Cancel Preloader
دراسات ومقالات المركز

الذكاء الاصطناعي والعملية التعليمية: نحو شراكة علمية آمنة

  • 2024-01-15
  • 1920
الذكاء الاصطناعي والعملية التعليمية: نحو شراكة علمية آمنة

الذكاء الاصطناعي والعملية التعليمية: نحو شراكة علمية آمنة

إعداد : أ.سامر جابر[1]

 

في رواية الخيال العلمي "The Diamond Age" للكاتب نيل ستيفنسون، يتعرّف القارئ على شخصية نيل، وهي فتاة صغيرة تحصل على كتاب متقدّم يسمى"The Young Lady's Illustrated Primer"، وهذا الكتاب الذي يعتبر أداة تفاعلية بشكل كبير، حيث تستطيع الفتاة التحدّث معه، ويرد على أسألتها، بهدف تعليمها وتحفيزها لتطوير نفسها كشخص قوي ومستقل.

 

ولكن حتى بعد ظهور الإنترنت وأجهزة الحواسيب المتطوّرة، لا يزال هذا الكتاب ضمن نطاق الخيال العلمي، إلى أن شهدنا تقدّماً ضخماً في مجال الذكاء الاصطناعي، مع ظهور تقنية ChatGPT في نوفمبر 2022 والقادرة على إنتاج ردود ذكية للغاية وتحليلات متطوّرة من خلال حوار يشبه حوار البشر. وقد أحدثت هذه التقنية موجة من الابتكارات، وتشير بعضها إلى أننا قد نكون على مشارف عصر أدوات تفاعلية ذكية فائقة الذكاء، تشبه الكتاب الذي تخيله ستيفنسون لشخصية نيل.

 

الذكاء الاصطناعي يعتبر واحداً من أهم التقنيات الحالية والمستقبلية، حيث تصفه بعض الشخصيات المؤثرة في العالم بأنه أعمق وأقوى من أي تكنولوجيا سابقة، فقد صرح سوندار بيشاي Sundar Pichai، الرئيس التنفيذي لشركة Google، بأن الذكاء الاصطناعي يفوق في قوته النار والكهرباء وأي تقنية أخرى شهدناها في الماضي، ووفقاً لريد هوفمان Reid Hoffman، مؤسس LinkedIn، فإن الذكاء الاصطناعي سيحقّق تغييرات إيجابية هائلة في العالم، وأشار سال خان Sal Khan، مؤسس منصة Khan Academy، في حديثه في TED أن الذكاء الاصطناعي قد يكون "أكبر تحول إيجابي شهده التعليم على الإطلاق".

 

ففي السنوات الماضية، شهدنا طرحاً لعددٍ من الأدوات والتطبيقات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بمختلف الأشكال، والتي أصبحت قادرة على توليد محتوى متنوع من النصوص والصور والموسيقى والفيديوهات بكل سهولة وبدون الحاجة لبرمجة معقّدة، ويكفي إعطاءها تعليمات بلغة طبيعية بسيطة، بحيث تتطور هذه التطبيقات بسرعة كبيرة، وتتميز بقدرات لا يمكن تصورها قبل سنوات قليلة فقط.

 

وفي مجال التعليم، ستؤثر التقنيات المتقدّمة للذكاء الاصطناعي على عملية التعلم والتدريس وحتى هيكلة نظام التعليم الحالي، فهناك قادة ومؤثرون في مجال التعليم ينظرون بتفاؤل كبير إلى هذه التغييرات، ومع ذلك، هناك أيضاً جوانب من القلق من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى نشر معلومات غير صحيحة إلى التسهيل على الغش في المدارس وفقدان الخصوصية الفردية وتهديد الوظائف؛ وبالتالي نحن في حاجة لاستخدام إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي مع التصدي للتحديات والمخاطر المحتملة.

 

 

استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم

بفضل الذكاء الاصطناعي، صار بإمكان المعلمين والمحاضرين التخلّص من المهام الإدارية وتحرير وقتهم من خلال تطبيق "الأتمتة"[2] في العمليات المكتبية مثل تصحيح الامتحانات وتقييم الواجبات، ويضمن استخدام الذكاء الاصطناعي قدرة الطلاب على الوصول إلى تعليم ذو جودة عالية في أي وقت ومكان، وأيضاً المساهمة في عديدٍ من المهام، مثل تلخيص المحتوى وإدارة المستندات.

 

فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في عدة أدوار في التدريس والتعلّم والإدارة التعليمية وأهمها:

1. المساعد التدريسي: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدّم مساعدة للمعلمين في المهام الإدارية والتخطيط السنوي والفصلي والأسبوعي واليومي للمادة مع تنظيم وقت الحصة التعليمية وتطوير ممارساتهم التعليمية وبإمكانه أيضاً تقديم توصيات لمعالجة احتياجات الطلاب وتحسين التفكير لديهم من خلال تقديم أنشطة لتنمية المهارات العقلية.

