقافية علمانية تمظهرت في سلوكيات شديدة التطرف قياساً للثقافة والدين والمجتمع الإسلامي الحاضر والمنشود.

إن امتلاك طرحٍ خاصٍ في قضية الجسد والتربية المتعلقة بالسلوكيات والفضاء الجنسي وشبه الجنسي الخاص بالمدرسة التربوية الإسلامية، تحت عنوان التربية على العفاف، يشكّل موقفاً عقلانياً وتربوياً شديد الأهمية لسببين:

  • الأول: ذاتي، يتعلق بتماهي الفرد المسلم في سلوكه الجنسي الخاص والاجتماعي مع مبانيه الإيمانية.

  • الثاني: موضوعي، لإيجاد مناعة ضد ثقافة الانحلال الجنسي.

 

فما هي قضية التربية على العفاف إذًا؟

يمكن معالجة القضية انطلاقصا من نقطتين اثنتين:

أولاً: التعريف بالتربية على العفاف

المقصود من التربية على العفاف هي ذلك النوع من التربية التي تمدّ الفرد بـالخبرات الصـالحة، والاتجاهات الصحيحة إزاء المسائل الجنسية، بصورة ما يسمح به نمـوه الجسـمي، والعقلـي والانفعالي والاجتماعي؛ مما يؤهله لحسن التوافق في المواقف الجنسية، ومواجهة المشكلات التي يمكن أن يتعرض لها مواجهة واقعية تؤدي إلى الصحة النفسية من تعلـيم للنـاس وتـوعيتهم، ومصارحتهم، وخاصة الأطفال الذين إذا شبّ الواحد منهم كانت عنده المعرفـة الكاملـة عـن القضايا الجنسية والغريزية؛ ليعرف ما يحلّ وما يحرم، وليفهم أمور الحياة، وليكون عنده السلوك الإسلاميّ المتميز، خلقاً له، وعادة، فلا يجري وراء شهوة، ولا يتخبّط في طريق الانحلال.

إنّ المحور الأساس الذي تدور عليه التربية الجنسية هـو إدراك المظـاهر الأخلاقيـة الحميدة للسلوك الجنسيّ، والعلاقات الصحيحة بين الجنسين، فيعرف الفرد ما هو صحيح، ومـا هو خاطئ؛ والسلوك المتوازن الذي يرفع الإنسان إلى مدارج الكمال والجمال الإلهي وتحقيق مرتبة الخلافة الإلهية، بشرط أن يكون السلوك هذا سلوكاً إسلامياً لأن الإسلام هو السلوك السويّ الصحيح.

تهدف التربية على العفاف إلى بناء شخصية الفرد على المستوى الجسميّ والنفسيّ والجنسيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ؛ لتحقيق الأهداف التي يطمحون إليها، والقيام بالدور الملائم. ولا تهدف التربية الجنسية إلى إعطاء المعلومات فحسب، وإنما تتعدى هذا الهدف إلى ما هو أبعد منه؛ وذلك لإعداد الشباب للتعامل مع مراحل حياتهم الجنسية بنجـاح؛ ممـا يـزوّدهم بالخبرات الجنسية، والاتجاهات العاطفية السامية، والعادات الصحية المفيـدة. إذ يُعـدّ الجـنس مدخلاً مهماً وخطيراً للقوى المعادية للإسلام، تحـاول من خلالـه أن تدخـلَ إلى الشعـوب والأفراد؛ لتبثّ سمومها، وتنشر أفكارها الهدّامة .

 

 

فالتربية على العفاف تسعى في الوصـول إلى الأهداف الآتية:

1- إدراك الآباء والأبناء والمربيِّن مفهوم التربية على العفاف وأهميتها، ودورها في توجيه السلوك الإنسانيّ، وتفسيره دون مبالغة أو تفريط.

