الصف المقلوب: الأهمية، المعوّقات ونصائح عملية -1-
الكاتب: الأستاذ سامر جابر*
تمهيد
التوجّهات الحالية للتربية تنادي بتحويل دور المعلم من التلقين والحفظ إلى التوجيه والإرشاد، واستثمار وقت الحصة الدراسية وإدارتها بشكلٍ أمثل، بحيث يجد فيها الطالب نفسه يستمع وينصت ويشارك ويجرب وينافس ويناقش وكله مملوء بالحماس والدافعية التي تؤدي إلى الاستفادة من الحصة بالشكل المطلوب.
نشأ طلاب اليوم مع وجود الإنترنت في معظم المنازل، مستخدمين لبرامج التواصل الاجتماعي كاليوتيوب ، الفيسبوك ، الواتس آب ، ومجموعة من الموارد الرقمية الأخرى، ومعظمهم يتواصلون فيما بينهم عبر تلك الوسائل للاستفسار عن مادة تعليمية أو التعاون فيما بينهم في حل الكثير من المسائل والواجبات المدرسية. وعندما يذهبون إلى المدرسة ، عليهم إيقاف تشغيل الأجهزة أو عدم إحضارها إلى المدرسة لأن الإدارة المدرسية تحظر الهواتف المحمولة وأي أجهزة رقمية أخرى، والشيء المحزن هو أن معظم الطلاب يحملون في جيوبهم جهازاً رقمياً أكثر فاعلية من الغالبية العظمى من أجهزة الكمبيوتر في مدارسنا التي تعاني من نقص التمويل ونحن لا نسمح لهم باستخدامها.
ومع هذا التطوّر التكنولوجي، وظهور التقنيات الحديثة ووسائل تكنولوجيا التعليم، حيث أصبح تفريد التعليم أكثر تطبيقاً من ذي قبل، ويعد الصف المقلوب (Flipped Classrooms) إحدى أهم تلك التقنيات ويعتبر بمثابة المفتاح الذي يستطيع المعلم من خلاله إتاحة وقتٍ كافٍ لتنفيذ الأنشطة التعلمية بدلا من إلقاء المحاضرات التقليدية، فهو يستثمر جميع وقت المحاضرة لتعليم الطلبة المهارات العليا، بدلا من التلقين والحفظ.
مفهوم الصف المقلوب
يطلق على الصف المقلوب عدة تسميات أخرى مثل التعلم المنعكس، والتعلم العكسي، وفصول معكوسة، والفصول المقلوبة. ولها عدة تعريفات:
يُعرف بأنه شكل من أشكال التعلم المدمج الذي توظف فيه التقنية الحديثة، لتقديم تعليم يناسب حاجات الطلبة ومتطلبات العصر، فهو نموذج تربوي حديث تتغير فيه المحاضرة التقليدية والواجبات المنزلية النمطية إلى منهج دراسي آخر، إذ يقوم طلبة الفصل بمشاهدة محاضرات فيديو قصيرة في منزلهم، قبل حضورهم إلى المدرسة، أو في أثناء الوقت المخصص لأداء التمرينات والمشروعات أو المناقشات (الخليفة و مطاوع، 2015).
كما يُعرف بأنه جزء من حركة واسعة يتقاطع فيها التعلم المدمج والتعلم بالاستقصاء وغيرها من إستراتيجيات التدريس وأساليبه وأدواته المختلفة التي تسعى إلى المرونة وتفعيل دور الطالب، وجعل التعلم أكثر متعةً وتشويقاً. (الشرمان، 2015)
إذاً من خلال التعاريف السابقة يمكن تعريف الصف المقلوب بأنه استراتيجية يقوم من خلالها المعلم عبر الإنترنت بإرسال فيديو أو مقالة إلى التلاميذ عبر برامج متخصّصة، حيث يشاهدون المحتوى من خلال هواتفهم أو حواسيبهم في المنزل قبل موعد الحصة، ويمكن للمعلم قبل إعطاء الحصة معرفة الطلاب الذين شاهدوا المحتوى، ثم أثناء الحصة الدراسية يقوم المعلم بمناقشة موضوع الدرس مع الطلاب.
استراتيجية الصف المقلوب وعلاقتها بالتقنية
تعتبر إستراتيجية الصف المقلوب شكلاً من أشكال التعليم المدمج الذي يوظف التقنية الحديثة بذكاء لتقديم تعليم يناسب متطلبات الطلبة وحاجاتهم في عصرنا الحالي، إذ وفّرت لهم الفرصة لإتاحة المواد التعليمية على الشبكة العنكبوتية، واختصرت الكثير من وقت المحاضرة على الطريقة التقليدية، وجعلت المساحة أوسع للتطبيق والتعمق في المحتوى المعرفي خلال المحاضرة الدراسية في الصف المقلوب، ويؤكد ذلك تجربة بيكر (2000 :Baker) الذي ذكر أن فكرة الصف المقلوب كانت تدور في ذهنه بوقت سابق، ولكن عدم وجود التقنيات التي تتيح له توفير المحتوى الدراسي لطلبته على الشبكة العنكبوتية أدى لتأخره في تطبيقها.
يشير ماركو إلى أن إستراتيجية الصف المقلوب ارتبطت بشكل أساس بتقنية الفيديو، إذ إن الدروس التعليمية المسجلة بالصوت والصورة أعطت بديلا مثالياً للمحاضرة التقليدية، فهي تقوم بإيصال المحتوى الدراسي للطلبة تماماً كما في الفصل التقليدي وجهاً لوجه بشكل يفوق الوسائل الأخرى كالعروض التقديمية، ما جعل معظم من طبقوا هذه الإستراتيجية يختارون الفيديو التعليمي كوسيلة لإيصال المحتوى، لكي يضمنوا فهم الطالب الكافي للمحتوى الدراسي (Marco, 2010).
تعد إستراتيجية الصف المقلوب مناسبة لجميع فئات الطلبة سواء الموهوبون أو متوسطو التحصيل أو بطيئو التعلم. فهي تتيح فرصة التفاعل المباشر مع المحتوى التعليمي عن طريق عرض المعلومات وتوجيه الأسئلة، كما تساعد في الوصول إلى مستويات عليا من الفهم للمعلومات بالعملية التعليمية.
أهمية استخدام إستراتيجية الصف المقلوب
يمنح تصنيف " بلوم، Bloom " الإطار للمقارنة بين المحاضرة التقليدية بالفصل والفصل المقلوب، إذ يركز التربويون على نتائج مستوى التعلّم الأعلى أثناء الحصة ونتائج منخفضة خارج الفصل، وهذا يعني أن التقليب قد يكون بسيطاً كمشاهدة مقطع الفيديو قبل الحصة ثم دخول الفصل لتلقي المناقشات المعمّقة المتعلقة بإصدار الحكم والتحليل والإبداع، وإذا اطلع الطلبة على المواد الأساسية قبل الحصة فإنهم يتهيؤون أفضل لتطبيق المعلومات والمشاركة في المناقشات المعمقة مع زملائهم الطلبة والمعلم. (سبتي، 2016)
من المعروف أن كل طالب لديه القدرة الخاصة به على التعلم، تختلف عن قدرة أقرانه، لذا يجب علينا تقديم المعلومات والأفكار بالشكل المناسب وربطها بمواقف حياتية ليكون تأثيرها أكبر، وبناء على ذلك تأتي أهمية الصف المقلوب، إذ تعمل على مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة (أبو فايد، 2017).
وهناك الكثير من الفوائد التي يدعمها الصف المقلوب بالنسبة للمعلم والطلاب ومنها كما يراها الباحث:
- عندما يشاهد الطلاب أو يستمعون إلى المحاضرات في المنزل، ثم يقومون بحل المشكلات وتطبيق المعرفة الجديدة في الصف، يصبحون أقل إحباطًا أثناء حل واجباتهم المدرسية.
- عندما لا يفهمون مفهومًا جديدًا، يمكنهم طرح الأسئلة والحصول على إجابات فورية من قبل المعلم.
- يمكن للطلاب الغائبين بسبب المرض، أو لأي سبب آخر ، اللحاق بنظرائهم بشكل أسرع وأسهل مع نموذج الصف المقلوب مقارنة بالنموذج التقليدي.
- عندما يأتي الطلاب إلى الصف، لن تكون هناك حاجة للمعلمين لمعالجة الأسئلة المتعلقة بالمحتوى، بل سيقوم المعلمين بدعم الطلاب في فهم المفاهيم بشكل أفضل من خلال التطبيق العملي.
- للصف المقلوب دور كبير في تدعيم مستويات التعلم العليا، والتركيز على الأنشطة في الصف ومشاركة الطالب في العملية التعليمية.
- يمكن الاحتفاظ بالمحاضرات وذلك للاستفادة منها عند المراجعة لتقديم الامتحانات.
وأيضاً يشير (الشرمان، 2015) إلى أهمية الصف المقلوب كالتالي:
- مماشاة متطلبات العصر الرقمي ومعطياته.
- توفير الوقت والجهد والمال.
- الطالب هو محور عملية التعليم.
- مساعدة الطلبة المتعثرين أكاديمياً.
- مساعدة الطلبة في جميع المستويات في التفوق وخاصة ذوي الحاجات الخاصة.
ويشير كل من (بريجمان وسامز، 2012) إلى أن أهمية الصف المقلوب تكمن في:
- الصف المقلوب هي لغة طالب اليوم.
- تساعد الطالب في تحمل المسؤولية بنفسه.
- تقدم تغذية راجعة فورية للطلبة وتقلل من الأداء الورقي للمعلم.
- إتاحة الفرصة للتقويم والعلاج.
- تزيد من وقت المناقشة والحوار.
- مشاركة جميع الطلبة في التعلم. (Bergmann & Sams, 2012)
صياغة الفيديو التعليمي وشروطه
على المعلّم الاستفادة من طرائق التدريس ومهاراته وتقنياته، واستخدامها أثناء صياغة الفيديو التعليم، ويقدم كل من بيرجمان وسامز (Bergmann & Sams, 2012) مجموعة من الاقتراحات لجعل الفيديو التعليمي شيقا وجذابا للطلبة، وهي:
أ. جعل الفيديو قصيراً: لا بد عند تسجيل الفيديو ألا يستغرق مدة تتجاوز ال 15 دقيقة، والتركيز على الموضوع وعدم الخروج عنه.
ب. تغيير نبرة الصوت: غالباً ما يعرض المعلم المحتوى التعليمي من خلال برامج، والشيء الوحيد الذي يستطيع إضافته هو صوته، لذا ينبغي عليه تغيير نغمة صوته، فيكون الفيديو أكثر تشويقاً، خاصة أنه يتم تسجيل الفيديو أمام الحاسوب، وليس أمام الطلبة.
وهناك بعض الملاحظات التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند إنشاء فيديو تعليمي وهي:
- أن يكون بسيطاً وسهلاً على الطلاب.
- غير ممل ومرح.
- غير نمطي.
سنتحدث في المقال الثاني عن البرامج الإلكترونية المستخدمة في الصف المقلوب، والخطوات اللازمة لتطبيق هذه الإستراتيجية، ومعوقات وسلبيات استخدامها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأستاذ سامر جابر، باحث في مركز الأبحاث والدراسات التربوية، ماجستير إدارة تربوية – الجامعة الإسلامية، هاتف: 0096170987184
مؤلفات:
1- كتاب "تكنولوجيا التعليم، نحو عالمي رقمي وتفاعلي"-2019م.،دار الولاء، قيد الطباعة.
2- مقالة حول "دمج الألعاب الإلكترونية في التعليم"، 2018م.
http://esrc.org.lb/article.php?id=4399&cid=248
تعليقات