الى الاعلى
  • العلم أصل كل خير، الجهل أصل كل شر " الإمام علي (ع)"

الذكاء الاصطناعي في التعليم: تهديد أم فرصة ChatGPT نموذجاً



أ. سامر جابر*


نجح الذكاء الاصطناعي (AI ) حتى الآن في اقتحام عدد من الصناعات، بما في ذلك مجالات التعليم والطب والتكنولوجيا والسيارات والتطبيقات العسكرية، ووفقاً لتعريفه فإن الذكاء الاصطناعي يشير إلى البرامج أو الأدوات التي تحاكي الذكاء البشري من أجل تنفيذ مهام محدّدة، ويمكن أن تتطوّر بمرور الوقت نتيجة البيانات التي تجمعها، ومن أهم هذه الأدوات هي روبوتات المحادثة أو "شات بوت" (Chatbot) والتي تتفاعل مع المستخدم من خلال الحوار مع البشر وتقوم بتنفيذ تعليمات أو الإجابة على الأسئلة بشكل آلي ومن أشهر هذه الروبوتات هي برنامج ChatGbt   .


بدأ استخدام برنامج [ChatGPT] يكتسب شعبيةً كبيرة في السنوات الأخيرة، وأحدثت النسخة الثالثة منه ضجة واسعة في العالم منذ انطلاقته أواخر تشرين الثاني من العام 2022 م.، والذي أنشأته شركة الذكاء الاصطناعي [OpenAI] والتي يرأسها سام ألتمان وبدعم من شركة "مايكروسوفت". استقطب البرنامج أكثر من مليون مستخدم في غضون خمسة أيام من إطلاقه وأثار الإعلان عنه بسرعة نقاشًا ساخنًا على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت حول تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على التعليم والتحديات التي تطرحها على المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء العالم.


ChatGPT تعتبر من أنظمة وأدوات الذكاء الاصطناعي المتقدّم والذي يعتمد على المحادثة بينه وبين المستخدم بأكثر من 95 لغة، ومن ضمنها اللغة العربية  ، وله قدرة على الرد على الأسئلة الموجّهة إليه، بما في ذلك القراءة والتلخيص، وحل المسائل الرياضية، وإنشاء مناهج لدورة تدريبية ما، وشرح المفاهيم المجردة، وإنشاء الأكواد  البرمجية، وكتابة أنواع مختلفة من المقالات والتقارير، بالإضافة إلى أنه يقوم بكتابة مقالات دراسية، وينتجها بأسلوب مقنع وبلغة نابضة بالحياة ومماثلة لتلك التي يكتبها البشر.


إن ما يميّز ChatGPT أنه يعطي الباحث الإجابة على سؤاله بشكل مختصر ووافٍ وحل المسائل الرياضية والفيزيائية المعقّدة وغيرها من العلوم بثواني وبدقة عالية، بعكس ما تقوم به محركات البحث التي تقوم باختيار نتائج البحث من المكنز الموجود لديهم وتزويد الباحث بآلاف أو ملايين  المواقع والتي تحتاج من المستخدم الكثير من الوقت لتصفح جزء من المواقع المختارة للوصول إلى الإجابة المرضية.


وهذا ما جعله تحدّياً جديداً أمام المؤسسات التعليمية، وخاصة مع المخاوف باحتمال تشجيع الطلاب على الغش والانتحال، وتقديم أبحاثهم المكتوبة والتي  من الصعب اكتشاف الانتحال المقدّم من قبل هذا البرنامج.


قامت مؤخراً بعض الجامعات والمدارس في العالم بحظر هذا البرنامج ومنها بعض الجامعات في فرنسا، ووزارة التعليم في نيويورك، ومنعت استخدامه في أجهزة الحواسيب والشبكات الخاصة بهم، مشيرين إلى الآثار السلبية على تعلّم الطلاب، والمخاوف المتعلّقة بسلامة ودقة المحتوى، وسبق هذا القرار عدة حوادث لطلاب استخدموا ChatGPT للغش في الواجبات المدرسية والامتحانات في الجامعات (Michael, 2023).  وقالت إحدى المعلمات في جامعة "The Sciences Po" في باريس، وهي واحدة من أعرق الجامعات في فرنسا، إن أي شخص يتبيّن أنه استخدم برنامج الدردشة الآلي سيواجه [عقوبات قد تصل إلى الطرد من المؤسسة أو حتى من التعليم العالي] (France24, 2023)، ويُذكر أيضًا أن جامعة ستانفورد وظفت محامين لدراسة ظاهرة ChatGPT وإيجاد طرق لمعالجة قضية النزاهة الأكاديمية، بينما بعض الجامعات اعتبرته انتهاكًا للنزاهة الأكاديمية في حال لم يستشهدوا أنهم قاموا باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي في إنشاء جزء معيّن من أبحاثهم.


ولحل هذه المعضلة تم تقديم أدوات لاكتشاف ما إذا كان النص قد كتبه إنسان آم آلة بناءً على اختيار الكلمات وبنية الجملة ومنها AICheatCheck، وبرنامج GPTZero، الذي صممه طالب من جامعة برينستون يدّعي أنه قادر على اكتشاف الكتابة التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.


