قيم كتب اللغة الانكليزيّة الغربيّة وسلوك تلامذة صفيّ السابع والثامن
إضاءة على دراسة
رسالة ماستر في الإدارة التربويّة/ إعداد الأستاذ علي حسين الموسوي/ عام 2016
انقسم المفكّرون التربويّون في الشرق في التّعامل مع النتاج العلمي الغربي إلى ثلاث فرق، الفريق الأوّل وهو فريق الفكر التّغريبي الذي أخذ بفكر الغرب وتبنّاه كاملاً، والفريق الثاني وهو فريق الفكر التراثيّ الذي نبذ فكر الآخرين بشكل كامل وعمل على الحفاظ على ماضي الأمّة الموروث، أمّا الفريق الثالث فهو فريق الفكر التأصيليّ الذي ينطلق من المقوّمات الماديّة والمعنويّة للأمّة، ومن سوق الحلول الواعية والمبتكرة والمنسجمة مع تاريخها وحاضرها ومستقبلها.
في المقابل، من المعروف أنّ الكتب المدرسيّة تتضمّن - إضافة إلى المعارف والمعلومات - قيماً يكتسبها التلامذة أثناء عمليّة التعلّم والتعليم، إلّا أنّ القيم المُتضّمنة بين كتاب وآخر تختلف باختلاف الفرق التي ينتمي إليها المؤلفون والمعدّون الذين وضعوا هذه الكتب.
ونظراً لما للكتب المدرسيّة والقيم التي تتضمّنها من تأثير على بناء شخصيّات التلامذة وأفكارهم ورؤيتهم المستقبليّة، وبالتالي على هويّاتهم الثقافيّة والعقائديّة والتربويّة والاجتماعيّة، أفراداً وكجزء من الأمة ككل، رأى الباحث أنّه لا بدّ من معرفة المفاهيم القيميّة المُتضمّنة في الكتب المدرسيّة الأجنبيّة التي يتعلّمها أبناؤنا، بالإضافة إلى معرفة ما إذا كانت القيم التي يتربّون عليها تتناسب مع قيم مجتمعهم أم لا، فسعى من خلال هذه الدراسة للإجابة على عدّة تساؤلات أساسيّة، التساؤل الأوّل وهو هل الكتب الإنكليزيّة التي تدرّس لتلامذتنا تساهم في تغيير قيمهم وتجعلها متناسبة مع القيم الغربيّة؟ أمّا التساؤل الثاني، هل ما زالت الكتب المدرسية في مدارسنا تزوّد المتعلمين بقيم متناسبة مع قيم مجتمعاتهم أم لا؟ وأمّا التساؤل الثالث، هل هناك تغيير في الهويّة القيميّة لتلامذتنا تساهم في تغريب هذه المجتمعات؟
عليه، حاول الباحث خلال الدراسة التأكّد من أنّ المفاهيم التربويّة القيميّة الموجودة في كتب اللّغة الإنكليزيّة التي تُدرّس في لبنان متناسبة أو غير متناسبة مع القيم الأخلاقيّة والتربويّة المطلوب أن يتربّى عليها الناشئة في مجتمع الفئة المستهدفة، وذلك من خلال التأكّد من أنّ هذه القيم تساهم في تغريب وتبعيّة المتعلّمين للفكر التربوي الغربي أم لا، ومن خلال التأكد ما إذا كان الكادر الإداري والتعليمي يعمل على تأصيل القيم غير المناسبة (إن وجدت) قبل تقديمها للمتعلّمين أم لا.
في إطار المعالجة، قُسمت الدراسة إلى فصلين، الفصل الأوّل ويتضمّن ثلاثة عناوين أساسيّة، العنوان الأوّل حول الإطار النظري للدراسة، وأمّا العنوان الثاني فحول الاتجاه التغريبي بين التخطيط والتطبيق، والعنوان الثالث فكان حول التربية على القيم بين الواقع والمأمول، أمّا الفصل الثاني فتضمّن ثلاثة عناوين أساسيّة أيضاً، الأوّل حول تحليل القيم والمفاهيم في كتب اللغة الإنكليزية، والثاني دراسة حول القيم والمفاهيم من وجهة نظر المتعلمين والمعلمين والأهل والإدارة، وأمّا الثالث فكان حول نتائج البحث.
من الناحية التطبيقيّة، استهدفت الدراسة أربعة مدارس، الأولى وهي ثانويّة علي النهري الرسمية، أمّا الثانية فهي مدرسة المهدي (عج) – النبي شيت، والمدرسة الثالثة مدرسة العهد في بلدة سرعين، وأمّا المدرسة الرابعة فهي مدرسة AUS في بلدة رياق. حيث قام الباحث بتحليل مضمون ثمانية كتب في 4 سلاسل من كتب اللغة الإنكليزية لصفي السابع والثامن (ذكور وإناث) في 4 مدارس (خاصّة ورسمية)، هذا بالإضافة إلى قيامه بمقابلات خاصّة مع مدراء المدارس المستهدفة ومع معلّمي اللّغة الإنكليزيّة في هذه المدارس وعددهم 6 معلمين، ثم قام بملء 100 استمارة لتلامذة صفي السابع والثامن في المدارس الأربعة، بالإضافة إلى ملء 40 استمارة لأولياء أمور التلامذة.
أمّا على مستوى النتائج، أظهرت النتائج أنّ كلّ الكتب موضوع الدراسة تتضمن قيماً غربيّة وغريبة عن قيم مجتمع الدراسة، لعدة نواحي أبرزها تقديم أميركا ومدنها وشخصيّاتها بصورة القدوة بدل المعالم والأعلام العربيّة والإسلاميّة!! والترويج لموسيقى الروك والمطربين!! بالإضافة إلى الترويج للتسليم للأمم المتحدة والترويج لفكرة ضعف الدول الفقيرة ولزوم الاستعانة بالدول الغربيّة!! ثم من ناحية التشجيع على التواصل الالكتروني والترويج لثقافة الموضة العالمية وتوهين الالتزام بالعادات والتقاليد والموروثات، ويضاف على ذلك إقناع الشعوب أن المال هو سبب السعادة دون إعطاء أهمية للعوامل الاجتماعية والنفسية، ثمّ الإيهام بأنّ الجنود الأمريكيّين الذين شاركوا في حرب فيتنام يعانون من مشكلات نفسية وصحية، دون التوضيح بأنهم غزاة.
ويمكن عرض باقي النتائج على الشكل التالي:
- إنّ التلامذة – بنسبة كبيرة – يتعوّدون على القيم الغربيّة ويتّجهون نحو اعتمادها في سلوكهم.
- إنّ مجتمعات التلامذة تعاني من تراجع على مستوى التفكير والإبداع، ومرشّحة لمزيد من التراجع.
- هناك خطر على الهويّة الإسلاميّة للتلامذة، وهم يتحوّلون تدريجيّاً للفكر الغربيّ، لأنّهم يحملون ثقافته وعاداته.
- هناك ضعف في التعريف بالعلماء والأعلام الإسلاميين، وضعف في المحافظة على المطالعة وقراءة الكتب المفيدة.
- هناك ضعف في معرفة الأهل بمخاطر القيم الغربية التي يتعلمها أبناؤهم، أو ضعف عن غرس القيم المنشودة لمواجهة القيم الغربية التي يتلقونها في الكتب الإنكليزية.
- إن نصف أهالي التلامذة يستشعرون مشكلة خسارة أولادهم من الناحية الفكرية ولكنهم استسلموا لهذا الواقع، والنصف الثاني يعتقدون أنهم سيخسرونهم إن لم تتوفر الأساليب والبرامج المناسبة للحفاظ على قيم أبنائهم.
- جميع المدراء المستطلعين يؤمنون أن القيم والعادات الغربية لا تناسب مجتمعنا إلا أن مدارسهم تدرّسها، رغم إبداء إرادتهم للترويج للقيم والشخصيات الإسلامية.
- يعتقد المدراء أن التلامذة قطعوا أشواطاً في تعودهم على القيم الغربية التي بدأت تؤثر على سلوكهم، وأنهم (المدراء) لم يستطيعوا وضع خطط وبرامج لمواجهة الواقع.
- لم تلحظ المعلّمات ضرورة وضع مخطط لمواجهة القيم الغربيّة التي يعلّمونها، بل ولا يوجد لديهنّ الهاجس من خطر هذه القيم، مع اعتقاد بعضهنّ بأنّها المناسبة لتلامذتهنّ، وهو ما يحتاج إلى وقفة للالتفات إلى الوعي والبصيرة التي تمتلكها المعلّمة إلى جانب قدراتها التعليميّة ولغتها عند اختيارها.
في الخلاصة، أظهرت الدراسة أن الكتب موضوع الدراسة تتضمن قيماً تربويّة تناسب مع المرحلة العمريّة للفئة المستهدفة بالدراسة، وأنّها تحمل نماذج قيميّة تناسب المجتمعات الغربية وليس المجتمعات الشرقيّة ولا الإسلاميّة، وأنّها تحمل أفكاراً "غريبة" عن الموروثات الثقافيّة في مجتمع الدراسة، مثل: المال سبب رئيسي للسعادة، الصداقة بين الجنسين، موسيقى الروك، ..
يمكن القول أنّ أهميّة هذه الدراسة تكمن في أنّها ساهمت بِتبيان الخفايا المعرفيّة والقيميّة التغريبيّة في كتب اللغة الإنكليزيّة في المدارس اللبنانيّة، بالإضافة إلى ما ساهمت به في التنبّه حول الأهداف – المعلنة وغير المعلنة – عبر قيم غربيّة وغريبة تدرّس للمتعلّمين، كما وتكمن أهميّتها في أنّها من إحدى أوجه تأصيل القيم في الكتب الموجودة في مدارسنا الأمر الذي لا بُدّ منه.
إعداد الملخص : مرشد الدراسات الأكاديمية في المركز أ. محمد علوش
تعليقات