نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي رقم 4 للعام 2023 وذلك عصر نهار الإثنين بتاريخ 17 تموز 2023 م، تحت عنوان
[الشباب والهويّة بين الأصالة والتغرّب]
بدأ الملتقى بمقدمة للدكتور علي كريم.
كما تمّ إطلاع الحضور من قبل الدكتور كريم على نتائج استطلاع حول الشباب والهوية أجرته مديرية الدراسات الميدانية في المركز على عينة من الشباب (نتائج الاستطلاع موجودة على موقع المركز).
المداخلة: الشباب والهويّة بين الأصالة والتغرّب (د. طلال عتريسي /لبنان)
بدأ د. عتريسي مداخلته عبر انطلاقه من فكرة أنّ الهوية هي تشكّل غير ثابت، ما عدا هوية الإنسان العائلية والبيولوجية هي فقط الثابتة، فحتّى الهويّة الدينية قابلة للتبدّل، وإلاّ لما كنّا نرى أشخاص يعملون على تغيير معتقد الآخرين في الجانب الديني، وهوية الإنسان تبدأ من لحظة الولادة من خلال إسمه وإسم أباه وعائلته، حاليًا في أوروبا إسم الأب لم يعد ضروريًا لأنّه لم يعد هو المعيار الذي يحدّد الشرعيّة بحسب أفكارهم.
ثم طرح سؤال ما هو العنصر الطاغي على الهوية أكثر من غيره؟
فأجاب بأنّ كثير من الشباب في عالمنا العربي ينبهرون بالغرب ويعتبرونه قدوة لهم نتيجة لتقدّمهم التكنولوجي، علمًا بأنّ التطوّر التكنولوجي هو ليس هوية، فقبل 100 سنة لم يكن لدى الغرب تكنولوجيا، فهل كانوا يفتقدون للهويّة؟.
ثم أضاف بأنّه في البلدان التي يتواجد فيها أقوام وعرقيّات مختلفة كالعراق وإيران يتمّ العمل على إحياء الهويّات، فالبُعد القومي والعرقي هو أساس في الهويّة، وهنا يتم طرح سؤال هل العرق والقوميّة أقوى من الدين؟، فمثلاً في لبنان إذا سألنا الشيعي هل أنت لبناني أولاً أم شيعي أولاً؟ فلربما قد تكون الإجابة بأنّ الإسلامي أولاً قبل اللبناني والعروبي. فالهوية عبارة عن أولويّات، وهي عبارة عن مراحل، فمثلاً خلال حرب تموز قد تشعر كشيعي بأنّك مهدّد فلهذا تطغى هويتك الدينية الشيعية على باقي مكونات الهويّة في تلك المرحلة. وفي مرحلة ثانية مثلاً خلال الإنتخابات تطغى الهويّة السياسيّة على باقي الهويّات. والهويّة أيضًا تختلف حسب الخبرة وعمر الإنسان، فكلما زادت خبرة الإنسان وتجاربه كلّما ثبتت هويّته أكثر.
وانتقل بعد ذلك للكلام عن قضية التغرّب حيث عبّر عنه بأنّه تقليد للغرب، فمن يعيش في الغرب ليس متغرّب، هو يعيش في الغرب، أما من يعيش في بلدان اخرى ويريد تقليد الغربيين فهو إنسان متغرّب، فما هو معنى أن يكون الإنسان متغرّبًا؟ يعني أنّه هناك ثلاث مستويات من التغرّب، فهناك تغرّب على المستوى الفكري والثقافي حيث يلتزم الإنسان بالإعتقاد بصحّة ودقّة المقولات والتوجّهات الغربيّة، وكأنّها مسلّمات يقينيّة. وهناك تغرّب على المستوى السلوكي، من خلال التصرّفات (اللباس، المشي، الكلام،..إلخ). وهناك تغرّب على المستوى النفسي حيث يعتبر الشخص بقرارة نفسه بأنّه أدنى من الغرب، والغرب متقدّم عنه، ولا يمكن الوصول له، وهذا منتشر كثيرًا لدى الفئات الشابّة.
وانتقل بعد ذلك للحديث عن مقولة التقدّم التكنولوجي عند الغرب، والغرب المتقدّم، وبأنّ بلادنا تعيش حالةً من التأخّر والتخلّف. وأضاف بأنّه صحيح أنّ لدى الغرب تقدّم تكنولوجي ولكنّها ليست مقياسًا للحضارة، هناك مقياس مُضلّل، فمثلاً: حسب مقياس تصنيف الجامعات في العالم، دائمًا ما تكون هارفرد وغيرها في الغرب هي الجامعات الأولى، وجامعات عالمنا ومجتمعاتنا هي في القسم الأخير، فما هو المقياس الذي يعتمدونه؟ هناك لديهم وفرة أموال، وقاعات ومكتبات ومعدّات...إلخ، كيف يكون القياس عادلاّ مثلاً مع جامعة في اليمن تخرّج طلاّب تحت ظروف الحرب، أنا أعتبر بأنّ الجامعة في اليمن هي الرقم واحد في العالم لأنّها تلبّي حاجات الناس في ظروف صعبة ومعقّدة وغير عاديّة، المقياس هي الجامعة التي تخدم النّاس. فالمقياس الإنساني والأخلاقي هو مقياس التقدّم والتأخّر.
فالغرب كل إنتاجه التكنولوجي المتطوّر هو لإبادة ونهب احتلال ثروات الشعوب الأخرى، وهذه معادلة ثابتة لديهم وليست ظرفية، وكلما تقدم بالتكنولوجيا كلما تقدم بالهيمنة والإحتلال والنهب، فهناك علاقة طردية بينهما لدى الغرب، وبالتالي ليس من المنطقي أن أرى فقط تقدّم الغرب كطرقات مرتّبة وشوارع نظيفة مزروعة بشتّى أنواع الأشجار، ولكن عليّ أرى أن أقرأ وأنتبه لأصل الثروات، فأصل نهوض الغرب لم يكن بعوامل داخلية بل بسبب النهب الذي قام به لإفريقيا ولشعوب العالم الثالث. فمثلاً رؤساء فرنسا شيراك وميتيران وماكرون يقولون لولا أفريقيا لكنّا دولة من دول العالم الثالث. فحجم النهب غريب وكبير جدًا في هذا المجال. وكمثال نهب بلجيكا لمادة المطاط من دولة الكونغو، وبالتالي تطوّرت صناعة دواليب السيارات في بلجيكا على حساب الأيدي المقطوعة في الكونغو لمن كانوا يقصّرون في أداء أعمالهم بعد استعمارهم، فلا يمكن فصل هذا التقدّم عن هذا التوحّش.
والغرب لا يزال في هذا الطريق والمنحى لتاريخه، فكلّ النظريات التي يتشدّق بها يضرب بها عرض الحائط إن خالفت مصالحه، فمثلاً: النظريات الإعلامية المتعلقة بالحوار والرأي الآخر تمّ الضرب بها بعرض الحائط في الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث يتمّ منع الروسي من الكلام، وممنوع عرض أي وجهة نظر مؤيّدة للرّوس. فهذه النظريات التي يتمّ تقديم الغرب بأنّه متقدّم فيها ومتطوّر، في لحظةٍ ما يتم إلغاؤها إن لم توافق مصالحه. ولهذا فهذا التقدّم لدى الغرب فيه وهم كبير خلف المظاهر، ونتبنّى في هذا المجال نظرية الحافلة (البوسطة)، فالغرب مثل حافلة جميلة جدًا شكليًا، وبالتالي فالسؤال الأساسي هذه الحافلة إلى أين هي ذاهبة وما هو مسارها؟ هذا هو السؤال الجوهري هنا. هل هي ذاهبة لتنهب قريةً ما مع قتل كل الناس المتواجدين فيها، أم ذاهبة لعمل الخير دون انتظار مقابل. فمقياس التقدّم هو أصل الفعل، أي ما هو هدفك من صناعة هذه الحافة؟ هل هو الخير الإنساني أم الشرّ والنهب. فمن هذه الناحية وكنظرة عامّة لهذه المقاربة يكون الغرب غير متقدّم علينا.
حياة الناس في أوروبا من 80 سنة تقريبًا كانت مثل شعوبنا، الناس تستر شعرها، عدد أولاد كبير في الأسرة (7-8 أولاد)، التستر جزء من الهوية، الزواج المبكر، المرأة لا تعمل، لا يوجد طلاق،..إلخ، هذا هو نمط الحياة الذي كان سائدًا عندهم سابقًا، والتطوّر والتقدّم أخذهم إلى نمط حياة آخر.
هذا هو التغرّب، أما عند السؤال في موضوع الهويّات، واختراق الغرب لهذه الهويّات، فالتأثير الذي يحصل على مجتمعاتنا رغم كل التفاوت في مكونات الهوية، لأنه قد يحصل اختراق في مجال وليس في مجالٍ آخر، فمثلاً قد لا يستطيع الغرب اختراق هويتك العقائدية، ولكنّه يركّز على اختراق أن تكون غير فاعلاً في مجتمعك (محايد)، هذا أحد عوامل الإختراق.
وأضاف أنّه عندما يكون النموذج الغربي عالميًا، فهو لديه القدرة أن يكون عالميًا، وبالتالي يصبح أكثر إقناعًا وقوّة حتّى ولو كان وهمًا، فهو يمتلك الإعلام، وبهذا تصبح قوّة التأثير والنشر أكبر من قوّة المضمون.
كما ونعاني في مجتمعاتنا بعدم إدراك لنقاط الضعف وللثغرات الإنسانية والحضارية في النموذج الغربي، بل نرى فقط التكنولوجيا، فالتكنولوجيا هي جزء بسيط، أما البعد الحضاري الإنساني فهو الأساس وهو المقياس، فالقرآن الكريم مثلاً لم يجعل من الجانب التكنولوجي هو المقياس للحضارة بل جعل الجانب الأخلاقي الإنساني هو المقياس الأساسي لها، فالغرب يقوم باستثمار التكنولوجيا في إبادة واستغلال الشعوب الأخرى، فملاً أميركا استخدمت القنبلية النوويية في هيروشيما وناكازاكي دون وجود حاجة لاستخدامها أصلاً، بسبب عدم وجود تهديد وجودي لأميركا، ولكنها قامت بهذه الفعلة الجريمة فقط لترهيب باقي دول العالم.
وهناك جماعةً من داخل مجتمعاتنا يعتبرون بأنّنا كمسلمين عاجزون عن مواكبة العصر، طبعًا هناك نقاط لدينا تخلّف وتراجع فيها، وهو يعود بشكل أساسي لمشاكلنا وحكّمنا وحكوماتنا،..إلخ، وجزء يعود للتدخّل الغربي في مجتمعاتنا من خلال تنصيب حكّام فاسدين تابعين لسياستهم ومنفذين لها.
وأخيرًا فالتغرّب هو عبارة عن فعلين، فعل إرادي، حيث أنّ الإنسان في هذه الحالة لا يثق بنفسه ولا يثق بهويّته ولا يثق بثقافته، وبالتالي يكون لديه القابلية للإستعمار، وفعل ثاني لا إرادي يقوم الغرب بالعمل علينا فيه حتى يضعّف لدينا الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة، ولديه برامج وتقنيات وينفق الكثير من الأموال في هذا الخصوص.
وطرح د. عتريسي السؤال الآتي: اليوم لماذا دومًا يتم الكلام عن موضوع الأصالة والتغرّب؟ الجواب هو كلما احتدم الصراع مع الغرب برزت أكثر فأكثر مسألة الهوية والأصالة، واشتدّت محاولات التغريب، التغريب بكل مستوياته، أي أن تصبح أنت كشخص في البعد العقائدي السلوكي السياسي الثقافي لا شيء، أي جانب تُخترق فيه هو إنجاز بالنسبة لهم.
وأنهى الدكتور عتريسي مداخلته من خلال قوله بأنّ الهوية الإسلامية الصامتة حتى الأصيلة التي لا تشكّل أي تحدٍّ للغرب، الغرب لا يمانع في المحافظة عليها، بينما الهوية الإسلامية التي تتصدى للغرب المعرفي والسياسي والثقافي هو عنده مشكلة مع هذه الهوية بكل مستوياتها، ونرى نماذجه في هذا العصر. فنحن هنا بين أصالتين، كي لا نقول الأصالة والتغرّب، نحن بين أصالة تقليدية وهوية إنكفائيّة، وبين أصالة في مواجهة الهيمنة الغربية، في هذا العصر لا يمكن تحديد الهوية من دون المواجهة مع الغرب، فلا يكفي الإلتزام بالشعائر الدينية دون مواجهة الغرب وانحرافاته، فالغرب يريد هذه الهوية التي تركّز على الجمود الديني القائم على الشعائر فقط، دون مواجهة الهيمنة الغربية. فكلما احتدمت المواجهة مع هذا الغرب ومع مشروعه الهيمني اللاأخلاقي تبلورت الهوية الأصيلة لشعوب العالم، ليس فقط لمجتمعاتنا، وهذا أحد أهم مقاييس الأصالة والتغرّب في هذا العصر، هذه هي المقاربة التي نقوم بطرحها، فالهوية ليست فقط البعد العقائدي، الديني، القومي، العرقي،..إلخ، بل هي في مستوى المواجهة مع الغرب إضافةً لباقي العناصر.
المداخلات:
عقب المداخلة الأساسيّة كانت هناك عدد من المداخلات والأسئلة من قبل المتابعين حضوريًا وعن بُعُد:
مداخلة من قبل الدكتور أحمد الشامي:
بدايةً شكر المركز على حُسن الإستضافة وعلى طرح الموضوع لأهميّته، فهو موضوع إشكالي ومعاصر وعلى مراكز الأبحاث والدراسات التركيز عليه، وأضاف بأنّه في موضوع الشباب يريد أن يشير لمسألة أنّه إلى أي مدى يمكن للتحولات التي حدثت في مجتمعنا أن تنعكس على مسألة الهوية؟ وخصوصا في لبنان حيث أننا تاريخيا نتعرض لهجمات كبيرة على المستوى التغريبي، فالجو الثقافي السائد في لبنان على المستوى العام، ليس بالسهل أن ينتج ما أنتجه من تحولات على صعيد الساحة الشيعية المناهضة للإستكبار العالمي، وهذه التحولات كانت من خلال شباب هذا البلد، والتحديات كبيرة خاصةً أنها تحديات هوياتية، وليست أي تحديات عاديّة، وأريد التركيز على 3 نقاط:
- علينا الأخذ بعين الاعتبار في موضوع التغيّر الهوياتي موضوع الغلبة، فلا يمكن رؤية هذا الاجتياح الثقافي الغربي عبر فصله عن اصراره على مسألة الغلبة، في المقابل لا يمكن ان نرى ما يحدث في بلادنا أيضا بشكل بعيد عن مفهوم الغلبة، لذلك نحن نعتبر أنفسنا بأننا أمام فرصة تاريخية لإعادة تأصيل الهوية عندنا من خلال جيل شاب وعى على الإنتصارات ولم يعى على الهزائم، فما من فرصة زمنية مررنا بها كنا أقدر على تأصيل هويتنا كما يحصل الآن.
- دومًا ما كنّا نشكو سابقًا من مسألة الإستشراق، ولكن يبدو أننا الآن أمام تحدي كبير له علاقة بالإستغراب، فنحن مبتلون بشكل كبير في جامعاتنا وفي أحيائنا بالأشخاص (الوكلاء المحليين) الذين باتو هم الذين يقومون نيابةً وتطوعًا عن الغرب في مسألة التغرّب، وهؤلاء يجب أن نرصدهم جيدًا، لأنه لا يمكن أن نذهب لمواجهة هيمنة الغرب دون اخذ هؤلاء الأشخاص بعين الإعتبار على الصعيد الداخلي، وهم يتلطّون في الكثير من الأحيان خلق شهاداتهم العلمية أو خلف حتى عمائم دينيّة..إلخ لتحقيق مآربهم.
- أيضًا في موضوع التحدي الهوياتي علينا التركيز على موضوع النموذج، فنحن أمام تحد كبير جدًا أمام شبابنا، فهم يعرفون بأنهم يمتلكون هوية أصيلة، ولكن يحتاجون لهذه الهوية بأن تتمظهر على مستوى السلوك في الحياة. فالغرب استطاع أن يبهرنا في نموذجيته وأن يقوم بإخفاء عيوبه، وفي المقابل عمل على تظهير عيوبنا وإخفاء نقاط قوّتنا، وهنا التحدي، فنحن كيف نقدّم لجيلنا الشاب النموذج؟ فشاببنا بحاجة لنموذج عملي في جامعاتنا وأسرنا وشوارعنا وأعمالنا وليس فقط خطاب نظري.
مداخلة من قبل الدكتور يوسف أبو خليل:
بدايةً شكر الدكتور عتريسي على مداخلته القيّمة، وأضاف بأنّ ما يريد التركيز عليه هو مشروع المواجهة، فالحياد في المشروع الهوياتي والثقافي والحضاري لا يصحّ، فنحن في عصر العولمة أمام صراع حضاري، فالغرب صاحب الصراع مع الحضارات الأخرى، فبالتالي إذا أردنا الحديث عن الهوية فنحن بحاجة للفصل ما بين المسائل الثقافية والعلمية، فالثقافة هي الهوية، ولكن للأسف فهناك خلط كبير ما بين الثقافة والعلم والتكنولوجيا، فالعلوم والتكنولوجيا غير مرتبطة بحضارة ما، فالعلوم التجريبية والدقيقة هي تجربة بشرية تراكمية، فهي غير مختصّة بمجتمعٍ معيّن دون مجتمعٍ آخر، بل هو سلّم تاريخي، حيث كان يومًا من الأيام عند المسلمين (حيث كانت البيئة حينها عاملاً مساعدًا للتقدّم العلمي)، وفي يوم آخر هو متواجد في مجتمعات أخرى بشكلٍ أكبر مما لدى المجتمعات المسلمة في وقتنا الحاضر. وإذا أردنا أن نتحدّث عن الحضارة الغربية كمعادلة فنقول بأنها تساوي الثقافة الغربية المرنة + العلوم والتكنولوجيا + النظام السياسي الليبرالي القائم + الآداب والفنون. أمّا في المشروع الحضاري الإسلامي فالحضارة الإسلامية تساوي الثقافة الإسلامية + العلم والتكنولوجيا والعمران + النظام الإسلامي (في مقابل النظام الليبرالي)، وبالتالي نحن نحتاج إلى الفصل ما بين العلم وغيره من الأمور، لأننا للأسف نعتقد دومًا بأننا لا يمكن أن نستفيد من العلوم إن لم نتبنى الهوية والثقافة الغربية بشكل كامل. وفي مسار آخر في موضوع التببين، نحن يجب أن نقدّم هذا النموذج الحضاري، كنموذج الجمهورية الإسلامية في إيران التي أُسّست على أساس نظام إسلامي علمي تكنولوجي عمراني، حيث يؤكد سماحة السيد القائد (حفظه الله) أنّ أهم أمرين يجب توضيحهما وتبيينهما هما الدستور المدني الإسلامي الذي ينبع من الرؤية الإسلامية، والتحدّث عن العلم والتكنولوجيا في إيران وعن القيم الأخلاقية الحاكمة لهذه العلوم، فالوحيد الذي منع امتلاك إيران للسلاح النووي المدمّر للإنسانية هو الإمام القائد (حفظه الله) لأنّه ينطلق من قيم دينية إسلامية علمية أخلاقية، وبالتالي امتلاك هذا السلاح لا ينسجم مع هذا النظام الأخلاقي.
وأضاف د. أبو خليل بأنّ انفصال الحضارة الغربية عن الأخلاق والدين هي الأزمة الحقيقية للمجتمع الغربي، لأنّ هذه السيولة أو الحداثة السائلة أو ما بعد الحداثة السائلة، أدّت إلى تفلّت وإلى انهيار غربي داخلي للأسرة ولأسسه الأخلاقية، فالنواة الأصلية في المجتمع الغربي تتفتت، وتفتّت هذه النواة ستؤدّي لتفتّت هذه الحضارة الغربية كاملةً، وليس لتفتّت أميركا فقط، أو تفتّت بعض دول منظومة هذه الحضارة.
وللأسف فنحن في لبنان حاليًا يتم الحديث كثيرًا عن الهوية، وفي لبنان واقعًا لا يوجد لدينا هوية واحدة بل هناك عدّة هويّات، ولا يجب أن تُملى علينا هويّة غربية عالمية مهيمنة واحدة وأن يتم رفض كل باقي الهويات أو الثقافات الأخرى.
مداخلة من قبل الدكتور كمال لزيق :
عرض د. لزيق في النقطة الأولى بأنّه نحن منذ انهيار الإتحاد السوفياتي ويتم الكلام عن صراع الحضارات، وتعزّز وجود العولمة الأميركية، أعتقد أننا أصبحنا في نقطة تحوّل سياسية واستراتيجية يمكننا الإستثمار فيها، فنحن ذاهبون نحو اتجاه انحسار وأفول موضوع العولمة الاقتصادية والثقافية، التي هي قائمة على العولمة الأميركية، وهناك تحوّلات من قبل الصين وروسيا في العالم إن تمّ قراءتها بشكلٍ جيد من خلال بعض النظريات والتي أبرزها النظرية الرابعة للفيلسوف الروسي ألكسندر دوغيم الذي يحضّر العالم لما نسميّه في السياسة حاليًا تعدّد الأقطاب، فالعولمة في أفول ولدينا فرصة تاريخية لاثبات حضورنا العالمي وليس المعولم.
ثم عرض في النقطة الثانية حيث قال بأننا عندما نتحدث عن العلم والتكنولوجيا من المنظور الإسلامي يوجد هناك خلفية ثقافية وحضاريه تحكمه، بينما عندما نتكلم عن العلم والتكنولوجيا من المنظور الغربي فإنّ هذا الأمر مشترك بين كل باقي العالم، أعتقد أنه من الممكن أن نثير الفكرة بطريقة أخرى، فيستحيل أن نأخذ العلم والتكنولوجيا والمنهج التجريبي التي نشأ في الغرب بعيدًا عن الخلفيات الثقافية والحضارية التي تحكمها، فلا يمكن الأخذ بالتكنولوجيا بعيدًا عن من يحكم هذه التكنولوجيا، والذي هو الفكر الإنساني، فمرّة يكون هذا الفكر ليبراليًا ومرّة يكون إسلاميًا..إلخ، ولهذا لا يوجد لدينا بما يسمى بالسلاح النووي، لأنه هناك بعد حضاري حاكم لهذه التكنولوجيا،أمًا مثلاً في الغرب فيتصارع ويتسابق حكّام الدول لامتلاك السلاح النووي، لأنّ التكنولوجيا والعلم عنده محكوم لخلفية ثقافية وحضارية ليبرالية قائمة على الرأسمال والهيمنة والسيطرة، وبالتالي فلا يمكن لنا الأخذ بالتكنولوجيا والعلم بعيدًا عن الرؤية والخلفية الثقافية الحضارية الملتزمة أخلاقيًا.
الردّ على المداخلات والتعقيب الأخير للدكتور عتريسي:
تكلّم الأخوان عن النُخب، فهذا صحيح بأن أميركا تعمل على النُخب، فمثلاً في تشيلي عندما حكم آلليندي اخترقوه عبر النُخب الاقتصادية، عبر ادخال الاقتصاد الغربي مقابل الاقتصاد الإشتراكي، فأطاحوا فيه. فالسؤال يكون النُخب الذين يتخرجون من عندنا ماذا يعملون وأين خطابهم؟ وهذا ما يردّنا لكلام كم هو يثق بنفسه أم يثق بالعلوم التي درسها (وهي علوم غربية في جامعاتنا)؟
في موضوع روسيا والماكدونالد، عندما كان الروس لا يقاتلون الغرب كانوا يركضون خلف الماكدونالد، الروس يقاتلون الغرب حاليًا، فأغلقوا الماكدونالد وليس لديهم مشكلة، هذه هي النظرية، وللمفارقة فإن الماكدونالد هي مؤسسة خاصة وتعمل بأمر الحكموة الأميركية (حيث امرتها الحكومة الأميركية بإغلاق فروعها في روسيا)، وهذا دليل على كذبة مؤسسات خاصة ومؤسسات حكومية، حتي نعرف هذا الغرب كيف يعمل وكيف يفكّر.
في موضوع تعريف التأصيل، ما هو تعريف علم الاجتماع؟ ما هو تعريف علم النفس؟ ليس هناك تعريف موحّد، فليس هناك مشكلة إن لم يكن هناك تعريف واحد للتأصيل، فالتأصيل ليس إسقاط لحديث نبوي على الإدارة الحديثة وعلى الليبرالية الغربية وعلى سياسات النهب والإستعمار، سابقًا كان يمكن للبعض أن يضع كلمة (بسم الله الرحمن الرحيم) على المقرّر فيعتبر أنه قد أصبح إسلاميًّا، ولكن حاليًا هذا غير موجود، اليوم هناك مُنتَج ثقافي غزير في إيران حول هذا الموضوع، ويوجد اتّجاهات فيه، الإسلام وعلم النفس، الإسلام والإعلام، أو الإعلام الإسلامي، يوجد فيه اجتهادات عميقة ومهمّة، فلكين هناك اجتهادات، وهذه ليست مشكلة، لأنّه ليس هناك علم اجتماع واحد، وليس هناك نظرية واحدة في علم الاجتماع، ولا في علم النّفس، لماذا هناك يُتَبَر هذا الموضوع تعدُّد رؤى ونظريات، وهنا يُعتبَر مشكلة، فليكن هناك عشرات الاجتهادات ولكنها جميعها على أرضية واحدة، تنطلق من خلفية دينية عقائدية ولنفس المجال لكل إنسان أن يجتهد في رؤيته، هناك ينطلقون من خلفية عقائدية واحدة علمانية لا دينية، لا يوجد الله، لا يوجد غيب، لا يوجد معنويات، وكل واحد منهم يجتهد، فأحدهم يعتبر الرغبة هي 99%، وأحدهم يعتبر اللاوعي هو الأساس، وأحدهم يعتبر الظاهراتية، ويصدّرون نظرياتهم إلينا وإلى العالم ويطالبوننا بدراستها وبالالتزام بها، في هذا المجال نحن سنقوم بنفس العمل حيث سنصدر عشرات النظريات والاجتهادات المختلفة ونريد تصديرها للآخرين، فنحن ضد القوالب الجاهزة ونحن نبحث عن الأصول العميقة للتأصيل والذي هو العودة لهذه الأصول لكي نفهم علم الإنسان والمجتمع والإدارة والنظام من هذه الخلفية، من المبادىء المعرفية الدينية القرآنية، هذا هو تعريف التأصيل.
تعليقات