مقالة علمية حول المناهج التعليمية
هو مصطلحٌ يعيش اليوم في أروقة المؤسسات التربوية ليضفي عليها نوعاً من الخصوصية تمنحها صفة التطوّر العلمي، يمتلك هذا المفهوم اليوم ورغم حداثته، المقوّمات الرئيسية ليُعتبر علماً مستقلاً، له تعريفه وموضوعه وغايته ومسائله التي تميّزه عن غيره من العلوم، هذا وقد برزت فيه سريعاً اختلافات أضحت مدارس متنوّعة داخل العلم الواحد.
تتعدّد التعريفات لهذا المفهوم إلّا أنّها تشترك في التعبير عن خطّة تُعدّها المؤسسة التربوية والتي تُبيّن هدفها وآلية تحقيقها انطلاقاً من فلسفتها الخاصّة، يُعرّف (Tyler R.W.49) المنهج على أنّه مجموع تعلّمات المتعلّمين المخطّطة والموجّهة من قبل المدرسة من أجل تحقيق أهدافها التربوية . أما (Lawton D.83) فقد عرّفه على أنّه جميع التعلّمات المخطّطة والموجّهة من قبل المدرسة، أكانت منقولة فردياً أم فريقياً، داخل المدرسة أم خارجها، وهو عمليّة اختيار من الثقافة . كذلك ذهب من المتأخّرين( Eisner E.W .2002 ) حيّث عرّف المنهج على أنّه سلسلة أعمال تتبع خطّة موضوعة تهدف إلى الحصول على نتائج تعليمية لدى متعلّم أو أكثر .
وهكذا يتّضح من هذه التعريفات وغيرها أنّ موضوع علم المناهج التربوية الذي تدور حوله مسائل العلم هو "الخطّة التعليمية" وما يحيط بهذه الخطّة إنطلاقاً من الفلسفة الحاكمة عليها مروراً بالأهداف المتوخّات وآلية تحقيقها من اختيار المحتوى وترتيبه واختيار الطرائق المناسبة وصولاً إلى تقويم تلك الأهداف.
وربّما يتّضح بعد عرض تعريفه وموضوعه الغاية منه، فهو يرسم للمؤسسة التعليمية الطريق الذي عليه تسير لبلوغ الهدف وبدونه تبقى كل أعمال المؤسسة كقطعٍ متفرّقة لا تشكّل جسماً تعليمياً مهما تكاثرت وتعاظمت.
بناءاً على ما تقدّم فقد فُرد لهذا العلم مسائل من قبيل الفلسفة التربوية والأهداف والمحتويات كما والطرائق التربوية إضافة إلى التقويم التربوي وغيرها من المسائل ذات الصلة، وهو ما سنحاول عرضه اقتضاباً في هذه المقالة.
إنّ من أوائل المسائل التي تُبحث في المقام هي الفلسفة التربوية التي تأخذ موقع الحاكمية على كل تفاصيل المنهج، فإنّه لما كانت وظيفة التعليم هي بناء الإنسان ولما كانت رؤية تكامل الإنسان تختلف بإختلاف المدارس الفلسفية صار لزاماً على واضع المنهج التعليمي أن يأخذ بعين الإعتبار تمظهر المباني الفلسفية في مكوّنات المنهج، ففي المنهج الإسلامي مثلاً لا بدّ وأن لا يُذكر في المحتوى ما يُعارض تكوّن الإنسان من بعدي الجسد والروح أو عدم إقتصار المعرفة على التجربة وغيرها من المباني الإسلامية.
وبعد تحديد الفلسفة الحاكمة على المنهج يأتي البحث في مسألة العناصر الأساسية المكوّنة للمنهج وهي أربعة (الأهداف/المحتوى / الطرائق/ التقويم) ففي حين ترى إختلاف بين علماء المناهج في هذه ضيقاً ووسعاً، إلاّ أنّ أحدهم لا يخرج عن هذه الأربعة. ففي حين يرى Tyler أنّ أسس بناء المنهج في مسار أفقي Linear (تحديد الأهداف_اختيار التجارب التعليمية_تنظيم التجارب التعليمية_التقويم) تزيد Taba H.1962 في بداية الخط مرحلة (تشخيص الحاجات) وبعد تحديد الأهداف تزيد مرحلتي (اختيار المحتوى و تنظيم المحتوى) دون أن تخرج عن المسار الأفقي لبناء المنهج، حتّى انتقده Wheeler W.1967 واقترح له خطوات دائرية Cyclical لكنّه لم يُبقي على خطوات Tyler أو Taba فزاد بعد تحديد الأهداف عند Tyler (أختيار التجارب) ثم (اختيار المحتوى) ثم (تنظيم المحتويات والتجارب وإدماجها) وليس إنتهاءاً ب(التقويم) الذي يعود بدوره الى المرحلة الأولى تحديد الأهداف، وهذه الخطوة التي قدّمها Wheeler في تصميم الأسس ضمن حلقة دائرية يُعد نقلة إيجابية في إعادة النظر بالمنهج وتطويره دورياً.
ومن المسائل الأساسية أيضاً التي يُبحث عنها هي الأهداف، هذه المسألة وإن شهدت جدلاً في تصنيفها وترتيبها فنحن نشير هنا إلى واحدٍ من التصنيفات التي رتّبت الأهداف وفق أربعة مستويات من العام إلى الخاص (الغايات التربوية Aims of Education / الأهداف العامّة General Objectives / الكفايات Competencies/ الأهداف التعليمية Instructional Objectives) أمّا الغايات التربوية فهي التي تضعها الحكومات وتدرجها في دساتيرها في إطار الإجابة عن سؤال (أي مجتمع نريد؟ وأي إنسان ومواطن نُريد؟) وتُعتبر مرجعية إلزامية لكل المؤسسات التربوية في البلاد لتبني أهدافها العامّة تحت مظلّتها وتُحدّد حصّتها في تحقيق الغايات التربوية للبلاد، فالأهداف العامّة لا بدّ وأن تعكس تطلّعات الغايات التربوية، فإذا كان من الغايات التربوية في بلد كلبنان (نُريد مجتمع مؤمن ومُعتز بعروبته) فمن الطبيعي أن تجد من الأهداف العامة لمدرسة تحت السنديانة اللبنانية (التعبير والتواصل باللغة العربية الفصحى، والإيمان بدورها في المحافظة على أصالة الهوية الثقافية) فالأهداف العامة تجيب عن (سؤال أي متعلّم نريد؟)
هذان النوعان من الأهداف يندرجان تحت عنوان (ما يجب أن نسعى إليه) بغض النظر عن الموارد المتاحة، أمّا الكفايات والأهداف التعليمية فتحت عنوان (ما يمكن تحقيقه في ظل الظروف المتاحة) فالكفاية بما هي هدف تعليمي خاص يُجيب عن سؤال (ما هي المهام والنشاطات التي نكسبها للمتعلم؟) فهو يُبيّن مدى استفادة الفرد من التعلّمات وتوظيفها حياتياً، والهدف التعليمي بما هو (ما نسعى اكسابه للمتعلّم من قدرة او مهارة او معرفة؟)، تُبيّن هذا الجانب الذي أشرنا اليه.
ومع المحتوى نأتي إلى العنصر الثاني من أساسيات عناصر المنهج حيث يتم إختيار المناسب من المحتوى العلمي الذي كوّنته البشرية على مر العصور وما زال يتزايد -حتّى قيل بأنّ كم هذا النتاج يزداد منذ العام 1990 مرّتين كل سنتين -، إلاّ أنّ هذا الإختيار يجب أن يُحقق الأهداف التي حُدّدت بعناية، والمقصود من المحتوى هو المادة التعليمية من (كتاب تعليمي/وتمارين/وأقراص مدمجة/ولوحات جدارية/وأشرطة سمعية وغيرها) فلا يجب أن يُذكر في المحتوى ما يعارض الأهداف وهنا تأتي فائدة تحليل المحتوى، ومن الفوائد الإضافية أيضا هي تنظيم المحتوى في جرعات تناسب كل مرحلة دراسية والتأكّد من عدم التعارض بين المحتويات المعرفية في مختلف العلوم بل تكاملها، هذا كلّه إلى جانب ترتيبها وعرضها بما ينمّي قدرة المتعلّم على النقد والتحليل والإستنتاج وغيره....
هذا الإختيار الدقيق للمحتوى يجب أن يُستكمل بإختيار طرائق التدريس المناسبة، وعلماء المناهج فصّلوا في العلاقة التبادلية بين الأهداف والطرائق، يقول Eisner لكل هدف تعلّمي، يسعى المعلّم إلى إكسابه للمتعلّمين عبر نشاط تعليم وتعلّم، إجراءات يعتمدها المعلّم،... وحده المعلّم من يترجم السياسة التربويّة ويجسّدها في ما يعلّم في الصف ، كما يتأثّر تحديد الهدف بالفئة المستهدفة والمادّة التعليمية والموارد المتاحة وغيره ...
وفي آخر سلسلة أسس بناء المنهج يأتي التقويم ليتم النظر في مراحل تطبيق المنهج ومدى تحقيقها للأهداف المرجوّة والمحددة سلفاً، وقد عبّر (Glatthorn A. 2009) عن ذلك بقوله يهدف تقويم التعليم إلى التأكّد من كون المنهج المعلّم هو نفس المنهج المكتوب ، أمّا المقصود بالمنهج المكتوب فهو المنهج الناتج عن عمليّات هندسة المنهج والموضوع في تصرّف المعلّمين أي المنهج الذي يتّضح فيه ما رسمته المؤسسة التعليمية لتحقيقه، أمّا المنهج المعلّم فهو ما يتم تحقيقه فعلاً في الصف، وعلى كل حال فالتقويم مهمّته الكشف عن الخلل لمعالجته وتقويمه، وهذه العملية يجب أن تتم بشكل دوري للإستمرار في تطوير المؤسسة.
هذه المسائل الأكثر تداولاً في علم المناهج إلاّ أنّها ليست وحدها, وما قدمناه في هذه المقالة أردناه أن يكون مُنطلقاً يدفع القارئ بعد الإيمان بضرورة هذا العلم إلى البحث والقراءة في تفاصيله، فإذا كان تكامل الإنسان حاجة فطرية بتعبير المتدينين فإنّ العلم ممّا لا شك فيه أحد أسباب التكامل الإنساني، لكن الكلام كيف نعلّم أجيالنا ليتكاملوا؟ ووفق أي فلسفة نضع أهدافنا؟ اليوم ظهرت في العالم الاسلامي وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحديداً كُتب عن فلسفة التربية والتعليم وكان أحدها بإشراف آية الله الشيخ اليزدي، كما أنّ توجيهات قائد الثورة السيد الخامنئي حفظه الله في خطاباته واضحة بخصوص الإهتمام بالتربية والتعليم، هذا يأتي في سياق إيمان المرجعية بدور التعليم في بناء المجتمع الإسلامي.
المراجع :
Tanner D. & Tanner L. 2009 / Curriculum Development, Theory into Practice.
Lawton D. 83 / Educational Studies and Educational planning.
Eisner E.W.2002 / the Educational Imagination, On the Design and Evaluation of School Programs.
عواضة، المنهج التعليمي The curriculum.
Enseignement explicite et réussite des élèves la question des apprentissages /Gautier C. & Boissonnette S. & Richard M. 2013
Eisner E.W.2002 / the Educational Imagination, On the Design and Evaluation of School Programs.
راجع . عواضة، تقويم التعلّم.
Glatthron A. A. & Jailall J. M.2009/ The principal as curriculum Leader, Shaping What is taught and tested
Roegiers X.2010/ La Pédagogie de I integration, des systems d education et de Formation au Coeur de nos sociétés.
نبذة عن الكاتب
عباس عبدالله بيلون
إجازة في الفلسفة والإلهيات من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية.
طالب متابع في الحوزة الجعفرية_حوزة بقيّة الله عجل الله فرجه الشريف_تول.
طالب إجازة إختصاص علم النفس في الجامعة اللبنانية_ صيدا.
آخر تحديث : 2022-11-22
نقض فني
2016-08-22لا يجب أن تذكر المراجع والمصادر في آخر المقالة بالجملة من دون تبيان مصدر كل فكرة على حدا فلا يعرف القارئ كل مرجع لاي من الافكار الواردة في المقالة