دراسات ومقالات المركز
أبرز علماء ومدارس شيعة لبنان في حقبة ما قبل الحكم العثماني
التعليم هو جزء من العملية التربوية التي تهدف إلى نقل القيم والثقافة والتقاليد والمفاهيم والعلوم من جيل إلى آخر، فالتعليم هو "أداة المجتمع في صنع المستقبل والتكيف مع الحاضر" (غالب، 1965، صفحة 16)، ولهذا ظهر إقبال الشيعة تاريخيًا على التعليم والتعلّم لحفظ تراثهم ولتطوير الطاقات الكامنة في أبناءهم، حيث يُسجّل للشيعة تاريخيًا بأنّه "لا يوجد علم من العلوم التي كانت معروفة في البلاد الإسلامية، إلا ولهم فيه الحظ الأوفر، وإن لمؤلفاتهم ميزة على من يشاركها من الكتب التي ألفها غيرهم منذ العصور الأولى حتى الساعة، وأن قسمًا منها لا يزال يدرَّس في الجامعات الدينية الشيعية الموجودة في العراق وإيران وباكستان وأفغانستان ولبنان وغيرها" (الفقيه، 1986، صفحة 10).
وقد برز في حقبة ما قبل الحكم العثماني العديد من علماء الشيعة في لبنان (كان يومها جزءًا من بلاد الشام) وخارجه، فمنهم الشهيد الأول الشيخ محمد بن مكي الجزيني (1334-1384 م) والذي تعتبر عودته من العراق في العام 1354 م بداية الحركة العلمية في جبل عامل، فهو "أول فقيه عاملي كبير يعود إليه الفضل في تأسيس الحركة العلمية المستقلة في وطنه" (المهاجر، 1994، صفحة 233)، ومنهم المحقق علي بن حسين الكركي المعروف باسم المحقق الكركي (1463-1434 م) الذي تولى منصب شيخ الإسلام في إيران أيام الشاه إسماعيل الصفوي.
ولم يكتفِ أبناء الطائفة الشيعية تاريخيًا في لبنان بالإفادة من تراثهم العلمي، بل جهدوا بعد الهجرة إلى ديار العلم للعودة وتأسيس المدارس في مناطق تواجدهم، حيث من أبرز هذه المدارس القديمة (مكي، 1982، الصفحات 29-36)، (الأمين، 1983، صفحة 129):
وإضافةً لهذه المدارس التي تمّ ذكرها ظهر عدد من المدارس الأخرى التي غلب عليها الطابع الديني، القائمة على الاحترام المتبادل ما بين المعلم (أي الشيخ) والمتعلّم، وهذه القيمة كانت تُعتبر معيار النظام التعليمي آنذاك، فإذا ظهر "من أحد الطلبة شغب أو سوء أدب، ردّه الشيخ وزجره، ويجلس الطلبة أمام الشيخ متأدبين على ركبهم حتى ينتهي الدرس" (الأمين، 1983، صفحة 193).
المناهج التعليمية لدى شيعة لبنان في حقبة ما قبل الحكم العثماني
كان المنهاج التعليمي يعتمد نظام الحلقات، حيث يقوم المتعلّم باختيار كتابًا معيّنًا ليَدرُسَه، فيحضّر من الدرس بعد قراءته له ويعرضه. فإذا وصل الشارح إلى موضع له فيه رأي يخالف رأي صاحب الكتاب بيّنه لهم ويحتجّ عليه، فيوضح له الشيخ إن كان اعتراضه محقًّا أم غير محقّ، ويشترك معهما في المناقشة باقي الطلبة أحيانًا (الأمين، 1983، صفحة 189) وبهذا نرى الوضعية التعليمية المعتمد وهي نظام الحلقات العلمية والاستراتيجيات التفاعلية كانت حاضرةً في ذاك الزمان.
أمّا بالنسبة للدوام، فكان التدريس كلّ أيام الأسبوع، ما عدا يوم الجمعة، هو يوم عطلة دراسية، ولربّما كان اختيار هذا اليوم للعطلة لأنّ له خصوصية دينية عند المسلمين. أمّا العطل الباقية فكانت موسميّة بحسب المناسبات الدينية كشهر رمضان المبارك وأيام عاشوراء والأعياد الدينية وغيرها.
وطبعًا الصبغة الأساسية للمنهاج الورقي التعليمي لهذه المدارس كان التعاليم والأسس والمفاهيم والأخلاقيات الدينية، بحكم أنّ الهدف الأساسي لهذه المدارس هي صيانة وحفظ المذهب.
أهم الأسباب التي دفعت شيعة لبنان لتأسيس مدارسهم في حقبة ما قبل الحكم العثماني
-
عودة عدد من علمائهم، خاصةً المجتهدين منهم من حوزات إيران والنجف إلى لبنان.
-
الخشية من تأثر أبنائهم بعقائد وأفكار المذاهب الأخرى المنسجمة والمدعومة من القيادة الحاكمة.
-
التحولات السياسية والاضطهاد الذي تعرّضوا له، ما حفّزهم على تأسيس مدارسهم لحفظ هويتهم الذاتية.
-
الظروف الاقتصادية الصعبة التي عانوا منها والتي كانت تحول دون إمكانية سفر العديد منهم للخارج لاستكمال تعليمهم.
خلاصة
ظهر بأنّ فترة ما قبل حقبة الحكم العثماني للبنان قد تميّزت بوجود أسماء لامعة من أعلام الفكر الشيعي اللبنانيين في لبنان والعالم، كالشيخ الجزيني والمحقق الكركي وغيرهم، حيث قام هؤلاء الأعلام بتأسيس عدد من المدارس ذات الطابع الديني، والتي كان من أهدافها الأساسية حفظ المذهب وصون أبنائه من الانحراف نحو المذاهب أو الطوائف الأخرى من جهة، وتمكين أبناء الطائفة علميًا وعقائديًا وتوارث ثقافة المذهب من جيلٍ إلى آخر من جهةٍ أخرى.
المقال ارتكز على أطروحة دكتوراة في التاريخ في الجامعة اللبنانية للطالبة فاطمة حمود 2019-2020 تحت عنوان:
التربية والتعليم في مدارس المصطفى دراسة في المنطلقات والتحولات الاجتماعية (1984-2016).
المراجع
جعفر المهاجر. (1994). ستة ابطال فقهاء (الإصدار 1). بيروت: مركز الدراسات والتوثيق والنشر.
حنا غالب. (1965). التربية المتجددة وأركانها (الإصدار 1). بيروت: مطبعة عيتاني الجديدة.
محسن الأمين. (1983). خطط جبل عامل (الإصدار 1). بيروت: الدار العالمية.
محمد تقي الفقيه. (1986). جبل عامل في التاريخ (الإصدار 2). بيروت: دار الأضواء.
محمد مكي. (1982). الحركة الفكرية والدبية في جبل عامل (الإصدار 2). بيروت: دار الأندلس للطباعة والنشر.
آخر تحديث : 2023-01-23
تعليقات