النزوح والواقع الاجتماعي المستجد
الدكتور علي كريم
لعله من أصعب التحديات التي يمكن أن يعيشها الفرد منا في حياته الاجتماعية خلال الحرب، وهو النزوح والإقبال على نمط جديد من العيش يختلف كثيراً عما اعتاد عليه؛ وأمام مشهد الازدحام الاجتماعي والاضطرار إلى البقاء لأوقات طويلة مع عدد كبير من الأهل والأقارب وعموم الناس، علينا أن لا ننسى ما تربّينا عليه في علاقاتنا وأدابنا الاجتماعية، ولا بد وأن تحضر في أذهاننا جملة نقاط:
الأهل والأقارب هم أرحامنا، وهم في موقع الموصى به من قبل الله تعالى في كتابه الكريم وفي الأحاديث عن أهل العصمة (عليهم السلام) في البر والطاعة والاحترام والوصل والرفق والتعامل بالحسنى.
الاختلاف أصل بين بني البشر، ولا يمكن النظر إلى كل من حولنا وتقييم سلوكياتهم بنفس النظرة، مع الحرص على إدارة هذا الاختلاف بالحكمة، لا بإيصاله إلى الخلاف.
معدن وجودة الأخلاق تظهر في هذه المواقف، فعلينا استحضار كل ما تربينا عليه من رصيد قيمي من صبر، وتضحية، وتحمل، وكظم للغيظ، واستماع للآخر، وخدمة الناس، وقضاء الحوائج، ... إلخ
المداراة والمعاشرة بالحسنى والمسايرة والتغافل (التطنيش) يجب أن يكون هو الحاكم في التعامل مع كل من حولنا.
لا يمكن الحكم على شخص من خلال أفعاله في ظروف قاهرة، فكل منا له زلاته، وهنا علينا التصويب برفق، لا التجريح أو الانتقاد، فضلاً تحاشي الصدام مع مطلق شخص.
النزوح بحد ذاته بلاء، ولكنه فرصة للتغيير، واختبار جدي لعلاقاتنا الاجتماعية، فهل بإمكاننا التكيّف مع الواقع الجديد بكل متغيراته؟.. لقد عبّرت إحدى الناشطات في أحد مركز للنزوح بقولها: "إن هذه التجربة هي بحد ذاتها دورة في التأهيل الاجتماعي"، وهذا لا بد أن يُستثمر بامتياز على هذا الصعيد.
تبقى إشارة هامة، وهي أن الإقامة في النزوح مستجدة مؤقتة وليست دائمة، وإن طالت فستصل إلى نهايتها، في حين أن علاقاتنا الاجتماعية ورصيد الآداب الذي تربّينا عليها هي الثابتة والدائمة، وعلينا أن نغرف منها أكثر من أي وقت مضى.
الساحة الاجتماعية هي ساحة جهاد حقيقي في المعركة، وإسناد لجبهة القتال العسكرية، فكل مجاهد في المعركة خلّف وراءه أهل وأحبة، وكل منّا له من أحبته في ساحة المعركة من له، ففكروا كيف تكون ساحة جهادكم الاجتماعي خير سند له، لا عبءًا عليه، وسنكتشف بأننا قادرون أيضاً في هذه الساحة، إن نوينا وصمّمنا، ولنتذكر: {وعّسَى أَنْ تَكْرَهُوْا شَيْئَاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم}.. – سورة البقرة المباركة، الآية 216-
تعليقات