المواطنة في فكر السيد موسى الصدر
تعتبر التربية المواطنية من أهم التحديات التي تواجه الحكومات والمؤسسات التعليمية والمعلمين في العالم ، والتي ترتبط بزيادة الاهتمام بالمواطنة بسبب التغيير الاجتماعي وتثير التساؤل حول كيفية الإعداد والتعليم في القرن الحادي والعشرين.
ولبنان من ضمن الدول التي تعاني من التربية على المواطنة على مستوى المنهج الدراسي بسبب مشاكله الكثيرة. وبما أن هذا المنهج يحتاج إلى أسس واضحة قادرة على التطبيق في لبنان، ارتأينا أن نبيّن الخطوط العامة للمواطنة عند السيد موسى الصدر، والتي بمعظمها ما زالت حاجة لبنانية بعد اكثر من 50 عاما من طرحها، ويمكن أن تشكل جزءا من الحل في مسألة التربية على المواطنة، في خضم خوض تجارب مختلفة للمواطنة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي في تصميم مناهج دراسية، وبذل جهود حثيثة في إكساب مناهج تربية المواطنية مزيدا من العمق والواقعية في سبيل تحقيق المواطنة المنشودة.
اعتبر الامام السيد موسى الصدر أنّ هناك خللاً عميقا في بناء الدولة اللبنانية يتجلى في العلاقة بين المركز (الثري) والاطراف (المحرومة). من هنا كانت دعوة السيد موسى الصدر الى "دولة المواطنة” التي تلغي السقوف المتعددة للمواطنية وللمناطق بسبب بناء الدولة على الطوائفية السياسية التي اعتبرها العلّة التي ستحول مستقبلاً دون قيام الدولة الحقيقية اي دولة المواطنة حيث يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات ويتم استبعاد العامل الطائفي والسياسي عنها اي فصل الطائفية عن الدولة وتعميق الطابع الايماني داخل الدولة باعتبار ان الاديان هي واحدة عندما نلتقي في الله ، وخدمة الانسان هي الطريق الى الله وان القاسم المشترك بين المسيحية والاسلام هو الانسان الذي هو هدف الوجود وبداية المجتمع والغاية منه والمحرك للتاريخ. فالدولة اللبنانية في رؤيته دولة متدينة تستمد تشريعاتها من الاديان السماوية كما صرح بذلك الدستور الوطني ولكن يجب ان يتم تعميق المواطنة عبر تحقيق المساواة الفعلية بين المواطنين والعدالة الاجتماعية .
ترك السيد موسى الصدر الكثير من المواقف والمبادرات. والكثير من المبادئ العامة التي توصل إلى الدولة الحاضنة لأبنائها جميعا، وإلى الوحدة الوطنية التي تلم شمل اللبنانيين جميعا، حيث نظّر وعمل ودعا إلى ترميم الوحدة الوطنية الهشّة، وإلى تدعيم الدولة المترنحة من خلال جعلهما امتداداً عميقاً ومتساوياً في العقل والضمير والوجدان في ثلاثة اتجاهات متكاملة:
-
تحديد الهوية الوطنية وتشخيص من هو العدو والصديق من دول الجوار.
-
تعزيز الوحدة الإسلامية ـ الإسلامية داخل لبنان وخارجه.
-
عنايته بالعلاقات الإسلامية ـ المسيحية. و إقامة وحدة وطنية حقيقية.
لقد وضع الإمام الصدر في عام 1969 توصيفا لمعنى الوحدة الوطنية حيث قال: “إن الوحدة الوطنية لها معنى أعمق من توحيد المصالح أو واجب احترام الميثاق الوطني والأيمان بالعيش المشترك، الوحدة الوطنية في الحقيقة هي وحدة الأفكار والقلوب، إنها وحدة الأهداف ووحدة كل المواطنين في الأهداف والمعايير العامة لوجود الإنسان. هذه الوحدة هي وجود شعب والتأكد من استمرار الوطن”.
