التعليم عن بعد، حل أم تعقيد، وإلى أين؟

حسين إسماعيل*
يعد تطور التعليم أمراً بالغ الأهمية، لكون التعليم من الركائز الأساسية التي تسهم في تقدم المجتمعات وازدهارها. وقد شهد التعليم مؤخراً، حركة جديدةً في بلادنا، لا تشبه صورته التقليدية السائدة والمعروفة، استدعتها ظروف طارئة لم تكن بالحسبان على أكثر من صعيد، كان التعليم من بعد أبرز وجوهها، فكيف برز هذا النوع من التعليم، وكيف كانت انعكاساته على المتعلمين تحديداً؟
يطلق هذا الاسم على عملية التعليم، عندما لا يتواجد المعلم والمتعلم في ذات المكان. وقد ارتبطت وسائل هذا النوع من التعليم على مدى التطور التقني والتكنولوجي في السنوات الماضية، وهو ما ساهم في تسريعه وتسهيله.
انطلقت البدايات الأولى للتعلم من بُعد من ألمانيا عام 1856م، عندما فكر معلم اللغة الفرنسية الفرنسي شارل توسان، وعضو جمعية اللغات الحديثة جوستاف لانجنشدات في برلين في تأسيس مدرسة لتعليم اللغات بالمراسلة.
وفي عام 1892م تم تأسيس أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة في جامعة شيكاغو، فكانت أولى الجامعات على مستوى العالم التي تعتمد التعليم من بعد.
لاحقاً تبنت جامعات أوروبية هذا التعليم من أجل زيادة عدد المتعلمين، إلى أن توالت الوسائل الحديث كالمذياع ثم التلفاز، ليتصدر الإنترنت في أواخر التسعينات الأمر عبر الحاسوب والهواتف المحمولة، ويصبح الوسيلة الأفضل للتعليم عن بعد، فقد اعتمد في بداية ظهوره على تكنولوجيا البث الإذاعي، ثم التلفزيوني، وتكنولوجيا الحاسوب، وأخيراً تكنولوجيا المعلومات التي تعتمد على الشبكات العالمية، والشيكة العنكبوتية في نقل التعليم والمعلومات (يحيى مصطفى عليان، محمد عبد الدبس: وسائل الاتصال وتكنولوجيا التعليم - دار صفاء - ٢٠٠٣- ص ٣٦١) إلى أن انتقل إلى القارات الأخرى، لا سيما دول الشرق الأوسط. وقد تأثرت الدول العربية بهذا الاتجاه من التعليم، فكان الفلسطينيون أول من أنشأوا جامعة التعليم من بعد في الوطن العربي، وتعمل هذه الجامعة في فلسطين في الوقت الحاضر باسم جامعة القدس المفتوحة (أنطوان زحلان: وظيفة الجامعة في عملية التنمية - مجلة المستقبل العربي - العدد ٢٦٧- بيروت - مايو ٢٠٠١، ص ٨٣).
وكغيره من العناوين، حمل التعلم من بعد في طياته الإيجابيات والسلبيات معاً، إذا أنه غير متزامن ويسمح للمتعلم أن يتعلم في الوقت الذي يلائم ظروفه الخاصة، كما أنه يراعي القدرات الفردية للمتعلمين، ويتيح لهم إعادة المواد التعليمية، متى ما أرادوا من دون حرجٍ أو تعقيد، من دون أن ننسى اختصاره للوقت وتخفيضه للتكاليف المادية والجهد الجسدي، وزيادته المهارات التقنية عند كل أطراف عملية التعليم. لكن غياب التفاعل الاجتماعي لدى المتعلم قد يسبب له شيئاً من العزلة أو الانطوائية، ونتيجة انعدام تزامن التعليم من بعد، لا يستطيع المتعلم الإستفسار والسؤال في الوقت الذي يريده، ومن الممكن أن تؤدي مرونة هذا التعليم الزائدة إلى تشكيك المتعلم بجديته وأهمية وجدوى شهادته، لا سيما عندما تترافق هذه العملية مع مشاكل تقنية متكررة في البنى التحتية وشبكة الإنترنت.
واليوم، بعد النشاط النوعي الذي شهده الكون لهذا النوع من التعليم، وخصوصاً بعد جائحة كورونا في السنوات الأخيرة، فإن أنظار العالم تتجه نحوه وتحاكي مستقبله، تسأل عما يمكن أن يستجد فيه، وما يمكن أن يحدد من معايير تخصه، وحجم اعتماده في الدول النامية والمتقدمة... كلها تساؤلات هي رهن الزمن القادم وما يحمله من أفكار وخطوات يأمل العالم بأسره أن تسهم في تحسين عملية التعلم من بعد والحد من سلبياتها قدر الإمكان.
* ماستر في الإدارة التربوية من الجامعة اليسوعية
تعليقات