Cancel Preloader
دراسات ومقالات عامة

الألعاب الإلكترونية خطر لا يُنام عنه

  • 2020-05-28
  • 10775
الألعاب الإلكترونية خطر لا يُنام عنه

الألعاب الإلكترونية خطر لا يُنام عنه


برزت في أعقاب ثورة الاتصالات في العالم في الربع الأخير من القرن العشرين، وبعد انتشار وسائل الإعلام الحديثة والتكنولوجيات الرقمية في شتى أرجاء الأرض وظهور" القرية العالمية"، شكوك ومخاوف كثيرة بين شعوب العالم لا سيّما المجتمعات النامية حول تأثير وسائل الإعلام والتكنولوجيات الحديثة المستوردة على ثقافاتها الوطنية وتقاليدها وتراثها وعلى تغيير التركيبة الاجتماعية في العالم، وقد أثبتت الدراسات والبحوث الغربية عدم وجود مجتمع يتمتع بالحصانة الكاملة ضد تأثير الوسائل والتكنولوجيات الأمريكية الحديثة، حيث أصبحت هذه الوسائل والتكنولوجيات القوة المؤثرة في النظام الاجتماعي العالمي بسبب انتشارها اللامحدود وتغلغلها في الدول النامية، وكذا كونها وسيلة وصول للمواد الإعلامية والترفيهية والثقافية. 


وفي ظل هذه التغيرات التكنولوجية الحديثة والمعلوماتية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، يجد الأفراد أنفسهم يتعاملون تلقائيا مع هذا الكم الهائل من المعلومات ويديرون مشكلات يومية معقدة ومتنوعة، وهذا من خلال ما تزودهم به تكنولوجيا المعلومات من طاقة وأدوات تفكير غير مسبوقة الذكر وحلول إبداعية حديثة ومتطورة، كما تزودهم هذه التكنولوجيا أيضا بفرص قوية للتعلم واستيعاب مفاهيم العصر ومواكبة التطور، فالأطفال هم أكثر الشرائح الاجتماعية حساسية تنمو في محيط تقني ثقافي جديد قد ينافس الآباء والمربين في التنشئة الاجتماعية والتثقيف.
وانطلاقاً من التطور التكنولوجي وتقنياته، وتفرعاتها، وباعتبار الألعاب الإلكترونية أصبحت بحضورها تمثل الآمر والناهي في خيارات البعض وقراراتهم، ولأن للألعاب الإلكترونية تأثير على سلوك الأطفال فهي تعمل بتخطيط من صانعيها على زرع السلوك العدواني في شخصية الطفل، ولصغر سنه فهو لا يعي مدى خطورة هذه الألعاب على السلوك والقيم والتقاليد والدين، فتنامي السلوك العدواني لدى الطفل جراء الممارسة المتكررة لهذه الألعاب تجعله فرداً يميل للجريمة والقتل بطريقة لا شعورية وبذلك يحدث اصطدام بينه وبين أبناء جنسه أو حتى مع الكبار، كما أنها تجعله يميل إلى العزلة الاجتماعية والانطواء على نفسه مما يُؤثر سلباً على نموه الفكري والشخصي والاجتماعي، فهو بدلا من الجلوس أمام شاشة التلفزيون مع العائلة أو يتبادل أطراف الحديث معهم، يذهب لممارسة الألعاب الإلكترونيّة التي تجعله يقدّمها على الحديث مع العائلة وعلى غيرها من الاهتمامات.


غالبية الأطفال يقلدون أبطالهم المفضلين في الألعاب الإلكترونية، وهذا ما يجعلهم يتقمصون شخصيات غير شخصياتهم، تكون مبنيّة حسب مبادئ وقيم البطل الذي يفضلونه، وهذا ما يجعلهم يميلون للتقليد الذي يؤثر في المستقبل على تكوين شخصياتهم واعتمادهم على أنفسهم وثقتهم بها. 


من جهة أخرى تعمل هذه الألعاب على تعليم الطفل كيفية التعامل مع التكنولوجيات الحديثة كالكمبيوتر والإنترنت والأجهزة الإلكترونية، وغيرها من التقنيات الحديثة والعصرية التي أدخلت الطفل عالم التكنولوجيا الرقمية والعالم الافتراضي، كما أنها جعلته أكثر إصراراً على تحقيق النجاح والفوز وتحقيق الطموح، فخسارته في الألعاب وإصراره على الفوز يولد فيه الإرادة على تحقيق النجاح والفوز، مما يؤثر على طموحاته المستقبلية وإصراره في تحقيق أهدافه والتخطيط لحياته.

وبما أن التعامل مع الألعاب الإلكترونية أصبح واقعاً يفرض نفسه، هنا يقف الأهل في حيرة كبيرة حول ما إذا كان ابنهم مدمناً على هذه الألعاب بالدرجة الأولى، ويقفون حائرين حول كيفية التعاطي مع أولادهم في هكذا موقف بالدرجة الثانية، لذلك لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الخطوات التي تساعد الأهل في التعاطي مع هذه الحالة، نذكر أبرزها:

  1.  عدم الغفلة عن الأبناء: 
    من غير المفيد حرمان الولد من ممارسة الألعاب الإلكترونية، فهي بلا شك لها جوانب مفيدة ومساعدة في بناء قدراته وشخصيته، إلا أنه من الضروري جداً عدم الغفلة عن متابعة الأهل لأبنائهم وتحديد أوقات للعب بحيث لا تزيد عن الثلاث ساعات يومياً في أوقات العطل، إضافة إلى ذلك مراقبة نمط الألعاب ومنعهم عن الألعاب غير المناسبة والتي تؤدي إلى ممارسات وسلوكيات غير سوية.

  2. التثقيف والمطالعة حول الألعاب الإلكترونية:
    ليس من الضروري أن يمارس الأهل الألعاب الإلكترونية وإن كان هذا مفيداً ومساعداً لهم في التعرف عن قرب لتأثيرات كل لعبة والسلوكيات المترتبة منها، إنما من الضروري جداً رفع مستوى التثقيف في هذا المجال والمطالعة والقراءة عن أنماط وأنواع الألعاب والأهداف التي تحققها، والآثار والنتائج المترتبة عليها.

  3. البحث عن البدائل المناسبة:
    لا شك أنه هنالك مجموعة من الألعاب الإلكترونية الواسعة والمثيرة للإهتمام والتي تحمل أهدافاً إيجابية وتبني سلوكيات حسنة وتساعد الفرد على تقوية ذكائه، ورفع تركيزه، وكثير من الصفات الإيجابية التي يسعى الفرد لإيجادها في نفسه، ولكن لا بدّ من إعادة الاهتمام بتفعيل بعض الأنماط من الألعاب اليدوية القديمة والتي تزرع التحدي وتثير التفكير وتبني المنافسة بين اللاعبين.

  4. تحويل التهديد إلى فرصة:
    لا بدّ أن يكون السماح باللعب والقبول به مناطاً ومربوطاً بتحقيق أهداف حياتية إيجابية سوية مثل النجاح بالمدرسة، وأداء الواجبات الدينية والمحافظة على القيم والمبادئ الأخلاقية. ففي حال عدم الالتزام ضمن هذه المنظومة التطويرية لذات الفرد لا بد للأهل من حرمان ولدهم من اللعب بالألعاب والضغط بطريقة ذكية ضمن هذا المسار ليستعيد الفرد تركيزه ضمن المنظومة التطويرية التي رسمها الأهل لولدهم.

  5.  تقوية الجانب الديني للأبناء:
    يعتبر أداء الواجبات في أوقاتها وبتركيز كبير من جهة، والابتعاد عن المحرمات من جهة أخرى، يساهم في بناء شخصية متزنة للفرد تستطيع أن تميز مع الوقت بين الصح والخطأ، وبين ما هو مسموح وما هو ممنوع. هذا يساعد بشكل كبير على تنظيم وقت اللعب لديهم واختيارهم أنماط الألعاب والأدوات التي تناسب منطلقاتهم التربوية والدينية. لذلك على الأهل التركيز جيداً على أداء الواجبات الدينية والابتعاد عن المحرمات.

يبقى من الضروري الإشارة في ختام هذا السياق إلى أن الألعاب الإلكترونية سيف ذو حدين، للطفل حقّه في ممارسة ترفيهه واختيار نمط لعبه، وللأهل واجبهم في توجيه بوصلة ابنهم نحو شاطئ الأمان.
وما بين نومة الأهل عن أبنائهم خطر، لم ينم الآخرون عنهم، فاحذروا الغفلة...!

محمد فحص   2020
 

آخر تحديث : 2024-05-28
مشاركه في:

تعليقات

اترك تعليقك هنا