Cancel Preloader
دراسات ومقالات المركز

الذكاء الاصطناعي: مفتاح التحوّل في العملية التربوية

  • منذ يومين
  • 81
الذكاء الاصطناعي: مفتاح التحوّل في العملية التربوية

الذكاء الاصطناعي:

مفتاح التحوّل في العملية التربوية

أ. سامر جابر

 

في عصر تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، يتصدر الذكاء الاصطناعي قائمة التقنيات التي تحمل إمكانات هائلة لتحويل مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك العملية التربوية؛ يشكّل الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية لإعادة تعريف أساليب التعليم، وتعزيز جودة التعلّم، وتهيئة الأجيال القادمة لمواجهة تحديات المستقبل بفعالية.

 

وتتنافس الدول الكبرى، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، لتعزيز مكانتها في هذا المجال الحيوي، الذي يُعتبر مفتاحاً لتحقيق السيادة التكنولوجية والتفوق الاستراتيجي؛ فقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على أهمية الذكاء الاصطناعي كقوة دافعة للتنمية، قائلاً: "الذكاء الاصطناعي يمثل مجالاً جديداً للتنمية البشرية، وهو مجال يقدم فرصاً كبيرة"، مشيراً إلى ضرورة دمجه في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، لتحقيق تقدم تكنولوجي وتعليمي متسارع.."

 

من جهته، شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أهمية الذكاء الاصطناعي لتحقيق السيادة الفكرية والتكنولوجية، مشيراً إلى أن "تطوير الذكاء الاصطناعي يعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق السيادة العلمية والتكنولوجية والأيديولوجية لروسيا"، وصرّح في عام 2017 بأن "الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، ليس فقط لروسيا، بل للبشرية جمعاء... من يصبح قائداً في هذا المجال سيحكم العالم"..

 

باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، أشار في عام 2016 إلى أهمية الذكاء الاصطناعي، مؤكداً على ضرورة استثماره في تحسين التعليم وتطوير مهارات الأجيال القادمة، لضمان استعدادهم لمتطلبات سوق العمل المستقبلية.

وأولى سماحة الإمام السيد علي الخامنئي حفظه الله أهمية كبيرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، باعتباره حجر الزاوية في رسم مستقبل الدول والمجتمعات؛ وفي لقاء مع النخب وأصحاب المواهب المتفوقة بتاريخ 17 تشرين الثاني 2021، شدّد سماحته على ضرورة إدراج الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية وأقترح "أن يكون الذكاء الاصطناعي واحداً من القضايا التي يجري التركيز عليها والاهتمام بها والتعمّق فيها، إذ سيكون له دورٌ في التحكّم في مستقبل العالم".

هذا التوجه العالمي يعكس أهمية هذه التقنية ليس فقط في بناء القدرات الاقتصادية والعسكرية، بل أيضاً في تطوير النظام التعليمي من خلال الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن تحقيق تحوّلات نوعية في تصميم المناهج الدراسية، وتقديم التعليم المخصص، وتطوير آليات تقييم ذكية تعزّز من الكفاءة وتدعم الابتكار.

 

 

الأهمية الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي في التعليم

الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية؛ بل هو وسيلة لتحسين التعليم وتعزيز مخرجاته، فالأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تُساهم في تقديم تعليم مخصّص لكل طالب بناءً على احتياجاته ومستواه. حيث أشار "مؤشر الذكاء الاصطناعي" من جامعة ستانفورد إلى أن أدوات التعلم المدعومة بالذكاء الاصطناعي تزيد من كفاءة الطلاب والمعلمين على حد سواء، كما أن الدول التي تستثمر في تطوير أدوات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي تشهد تحسناً ملحوظاً في جودة التعليم.

 

 

تحسين التعلم من خلال الذكاء الاصطناعي

يساهم الذكاء الاصطناعي في جعل التعليم أكثر تخصيصاً وتفاعلية؛ وفقاً لدراسة أجرتها شركة *[1]PWC، تساعد الأدوات الذكية مثل نظم التعليم التكيفية (Adaptive Learning Systems) في تحديد نقاط القوة والضعف لدى الطلاب وتصميم مناهج تعليمية تناسب احتياجاتهم الفردية. هذه التكنولوجيا تعزز من قدرة الطلاب على تحقيق النجاح وتقلل من نسب التسرب الدراسي.

 

 

التحديات الأخلاقية والتربوية

رغم الإمكانيات الواعدة، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديات تربوية وأخلاقية؛ ومن أبرزها الاعتماد المفرط على التكنولوجيا وتهميش الدور الإنساني للمعلم، فقد حذّر "المنتدى الاقتصادي العالمي" من مخاطر التحيّز في البيانات التي تُغذي الأنظمة الذكية، مما قد يؤدي إلى تمييز غير عادل في العملية التعليمية، لذلك، فإن تطوير أطر عمل تربوية تراعي أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة.

 

 

دور الذكاء الاصطناعي في تقليل الفجوة التعليمية

يتجاوز تأثير الذكاء الاصطناعي تحسين التعلم الفردي ليُساهم في تقليل الفجوة التعليمية بين المناطق الحضرية والريفية؛ الأنظمة التعليمية الذكية يمكنها توفير موارد تعليمية عالية الجودة للمناطق التي تعاني من نقص في المعلمين أو البنية التحتية؛ كما أن تقنيات مثل ربوتات الدردشة والتعليم عن بُعد تُمكّن الطلاب من مختلف الثقافات والخلفيات من الوصول إلى فرص تعليم متساوية.

 

يمكن تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم من خلال التركيز على دمج هذه التقنيات لتعزيز التفكير النقدي والإبداع لدى الطلاب، كما يجب أن يظل المعلم هو المحور الأساسي للعملية التعليمية، حيث يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين استراتيجياته في التدريس.

 

إن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في العملية التربوية يتطلب استراتيجيات شاملة تشمل توفير البنية التحتية التقنية، تدريب المعلمين، وتعزيز البحث والتطوير. وبهذا، يمكن للأنظمة التعليمية أن تتحول إلى منصات مبتكرة تسهم في تمكين الأجيال الصاعدة من اكتساب المهارات اللازمة للتميز في عالم يزداد تعقيداً.

 

الذكاء الاصطناعي هو مفتاح لتحسين العملية التربوية وبناء أنظمة تعليمية أكثر فعالية واستدامة؛ وقدرته على تخصيص التعليم، وتقديم حلول مبتكرة، وتعزيز العدالة التعليمية تجعله أداة لا غنى عنها في المستقبل. ومع ذلك، فإن النجاح في تحقيق هذا الهدف يتطلب استثماراً مستداماً في التكنولوجيا وتطوير سياسات تربوية تُراعي التحديات الأخلاقية والاجتماعية؛ من خلال تعزيز التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، يمكننا بناء نظام تعليمي يُعدّ الأجيال القادمة لمواجهة تحديات المستقبل.

 

 

المراجع:

  1. تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي 2023 - جامعة ستانفورد: https://aiindex.stanford.edu/
  2. تقرير PwC حول الذكاء الاصطناعي والاقتصاد العالمي: https://www.pwc.com/ai
  3. المنتدى الاقتصادي العالمي حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي: https://www.weforum.org/topics/ai-and-machine-learning
  4. الشراكة العالمية بشأن الذكاء الاصطناعي - الأمم المتحدة: https://www.gpai.ai/
  5. https://www.almanar.com.lb/10742184

 


* شركة PWC هي شركة استشارية عالمية تقدم خدمات الاستشارات، وادارة المخاطر، وتُصدر دراسات حول تأثير التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي على القطاعات المختلفة.

 

آخر تحديث : 2025-01-28
مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا