المناهج التربوية ما بعد الحروب والأزمات
إعداد: الشيخ د.عباس كنعان
تُواجه الكثير من مناطق ودول العالم حالة اللّاستقرار، أو الاضطرابات المتكرّرة أو الآنية، ومن صراعات ونزاعات وحروب أو كوارث طبيعية، تُصيب الجانب الأمني أو السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو البيئي،...إلخ، أو عدة جوانب معًا، مما ينعكس بشكلٍ تلقائي على الجانب التربوي والنفسي والتعليمي، وهذا ما يتجلَّى لنا من خلال الدراسات التي تجري بعد الحرب أو الأزمة، من قبل مجموعة من مراكز الدراسات والبحوث أو المنظمات المحلية والدولية ذات الشأن، أو نفس تلك الدولة التي أصابتها الحرب أو الأزمة، وقد يستدعي ذلك العديد من الدراسات العلمية الشاملة لمختلف جوانب الحياة، كما ويمكن أن يُعقد لها العديد من حلقات النقاش والمؤتمرات، والندوات العلمية التي يكون موضوعها دراسة شرائح المجتمع التي تعرّضت لهذه الحرب أو الأزمة، أو الجوانب والميادين الحياتية التي طالتها؛ وذلك في سبيل معالجة التداعيات والآثار السلبية، والعمل على استثمار وتطوير الجوانب المتألقة والمشرقة.
وفي هذا السياق، يأتي موضوع المناهج التربوية الذي يُشكّل عنوانًا حيويًا لا بد من أخذه بعين الاعتبار في هذا المجال، بل يشكّل موضوعًا حيويًا للدراسة والتحليل، والمعالجة والتطوير[1]، ولا نقصد بالمناهج التربوية فقط المناهج التعليمية التي تطال المدارس والمعاهد والجامعات، بل تشمل كل مقرر خاص بالمؤسسات ذات الصلة بشرائح المجتمع المختلفة، من الفئات الشبابية، أو الناشئة والأطفال، والآباء والأمهات، والمؤسسات التي تُعنى ببناء وتدريب الكوادر والقيادات البديلة، أو غيرها، إذ تشكل الأطر والجمعيات والأندية الشبابية والنسائية والثقافية والكشفية، ومراكز التأهيل والتوعية، والإرشاد السلوكي والاجتماعي والنفسي، من أهم الأطر التي تشملها المناهج التربوية، أو التي ينبغي أن تؤسس لوجود منهج تربوي متكامل لديها.
لكن هنا تُطرح مجموعة من الأسئلة المفتاحية التي تشكل مدخلية لتلك الدراسة، وعامل مؤثرٍ في التطوير والعلاج، والتقويم، وهذه الدراسة يمكن أن تشمل عدة أو مختلف أنواع المناهج[2]، هذه الأسئلة هي على الشكل التالي:
- هل هناك تغييرًا ما حدث على مستوى المنطلقات أو الفلسفة أو الأسس أو المقاربات النظرية التي انطلق منها المنهاج عند تصميمه وإعداده؟
- ما الذي طرأ وينبغي أخذه بعين الاعتبار على مستوى المستجدات الناتجة عن هذه الحرب أو الأزمة؟[3]
- ما هي التحديات التي برزت على المستوى التربوي والنفسي والاجتماعي، والتي يمكن أن تشكّل مدخلية في عملية التعديل والتطوير والمعالجة؟
- ما هي الأمور التي استجدت كموضوعات أو كفايات تربوية أو تعليمية أو تدريبية ينبغي أن تتناولها المناهج ولم تكن قد لحظتها سابقًا، أو لم تكن بالحسبان أو في موارد الاهتمام والعناية؟
- هل تم تصميم المناهج بما يلحظ التحديات المستجدّة على مختلف الأصعدة الحياتية التي تطال هذه الشريحة المستهدفة أو تلك؟ وهي بمثابة قضايا جديدة ينبغي للمناهج أن تلحظها، وتشملها في عملية التصميم والتطبيق؟
- هل أنَّ الجداول الزمنية المحددة والمرسومة سابقًا لمختلف مقررات المنهاج، تُراعي الظروف المستجدة؟ أم أنَّ هناك تغييرًا ما ينبغي أن تلحظه؟
- ما الذي استجد على مستوى الأساليب والطرق والأنشطة التربوية لم تكن ملحوظة سابقًا في المناهج بالشكل الكافي؟
- ما هي المتغيرات والمستجدات التي أحاطت بالمتربين أو المربين وينيغي أعادة النظر في المنهاج على أساسها؟
- ما هي التغييرات التي طرأت على الإدارة التربوية أو أن الحرب والأزمة أحدثتها، والتي قد تفرض نوعًا تغييرًا على مستوى المنهاج وكيفية تصميمه أو تطبيقه أو إدارة عملية المتابعة له؟
- هل هناك تغييرات معرفية أو اتجاهية أو سلوكية ينبغي أخذها بعين الاعتبار ولم تلحظ سابقًا؟
- هل هناك عوامل أثرت في البيئة التربوية والتعليمية لا بد من أخذها بعين الاعتبار؟
إنّ هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تُشكّل حافزٍ لدى مصممي المناهج أو القيمين عليها، لا تلبث أن تتحوّل إرادة علمية وعملية من أجل مواكب المستجدات الحاصلة على مستوى مجتمعٍ ما أو مؤسسة من المؤسسات التربوية التي تُعنى بشريحة مجتمعية تعرّضت لحربٍ أو أزمة وكانت لديها مجموعة من المتغيرات التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار، أذ لا يمكن للعملية التربوية أن تكون بمعزلٍ عن مجريات الواقائع الاجتماعية والحوادث الطارئة والمسجدة، وإلا أصبحت في منحى عكسي لما يمكن أن يجري على المستوى الحياتي العام.
الكلمات المفتاحية: المناهج التربوية، الحروب، الأزمات، نتائج الحرب، آثار الحرب، نتائج الأزمات، التحديات، هندسة المناهج، تطوير المناهج.
[1] -راجع: كنعان، عباس (الكاتب)، التربية الأخلاقية وبناء المنهج التعليمي، دار البلاغة، ومركز الأبحاث والدراسات التربوية، بيروت، ط1، 2020م، ص 148 وما بعدها.
[2] - راجع: كنعان، عباس (الكاتب)، التربية الأخلاقية وبناء المنهج التعليمي، م.س، ص 140 وما بعدها.
[3] -راجع: كنعان، عباس (الكاتب)، المنهج التربوي الهندسة والبناء، وفق منطلقات إسلامية تأصيلية، دار الولاء، ط1، 2024م، ص97.
تعليقات