 

كما أن بعض التطبيقات تقوم بتحليل البيانات لتوّقع الأداء المستقبلي للطلاب، وتحديد الطلاب الذين يعانون من صعوبات واكتشاف نقاط الضعف والقوة لكل طالب، وتحسين استراتيجيات التدريس، فيمكن للمعلمين الحصول على فهم أعمق لقواعد وتحسين أداء الطلاب في الصف، وكذلك يمكن استخدام تطبيقات مثل ChatGPT وBing وBard وتطبيقات التعليم المخصصة الأخرى لتعزيز إنتاجية المعلم.

 

علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز تجربة التعلم والتدريس الشاملة للطلاب والمعلمين، من خلال استخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل Top Hat، Education Copilot، وChatGPT، والتي تمكّن من إنشاء دروس تفاعلية وجذابة وتقديم أفكار لشرح الدرس وإنشاء اختبارات تفاعلية وتخطيط الدروس، وتوفير محتوى مخصص لأي موضوع، وإنشاء موارد تعليمية متنوّعة مثل مقاطع الفيديو التعليمية والمحاكاة والألعاب التعليمية التفاعلية.

 

وبعض التطبيقات الرقمية تسهل العمليات الإدارية للمعلمين وتقوم بتنظيم الجدول الزمني وتوزيع المهام وتتبع تقدم الطلاب وتسجيل الحضور والغياب.

  • في عام 2022، أطلقت شركة Pearson أداة تسمى "Pearson AI" والتي تساعد المعلمين على تصحيح الواجبات المنزلية والاختبارات تلقائياً.

  • في عام 2022، أطلقت شركة Microsoft أداة تسمى "Microsoft Class Insights" والتي تساعد المعلمين على تتبع تقدم الطلاب وتحديد المجالات التي يحتاجون فيها إلى مزيد من المساعدة.

  • في عام 2022، أطلقت جامعة هارفارد أداة تسمى "Harvard AI for Education" والتي تساعد المعلمين على إجراء البحوث التربوية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

  • في عام 2022، أطلقت جامعة ستانفورد أداة تسمى "Stanford AI Education" والتي تساعد المعلمين على تطوير أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي للتعليم.

 

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من البيانات لتحديد أنماط واتجاهات جديدة، مما يساعد المعلمين على تحسين أساليب التدريس الخاصة بهم،  على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المعلمين في تحديد أفضل الطرق لتعليم المفاهيم المعقّدة أو مساعدة الطلاب على التغلّب على العقبات في التعلم.

 

2. المساعد التعليمي: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مساعداً تعليمياً للطلاب في فهم المفاهيم والمصطلحات والقواعد العلمية الصعبة بأساليب سهلة ومفهومة وبعدة طرق وتحسين مهاراتهم الكتابية، ويمكنه أيضاً دعم التعلم المخصّص للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير الترجمة للطلاب.

يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد نقاط الضعف لكل طالب وتوفير تمارين ومواد تعليمية مخصّصة لتعزيز فهمهم وتحسين أدائهم، وتوفير أدوات تواصل مبتكرة بين الطلاب والمعلمين أو بين الطلاب أنفسهم، مما يشجّع على تبادل المعرفة والتعاون وتعزيز تفاعلات الفصول الدراسية، وفي إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة ستانفورد أظهرت أن الطلاب الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي في التعلم حققوا درجات أعلى بنسبة 10% من الطلاب الذين لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي، بينما حقّق الطلاب في الإمارات العربية ما نسبته 8% أعلى من الطلاب الذين لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي حسب دراسة أجرتها جامعة زايد في الإمارات العربية المتحدة.

  • في عام 2022، أطلقت شركة Amazon أداة تسمى "Amazon Alexa for Education" والتي يمكن استخدامها لتوفير المساعدة للطلاب في واجباتهم المنزلية وحل المشكلات.

 

3. المساعد الأهل: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الأهل للمساعدة في مهام إدارة تعليم أطفالهم مثل طلب خطة تعليم فردية أو تقييم طفل لبرامج الموهوبين والمتفوقين. يمكن أيضاً للذكاء الاصطناعي المساعدة في شرح الطرق والأساليب التي تساعد الأهل في تدريس أولادهم وتقديم توصية بالموارد التعليمية والكتب والأنشطة بناءً على عمر الطفل واهتماماته وأسلوب تعلّمه والذي يوفّر على الآباء الوقت والجهد في العثور على المواد المناسبة.

 

علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير دعم تعليمي إضافي للأهل، حيث يمكنهم الاستفادة من الموارد التعليمية التي توفرها التطبيقات والمنصات التعليمية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز مهارات أطفالهم في مجالات مختلفة مثل القراءة والكتابة والرياضيات.

ولكن من الضروري دوماً، أن نتذكر أن الذكاء الاصطناعي هو أداة، وليس بديلاً عن الآباء، فتوفير الدعم العاطفي والتشجيع لمساعدة الطفل على ترسيخ فهمه وتطبيق معرفته في الحياة اليومية هو أهم ما يحتاجه الطالب من الوالدين.

