تحت عنوان التربية ووسائط التعليم الحديثة نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي السابع للعام 2022 وذلك نهار الأربعاء بتاريخ 5 تشرين الأول 2022 م،
بدأ الملتقى بمقدمة لنائب مدير عام مركز الأبحاث والدراسات التربوية د. يوسف أبو خليل حول الإعتقاد ببديهية هذا العنوان، إذ قد تم استهلاكه، وهو تأثيرات الوسائط الإلكترونية والرقمية والإعلامية على التعليم والتربية بكل أبعادها، لافتًا إلى أنّ الواقع المستجدّ من كورونا وغيرها من المتغيرات فرضت إعادة طرحه لما له من تأثير كبير حاليًا على العملية التربوية وليس كوسائط تعليمية فقط.
بدايةً تحدّث د. علي الطقش عميد كلية الإعلام والفنون في جامعة المعارف عن أنماط التعليم الإلكتروني من خلال ارتباطه المباشر مع تكنولوجيات الاتصال، حيث أصبح ذات شكل تفاعلي، وبالتالي صدر عن هذا التفاعل 3 أنماط هي:
-
النمط المتزامن وغير المتزامن: حيث أن الفارق بينهما مرتبط بكيفية الحصول على المادة التعليمية (زمانيًا ومكانيًا) من قبل التلميذ.
-
التعلم الإلكتروني التشاركي: من خلال التشارك الإلكتروني عبر تعزيز أدوات التفاعل بين الأستاذ وطلابه، وبين الطلاب أنفسهم.
-
التعليم المبرمج: حيث كان التطور الكبير في هذا المجال من خلال إدخال مفهوم الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، وهذا الأمر قام بتحويل العملية التعليمية لما يشبه الـgaming أي اللعبة، والتي يقوم التطور التعليمي لدى الطالب فيها على الارتقاء في مستوى المراحل التي ينجزها.
ثم عرّج د. الطقش على ما نعيشه في مرحلة عصر المعلومات، فهناك توازي بين تطوّر الساحات التعليمية والعالم الرقمي، فالصفّ الرقمي هو ساحة تواصلية، وهذا ما ساهم بتقليص الفوارق بين المنصات التعليمية والاجتماعية، فلم يعد من الغريب استخدام تطبيق فايسبوك مثلاً لتقديم محتوى تعليمي لصفٍ ما، واعتبر هذا التداخل والتطور الرقمي الهائل والسريع في السنوات الأخيرة جعل الإنسان عبارة عن مجموعة من البيانات (حمى البيانات)، ولكن المشكلة تكمن هنا بأن للمال دورًا أساسيًّا، فالتعليم بأصله لا يبغى الربح، لكن أصحاب هذه المنصات التعليمية أو الاجتماعية يبغون الربح كهدف أساسي لهم، وبالتالي يصبح الطلاب والأساتذة هم زبائنهم، وذلك من خلال بيع المعلومات المتعلقة بهم، وعليه فالمتعلم لم يعد متعلّم بل أصبح عبارًة عن رقم يحتوي عدّة بيانات، والتعليم لم يعد تعليمًا بل أصبح صناعةً تبغي الربح المالي كهدف أساسي.
وختم د. الطقش مداخلته بالحديث عن تطوير هذه المنصات ومستقبلها، فشرح منهجيتها التطويرية المعتمدة على التأثير في مستويات الإدراك من جهة، وذلك من خلال تطوير الإدراك لدى هذا الجيل الرقمي من المجال الصناعي للمجال المجاني عبر المنصات، والمسألة مسألة وقت فقط، والتأثير على مستوى التنشئة من جهةٍ أخرى، أي تحويل المتعلم إلى مستخدِم مربح ماديًا بالنسبة لهم، من خلال استغلال الساعة التعليمية، واستغلال الـ18 ساعة التي يستيقظ بها الشاب عبر ربطه بهذه المنصات وأما مستقبلاً فهذه الصناعة وهذه المساحات آخذةً بالاتّساع، ولا مجال لتقدير حدود تطوّرها.
