البُعد التربوي في قضية اللّاجئين السوريّين إلى لبنان
الكاتب : د. غادة صبيح*
اللجوء من سوريا، التي كانت ملجأ اللبناني البسيط ومنفذه واستراحته بحُكم قربها الجغرافي، وحركة التنقّل السهلة، وفرق العملة الذي كان يخوّل عدداً كبيراً من اللبنانيّين التبضّع الشهري لمؤونة البيت والعائلة مع الاستجمام والسياحة، سوريا هذه أصبحت الآن هاجساً عند هذا اللّبناني البسيط…
سبق للبنان أن عرف من قبل موجة من اللّجوء الفلسطيني، ما تزال أصداء وجوده وانتشاره وحركته في لبنان تتردّد منذ سنوات، وبالتالي فإنّ المشكلة الحقيقية التي يواجهها البلد، سواء بالنسبة إلى اللّاجئين الفلسطينيّين أم بالنسبة إلى اللّاجئين السوريّين، ليست الخوف من التوطين أو التخويف به، إنّما مشكلة تحمّل إقامتهم في لبنان إلى أجل غير معروف، وما يتطلّب ذلك من تحمّل أعباء اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية يعجز البلد عن تحمّلها.
بحسب الوزير اللبناني رشيد درباس، أصبح عدد اللّاجئين السوريّين يساوي ما يقارب ثلث عدد سكّان لبنان: “رسمياً تعتبر المفوّضية العليا لشؤون اللّاجئين التابعة للأُمم المتّحدة أنّ عدد اللّاجئين السوريّين في لبنان يبلغ مليوناً ومائتَي ألف لاجىء، وفي الحقيقة فإنّ هذا الرقم يصل إلى مليون وخمسمائة ألف” (مجلّة الأسبوع العربي، 21 /9/ 2016). وكان موقع منظّمة العفو الدّولية قد أعلن عبر صفحته الرسمية بتاريخ 3/2/2016 ما نصّه: “يستضيف لبنان قرابة 1.1 مليون لاجىء من سوريا بما يعادل حوالي واحد من كلّ خمسة أشخاص موجودين في البلاد”. ما يعني أنّ العدد ازداد خلال ستة أشهر ما يقارب 400 ألف شخص. هذا، مع ضرورة الإشارة إلى الضغط الذي باتت تشكّله العمالة السورية في لبنان، لكونها عمالة رخيصة، ولا يكاد يخلو منها محلّ، وكذلك من سواها من العمّال السورييّن أصحاب الخبرات، أو الـ “معلّمية”: “في ظلّ الوضع الأمني والاقتصادي المتردّي، يميل أرباب العمل اللبنانيون الى توظيف أُجراء معلّمية يعملون براتب زهيد، وهذه المواصفات متوافرة في سوريّين هربوا من الموت في سوريا: في الوقت الذي يبلغ فيه الحدّ الأدنى للأجور في لبنان (448 دولاراً) أي 675.000 ليرة لبنانية، يبلغ متوسّط الدّخل الشهري للعامل اللّاجئ السوري من الذكور (287 دولاراً):432.00 ليرة لبنانية” (رين بوموسى، جريدة النهار اللبنانية، 1 /5/ 2015). الأمر الذي ولَّد حالاً من التململ لدى اللّبناني الذي اكتشف فجأة أنّ النازح السوري الذي استقبله في وطنه وبيته بات ينافسه على لقمة عيشه، مع نسبة بطالة في البلاد تصل إلى 25% بحسب وزير العمل اللّبناني “سجعان قزّي” في نيسان (إبريل) 2016.
البُعد التربوي لهذا اللّجوء
مع التزايد المستمرّ لعدد اللّاجئين السوريّين في لبنان، أصبح هناك نحو 400 ألف طفل سوري في حاجة إلى تعليم على الأراضي اللبنانية، من بينهم حوالي 90 ألف تلميذ تمّ استيعابهم في المدارس الحكومية، وذلك بعد جهود هائلة تتضمّن تنظيم دورات دراسة مسائية لاستيعاب مزيد من التلامذة، ويتبقّى نحو 320 ألف يبحثون عن خيارات أخرى، بخلاف مدارس الدّولة. أمام هذا الوضع كان هناك خياران: مدارس رسمية لبنانية تضمّ تلاميذ لبنانيّين وسوريّين يدرسون المنهاج اللبنانيّ، وأخرى مجانية، خاصّة للتلاميذ السوريين، يدرسون المنهاج السوري بمدرّسين سوريّين تشرف عليها الهيئة التربوية السورية في لبنان منذ 2013، وتركّز على المناطق التي استقبلت العدد الأكبر من اللّاجئين مثل طرابلس وعكّار، تشرف بشكل شبه مباشر على عشر مدارس بمراحل تعليمية مختلفة، وتستقبل ما يزيد على 3000 تلميذ وتلميذة.
المنهاج التعليمي
كونه يتعلّم في المدارس اللّبنانية، يجد التلميذ السوري النازح نفسه مُجبراً على دراسة المنهج اللبناني مع معلّمين لبنانيّين. أضف إلى أن “اختلاف المنهجَين التربويَّين بين سوريا ولبنان، يعني تحميل التلميذ السوري عبء إتقان لغة أجنبية لم يعرفها سابقاً، كما يحمّل التلميذ اللبناني عبء عدم استكمال المنهاج نتيجة الكثافة الطلّابية في الصفّ، والتباطؤ الذي لا بدّ منه للمواءمة بين قدرات التلميذَيْن” (وليد ضو، “التعليم الرسمي والطلّاب السوريّون في لبنان”، /wwwhttp://daleel-madani.org).
الحلّ الأوّل الذي اتبعته بعض المدارس اللبنانية كان باستخدام الترجمة إلى العربية في الصفوف الأجنبية وأحياناً إعادة الشرح باللغتَين مع كلّ ما يسبّبه ذلك من تململ وضيق في الجوّ الدراسي داخل الصفّ. تقول إحدى المعلّمات: “أحياناً نتأخّر في المنهاج لأنّنا نضطرّ لشرح مادّة العلوم مثلاً بالعربيّة ثمّ بالفرنسيّة ليستوعبه التلامذة السوريّون. فالبعض منهم لا يعرف قراءة الأحرف بالإنكليزيّة وطبعاً كتابتها، والمشكلة الكبرى هي في الأهل الذين يهملون أطفالهم ولا يتعاونون معنا كمدرسة لا في المتابعة المنزليّة ولا العينيّة لناحية القرطاسيّة والكتب” (البيان، العدد 437).
الحلّ الثاني الذي ارتأته بعض المدارس اللبنانية الخاصّة تمثَّل في مضاعفة ساعات تعليم اللّغات الأجنبية، أو إجبار بعض الطَلبة على التسجيل بصفوف أدنى من مستواهم العلمي الصحيح حيث، وبعد أشهر قليلة، أبدى التلاميذ تقدّماً ملموساً على مستوى الاندماج مع المنهاج.
هذا في الوقت الذي نرى فيه معاناة أخرى للتلامذة السوريين في تركيا التي تستقبل أكثر من مليونَي مهاجر سوري، حيث يواجه أكثر من 400 ألف طفل سوري هناك أزمة كبيرة، على الرّغم من سماح السلطات التركية لهم بالالتحاق بالمدارس الحكومية، وذلك بسبب مشكلات اللّغة وعدم الاندماج في النّظام التعليمي التركي.
الجامعات
في الجامعات يختلف الأمر ويقتصر على تأمين مُنح دراسية للطَلبة؛ وبمجرّد كتابة كلمة “مُنح دراسية للسورييّن” تتدفّق أمامك العروضات من كلّ البلدان ومن كلّ الاتّجاهات، العالم بأسره يحاول التكفير عن تقصيره بفتح فُرص الدراسة والمتابعة في الخارج بعد دراسة الملفّات. بحيث اضطّر عدد كبير من الشباب مغادرة بلاده من دون إمكانية الحصول على كشف علاماته الجامعية السابقة، ومنهم مَن كان قد وصل إلى السنة الثالثة ولم يكن في حوزته سوى شهادة البكالوريا، فاضطّر إلى متابعة الدراسة من السنة الأولى وأحياناً كثيرة في فرع يختلف عن دراسته الأصلية.
أمّا أبرز المشكلات التي تعترض الطلّاب السوريّين في الجامعات اللبنانية، فهي قلّة الموارد المادّية، وضُعف الإمكانيات في تنظيم الوقت بين محاضرات الجامعة وعملهم الذي يتوجّب عليهم القيام به من أجل دفع أقساطهم. لذا تبقى الجامعة الرسميّة اللّبنانية الملاذ الأوّل والأسهل، حيث هناك رسم تسجيل سنوي بقيمة 700 دولار أميركي فقط. أمّا الجامعات الخاصّة، فمَن يستطيع تدبّر أمور الأقساط الجامعية فيها عن طريق برامج المُنح المتوفِّرة يصادف مشكلات اللغة الإنكليزية التي لم تكن من ضمن المواد الأساسية في سوريا، ولا من ضمن الاهتمامات الأولى.
على صعيد لبنان وتجربتنا الشخصية السابقة في العمل التربوي، نسجّل الجهد الكبير الذي تقدّمه “الجمعيّة اللّبنانية لدعم البحث العلمي”، المعروفة باسم -Lebanese Association for Scientific Research) -Laser) من خلال المُنح المقدَّمة إلى الطَّلبة السوريّين. غير أنّ هذا الموضوع شكّل في مرحلة معيّنة ورقة ضغط على الجوّ العامّ للدراسة، تطَلَّب متابعة دقيقة وحلقات نقاش أسفرت عن خلق نسيجٍ تخطّى كلّ الحدود وكلّ المشكلات. فمن خلال عملية حسابية معيّنة وتسجيل عدد معيّن من الطَّلبة في كلّية معيّنة، تحصل الجمعيّة على تخفيضات خاصّة بها وبطلبتها، ما ولَّد حساسيات في ما بعد بين الطَّلبة، وتحديداً ذوي الدخل المحدود من اللّبنانيين، الذين يعانون لدفع أقساطهم من جهة، والطَّلبة الممنوحين السوريّين من جهة ثانية.
في الختام، ولمواجَهة التوتّر بين المجتمعَين (النّازح والمُضيف) وتقليص الشرخ الذي يفرض نفسه، لا بدّ من إيجاد أعمال تربوية وأنشطة مرادفة مُشتركة، تتناول السلوك الفردي اليومي وتتعاطى معه من دون مرجعية أو خلفية دينية واجتماعية، لأنّ مفتاح الإدارة الفاعلة للأعداد الكبيرة من النازحين، بحسب رئيس الوزراء اللّبناني تمّام سلام، “ليس المساعدة الإنسانية وإنّما المساعدة التنموية التي يجب أن تكون بمستويات عالية من شأنها تحفيز النموّ وخلق فرص عمل جديدة” (منتدى التحرّكات الكبرى للّاجئين والنازحين: تحدّ عالمي، أجوبة إقليميّة،استراتيجيّة شاملة، 21 /9/ 2016).
مع غياب التخطيط والمراجع والمناهج المختصّة بهذا الأمر، لا بدّ من دعوة الهيئات الدّولية والمنظّمات إلى وضع برامج خاصّة لدعم ورعاية اللّبنانيّين والسوريّين ذوي الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتشابه. وكان الرئيس تمّام سلام قد نادى، في المنتدى المذكور قائلاً: “إنّ المساعدة الإنسانية يجب أن توزَّع بشكل مُنصف بين النازحين في المجتمعات المُضيفة المحرومَة، وذلك إذا ما أردنا تفادي ظهور حالات من التوتّر الاجتماعي وعدم الاستقرار”.
عميدة سابقة لكليّة الإعلام – جامعة الجنان (لبنان)
المصدر: http://ofoq.arabthought.org/?p=2668
آخر تحديث : 2022-11-22
تعليقات