Cancel Preloader
دراسات ومقالات المركز

التربية الأسرية في ظل أزمات الحرب

  • منذ 5 أيام
  • 141
التربية الأسرية في ظل أزمات الحرب

التربية الأسرية في ظل أزمات الحرب

 
الشيخ د. محمد نمر
 

يعتبر الإسلام أنّ الأسرة هي العنصر الأساسي في بناء المجتمع الصالح، لما لها من دور في التربية ونقل العادات والتقاليد والتنشئة الاجتماعية، فعن رسول الله ص "ما بني بناء في الإسلام‏ أحبّ إلى اللَّه عزّ وجلّ‏ من التزويج" (ميزان الحكمة، ج4، ص271). فيجب أن تسود الطمأنينة والسكينة بين الزوجين ليتمكنا من إيجاد بيئة صالحة لنفسيهما للتفاعل والتكامل والقرب من الله سبحانه وتعالى.

 

  وعلى عاتق الأسرة تقع عدة مهام، منها الرعاية والتربية للأبناء والاهتمام بالحاجات العاطفية والنفسية والاجتماعية والتعليمية وغيرها. كما تعتبر الأسرة الملاذ الأول الذي يحتمي به الأفراد في مواجهة الأزمات والتحديات. وعندما تشتد الأزمات، سواء أكانت اقتصادية، اجتماعية، سياسية، أم كوارث طبيعية، تظهر الحاجة الملحّة إلى تربية أسرية التي تعزز قيماً مثل الصبر، التضامن، والتكافل بين أفرادها.

 

فالحروب عادة قد تؤدي إلى أزمات داخل الأسرة تؤثر كثيرا على التربية، كفقدان أحد الأبويين أو كليهما، والتفكك وتغير العلاقات الأسرية بسبب المشاكل المستجدة وعدم القدرة على التكيف مع الأزمات والتأثيرات العاطفية والنفسية كالقلق والاكتئاب والصدمات والخوف وعدم الاستقرار وعدم الإحساس بالأمن، خاصة أثناء فترة النزوح التي قد تستمر بعد الحرب بسبب تدمر البيوت أو عدم صلاحيتها للسكن، وتؤدي إلى ظهور مشاكل اقتصادية بسبب فقدان مصادر الدخل، وفقدان العمل وغلاء المعيشة.

 

إنّ هذه المشاكل والأزمات تشكل تحدياً للأسرة وللمجتمع في كيفية تقبل الوضع الجديد وفي كيفية التكيف مع الواقع الموجود، وفي كيفية احتواء المشاكل، حيث يحتاج هذا الأمر إلى عمل مؤسساتي ضخم من ناحية احتضان عوائل الشهداء وتكفل الأيتام، والدعم النفسي والتربوي والاجتماعي للناس، وإعادة الاعمار وترميم البيوت، كل هذا يشكل عوامل مهمة في التخفيف من الأزمات والمشاكل، إلا أنّه تبقى المسؤولية الكبرى على الأهل في كيفية التعامل فيما بينهم وكيفية تربية الأبناء واحتواء المشاكل التي قد تطال أفراد الأسرة، لذلك تقع على الأسرة عدة مهام يجب اتباعها للتخفيف من المشاكل التي تواجهها أثناء الحرب وما بعدها، نذكر منها:

  • أولاً: تعزيز التربية الايمانية، من خلال فهم الهدف من الخلق والهدف من الحياة الدنيا وبناء العلاقة مع الله تعالى والثقة به والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر والشكر وأنّ كل الأمور هي خير للإنسان المؤمن وغيرها من القيم الايمانية التي تساعد على تحمل الواقع المتأزم بسبب الحروب، فعن رسول الله ص: "عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك لاحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له." (بحار الأنوار، ج79، ص139). كما قد تتلاشى بعض القيم التربوية بسبب الازمات والحروب، لذلك يجب على الأهل تعزيز القيم الأسرية مثل التعاون، الصدق، والاحترام.
     

  • ثانياً: تحويل الأزمة إلى فرصة للتقرب نحو الله تعالى وعبادته والتكامل وتعلم كيفية مواجهة الأزمات، والثبات واليقين بقرب الفرج وانتظاره. قال الله تعالى:"وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” (الطلاق: 2-3)، وقال الامام علي ع: " انتظروا الفرجَ ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج". (ميزان الحكمة، ج1، ص 182).
     

  • ثالثاً: إظهار القدوة الحسنة، من خلال قصص الأنبياء ع وأهل البيت ع، التي تعزز لدى الأسرة قيم الصبر والتحمل والتوكل والتعقل في مواجهة التحديات، كما يجب أن يكون الأبوان قدوة لأبنائهم في الصبر، الإيمان، والتعامل بحكمة مع التحديات.
     

  • رابعاً: تعزيز البعد العاطفي والطمأنينة للحد من الشعور بالقلق والخوف خاصة لدى الأطفال، كما يجب الاستماع لهواجسهم والتحدث معهم بشكل هادئ وواقعي للتقليل من مشاعر التوتر لديهم.
     

  • خامساً: العمل على التكيف مع الأزمة التي تواجهها الأسرة فعلى الوالدين أن يعلموا أبناءهم كيفية التعامل مع الفشل أو التحديات والمشاكل التي يواجهونها. من خلال تعلم إدارة الوقت، وتنظيم الأولويات، ومواجهة التحديات بشكل إيجابي ونشر التفاؤل والأمل بانتهاء الأزمة، وتعزيز الثقة بالنفس، وتربية الأبناء على القناعة والرضا، فعن النبي ص: "ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" (مشكاة الأنوار، ص231).
     

  • سادساً: تعزيز التواصل الفعال داخل الاسرة وتقوية الروابط الاسرية من أجل التكيف مع الوضع المتأزم بسبب الحرب. واجراء أنشطة تربوية تعزز الاستقرار العاطفي وتذهب مشاعر العزلة والإحباط وتصرف انتباه الأبناء وتفكيرهم عن الحرب والقلق والتوتر.
     

  • سابعاً: التركيز على الأولويات كالصحة والأمن والعلاقات الأسرية الجيدة بدلاً من السعي نحو الرفاهية والكماليات، وتعليم الأطفال التفرقة بين الرغبات والحاجات.
     

  • ثامناً: الحفاظ على التنظيم قدر الإمكان من خلال تنظيم الوقت، والأنشطة التعليمية في وقت محدد وساعات الطعام والنوم من أجل مساعدة الأطفال على الشعور بالأمان والاستقرار.
     

  • تاسعا: عدم تحميل أفراد الأسرة مشكلة البعد الاقتصادي التي يواجهها الأب عادة، فعليه أن يطمئنهم لوجود حلول وعدم اشراكهم في التوتر الحاصل بسبب الأزمة الاقتصادية، وأنّ الرازق هو الله سبحانه وتعالى، وعدم تحميل الأبناء المسؤولية حيث إنّ هذا الأمر مرتبط بالحرب وهو أمر مؤقت سرعان ما يمكن علاجه فور انتهاء الحرب.

  • عاشرا: عدم الانقطاع عن التعلم مهما كانت الظروف واستغلال التكنولوجيا للتعليم عن بعد، وعدم الجلوس دون عمل أو نشاط قدر الإمكان لكيلا يصاب أفراد الأسرة بالملل والإحباط. ففي الأوقات العصيبة، قد يتسلل اليأس إلى قلوب البعض، لكنّ الإسلام يدعو دائمًا إلى التفاؤل والتخطيط الجيد لمواجهة المشكلات. فعن النبي ص أنه قال: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألّا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (ميزان الحكمة، ج2، ص 1410). من هنا، يجب أن تُعلِّم الأسرة أبناءها كيفية التعامل مع الأزمات بالعقل والحكمة، وعدم الاستسلام للمشاعر السلبية.
     

وفي الختام نذكر أنّ التربية الأسرية في الأزمات ليست مهمة سهلة، ولكنّها قد تكون فرصة لتعزيز الروابط الأسرية وبناء شخصيات قادرة على مواجهة التحديات، من خلال الحفاظ على التواصل المفتوح وتعزيز القيم الإيجابية، يمكن للأسرة أن تكون مصدر قوة ودعم لأفرادها، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وقدرة على التكيف مع الظروف الصعبة.

 

 

 

 

 

 

آخر تحديث : 2025-02-05
مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا