Cancel Preloader
ندوات المركز

التربية على المقاومة وبناء الهوية الوطنية

  • 2024-08-01
  • 343
التربية على المقاومة وبناء الهوية الوطنية

نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي رقم 4 للعام 2024 وذلك عصر نهار الأربعاء بتاريخ 5-6-2024 م، تحت عنوان [التربية على المقاومة وبناء الهوية الوطنية] (قدمه الدكتور يوسف أبو خليل).

 

الضيف الأساسي النائب الدكتور حسن فضل الله.

 

تقديم الملتقى من قبل الدكتور يوسف أبو خليل قال فيه:

إن التربية على المقاومة هو كما ذكرنا في الملتقيات السابقة هو ملف هذا العام في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، والذي سنتناول فيه موضوعات مختلفة بما يتعلق بالتربية على المقاومة. وكان لنا أربعة ملتقيات سابقة تحدثنا فيها عن نظرية المقاومة ودور الإعلام في التربية على المقاومة، كما تحدثنا عن فلسطين في الكتاب المدرسي، وتحدثنا عن التربية على المقاومة الحق والمشروعية وأنواع وسبل المقاومة، وتحدثنا أيضا عن التربية على المقاومة في الثقافة الأسرية.

ونجتمع اليوم لنتناول موضوع هو من الموضوعات البديهية المختلف عليها للأسف وهو موضوع التربية على المقاومة وبناء الهوية الوطنية، حيث نجد أن هناك خاصة في لبنان تعددية في الآراء حول هذا الموضوع، فهناك من يقول بأن التربية على المقاومة هي صلب التنشئة الوطنية، والتنشئة الوطنية لا يمكن أن تتم إلا من خلال التربية على المقاومة، من خلال حفظ السيادة والاستقلال، ونحن في بلد مهدد من عدو غاشم مجرم لا يعرف معنى للإنسانية ولا للقيم الأخلاقية. وبالتالي فأصحاب هذا الرأي وهم الأكثرية في هذا البلد هم الذين يطالبون بالدمج ما بين المقاومة والتنشئة الوطنية، لأنها مطلب، وخاصة في لبنان نحن لدينا عيدًا رسميًا اسمه عيد المقاومة والتحرير، والمقاومة في هذا المجال هي مسألة بديهية فطرية، يعني أن الإنسان مفطور على المقاومة والدفاع عن الأوطان.

وبالتالي فهذا الملتقى سيركز على حلّ الإشكالية الوطنية المتعلقة حول ضرورة بناء الهوية الوطنية لكل أفراد المجتمع اللبناني استنادًا على مفهوم المقاومة؟

 

مداخلة النائب الدكتور حسن فضل الله:

سأبدأ ببحث الهوية الوطنية في لبنان، لأن هذا هو المرتكز الأساسي، ومن خلاله نتحدث عن التربية على المقاومة من ضمن الهوية الوطنية.

 

من دون شك بحث الهوية الوطنية في بلد متنوع مثل لبنان هو بحث شائك ومعقد، تتداخل فيه مجموعة من الاعتبارات الطائفية والسياسية والتاريخية والجغرافية، حيث بقيت هذه الهوية محل تباين لبناني داخلي ولم تتبلور في مضمون موحد، حيث تنازعتها صراعات فكرية وسياسية على مدى الحقب الزمنية السابقة، ويظهر المسار التاريخي لتكون الوطن في لبنان وتشكل دولته أن تلك الاعتبارات كانت تتغلب دائما على الهوية الوطنية الجامعة. فعلى الرغم من إقرار دستور اتفاق الطائف لهويات لبنان بأنه بلد عربي الانتماء والهوية، فإن ذلك لم يوقف هذا التنازع ولا يزال إلى يومنا هذا. مثل هذا التنازع هو الذي ينعكس على بقية أوجه الحياة السياسية أو الثقافية أو التربوية أو الاجتماعية وغيرها.

وعليه كان السؤال مطروح دائما أمام مثل هذا البحث عن الهوية الوطنية، هل بالإمكان تكوين هوية وطنية جامعة في بلد متنوع مثل لبنان؟

قد يكون حصر الإشكالية بمثل هذا السؤال هو هروب من الواقع ومحاولة لرمي التنوع بتهمة تعطيل بناء الهوية الوطنية، مع العلم أن هناك دول كثيرة فيها تنوع طائفي وعرقي وديني وتمكنت من تشكيل هوية وطنية جامعة ومن تشكيل وعي وطني جامع، وهذا ما ينفي أن المانع من تشكيل هوية وطنية جامعة هو التنوع، هذا يُنفِى أمام الشواهد الموجودة أمامنا.

لذلك السؤال الذي يُطرَح أمامنا هو لماذا لم تتشكل هذه الهوية على المستوى الفعلي رغم وجود النص الدستوري الواحد؟ ولماذا لم نصل إلى تشكيل ثقافة وطنية واحدة من خلال التربية أي كتاب التربية أو كتاب التاريخ الموحد؟

قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لا بأس من إطلالة سريعة على المصطلحات، وتقديم رؤيتنا الإسلامية لمعنى الهوية التي يحملها الإنسان المسلم المواطن في بلده، أي يوجد ثلاثة مسميات هي إنسان، ومسلم، ومواطن، فهل تتعارض هذه المسميات مع بعضها البعض أم تتوافق؟

 

إذا انطلقنا من قاعدة التبسيط للتعريفات المعطاة لكلمة هوية فهي منسوبة إلى هو، يعني من هو، أو من هو الشخص. وعرفها الفلاسفة بأنها حقيقة الشيء والشخص الذي تُميزه عن غيره.

أما بطاقة الهوية، فهي تعريف بالفرد تتضمن مجموعة من الميزات الشخصية مثل الإسم، تاريخ الولادة، محل الولادة، وغيرها. أما في بطاقة التعريف للجماعة البشرية، إذا أردنا أن نستخدم هذا المصطلح فتصبح مجموعة الميزات التي تختص بها أي جماعة بشرية.

 

وقد قلنا سابقًا أننا أمام ثلاث مسميات، سأبدأ بالهوية الإنسانية، بطاقة التعريف التي تحدد لنا ميزاتنا الشخصية، تبدأ من تميزنا عن بقية الخلق، أي أننا ننتمي إلى البشر، وأهم ميزة خصنا الله بها هي الإنسانية عن بقية الخلق، بحيث تتحكم في تلك الشخصية مجموعة من الميزات كالعقل والنطق والعواطف الإنسانية ومجموعة من القيم التي تتقدم على الاعتبارات الأخرى.

  • الهوية الأساسية هي الهوية الإنسانية، وبعدها تأتي الفوارق الأخرى، أي الانتماء إلى دين وعقيدة والانتماء إلى جماعة بشرية على بقعة جغرافية واحدة تجمعها قواسم مشتركة، ومن أروع ما قيل في هذا المجال حديث أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في كتابه لمالك الأشتر لما ولاّه على مصر "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، يضع الإمام عليه السلام الأساس للعلاقة مع الناس، وعندما قال له الرعية لم يقل الرعية المسلمة، بل الرعية بالمطلق، يضع الإمام الأساس للعلاقة مع الناس على قاعدة إنسانية راقية، وهي أن هؤلاء الناس إما تجمعهم رابطة الأخوة الدينية أو الشراكة في الوحدة الإنسانية.
     
  • الهوية الثانية هي الهوية الدينية، حيث أن أخوة الدين ترتبط برابطة العلاقة الإيمانية التي ترتقي بالإنسان إلى درجات الكمال، إن تَمَكَّن من اكتساب الهوية الدينية على أصولها، لأن غاية الدين هي إيصال هذا الإنسان إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، من خلال تربيته ليكون إنسانًا، فنحن لا نربي آلة، نحن نربي إنسان، فهذه هي غاية التربية الأساسية، ولذلك فإن بناء شخصية الإنسان هو محور العملية التربوية الإسلامية بهدف الوصول به إلى نيل الرضا الإلهي وكسب رضاه عز وجل، وهذا يحتاج الى قيام الفرد بمسئوليات مترتبة عليه بما هو فرد مستقل، وتأتي هنا فروض العبادات الخاصة بك كفرد مستقل فرضتها عليك الديانة التي تنتمي إليها، ديانة الاسلام، ضمن دورك كجزء من المجتمع، هذا يعني أنه لا يستطيع الإنسان أن يعيش كفرد مستقل منفصل عن الجماعة، فتأتي هنا فروض العبادات من صلاة وصوم وحج وغيرها من العبادات. وأيضا من المترتبات على الفرد، قيامه بمسؤوليات كأحد عناصر الجماعة التي يعيش معها، وقد أولاها الإسلام أهمية قصوى، وحث على التفاعل مع هذه الجماعة بما يؤدي إلى نموها وازدهارها، وقد ورد في الحديث النبوي "الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله"، وفي حديث آخر "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"، فالانتماء إلى الدين الإسلامي والإيمان بتعاليمه يحتم تحمل مسؤوليات فردية واجتماعية، لأن الدين بمقدار ما هو هداية للإنسان الفرد، فهو دين هداية للجماعة من أجل صلاحها ورقيها وكمالها.
     
  • الهوية الثالثة التي نحملها فهي الهوية الوطنية، فمن خلال الجماعة التي يعيش معها الفرد تشكلت قواسم مشتركة وانبثقت منها سمات وميزات عن بقية الجماعات، وتعززت مع الزمن روح الانتماء إلى هذه الجماعة. وأهم هذه الميزات الموجودة في الهوية الوطنية هي إقامة تلك الجماعة على بقعة جغرافية واحدة، تتوفر فيها مجموعة من الخصائص المميزة منها اللغة، القيم، المصالح المشتركة، العادات والتقاليد، ووجود العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة داخل تلك الجماعة، حيث أنه في هذا العقد تحدد أهم القواعد التي تلتزم بها الجماعة، ومن خلالها انبثقت الدساتير والقوانين التي ترعى العلاقة بين الجماعة والجهة التي ترعى مصالحها وبين أفراد الجماعة أنفسهم. هذه الميزات هي التي يُولد منها أمة ووطن وتنشأ على اساسها الدولة.

وغالبا ما يجري الخلط بين السلطة والدولة، فكلنا عندما نتكلم نهاجم الدولة، بالوقت اللذي نحن كلنا جزء من الدولة، لان السلطة هي جزء من الدولة، فالدولة هي الإطار الأوسع الذي يشمل الأرض والشعب والمؤسسات، هذه المؤسسات هي التي تتألف منها سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والرقابية.
 

سأعرّج على مفهوم الوطن في الرؤية الإسلامية قبل الكلام عن الهوية الوطنية اللبنانية، بما أننا ننتمي إلى الهوية الإنسانية الدينية، فلا يوجد فوارق بين الهوية الإنسانية والهوية الدينية بمجموعة القيم الجامعة.

فما هي رؤيتنا نحن للوطن كمساحة للعلاقات الإنسانية بين مجموع المقيمين على بقعة جغرافية واحدة (وخصوصا الوطن المتنوع في انتماءات أبنائه الطائفية والمذهبية)؟
 

سأعود إلى النص القرآني الذي يتضمن الكثير من الآيات التي تربط الانسان بأرضه ومسقط رأسه وبني قومه، ويُستدل منها على أهمية تلك العلاقة، فهناك مجموعة من الآيات التي وردت في القرآن الكريم عند حديثه عن الانبياء والرسل وعن الوطن، بسم الله الرحمن الرحيم "قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتهم فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"، بسم الله الرحمن الرحيم "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم" من أحد تفاسير القرآن الكريم يقول مسألة الاستعداد للقتل مسألة الخروج عن الوطن من جهات عديدة، لأن البدن وطن الروح الإنسانية، تماما كما أن الوطن مثل الجسم الإنساني فكما أن التغاضي عن ترك وطن الجسم أمر صعب، كذلك التغاضي عن الوطن الذي هو مسقط رأس الإنسان ومحل ولادته ونشأته، يعني كذلك هو أمر صعب، هكذا يُحكى عن أهمية الوطن.
 

أيضا تدل سيرة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام عن حب الوطن والتعلق به وإعماره، فعن الإمام علي عليه السلام "عُمِّرَت البلاد بحب الأوطان"، بناء على ما تقدم الهوية الإنسانية والهوية الدينية تلتقيان على قواعد مشتركة، وكلاهما تؤديان إلى الحث على الانتماء للوطن، لنكون أمام مشتركات أساسية في الهويات الثلاث، بالتالي لا يوجد أي تعارض بينها. فالانتماء إلى أي منها هو دافع طبيعي للانتماء الى الهويات الاخرى.


 

هذا بالمقدمة النظرية، التي هي مقدمة ضرورية لندخل على صلب بحرالهوية الوطنية اللبنانية، فبعد قرن ونيف من الزمن، لم يصل اللبنانيون إلى الاتفاق على هوية وطنية واحدة، وقد تضافرت عوامل متنوعة في التنازع بين اللبنانيين على مفهوم هذه الهوية أبرزها:

  • عدم تقديم الهوية كإطار جامع للبنانيين، بل عندما تشكلت مع تشكل لبنان عام 1920 م قدمت كامتياز يضاف إلى الامتيازات التي منحها الاستعمار لفئة على حساب بقية لبنانيين.
  • انجذاب الجماعات التي تشكلت في الوطن الجديد إلى هوياتها الطائفية والتاريخية.
  • عدم سعي النخب التي استلمت الدولة لدمج الشعب في هوية وطنية واحدة وحرص الفئات الحاكمة على إبقاء التفاوتات قائمة.

 

يعتبر الدستور والقانون في أي بلد من مصادر تحديد الهوية الوطنية، ويصبح ملزما في التنشئة الوطنية، وقد كرست وثيقة الوفاق الوطني الهوية الوطنية، وتم وضعها في مقدمة الدستور (يعني بالمقدمة غير قابلة للتغيير)، عادة التعديل بالدستور له آليات، لكن مقدمة الدستور مؤلفة من عدة نبذات غير قابلة للتعديل، فيقول: لبنان عربي الهوية والانتماء، وهذا ما يرتب على هذه الهوية مسؤوليات تجاه القضايا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وتفرعت منها قضية وطنية لبنانية وهي مواجهة الأطماع الإسرائيلية في لبنان، والعدوان على سيادته، وقد أشارت الوثيقة في مقطعين إلى كيفية التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على لبنان الأول تحت عنوان بسط سيادة الدولة، حيث يجري توحيد وإعداد القوات المسلحة لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ومن المُلفت أنه لم تربط الفقرة الموضوع بوجود الاحتلال على الأرض اللبنانية، بل جعلتها مطلقة، لأن هذا العدوان تاريخي، وسيكون مستقبلي، ولكن إلى الآن لم يتم إعداد هذه القوات لتكون قادرة على القيام بهذه المهمة. ولذلك وضعت الوثيقة بندًا ثانيًا (لحين إعداد هذه القوات المسلحة لتصبح قادرة) يقول اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها.

 

عادة الدستور يضع الكليات، أما من يضع التفريعات أو القانون أو الترجمة للدستور فهو البيان الوزاري للحكومة، فهذا البيان هو القانون الذي على أساسه تنال حكومة الثقة، فالبيان الوزاري لأول حكومة وفاق وطني منبثقة عن اتفاق الطائف الذي على أساسه نالت الحكومة الثقة، يقول بأن الحكومة لن تألو جهدا ولن تدخر وسعا في العمل على تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي بكل الوسائل المتاحة، لا سيما دعم المقاومة الباسلة، فإذا الترجمة العملية للنص الدستوري تكون في القوانين، مثل هذا النص الموجود في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة والذي صادقت عليه المجالس النيابية من عام 1992 م إلى آخر حكومة شُكلت (لمدة 32 عامًا)، فهذا التراكم وهذا التواتر جعل حق المقاومة بمواصلة عملها للتحرير والحماية والدفاع بمثابة عرف دستوري وحق مشروع وأحد مرتكزات الهوية الوطنية اليوم.

 

فالمشكلة أنه رغم أن القوى المشكّلة للاجتماع  السياسي اللبناني أقرت بوثيقة الطائف وما أدرجته لجهة الانتماء العربي للبنان من جهة، والعداوة لإسرائيل والحق بمقاومتها من جهة أخرى، فإن الاختلاف حول فكرة المقاومة بقي قائما، لأن النصوص لم تغير ما في النفوس.

 

وصار هناك من يطرح إشكالية من نوع آخر وهي كيف لمقاومة شعبية في دولة ذات سيادة لها مؤسساتها وقواها الأمنية تولي مهمات من اختصاص الدولة مثل الدفاع والحماية، بينما الدولة بما هي المسؤول حصريا عن الدفاع هي المعنية بالقيام بهذه المهمات؟

 

هذه القاعدة تصح في الحالات الطبيعية لأي دولة عندما تكون في ظروف طبيعية وأمام تهديدات قادرة على التعامل معها، فمؤسسات الدولة هي المسؤولة عن حماية الشعب والأرض والسيادة، ولأِن تنبهت وثيقة الوفاق الوطني لهذه الثغرة، فإنه إلى الآن لم يتم تهيئة القوى المسلحة الرسمية للقيام بهذه المهمّة.

 

فحتى في وثيقتنا في عام 2009 م قلنا الدولة القادرة العادلة، فنحن من أكثر الأطراف بالحكومة وبالمجلس النيابي مطالبة بتسليح الجيش اللبناني. أحيانًا يعتقدون أننا نتكلم في هذا الموضوع شعارات، أحضروا سلاح يستطيع صنع توازن وبعد ذلك تكلموا عن دور ووظيفة المقاومة، مع العلم بانه إلى الآن لم يتم تسليح الجيش اللبناني، والسبب معروف، العدو الإسرائيلي هو الرافض الأساسي لهذا التسليح.

 

لذلك فإن الوضع الاستثنائي للدولة منذ ولادتها إلى اليوم، ولّد خيارات استثنائية لتوفير وسائل الدفاع والحماية ومن بينها نشوء المقاومة الشعبية منذ خمسينيات قرن الماضي. فالبعض يربط الأحداث بعام 1965م  عندما جاءت منظمة التحرير أو جاءت فصائل فلسطينية إلى لبنان إلى منطقة العرقوب ومن هناك بدأت تعمل عمليات. هناك كتب كتبها مؤرخين صهاينة إسرائيليين تكلموا فيها عن تاريخ العلاقة مع لبنان، حيث يذكرون العمليات على الحدود في الخمسينيات، أي قبل وصول فصائل المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، حيث يذكرون توغلات، مثلا واحدة من الشواهد تاريخية انه دخلوا الى بنت جبيل في عام 1954 م حيث فجروا بعض البيوت، طبعا هذه الأمور غير مذكورة بكل كتب تاريخنا، وهي مهملة عن قصد. فإذا نشوء مقاومات منذ الخمسينيات ومثل هذه المقاومة لا يتعارض وجودها مع وجود الدولة، بل تصبح عاملا مساعدا لا يحمل الدولة تبعات، وفي الوقت نفسه تسند إليها الدولة كقوة قادرة على القيام بمهمات لم تتمكن الجهات الرسمية من القيام بها، هذه الحالة الاستثنائية أفرزتها الظروف الاستثنائية، فالمقاومة لم تلد مع حزب الله، ولم تبدأ مع حزب الله، فأنا قلت بدأت بالخمسينيات، وكل جيل وخصوصا في المناطق الحدودية كان لا يجد مجالا إلا العمل المقاوم.

 

من وحي أحداث ما يجري في غزة، يقال أن القانون الدولي يسمو على القانون المحلي، فإن تعارضا يتم تطبيق القانون الدولي، ولو بخلاف إرادة الدولة وشعبها، إن ذلك يدفعنا للحديث عن تطبيق القانون الإنساني واستنفار هويتنا الإنسانية وجعلها حاكمة على موقفنا، عندما نرى خطرا متوحشا على الإنسانية كما هو الحال في غزة، فعندما نرى أن الإنسانية تنتهك في غزة بأبشع صورها ولا تتحرك الضمائر العالمية ونحن على مقربة من المذبحة فهل نكتفي بالصراخ؟ أم نقوم بعمل مؤثر ومفيد؟ خصوصا إن كانت هذه الهوية الإنسانية تجمع معها الدافع الأخلاقي والديني والمصلحة الوطنية، ففي موقف المقاومة الاسلامية في لبنان من الحرب على غزة اجتمعت الهويات الثلاث الإنسانية والدينية والوطنية، بما تتضمنه أيضا من هويتنا العربية، أما من قرر التجرد عن إنسانيته فهو ليس في موقع محاسبة الآخرين، نحن من علينا أن نطرح دائما السؤال على الآخرين أمام ما يحصل بعيدا عن الحيز الجغرافي، بعيدا عن أي اعتبار آخر، أنت ترى أمامك إلى اليوم حوالي 30 ألف شهيد وممكن 70 ألف مصاب، مذبحة تاريخية، ماذا تفعل؟ هل تتفرج؟ هل تكتفي بالكلام؟ بالموقف؟ إذا كان لديك قدرة على اتخاذ موقف ألا تُغلّب هنا الهوية الإنسانية والدينية والمصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر؟ هذا هو الذي يحكم اليوم موقف حزب الله الميداني والعملي تجاه ما يجري على الشعب الفلسطيني في غزة.

 

مداخلات وأسئلة الحضور:

- مداخلة رقم 1 سؤال د. نبيل سرور: لم يتوافق اللبنانيون منذ انشاء الكيان على هوية جامعة، فحتى خيار المقاومة لم يكن محل إجماع، فهل الإنتصار على العدو الإسرائيلي قد يعطينا توافق على الهوية الوطنية والإنتماء الوطني ومصلحة الوطن بشكل عام؟

الرد: لم يكن هناك يومًا اتفاق وطني على قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، رغم أن اتفاق الطائف حسم هذا الموضوع، ولكن هذا الموضوع هو موضع خلاف تاريخي، فمثلاً في العام 1920 م عندما اجتاح الجيش الفرنسي منطقة جبل عامل، كان هناك ناس مع الاحتلال وناس ضد الاحتلال. حتى بالتحرير في عام 2000 م كان هناك عزاء بمكان في لبنان، وفرح في مكان اخر، كان هناك من اعتبر بأن مشروعه انهزم. وفي عام 2006 م كان هناك انقسام حول موضوع الحرب. وهذا الموضوع لا يوجد له حل في لبنان، فالانقسام سيبقى، وهو نتيجة مشارب متنوعة، وليس الحق على الناس، فنحن لا نحمل الشعب مسؤولية. نحن نحمّل المسؤولية للطبقة السياسية وللقوى الطائفية التي تربي على المذهبية والطائفية، وبنفس الوقت تتعاطى مع إسرائيل كأنها ليست عدو. فنحن عكس غيرنا ننشأ على قواعد وطنية، وعندما قمت بهذا السرد للهوية الوطنية كي لا أقول أننا ندّعي شيئا غير موجود، هذا دستورنا وقوانيننا نحن نقول ارجعوا للدستور وللقوانين للتوافق على هوية وطنية جامعة.

 

- مداخلة رقم 2 سؤال من أحد الحضور: المقاومة في لبنان ليس هناك مقاومة واحدة، بل هناك وجود لعدة مقاومات، ولهذا لم تستطع المقاومة توحيد اللبنانين، ولم يتم الإتفاق عليها، وبالتالي وجودها لم يؤدي إلى تعزيز الانتماء الوطني، وهذا الموضوع يشكّل مشكلة، فعلينا الإعتراف بأن المقاومة هي وسيلة وليست هدف بهد ذاتها.

الرد: تحت سقف الدستور والقانون والمشتركات الوطنية كل المقاومات التي نشأت في لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي كانت محل تقدير واحترام، فأنا أعتبر المفصل خطاب بنت جبيل الذي قاله سماحة السيد بالتحرير، حيث قام بشكر كل من ساهم في هذا التحريرمن فصائل فلسطينية، مقاومة وطنية، اليسار اللبناني، حركة أمل، حزب الله، كل من شارك، وكنا دائما نقول المقاومة هي من جيل إلى جيل، فمثلا في الشعب الفلسطيني دائما ينشأ جيل مقاومة ضد الاحتلال، لأنه هناك احتلال، فالمقاومة هي بالفطرة وهي المحدد الطبيعي للغنتماء الوطني.

 

- مداخلة رقم 3 سؤال من أحد الحضور: تاريخيًا وحتى الآن لم نستطع كمقاومة دينية أن نكرس مفهوم الوطن والمواطنة وانتماءنا للوطن، وذلك بسبب تغلّب جذورنا الدينية على جذورنا الوطنية، خاصة عند مقاومتنا خارج الحدود الجغرافية (سوريا، العراق، فلسطين،..إلخ)، فكيف يمكن حلّ هذه الإشكالية؟

 

 

هناك إشكالية تاريخية طبيعية لم تتعالج، وإن كان هناك محاولات لمعالجتها، لأنه عندما تشكل لبنان كان هناك موقف آنذاك للعلماء المسلمين الشيعة تجاه هذا التشكل، وعقد مؤتمر وادي الحجير التاريخي، لكن بعد نشوء لبنان خصوصا بعد نيله استقلاله في عام 1943 م، بمعزل عن طريقة الاستقلال، اندمج حتى علماء جبل عامل بالدولة الجديدة، لكن مشكلة السلطة التي نشات، لم تحضرهم للدولة، بل تعاملت معهم كأنهم أطراف. والسيد عبدالحسين شرف الدين معروف برسالته التاريخية في عام 1949 م بعد اجتياح 48 "إن لم يكن قدرة على الحماية، أليس من طاقة على الرعاية" فتصرف كأحد العلماء وكمواطن لبناني، فكانت دائما فكرة علماء الشيعة أن يكونوا في إطار الدولة. وعند حضور الإمام سيد موسى الصدر إلى لبنان حسم أن لبنان وطن نهائي.

وحزب الله أيضًا حسم هذا النقاش وقال لبنان وطن نهائي، هذا له علاقة بسياق تاريخي لأنه كان موقفنا موقف الجماعة التي ننتمي إليها تاريخيا، وهذا كان له اعتباراته، لكن الذين يكتبون التاريخ دائما هم الأقوياء، فالذين كتبوا تاريخ لبنان هم الذين استعمروا لبنان، حيث حافظوا على اسم وحيد هو جبل لبنان. فلماذا لم يسموه الجبل، بل تركوه جبل لبنان؟ لأنهم اعتبروه مركز البلد، لانهم هم من أنشأ الدولة، فهذه النخبة التي حكمت اعتبرت طرابلس والبقاع وجبل عامل وغيرها هي خزان اقتصادي وعمال وسهول ومرافأ، هذا ليس كلامنا، هذا كلام الوثائق الفرنسية التي نشرت حول كيفية تشكل لبنان. فهذه الإشكالية صحيحة لكن نحن استطعنا على مدى سنوات أن نعود ونكرس مفهوم الوطن والمواطنة وانتماءنا للوطن، وبكل أدبياتنا هذا الموضوع أصبح حاضرًا وبقوة.

 

 أما في القتال خارج الحدود الجغرافية فهو نتيجة الحاجة، فنحن حتى الآن لم نهتدي إلى دولة قادرة وعادلة وقوية تحمي لبنان، وهذا ما يولد حالات استثنائية للمقاومة نسميها الأمن القومي. فمثلاً الإدارة الأمريكية تصدر بيان بأنها ستضرب اليمن لأنه تهديد للمصالح الأمريكية، رغم أن اليمن هي خلف البحار بالنسبة لأميركا (فهي قررت الدفاع بغطرستها عن مصالحها خارج أميركا)، وبالتالي ألا يحق لنا ان ندافع عن أمننا القومي خارج حدودنا الجغرافية القريبة؟ أيضا فيما يتعلق اليوم بفلسطين فنحن بوضوح غلبنا الهوية الإنسانية مع البعد الديني مع المصلحة الوطنية، أمام ما نراه من مذابح وظلم بحقّهم.

 

كلمة ختامية للنائب الدكتور حسن فضل الله:

نحن في بلد متنوع، فسأعرض رؤية رؤية حزب الله بشكل مختصر، نحن حسمنا خيارنا في عام 2009 م أن لبنان وطن نهائي لجميع اللبنانيين، فلبنان المتنوع نحن نريده، ونريد أن نحافظ عليه وعلى هويته بصيغته الحالية وبحدوده الحالية، ونسعى إلى بناء الدولة، ولكن نحن بنفس الوقت مقتنعين بالتجربة وبالدليل وبالبرهان أن هذا العدو الإسرائيلي حتى الآن بوجوده، لا يمكن للدولة أن تواجهه في لبنان. ولهذا فنحن نريد الدولة ولكن لا نتخلى عن المقاومة (ما دام هناك ضرورة لوجودها)، والتي هي سند وضمان للمواطن وللشراكة وللوطن ولهذه الدولة ولهذه الهوية الوطنية اللبنانية الجامعة، والتي تشكل عنصر القوة الأساسي للحماية وللدفاع عن وطننا لبنان، تجاه كل التهديات الخارجية، وتحديدًا تهديدات العدو الصهيوني.

وهذه القوة التي نمتلكها لا نريد استثمارها بالسياسية الداخلية، والدليل أننا نواجه أعتى وأقوى المستكبرين في الأرض، وفي نفس الوقت لا نستطيع انتخاب رئيس للجمهورية بفائض قوتنا. لأننا في الداخل نعمل ضمن قواعد وأصول معينة تحترم الدستور والقانون والشراكة والمواطنة والوطنية، أما مع العدو فقواعد المواجهة مختلفة معه.

 

 

 

 

 

 

آخر تحديث : 2024-08-01
الكلمات المفتاحية للمقال:
مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا