بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحبة،
أهل الوعي النادر، والصبر الجميل. أهل الشهادةِ، وأهل الحياة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يرتكبُ العاشقُ خطيئة الاستعجالِ، حينما لا يكملُ آخر الخطوات في الطريق إلى الحبيب..فيقفزُ طمعاً بالسرعةِ، أو يصاب بالاحباطِ حينما تنال من أقدامه التعب.
ونحنُ، خرجنا من جولةٍ قاسيةٍ من الحرب، وكانت فيها أيام وليالٍ أظلمتْ فيها الشدة والاحتمالات التي لا تنتهي للقتل والجرح والهدم والتشتت في البلاد.
البعضُ، حينها، كان يرى ما يحصل على أنّه عذاب وخساراتٌ بالجملةِ، وأحزانٌ فوقها أحزانٌ. خصوصاً فقدان الأحبةِ والأعزة، وسط المجازرِ ولهب الصواريخ، ونارِ الطائرات.
صحيحٌ أنّ ذلك قد حصل.
لكن أيها الأحبّة، الفكرةُ ليست في نوع الحدث، بل برؤيتنا ونظرتنا إليه. ففي هذه الظروف الصعبةِ، وجدنا أن أسباب الظلم والاعتداء وانعدام العدالة، واجتماع الأحزاب والاعداء والمنافقين والخونة والمستغلين.. وأنَّ غياب السيد النوراني وشهادة الآلاف من الأحبة، تماثلُ في حقيقتها ما وقع في زمن الرسول الأعظم في معركة أحد وحنين، وفي زمن أمير المؤمنين في معاركه الثلاثة، وفي زمن الحسن وخذلان الصاحب، وزمن الحسين وكربلاء الدهر..
ووجدنا، أن نتوحد مع البلاء الذي وقع على أسلافنا، في فقدانهم للأئمةِ، والخسارات في النفوس والأموال.. ونتشابه في الظرف والملابسات.
لذا أمكننا أن نتّصل بآلامهم وأحزانهم القديمة، وأن نمسَّ وجعهم وأحلامهم، وفداحة أنهم استيقظوا يوماً ووجدوا عليا عليه السلام قد قتل، وفاطمة ظلمت، والحسن قد سُمّ، والحسين قد تووزّعت أشلاؤه المقدّسة في رمال كربلاء فانفجر قلب الكون بدمه الأحمر..
كيف كان ذلك ولمَ؟
شخصياً، أفهمُ أنَّ الكمالَ هو أمرٌ يحصلُ بالتدريج، خطوة وراءَ خطوة.. وأن فيها أسراراً كثيرةً. أحياناً تكون هذه الخطوات مدفوعة بيد الله والقضاء والقدرِ لأنّ الإنسان مهما بلغ من العلمِ فإنَّه يبقى شيء ما ليس في حسبانه، فتتدخل يد القضاء والقدر كي تزيل عنه الشوائب والنقائص والضعف والقبح. وأحياناً، يحتاج الإنسان إلى الاختبار والامتحان والتدقيق والتمحيص كي تُستخرجَ من داخله عوامل القوة والجمال والبهاء والكمال.
أحياناً، ولدواعي تكميل الجماعة والفرد، يستشهد الإمام.. كالإمام الحسين.
وأحياناً، قد يختفي من الأنظار، كالإمام الكاظم، والإمام المهدي..
أدوات الكمال كثيرة أيها الأصدقاء.
ونحنُ، بعد أن مررنا في كل هذا المسار الصعب، والغالي.. يحقّ لنا أن نسأل: ما الذي حصل؟ ولم كان الثّمن مرتفعاً هكذا؟
ربما، يكون الجواب.. في أنّ اللهَ وجد فينا عددا وازنا من العشّاق.. وأرادَ أن يدفع بالبقيّة نحو الكمال..!
أليس لأنه رأى فينا خيرا كثيراً، وبعض النقص والضعف هنا وهناك؟ وأراد أن يضعنا أمام حقيقة أن نتعلم بالقوة كيف نكون أقوياء؟
أليس على العاشق أن يكون قوياً، يتحمل الألم، والصبر؟ وأن يستسلم لاختيارات الحبيب؟
ألم يختر الله بعضنا كي يرتقوا إليه هكذا؟
ألم يبقنا نحنُ، كي نستمرَّ بهذه الذكرى الواسعة لمجرى القدر؟
وجعله النبي صلى الله عليه وآله و سلم دليلاً على الإيمان، حين سأل طائفةً من أصحابه:"ما أنتم؟ قالوا مؤمنون، فقال: ما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر على البلاء، ونشكر عند الرخاء، ونرضى بمواقع القضاء، فقال:مؤمنون ورب الكعبة".
وفي أخبار داوود عليه السلام: "ما لأوليائي والهَمَّ بالدنيا، إن الهم يُذْهِبُ حلاوة مناجاتي من قلوبهم، يا داوود، إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون"!
تعليقات