واعتبر أنه لا يمكن خلاص لبنان الا من خلال تعزيز المواطنة على حساب الغاء الطائفية السياسية ومحاربة الاتجاهات العلمانية التي تزيد المجتمع شرخا وقد كان السيد موسى الصدر يطمح للوصول "دولة المواطنة" وهذه الدولة لها عدة مواصفات :
-
الدولة القوية والقادرة التي تحمي ابناءها عبر بناء جيش وطني قوي تابع للدولة وليس تابعا للطوائف وقادر على تحقيق وضمانة الوحدة الوطنية ،
-
الدولة العادلة تحقق العدالة الاجتماعية لجميع ابنائها. وترفع الظلم الحاصل علی المواطنین خاصه فی الاطراف مما یجعلهم غیر متمسکین بوطنهم.
-
الدولة التي تستعيد حيوية الطبقة المتوسطة والتي هي عنصر التوازن الاجتماعي. وتهتم بالشباب الاكثر تأثرا بمشاكل السكن والبطالة والطوائفية.
-
الدولة التي تهتم فعلا بالمرأة وتشركها في القرار السياسي والاداري ومجلس النواب والحكومة وخارج استتباعها للثقافة الرجولية.
-
الدولة التي تواجه الفساد الاداري والسياسي.
-
الاخذ بالقيم المدنية واعطاء الاولوية للحوار واسقاط لغة التحدي وتغليب فكرة المواطنة في وطن على فكرة المواطنة في طائفة.
-
محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي.
-
عدم التمییز بین المواطنین لا علی اساس دینی او مناطقي .
فالامام ادرك اهمية الصيغة اللبنانية التي تعني في ما تعنيه "التمسك بوحدة لبنان وانسجامه مع المنطقة وصيانة كونه امانة للحضارة العالمية" . اهمية هذه الصيغة انها تقدًم البديل لنظرية حرب الحضارات والتي تركز على الصراع بين الحضارتين الغربية والاسلامية فلذلك دعا الى التعاون مع الطوائف اللبنانية كافة وحفظ وحدة لبنان، من خلال الاحترام المتبادل بین الطوائف، وممارسة المسؤوليات الوطنية والقومية، والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه.
لذلك دعا الى ايجاد حركة وطنية متآلفة دافئة تتخطى الحواجز المصطنعة بين أبناء هذا الوطن، حركة تكون قوية، أبوية، موثوقة، مضحية، موضوعية، حركة تعتمد على جذور عميقة من الإيمان بالله، وبالوطن وبالإنسان... والعلاج في تكوين دولة الحق وتحمل مسؤولياتها الكاملة، حتى يشعر المواطن بأن الانتماء إلى الوطن هو البديل الكافي عن الانتماءات الأخرى لحمايته، ولصيانة حريته وقوته وكرامته.
أما عناصر تعزیز المواطنة عند الامام الصدر فنلخصها بــ :
-
التنمیه الاجتماعية والاقتصادية ورعایة حقوق المحرومین والمستضعفین وایصال البنی التحتیة الی کافة المناطق اللبنانیة.
-
المشارکة السیاسیة من قبل کل المواطنین باعتبارها حقا لهم وواجبا علیهم بدلا من اعتزالهم عن الحیاة السیاسیة.
-
الالتزام بالحقوق والواجبات من قبل المواطنین والدولة بحسب القوانین:
واجبات الدولة : العدل – الحریة – الدفاع عن المواطنین
واجبات المواطن : الایمان بالانتماء للوطن ، المشارکه الشعبیه فی العملیه السیاسیه والتغییر، وعدم التبعیة للخارج .
-
رفض الطائفیة السیاسیة والعلمانیة باعتبار انهما طرحان یودیان الی تقسیم لبنان وتخریبه.
-
رفض علمنة قانون الاحوال الشخصیة لانه یلغی التنوع الثقافي الموجود فی لبنان.
-
تعزيز فكرة أن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأن الطائفية نقمة والطوائف نعمة، وأن التعايش الإسلامي المسيحي ثروة يجب التمسك بها".
-
تغيير النظام التعليمي عبر فلسفة تربوية واضحة قائمة على: تعزيز المواطنة واحترام كرامة الانسان وتعرف الطالب على تاريخ وطنه، وتعرفه على الحق والباطل والعدو والصديق.
لتنزيل المقالة مع المراجع إضغط هنا
الشيخ الدكتور محمد نمر باحث في مركز الدراسات التربوية متخصص في المناهج التربوية .
آخر تحديث : 2024-06-19
تعليقات