2- مساعدة الطفل على ضبط وتهذيب قواه الجنسية والجسدية، في سبيل إحداث التوازن المعنوي السليم، وتحقيقه للدور الكمالي الذي حدَّده الله تعالى له في منظومة الخلافة الإلهية.

3- توعية المربِّين والآباء بمشكلات الشباب الجنسية؛ كالاستمناء، والزنا، واللـواط، والنتـائج الخطيرة المترتبة عليها على مستوى الفرد والمجتمع.

4- تحديد مسؤوليات الآباء والمربِّين والمناهج الدراسية تجاه الحياة الجنسية للأبناء، وما ينتج عنها من مشكلات.

5- إبعاد الأبناء عن أخطار السقوط في حمأة الرذيلة، ومستنقعات الفاحشة.

6- إظهار شمولية الإسلام وتكامله، وواقعيته، وقدرته على حلّ المشكلات علـى اخـتلاف أنواعها.

7- معالجة مشاكل الأبناء الجنسية من منظور إسلاميّ بعيداً عن الإثارة.

8- تركيز قيم العفة والطهارة وتزكية النفس وعدم الوقوع في المحظور.

9- الحصول على نسل ضاجّ بالصحة والحيوية والسعادة الزوجية.

10- خلق جيل يعتمد على العلم في حياته، ولا يعتمد على الكلمات العـابرة، أو المعلومـات الخاطئة من هنا وهناك بما يتعلق بالحياة الجنسية.

11- تنمية المواقف والاتجاهات الإيجابية لدى الجنسين منعاً للشذوذ الجنسيّ.

12- إعداد الفرد ومساعدته في بناء حياة زوجية سعيدة، بعيداً عن الفوضى الجنسية.

13- إدراك خطورة الأفكار الغربية على مجتمعنا، والتي تفسر السلوك الإنسانيّ كله على أساس الجنس، والغريزة الجنسية، والجري خلف الشهوات.

 

 

 

ثانياً: استعراض جانب من الأدلة على التربية على العفاف [حدود التربية على العفاف في القرآن الكريم والروايات]

1- عمومات الخطابات التربوية في النصوص الشريفة:

إنَّ الرؤية التربوية القرآنية، كما أنها تقدّم تطبيقات تربوية محددة في ميادين تربوية أساس، كالتربية الجهادية، والاجتماعية، والسياسية والتربوية وغير ذلك، فإنها إضافة إلى ذلك، تقدّم خطابات تربوية عامة تشكل المظلة النظرية والمفاهيمية العمومية التي تدخل تحتها كافَّة التدخُّلات والتَّطبيقات والميادين التربويَّة.

إن هذه الخطابات العامة، تؤمّن مظلةً واسعة لكافة التدخلات التربوية، طالما أنه لم يرد نصٌّ خاص ينهى بشكل قطعي أو يكون له ظهورٍ قوي، دون معارضٍ يسقطه عن الحجية (نصاً خاصاً كان أو قواعد فقهية)، وبالتالي فإنّ هذه العمومات من شأنها تأمين الحجية الشرعية لهكذا أنواعٍ من التوجيهات التربوية طالما لم يوجد ما ينهى عنها في الشرع.

ومن هذا القبيل، تحضر العمومات التربوية في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (سورة التحريم الآية 6)، لتؤكد بإطلاقها على ضرورة أن تشملَ التربية و "الوقاية" التي هي نصيبٌ إلهي للرجل في مسؤوليته عن نفسه وأولاده وأهله، جميع ما ينبغي أن تشمله من أنواع التربية وميادينها وما يستلزمه ذلك من المعارف والعلوم والوسائل المناسبة. ومنها، التربية على العفاف للطفل وتنظيم الفضاء الجنسي له وفق التربية والمنظور الإلهي لرشد ونمو الأطفال. وهي بالطبع، داخلة تحت إطلاقات الخطابات القرآنية وعموماتها، ما لم يظهر هناك منعٌ عن هذا النوع من التربية، وهو الذي لم يتحصّل للآن لنا دليلٌ عليه. فالنص القرآني في ضرورة التربية والتزكية للنفس والمحيط بها باق على إطلاقه، ويشمل التربية على العفاف.

ومن النصوص الروائية العامة التي تؤمّن بيئة التربية بكافة أنواعها ومجالاتها وميادينها، ومنها التربية الجسمية والجنسية وما يرتبط بالأحكام الفقهية والإرشادية:

عن علي (ع): "أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم"

-من الإكرام للولد أن يرفعه الأهل عن الوقوع في مزلات العلاقات الجنسية المنحرفة والسلوكيات غير السوية، وبالتالي فإن الإحسان لهم يكون بتأديبهم بالآداب الحسنة الصالحة والمشتملة على كل ما يجب أن يكون، ومن ضمنها الآداب الخاصة بالحياة الجنسية والتربية على العفاف للطفل.

 

 

 

 

 

2- الخطابات القرآنية والروائية الخاصة بالتربية على العفاف:

أ- التكلييف العيني للمكلفين:

في الخطابات القرآنية الشريفة، مجموعة من الآيات الكريمة التي تؤسس للسلوك الجنسي المطلوب عند البالغين، وتحدد الفضاء الجنسي العام -والتفصيلي أحياناً- الذي ينبغي أن يحيى في المكلف البالغ ذكرًا كان أو أنثى. إنَّ هذا التأسيس الديني للسلوك الجنسي المباشر وغير المباشر، سيؤثر بشكل كبير على سلوك الطفل وتربيته، وشخصيته وطبيعتها، وبالتالي فإنَّ التربية الموجَّهة للكبار، هي من نوع التربية غير المباشرة للأطفال، و كذلك من نوع التربية عبر منهج خفيٍّ يأتي تفصيله في مبحث منفصل.

النص

الشاهد

"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ" (سورة النور، الآية 30)

التربية على الحياء وغض البصر وحفظ الأعضاء الجنسية من التصرفات والسلوكيات غير الصحيحة

"الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ" (سورة النور، الآية 3)

الحث على عدم الزنا وتقبيحه ورفضه كسلوك جنسي مذموم بين البالغين وهو ذم للزنا بكل أحواله

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" سورة الروم، الآية 21

الزواج الموافق عليه من قبل شرع الله، المبني على المحبة والرحمة، هو الظرف الأفضل للسلوكيات الجنسية وما يتبعها وما يتفرع عنها من القضايا والمسؤوليات

عن رسول الله (ص): "ما أصيب من دنياكم  إلا النساء و الطيب".

وعنه أيضًا: "جعل قرة عيني في الصلاة و لذتي في النساء".

وعن الإمام الصادق (ع): "من أخلاق الأنبياء حب النساء".

وعنه أيضًا: "ما أظن رجلاً يزداد في الإيمان خيرًا إلا ازداد حبًا للنساء".

التأكيد على أن العلاقة الجنسية السليمة التي يوافق عليها الدين، هي العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى، وأنها سبب هامٌ لازدياد دين الإنسان، وتشبهه بالأنبياء، وأن غير هذا السلوك هو سلوك غير مقبول، ولا يصحّ أن يحصل ويقع أمام الأطفال

"وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ " (سورة النور، الآية 32)

الحث على الزواج

"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا" (سورة النور، الآية 31)

الحث على غض البصر، وحفظ القوى الجنسية من التصرفات غير السليمة، وكذلك عدم إبداء الزينة التي تثير الجنس المخالف بشكل مريب ومؤجج للقوة الجنسية بغير سبيل الزواج الذي أقره الشرع

أتت امرأة للإمام الصادق(ع) فقالت: أصلحك الله إني متبتلة فقال لها : وما التبتل عندك؟! قالت: لا أريد التزويج أبداً؟ قال: ولم؟ قالت: التمس الفضل في ذلك . فقال: انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة أحق به منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل

الزَّواج وفضاؤه (خصوصاً مع الالتفات إلى كلمة التبتل ومؤداها في السلوك الجنسي)، هو السّلوك والاتجاه الأكثر سلامةً للحياة الإنسانية والأفضل له دوماً (لاحظ كلمة: يسبقها إلى الفضل)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ب- الخطابات الإرشادية للمكلفين في سبيل تأمين بيئة تربوية جنسية للأطفال:

إنَّ النصوص القرآنية والروائية التي تتوجه إلى المكلفين بالأحكام التكليفية الخمسة من أجل تنظيم سلوكياتهم الجنسية، والتي لها علاقة مباشرة في إرشادهم نحو تأمين بيئة ومحيط آمنيْن لتنشئة الأطفال بشكل متوازن فيما يتعلق بالسلوك الجنسي والتربية الجنسية تهدف إلى تنظيم سلوك المكلفين البالغين بشكل أساس، ويكون تأثير ذلك على السلوك الجنسي للأطفال تبعاً للتوازن الحادث في سلوك الكبار.

وفيما يلي مجموعةٌ من النُّصوص القرآنيَّة والروائيَّة في هذا الاتجاه:

النّص

الشاهد

نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين‏

حيث يؤكد النص على أن الاتّصاف بالحياء (حيث يستظهر من النص كونه يتحدث عن الشؤون الخاصة بالمرأة والعلاقة بين الزوجين وما قد يكون مسببًا للحرج لها حال السؤال عنه) في المرأة، هو سلوك هام في إطار التربية عامة وفي التربية على العفاف خاصة.

عن النبيّ عيسى عليه السلام: "إذا قعد أحدكم في منزله فليُرخِ عليه ستره، فإنّ الله تعالى قسم الحياء كما قسم الرزق".

 الستر والحياء، في المساحة الخاصة بالإنسان في المنزل، حيث قد يرتدي –أو يصدر من سلوك خاص- هي من السلوكيات الإيمانية والتربوية التي ترتبط بالتربية بالجنسية.

الرسول ص: "والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبيٌّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما؛ ما أفلح أبداً؛ إن كان غلاماً كان زانياً، أو جاريةً كانت زانية".

أضرار ومخاطر عدم الحياء والتستر في العلاقة الجنسية على الأطفال.

 عن جابر قال: "قال أبو جعفر (ع) إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك قلت: يا ابن رسول الله كراهة الشنعة؟ قال: لا، فإنك إن رزقت ولدًا كان شهرة علمًا في الفسق والفجور".

أضرار ومخاطر عدم الحياء والتستر في العلاقة الجنسية على الأطفال.

عن النبي(ص): "من حقِّ الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه ويعلّمه الكتابة ويزوِّجه إذا بلغ".

من حقوق الطفل المكملة لنموه الجسمي والنفسي وبقية الأبعاد الأساس، أن يتم تزويجه إذا بلغ، أي إذا بلغ سن التكليف الشرعي.

"وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" (سورة الأنعام، الآية 151)

إن النهي في الآية الشريفة عن ارتكاب الفاحشة، هو نهي تكليفي موجه للبالغين، لعدم فعل الفاحشة، والتزام ما يطلبه الشرع في خصوص السلوك الجنسي بأنواعه.

"وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا" (سورة المائدة، الآية 6)

استخدم القرآن الطهارة والتطهر من الجنابة (وهي حالة تصيب الإنسان لأسباب شتى منها الاحتلام ومنها الجماع ومنها خروج المني بغير جماع..) وهي تعليم وتربية على نوع سلوك تطهيري مرافق للسلوك الجنسي عند البالغين، وهو باعث على التنظف والاهتمام بالجسد وفق الدين.

" نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ " (سورة البقرة، الآية 223)

في الآية الشريفة تعليم للمكلفين حول حدود الاستمتاع الجنسي مع النساء.

"أتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِيْنَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ ربُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ عَادُونَ" (سورة الشعراء، الآية 166)

تحديد العلاقة الجنسية بالنساء، ومنعها من أن تكون بين الرجال. وهذا الأمر بالتأكيد سيشكل الإطار العام والواضح لأي تربية يتلقاها الطفل في ما سيراه من ارتباطٍ بين والديه، على الخلاف مع الذي يتم الترويج له حاليا من قبل التيارات الجندرية.

"وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (سورة النور، الآية 33)

في الآية الشريفة ردع عن إكراه الفتيات والبنات على ممارسة البغاء، وهو سلوك جنسي غير سوي، إذ أن التربية الالهية تقتضي سوقهن ومساعدتهن على الزواج المنصوص عليه شرعاً.

عن الكاهلي قال: "قال أبو عبد الله: النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة".

عن عقبة قال: "قال أبو عبد الله (ع): النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عز وجل لا لغيره أعقبه الله أمنا وإيمانًا يجد طعمه".

التأكيد على أن تربية الميل الجنسي عند الإنسان يشمل النظر الشهوي، وبالتالي فإن السلوك المطلوب أن يرُى عند البالغين هو سلوك متعفف في عدم متابعة النساء بشهوة، مع عظيم تاثير ذلك على شخصية الطفل واقتدائه بالكبار.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ت- الخطابات العامة التي يستنبط منها ما ينبغي ان يتحرز عنه الطفل من السلوكيات الجنسية أو شبه جنسية:

إنَّ الطائفة الأخيرة من النصوص الشريفة التي تقوم بدور الموجه للأطفال، بشكل مباشر أي من خلال تعليم الطفل على جملةٍ من السلوكيات والتصرفات المطلوبة والممنوعة، قبل سن البلوغ، وذلك يشمل سنّ التمييز وما قبله كذلك.

 هذه النصوص، وهي التي تسمح، إضافة لدخولها تحت عموم الخطابات التربوية القرآنية الآنفة الذكر، ببسط البحث حول مشروعية الحديث عن التربية على العفاف من وجهة نظر إسلامية، كون أنّ المشرّع الإسلامي قام بنفسه بتحديد مجموعة من الإرشادات السلوكية للبالغين في سلوكهم الجنسي المؤثر عمومًا في سلوك الأطفال، وبتحديد الإرشادات الخاصة بالأطفال وتوجيه سلوكهم في مسار تأسيسي لاتجاه التربية الإسلامية على العفة والحياء والتكامل الإنساني.

 

النص

موضع الشاهد

الرسول الأكرم ص"فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين".

وعنه (ص) "الصبيّ والصبيّ، والصبيّ والصبيّة، والصبيّة والصبيّة، يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين".

التربية على التفرقة في المنامة بين الأولاد، بغض النظر عن المماثلة في الجنس أو المخالفة فيه. وهو أمر هام من أجل تأسيس سلوك جنسي غير منحرف، لواقع أنّ النوم في مضجع واحد مع التماس الجسدي الذي سيحصل قد يؤثر في بروز مبكر لاتجاه جنسي ما غير مسيطر عليه. وبالتالي يصحّ للمربّي أن يحثّ الأطفال على عدم النوم في مضجع واحد.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين".

الحث على تفرقة الصبيان عن النساء في المضاجع.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ" (سورة النور، الآية 58)

- عن أبي عبد الله (ع) قال: "يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ولا يستأذن الأب على الابن"

وعنه (عليه السلام) قال: "ومن بلغ الحلم فلا يلج على أمه ولا على أخته ولا على خالته ولا على سوى ذلك إلا باذن، ولا تأذنوا حتى يسلموا، والسلام طاعة لله عز وجل".

وعنه (ع) قال: "ويستأذن الرجل على ابنته وأخته إذا كانتا متزوجتين".

- تربية الأطفال على عدم انتهاك المجالس الخاصة بالوالدين، خصوصًا في أوقاتٍ يتخفف فيها الوالدان من الثياب أو تكون لهما فيها مآرب جنسية ما.

الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها".

وعنه (ع): "إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبلها الغلام، والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين"[1].

- الحياطة للفتاة إذا بلغت ست سنوات من أن يقبّلها أجنبيّ عنها، أو يقبّلها حتى الصبي غير المكلف، وكذلك الصبي إذا جاوز ال7 سنين فلا يقبّل المرأة. كلّ ذلك في سبيل التأكيد على مسلك التعفف والحياء والتربية على العفاف السليمة التي تؤسس منذ هذا العمر الصغير لمسلك متوازن، وعدم إشعال جذوة الجنس عنده بشكل مبكر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المداخلات:

عقب المداخلتين كانت هناك عدة أسئلة ومداخلات:

  • سؤال رقم 1 (من ضيف): كيف نقوم بتعديل السلوك الجنسي لدى الفرد المراهق، فإذا غابت الثقافة الدينية لدى بعض الشباب فهم يستسهلون المحرمات؟

الإجابة من د. كجك: قضية تنظيم سلوك الفرد هي عملية تتابعية تراكمية، لتعديل سلوك الفرد نفسه وتعديل البيئة المحيطة للفرد المراهق في نفس الوقت، ولكي نعدل السلوك علينا تعديل المعرفة لديه، فالمؤثرات الخارجية وضعف المعرفة الجنسية السليمة لديه، هي التي تجعل هناك بروز للسلوكيات غير العفيفة، فالأسرة لها الدور الأساسي في التصحيح المعرفي، أو عليها القيام بالاستعانة بمختصِّين للدخول إلى عقل هذا المراهق، وتوضيح الأمور والحقائق لديه، لكي تكون حركته إيجابية وتحمل القيم الأخلاقية الإنسانية الإسلامية.

 

  • سؤال رقم 2 (من ضيف): كيف يمكن ضبط الغريزة عند الفتيات في بداية فترة المراهقة؟

الإجابة من د. كجك: القضية المعيارية هنا تتعلق بما ينبغي أن يكون، فنحن مع الزواج المبكر، وذلك لإيجاد متنفس حقيقي، والمتنفس المناسب هو الزواج، وهو أهم علاج وعادةً لا يتمّ التعرّض له. أما المسألة الثانية فهي متعلقة بالتربية الإيمانية، فكلما كانت الأمور حادة كانت ردة الفعل قاسية أكثر، فمثلاً توفر محتوى لا أخلاقي على التلفاز وعلى الإنترنت إضافة للاختلاط وأنماط الكلام وغيرها، كل هذه الأمور تفتح الغريزة الجنسية بطريقة غير مضبوطة، وبالتالي فعلى العائلة والمربِّين أن يقوموا بأدوارهم من خلال ضبط هذه المؤثرات.

 

  • سؤال رقم 3 (من ضيف): هل الحلّ لمواجهة هذه الانحرافات الجنسية هو بتعريف الأطفال على الثقافة الجنسية؟

الإجابة من د. النمر: قبل البلوغ ليس هناك ضرورة لتعريف الطفل على الأمور الجنسية، بل فقط نعرفه على أعضاء جسده، أما بعد البلوغ فنعرفه على وظائف هذه الأعضاء عبر التعليم العلمي الرصين البعيد عن الإباحية، ويكون تعليم محدود بالحاجة التي لدى الطفل تساؤلات حولها.

 

  • سؤال رقم 4 (من ضيف): المنزل الذي لا يوجد فيه مساحة كبيرة كيف نقوم فيه بالفصل بين الأولاد؟

الإجابة من د. كجك: الفصل شرطه الأساسي ان يكون في المضاجع، فإن لم يكن هناك إمكانية لفصل الغرف، فيكون الفصل داخل الفراش نفسه، أي أن ينام كل طفل على فراش منفصل عن الطفل الآخر.

 

  • سؤال رقم 5 (من ضيف): الزواج المبكر الذي اقترحه د. كجك يسبب الطلاق بسبب قلة الوعي؟

الإجابة من د. كجك: أحد الحلول هو الزواج المبكر، ولكن بالطبع هذا الحل يحتاج لقاعدة اجتماعية سليمة ودورات تأهيلية للفرد لكي يكون لديه الظروف المناسبة لتأسيس أسرة سليمة ضمن وعي معين.

 

  • مداخلة من مدير الدراسات الميدانية د. علي كريم:

  • ما طرح خاصة على مستوى ثقافة العفاف هو جزء من ثقافتنا، وهو ليس دخيلاً أو شيئًا جديدًا، فمن نكد الدهر أن تُطرح الأمور الجنسية عالميًا كي نقوم بالمراجعة وكي نعيد طرح ما لدينا في ديننا لكي نفكر كيف نحمي الجيل الناشىء من ارتدادات هذه الثقافة التي يروجها الغرب بإباحيتها، فالثغرة التي فاتتنا جعلتنا نسلط الضوء على ثقافة وتربية العفاف.

  • سماحة السيد نصر الله (حفظه الله) في العام 2017 م شجع الأخوات في أحد اللقاءات على موضوع الزواج المبكر، فهذا الموضوع بحاجة لتثقيف واعٍ، وليس سهلاً تبنيه والترويج له ونشره، في إحدى الدراسات ضمن بيئتنا أظهرت النتائج أن نسبة الإقبال على الزواج المبكر لا تتجاوز 25% حتى عمر 30 سنة، فالترويج من قبل سماحته لهذه الثقافة قائمة على أرقام ودراسات دقيقة وواقعية، ولهذا تم رفع الصوت والتنبيه لهذا الموضوع.

  • أما عن موضوع أن الزواج المبكر قد يؤدي لمشاكل أكثر، فهناك دراسة لمركز أمان ظهر فيها بأنه من أصل 1000 حالة طلاق كان هناك 126 حالة زواج مبكر، وفقط 37 حالة زواج مبكر من الحالات الـ126 قالوا بأن الزواج المبكر هو السبب في الطلاق، فالنسبة هنا فقط 3.7%، ولهذا فالزواج المبكر ليس هو المشكلة بل هو طريق أساسي من طرق الحل.

 

  • مداخلة من د. النمر:

  • نحن في لبنان كدولة هجينة نقوم باستقبال المفاهيم الغربية، وبنفس الوقت هناك من يحاول الحفاظ على مبادئنا وقيمنا وتقاليدينا المحلية والأخلاقية والإسلامية، فالأسرة في الماضي كانت تربي لتؤهل الفتاة لكي تكون زوجةً وربةً لأسرة، والصبي لكي يكون أبًا لأسرة، أما الأسرة اليوم فهي تربي الفتاة والصبي لكي يصلوا للجامعة، ولكي يكونوا ضمن منظمة العمل، ولشراء السيارات والحاجات وتحقيق الأهداف المادية الاستهلاكية فقط.

  • ففي الإسلام لا يوجد فترة تسمى المراهقة، هناك طفولة وبلوغ، وعند البلوغ بين 14-18 عامًا يجب على الفرد تحمل مسؤولياته، فالمشكلة هي بالنظام التعليمي في لبنان الذي يروِّج للمراهقة ومراحلها وبأنَّها فترة اضطراب وقلة وعي، وبالتالي وكأنّ هذا الفرد البالغ لا يصلح أن يكون زوجًا ويؤسس أسرةً، حتى ولو تمّ تأهيله ودعمه على كل الأصعدة التي يحتاجها لبناء أسرة.

 

لمشاهدة الندوة بشكل كامل من خلال الرابط التالي : https://www.youtube.com/watch?v=d_yXJsWJdgw

 


[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت)، ج ٢٠، ص ٢٣٠.

أضيف بتاريخ :2023/04/05 - آخر تحديث : 2023/04/05 - عدد قراءات المقال : 943