عرض وصفي لكتاب
(المدرسة والمجتمع)
لـ : جون ديوي
الشيخ د. باقر كجك
مقدمة:
قام جون ديوي في أبريل 1899 بإلقاء ثلاث محاضرات على مجموعة مختارة من الآباء والرعاة لما كان يسمى آنذاك مدرسة الجامعة الابتدائية في جامعة شيكاغو ، وهي المدرسة التي كان قد أسسها ديوي قبل 3 سنوات. لقد كان عمره 39 عامًا في ذلك الوقت. وقد تم نشر محاضرات ديوي الثلاث من قبل مطبعة جامعة شيكاغو في نوفمبر من ذلك العام ثم أضيفت لهم قطعة رابعة من الكتابة ، والتي تم وصفها بأنها "التقرير الاختزالي لحديث ... تمت مراجعته إلى حد ما" الذي قدمه ديوي في اجتماع رابطة الآباء في الجامعة الابتدائية في فبراير 1899 و قد كان المجلد الصغير الذي يحتوي على المحادثات الأربعة بعنوان "المدرسة والمجتمع".
في غضون أشهر بدأت المدرسة والمجتمع في جذب جمهور واسع. وبحلول يوليو 1900 ، بعد أقل من عام من نشره ، مر الكتاب بثلاثة نسخ صحفية ، ليصل إجمالي النسخ المطبوعة إلى 7500 نسخة. وقد تم بيع هذا الرقم بسرعة ، ثم تمت طباعته عدداً لا يحصى من المرات إلى يومنا هذا بلغته الأم، وكذلك مترجَما إلى لغات عديدة في العالم. ما يؤكد الأهمية العالية التي يحظى بها هذا الكاتب في المدرسة التربوية الحديثة في أميركا، وكذلك على مستوى العالم، بغمض النظر عن الانتقادات والملاحظات التي يمكن للباحث الجاد أن يبديها على المنطلقات الفلسفية لديوي وكذلك على العديد من الآراء التي تكتسب بعداً تنظيراً
في النسخة التي بين يدي، وهي مسخة مترجمة عن الأصل أي النص الانكليزي المعرّب والمرخّص من قبل مؤسسة فرانكلين، تعريب: د.أحمد حسن الرحيم، ومراجعة د.محمد ناصر، وتصدير: د. محمد حسين آل ياسين، في طبعته الثانية الصادرة سنة 1978 عن دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، نجد الكتاب مرتباً على الشكل التالي:
-
المساهمون في هذا الكتاب.
-
تصدير
-
تقديم
-
كلمة المترجم
-
كلمة المؤلف
-
المدرسة والتقدم الاجتماعي
-
المدرسة وحياة الطفل
-
التلف في التربية
-
نفسانية (سكلجة) التربية الابتدائية
-
مبادئ فروبل الابتدائية
-
نفسانية (سكلجة) المهن
-
تنمية الانتباه
-
الغاية من تدريس التاريخ في الدراسة الابتدائية
وتشكل الفصول الاثلاثة الأولي الجزء الأهم من هذا الكتاب لأن بقية الفصول قد تم إضافتها إليها بعد ما اقتصرت الطبعات الأولى للكتاب على الفصول الثلاثة الأولى. وفيما يلي عرض وصفي مختصر لهذه الفصول الثلاثة، بحيث نقدم للقارئ فكرة موجزة عن فكر ديوي في هذا الكتاب ويبقى للقارئ أن يسير إلى الفصول الباقية.
الفصل الأول: المدرسة والتقدم الاجتماعي
يؤكد جون ديوي على أهمية البعد الاجتماعي للمدرسة، فالمدرسة –على خلاف المألوف- ليست شأنا فرديا بين الطالب والأستاذ، وبالتالي فلا يمكن قصر العملية التربوية فيها على جملة من التحسنات في الوظائف الفردية الجسدية والمعرفية التي يقوم الطالب بإحراز تقدم فيها. بل، إنّ ما نريده هو أن يحقق المجتمع أفضل إنجازاته من خلال المدرسة في تفتيح الإمكانات الكبيرة التي في الأطفال من أجل تحقيق ذلك الاتحاد بين الروح الفردية والاجتماعية. ومن هنا يبنغي البحث عن التغييرات المتوخاة في المدرسة على أنها استجابة لتغير في البيئة الاجتماعية المحيطة. وهذا هو معطى التربية الحديثة: اي ربط التربية بالمجريات الاجتماعية والتطور الاجتماعي.
وهنا طرح ديوي مسألة التدريب اليدوي كأحد أبرز الأمثلة على الجهد الذي تبرزه المدرسة من أجل أن تكون موائمة لمسير حركة التطور الاجتماعي.
التغيير الصناعي الذي واكب الحياة البشرية لم يحدث صدفة أو بسرعة، فآثاره قد تعدت إلى الجاتب السياسي واللاقتصادي والاجتماعي وعادات المعيشة وحتى فهمنا للحقائق وفكرتنا عن الاخلاق والدين والميول الفطرية.. وبالتالي، فالقول بعد ذلك بأن هذه الثورة والتغيير الصناعي لا يمكن أن يطال التربية إلا بشكل سطحي، أمرٌ غير مقبول عند ديوي. ومن ثم يدخل في تحليل مفصل لسيرورة وتجليات الثورة الصناعية في الحياة البشرية، ليخلص في النهاية إلى ضرورة تقديم ما يسمى بالتدريب اليدوي والعمل المهني التطبيقي في المدارس، لمن ليس من باب أنه سيشغل الاطفال ويشبع غرائزهم، بل يجب أن يكون ذلك من باب فهم الأهمية الاجتماعية للتدريبات اليدوية وسيساهم ذلك في "جعل المدرسة صورة أصلية لحياة المجتمع الفعالة بدل أن تكون مكاناً منعزلا يجري فيه التدريس".
العمل اليدوي سيعلم الطالب أن هناك جماعة من الناس يرتبطون ببعضهم لأنهم يعملون في خطوط عامة وبروح عامة ويلتقون بأهدافٍ عامةٍ. ومن هنا يشير إلى أن فشل المدرسة في تقديم نفسها على أنها وحدة اجتماعية طبيعية ينشأ من عدم قدرتها على إظهار فعاليتها الانتاجية الاجتماعية.
هنا نقطة هامة جداً يطرحها ديوي، وهي أن تحصيل العلم المجرد فقط من دواعي فشل المدرسة، وكون العلم المجرد مقياساً لنجاح الطالب، أمر ليس فيه أي حس اجتماعي بتاتاً، إذ "على المدرسة أن تنظم مفسها على قاعدة اجتماعية"، فالنظام –بالنسبة لديوي- يعني العمل من أجل غاية، والغاية هنا اجتماعية بالضرورة حسب فلسفة ديوي التربوية.
هنا يجمع ديوي بين مفهوم "الخبرة" و"النظام" و"المدرسة" مع البعد الاجتماعي الذي يؤكد عليه، ليقول بأن إدخال أنواع متعددة من المهن على المدرسة سيجدد روح المدرسة في ربطها بالواقع الاجتماعي وبيئة الطفل ولكي يحصل خبرة عملية اجتماعية غير مجردة وجامدة كما هو عليه الحال في المدارس التقليدية، ويضرب مجموعة من الأمثلة والنماذج على هذه الفكرة.
الفصل الثاني: المدرسة وحياة الطفل
في هذا الفصل ينتقد ديوي أسلوبا تعليميا قائماً على فرض عملية الاصغاء على الطفل، إذ كل ما في المدرسة مصنوعٌ لتعزيز عملية الاصغاء عنده.. ومجال العمل والاختبار والابداع معدومٌ. ومن هنا ينتقل إلى مفهوم تأسيسي آخر، وهو مفهوم محورية الطالب في المدرسة، وهو مفهوم إشكالي.
سيطرح في هذا الفصل محموعة من الأسئلة من قبيل: ماذا يعني أن يكون لديك مدرسة تتمحور حول الطفل؟ هل يعني ترك الأطفال يفعلون ما يشاؤون ؟ إذا كان الأمر كذلك ، فماذا عن اكتساب المعرفة؟ كيف يحصل التلاميذ على الانضباط والمعلومات اللازمة؟ هذه من بين الأسئلة والشكوك التي يحاول ديوي معالجتها في محاضرته الثانية.
إن الفرضية النفسية التي تستند إليها نظرية ديوي التعليمية تشير إلى أن الأطفال يمتلكون عددًا صغيرًا من "النزعات المحلية" أو "الغرائز" أو "النبضات" أو "المصالح" التي يكون من مهام المعلم توجيهها نحو النوايا المجدية (أي تربوية) . يسمي ديوي أربعة ميول طبيعية. إنها "الغريزة الاجتماعية" (أي الرغبة في التواصل مع الآخرين) ، "الدافع البناء" (أي الرغبة في صنع الأشياء) ، "غريزة التحقيق" (أي الرغبة في معرفة أشياء) و "الدافع التعبيرية" (أي الرغبة في إنشاء أشياء). هذه تشكل ، بالنسبة لدوي ، المواد الخام النفسية التي يجب على المعلم العمل بها. وظيفتها ليست الفكاهة وتنغمس هذه الاتجاهات المحلية. بدلا من ذلك ، اكتشاف كيفية استخدام كل منها لقيادة الطلاب نحو معرفة أكبر ومهارات أكثر انضباطا.
يميل ديوي إلى القول بأنه من المهم أن نمسك الغرائز الأولية في الطبيعة البشرية للطفل، من أجل السيطرة على قدرته على التعبير عنها، لا من أجل تيسير نموه فقط، بل من أجل أن تقدم إليه النتائج والمعلومات الفنية والتهذيب والنظام الذي كانت تسعى إليها العملية التربوية التقليدية، وذلك من خلال رعاية خيال الطفل، لأن الخيال هو كل شيء بالنسبة للطفلِ إذ يعيشه في كل مكان وفي كل شيء.. ومن هنا تصبح المدرسة والمهن والتاريخ والعلم جميعها أدوات جذابة ومواد ثقافية لخياله فيصل إلى القدرة على إغناء خياله.
نعم، لا بد أن نلتفت إلى أن ديوي يربط كل هذا، كعادته، بمفهوم الخبرة، إذ أنه حينما تخضع أنواع وأدوات التعلم للخبرة فستكون هناك فرصة لكي تكون الثقافة جواز المرور إلى الديمقراطية (التي هي الهدف الأسمى للتربية في أميركا بحسب فلسفة ديوي التربوية) .
الفصل الثالث: التلف في التربية
في محاضرته الثالثة يتحدث ديوي عن المدارس كمنظمات. في أول بياناته يقدم ديوي لمحة عامة عن كيفية تطور وحدات التعليم المختلفة ، من رياض الأطفال إلى المدارس المهنية ، بمرور الوقت. النقطة المركزية هي أن المدرسة. كان نظامها اليومي خليطًا من وحدات منفصلة ، "كل ذلك نشأ تاريخيًا في أوقات مختلفة ، مع مُثُل مختلفة ، وبالتالي طرق مختلفة". نتيجة لهذه الاختلافات التي تساهم في العزل النسبي للوحدات التعليمية المختلفة ، يحدث التلف في التربية. فالنظام الحالي يفتقر إلى التماسك ووحدة التوقعات. "أعظم مشكلة في التربية تقع في الجانب الإداري ، " والذي هو عبارة عن " كيفية توحيد تلك الأجزاء المختلفة"، وهو يستخدم المخططات الثلاثة المتبقية لإظهار كيفية حل هذه المشكلة. إن علاج ديوي هو ربط المدارس بمحيطها. أو ، كما يفضل ، "توحيد كل شيء مع الحياة"، يقترح القيام بذلك عن طريق ربط النظام المدرسي ككل مع المنزل ، مع الطبيعة ، مع قوى الصناعة والأعمال ، ومع الجامعة ومجموعتها من المختبرات والمتاحف والمدارس المهنية ، وهذه الروابط ستكون واضحة في الهندسة المعمارية لمبنى المدرسة نفسه ، والتي يصورها ديوي محاطة بالحدائق والحقول والتي يوجد بها في الطابق الأول غرفة طعام ومطبخ ، ستجد في هذه المدرسة المثالية مختبرات فيزيائية وكيميائية ، ومختبر بيولوجي ، واستوديوهات للفنون والموسيقى ، ومتحف صناعي يقدم عينات من المواد في مختلف مراحل التصنيع والتطوير" ، بالاضافة إلى مجموعة من الصور التي تظهر من أين جاءت المواد ، وعينات من أعمال النسيج من مختلف أنحاء العالم ، وأكثر من ذلك.
كانت رؤية ديوي لمدرسته المثالية بالتأكيد جريئة ليومها. كذلك ، كانت أفكاره حول ربط المدرسة بالجامعة ومع المجتمع المحيط بها وحتى اليوم ، يمكن اعتبار هذه الأفكار مبتكرة في معظم المناطق التعليمية. بالنسبة لمعظم معلمي اليوم ، يبدو أن دعوة ديوي لعلاقة حميمة بين الجامعة والمدرسة الدنيا تبدو مثالية تماماً كما يجب أن تكون قد بدت لكل الناس ولكن بالتأكيد جمهوره المحلي في مطلع القرن.
الشيخ د. باقر كجك :
باحث في مركز الأبحاث والدراسات التربوية (Esrc) في بيروت.
دكتوراه في المناهج التربوية و الانثروبولوجيا التربوية.
آخر تحديث : 2024-06-19
تعليقات