ومن ثم بدأ د. عبدالله قصير مدير عام مركز الأبحاث والدراسات التربوية مداخلته بالحديث عن المتغيرات الحالية التي فرضت البحث بهذا الموضوع وهي جائحة كورونا وتداعياتها التعليمية التي فرضت التعليم من بعد من ناحية، والتطور التكنولوجي في وسائط التواصل ودخولها إلى العملية التعليمية على مستوى المتعلمين والمعلمين من ناحيةٍ أخرى، ومعتبرًا المشكلة الأساس هي أنّ هذه الوسائط الإلكترونية قد عالجت العملية التعليمية ولكنها لم تعالج العملية التربوية.
وأشار إلى أنّ الإنسان سابقًا كان يعتمد في العمليتين التعليمية والتربوية على المجالين اللفظي-الكتابي أو النص المسموع فقط، ولكن حاليًا ومع ظهور الأجهزة الرقمية أصبح الإنسان يمتلك قناتين للتعلم والتربية هما القناة اللفظية الكلامية (المطبوع، والمسموع)، والقناة البصرية التصويرية (الكلمات والصور الثابتة والمتحركة)، وهذا ما يتطابق مع النظرية المعرفية للتعلم من خلال الوسائط المتعددة التي وضعها عالم النفس ريتشارد إي ماير اعتمادًا على مجموعة من أبحاثه التجريبية. معتبرًا أنّ ما يراه الإنسان ويسمعه في آنٍ معًا يساهم بارتفاع نسبة احتفاظه بالمعلومات إلى 70%، وهذا ما جعل الإعلام والتكنولوجيا الرقمية والتعليم الإلكتروني هي الأكثر تأثيرًا وجاذبيةً في العمليتين التعليمية والتربوية.
وأضاف د. قصير بأنه حاليًا هناك تجربيتين في التعليم الإلكتروني هما:
-
الوسائط الفائقة hyper media لتصميم تعليمي جذّاب: والتي هي عبارة عن بيئة تعليمية برمجية على الحاسوب أو اللوح أو الهاتف الذكي، تساعد المتعلم على ربط المعلومات من خلال عدة وسائط تعليمية ووسائل توضيحية داخل هذه الوسائط (فيديوهات، خرائط، رموز، صور 3D..إلخ)، فهي بشكلها تساعد المتعلم على تصفحها والانتقال بين عناصرها والتحكم في عرضها للتفاعل معها بما يحقق أهدافه التعليمية ويلبي حاجاته التعلميّة. ولهذه الوسائط عدّة خصائص ومميزات من خلال اعتمادها على البرامج الرقمية التعليمية، ووجود غنى للمعلومات بداخلها، وإمكانية التحكّم من قبل الطالب عبر التنقل بين عناصر المعلومات بحريّة، والنصوص الفائقة التدخل هي جزء من هذه الوسائط وتتوافر عادةً عبر وصلات الترابط hyperlink.
-
الصف المقلوب (أو الصف المعكوس): الصف المقلوب هو عبارة عن طريقة تعليمية تعتمد على تحضير وشرح مبسط للمادة كمستخلص يحضّره المعلّم مسبقًا ويرسله للطلاب على شكل فيديو، نصّ، عرض power point،..إلخ، بهدف الاطلاّع عليه من قبلهم، وعند الحضور للصف تكون الحصة التعليمية عبارة عن مكان للنقاش والتفاعل بين الأستاذ والطلاب عن المادة التعليمية التي استلموها واطّلعوا عليها مسبقًا.
وأشار د. قصير إلى أنّ كلّ هذا التطوّر الرقمي على الصعيد التعليمي كان على حساب المسألة التربوية، فمن ناحية تحقّقت أهداف ردم الفاقد التعليمي، ولكن المشكلة تكمن في الفاقد التربوي من خلال ضعف التواصل الوجداني والنفسي بين المربي والمتربي، وذلك بسبب تحكم المتعلم بالوسائط، لافتًا إلى أنّ هذه العملية قد خلقت الخمول والكسل لدى المتربين، والضعف في اكتساب المهارات الحقيقية، فالمهارات الحقيقية أصبحت أقل وضوحًا. وهناك غياب لإمكانية الإشراف المباشر من قبل المربي للمتربي وإعطاؤه التغذية الراجعة المباشرة. كما أدّت هذه العملية إلى مشاكل صحيّة نتيجة لوضعيات الجلوس الطويلة، ومشاكل على مستوى النظر نتيجة لقرب الشاشات من العيون، كما أنّه من سلبياتها التربوية وجود الهاتف الذكي كل الوقت بين يدي المتعلّم مما يزيد من احتمال انشغاله بالتسلية والألعاب الإلكترونية أو التواجد في مواقع سلبية. وقد حّد د. قصير الإشكاليات التربوية في عدم إمكانية حصر أماكن تواجد الهاتف أو اللوح الذكي، فيمكن للطفل اصطحابه معه أين ما كان، وبالتالي تضعف الرقابة والسيطرة من قبل الأهل، فصحيح أنه هناك برمجيات proxy تضبط جزء من الرقابة، ولكنها غير كافية لأن قدرات أطفال هذا الجيل الرقمية أعلى من ثقافة الأهل في هذا المجال، وبالتالي لديهم إمكانية أعلى للتهرب من الرقابة الوالدية.
وكخلاصة، ختم د. قصير بأن إمكانية التحكم في وسائط التعليم في الشق التربوي هي إمكانية ضعيفة أو شبه معدومة، وبالتالي لا ينصح باستخدام التكنولوجيا كبديل للتعليم الحضوري من خلال العملية التعليمية من بعد، لأنها ستكون السبب بفقدان السيطرة والتحكم خاصة من قبل الأسرة في العملية التربوية.
لافتًا إلى ضرورة البحث مستقبلاُ عن الطرق البديلة التي ترفع من مستوى التربية إضافةً للتعليم عبر هذه الوسائط، وذلك من خلال الحفاظ على القيم التربوية كأساس مرجعي لأي حركة تعليمية أو ثقافية أو فكرية..إلخ، ويكون ذلك بتدعيم دور الأسرة الأساسي والحفاظ على دورها في الضبط والسيطرة القيمية على حساب هذه الوسائط الإلكترونية الحديثة.
وعقب المداخليتن عدة مداخلات تمحورت حول:
إلى أي مدى مستقبلاً ستفرز الحتمية الرقمية الواقع التعليمي والتربوي، وكيف هي الطريقة المناسبة للمحافظة على القيم طالما أن هذه التكنولوجيات ستكون أسيرة المنظومات الأيديولوجية المتحكمة بها. وأيضًا في هذا العصر هل القيم هي من تعمل في خدمة التكنولوجيا والمحتوى، أم أنّ العكس هو الصحيح من خلال جعل التكنولوجيا في خدمة القيم.
وقد عقّب الضيفان بالإشارة إلى:
-
د. قصير: ليس كل المحتوى الإلكتروني هو فاقد للقيم، والتي على الرغم من احتواء بعضها لمضمون قيمي جيّد ولكنّه لا يزال غير مقدَّم بطريقة جاذبة للأطفال يساهم بالحفاظ وبتدعيم المستوى التربوي لديهم، مقابل أصحاب النوايا السيئة الذين يهدفون لتهديم هذه القيم الحميدة لدى الناشئة، لافتين إلى أنّ دورنا يكون بملء الساحات وعدم تركها للآخرين، وبالتالي علينا استثمار هذا التهديد وتحويله إلى فرصة.
-
د. الطقش: تحوّل القيم لدى أطفالنا مصاحب لهذا التحول التكنولوجي الكبير، ولكن الحل يكون عبر تحويل هذا التلميذ أوالطفل من مستهلك إلى فاعل (فهو يأكل من هذه المنصات ولا يُنتج)، عن طريق رفع مستوى الوعي الرقمي لديه، فهدف هذه المنصات هو جمع أكبر عدد من البيانات، وهدفنا في المقابل هو رفع الوعي لدى الأطفال والطلاب مما يساهم بتحصينهم والمحافظة على قيمنا الأصيلة.
لمشاهدة الملتقى بشكل كامل من خلال الضغط هنا
آخر تحديث : 2022-11-22
تعليقات