في المقابل، حتى لو قمنا بمنع هذه الأداة في المؤسسات التربوية، فإن الطلاب قادرين على استخدامه في منازلهم، وحتى لو قامت الدولة بحظره أيضاً، فإن استخدام برامج  VPN تفك هذا الحظر وهذا ما اقترحه ChatGPT بعد الاستفسار منه عن كيفية فك الحظر عنه. 


فلذلك فإن هذا التهديد يجب تحويله إلى فرصة، وخاصة أن هذا الجيل سيتخرج ويكون الذكاء الاصطناعي منتشراً في جميع التطبيقات الإلكترونية، وعليهم أن يتكيّفوا مع هذه الثورة، وخاصة أنها توفّر أدوات جديدة وقوية لحل المشكلات المعقّدة في مجموعة متنوّعة من المجالات بما في ذلك الدراسة الأكاديمية، والصحافة، والنشر، والأعمال التجارية، والتسويق، والإعلان، والاستشارات، والرعاية الصحية، وغيرها. لذلك فإن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من قبل الطلاب ومنها برنامج ChatGPT والاستفادة منه قد تفيد النقاشات الموضوعية داخل الصف، وتتيح للطلاب تحسين تفكيرهم، وهذا ما يفرض على المعلمين والذين يؤدون دوراً هاماً في تشكيل شخصية الطلاب وعقولهم، إجراء تغييرات في استراتيجيات التدريس لديهم، وإعطاء الطلاب الفرصة والمساحة للتفكير بشكل إبداعي والذي سيكون بالتأكيد مثمراً على المدى الطويل، والاستفسار منهم عن سبب اختيارهم الإجابات في أبحاثهم باستخدام البراهين التي تدعم فكرتهم، وكذلك توكيلهم بإجراء مشاريع عملية تفيدهم وتمدهم بالكثير من المعلومات والمعارف، كما يجب التأكيد على أهمية تثقيف الطلاب حول الآثار الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مهامهم. 


على الرغم من وجود مخاوف من أنّ ChatGPT والتي يمكن أن يضر بعملية التقييم الرقمي، إلاّ أنه يفرض على التربويين التركيز في المناهج الدراسية على المستويات العليا من التفكير وخاصة النقدي منها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه التكنولوجيا لديها القدرة على تحسين عملية التعلم، وذلك باستكشاف طرق جديدة لإشراك الطلاب، مثل التعلّم القائم على المشاريع، ويمكن استخدام روبوت المحادثة لتوليد أفكار لهذه المشاريع. 


ممّا لا شكّ فيه أننا أمام طفرة علمية في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتعد ChatGPT تقنية جديدة وتحتاج إلى وقت للتكيف معها وتوظيفها في التعليم، والتي أثبتت أنها توفّر الكثير من الإمكانات وخاصة في مجال التعليمي، ولكنها تحتاج إلى التنظيم كغيرها من التقنيات حين اختراعها، والتي وُضعت القوانين الخاصة بها، فكما أن للسيارات نظام خاص بها بدءاً من قانون إعطاء رخصة القيادة إلى قوانين إشارات المرور وغيرها من القوانين، كذلك يجب التعامل مع برامج الذكاء الاصطناعي بذكاء، وأن يتم الاستفادة منها في تطوير العمل البحثي وإنتاج العلوم، وأن نبدأ الآن في التفكير في أفضل طريقة لدمجها في التعليم وتحويل هذا التهديد إلى فرصة والاستفادة من نقاط القوة لدى أدوات الذكاء الاصطناعي.
 



المراجع والمصادر

 

  • Agency, A. (2023, يناير 26). To ban or not to ban: ChatGPT chatbot’s influence on education. Daily Sabah. https://www.dailysabah.com/life/to-ban-or-not-to-ban-chatgpt-chatbots-influence-on-education/news

  • France24. (2023, يناير 27). Top French university bans students from using ChatGPT. France 24. https://www.france24.com/en/live-news/20230127-top-french-university-bans-students-from-using-chatgpt

  • Michael, E.-R. (2023, يناير 3). NYC blocks access to ChatGPT on school networks as cheating fears swirl. Chalkbeat New York. https://ny.chalkbeat.org/2023/1/3/23537987/nyc-schools-ban-chatgpt-writing-artificial-intelligence

  • Opara, E. (2023). CHATGPT FOR TEACHING, LEARNING AND RESEARCH: PROSPECTS AND CHALLENGES. https://doi.org/10.13140/RG.2.2.21304.42244/1

 

 


أ. سامر جابر*
-    أستاذ ثانوي في مادة المعلوماتية.
-    طالب دكتوراه في اختصاص الإدارة التربوية.
-    باحث في مركز الأبحاث والدراسات التربوية.
-    خبير في مجال تكنولوجيا التعليم.

أضيف بتاريخ :2023/02/04 - آخر تحديث : 2023/03/13 - عدد قراءات المقال : 2470