 

4. المساعد الإداري: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المسؤولين الإداريين في صياغة الاتصالات والأنشطة الإدارية للمؤسسات التربوية، بالإضافة إلى مهام أخرى مثل تنظيم الجداول الدراسية وتحليل البيانات لتحديد الأنماط والاحتياجات، ويساعدهم على تحسين الكفاءة واتخاذ قرارات أفضل.

يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة المهام الإدارية والتي تعتبر من المهام الشاقة للإداريين، والتي توفّر عليهم المزيد من الوقت للتركيز على المهام الأكثر أهمية، وعلى سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تتبع درجات الطلاب وإدارة اللوجستيات وإعداد التقارير تلقائيًا، مثل تقارير الأداء وتقارير المالية، وكذلك مساعدة المديرين على تتبع تقدم المؤسسة واتخاذ قرارات أفضل بشأن الموارد.

وفي دراسة أجرتها جامعة هارفارد أظهرت أن المدارس التي استخدمت الذكاء الاصطناعي في الإدارة التربوية حققت تحسنًا بنسبة 15% في الكفاءة التشغيلية.

 

بالإضافة إلى هذه الأمثلة المحددة، هناك الكثير من الطرق الأخرى التي يمكن أن يساعد بها الذكاء الاصطناعي المديرين في المؤسسات التربوية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي:

  • تحسين التخطيط الاستراتيجي

  • تحسين إدارة المخاطر

  • تحسين الاستجابة للطوارئ

  • تعزيز الابتكار

 

  • في عام 2022، أطلقت شركة Google أداة تسمى "Google Classroom" والتي توفر للطلاب والموظفين بيئة عمل رقمية متكاملة.

لا يزال استخدام الذكاء الاصطناعي في الإدارة التربوية والتعليم في بداياته، ولكن هناك الكثير من الفرص المحتملة لتحسين الكفاءة والفعالية في هذه المؤسسات، ومع استمرار تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، من المرجح أن تصبح هذه التقنيات أكثر شيوعاً في المؤسسات التربوية في السنوات القادمة.

ولكن الاستجابة لهذه التقنيات واستخدامها يجب أن تكون حذرة، ومع هذا التقدم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تثار تساؤلات أخلاقية هامة تتعلق بالتحيز والاستخدام السليم والانتحال الأدبي، بغض النظر عن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في الفصول الدراسية، فإن المهمة الأساسية لصانعي السياسات وقادة التعليم هي ضمان أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تخدم الممارسات التعليمية الصحيحة.

 

يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية للتغيير الإيجابي في التعليم والإدارة التربوية، وأن الشراكة بين المعلمين والإدارة والأهل والطلاب أمر ضروري لتحسين عملية التعلم والتعليم وتوفير فرص جديدة للطلاب والمعلمين على حدٍ سواء، ومن المهم استخدامه بمسؤولية ووعي وأن نكون على دراية بالمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي وأن نتخذ خطوات لتقليل هذه المخاطر.

 

 


المراجع:

  1. Vygotsky, L. S. (1978). Mind in society: The development of higher psychological processes. Harvard University Press.
  2. Woolf, B. P. (2010). Building intelligent interactive tutors: Student-centered strategies for revolutionizing e-learning. Morgan Kaufmann.
  3. Baker, R. S., & Inventado, P. S. (2014). Educational data mining and learning analytics. In International Handbook of Information Technology in Primary and Secondary Education (pp. 61-78). Springer.
  4. Kulkarni, C., Wei, K., Le, H., Chia, D., Papadopoulos, K., Cheng, J., ... & Koller, D. (2015). Picture this!: A visual annotator for real-time language understanding. In Proceedings of the 33rd Annual ACM Conference on Human Factors in Computing Systems (pp. 309-318).
  5. Siemens, G., & Baker, R. S. (2012). Learning analytics and educational data mining: Towards communication and collaboration. In Proceedings of the 2nd International Conference on Learning Analytics and Knowledge.
  6. Barton, M. (2022, February 2). How AI can help teachers. Forbes.
  7. Breidenstein, G., Seidel, T., & Stürmer, K. (2022). The potential of artificial intelligence in education: A systematic review of research evidence. Educational Research Review, 38, 100676.
  8. Spector, J. M., & Merrill, M. D. (2022). Artificial intelligence in education: A vision for the future. Journal of Educational Technology & Society, 25(1), 12-26.
  9. أماني محمد شريف عبد السلام - مجلة کلية التربية (أسيوط), 2023 - journals.ekb.eg.  التغيــر القيمي لدى طلاب جامعة أسيوط في ضوء بعض التغييرات المعاصرة ekb.eg.

 

 


[1]  -  أستاذ ثانوي في مادة المعلوماتية، طالب دكتوراه في اختصاص الإدارة التربوية، باحث في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، خبير في مجال تكنولوجيا التعليم.

[2] الأتمتة: هي استخدام التكنولوجيا للتحكم في البرامج أو المعدات دون تدخل بشري مباشر.

آخر تحديث : 2024-05-28
مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا