كيف تتم التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين في ضوء معطيات العصر الرقمي
مقدمة:
تمثل التنمية المهنية للمعلم عنصراً أساسياً من أساسيات تطوير التعليم ليكون قادراً على الوفاء باحتياجات المجتمع وتحقيق أهدافه، كما أن الاهتمام بالتنمية المهنية للمعلمين تعد قضية خطيرة من القضايا التي فرضتها تحديات العولمة، والثورة التكنولوجية، والثورة المعرفية، وتكنولوجيا المعلومات، وظهور صيغ تعليمية جديدة تعتمد على التعلم الإلكتروني وبيئات التعلم الافتراضية ، والتحول ناحية المدرسة المحوسبة بمقوماتها وتقاناتها ومناهجها، ومن ثم كان لابد من الاهتمام بالتنمية المهنية للمعلمين ليكونوا قادرين على التعامل مع تلك التحديات وكسب ثقة كل من يتعاملون معه.
ومما لا شك فيه أن التطور ﺍﻟﺫﻱ ﻁﺭﺃ ﻋﻠﻰ ﻭسائل ﺍﻻتصال بظهور الثورة الرقمية في نهاية ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ ﻭﺒﺩﺍﻴﺔ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺭﻴﻥ، كان له أثره الواضح في ﺍﻟﺘﺤﻭل ﺍﻟﺘﺩﺭﻴﺠﻲ ﻤﻥ ﺍﻷﻨﺸﻁﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺘﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻨﺸﻁﺔ ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ، خاصة ﻤﻊ ﺘﻌﺎﻅﻡ ﺍﻻﺴﺘﻔﺎﺩﺓ ﻤﻥ ﺇﻤﻜﺎﻨﺎﺕ ﺸﺒﻜﺔ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ، ولا شك أن هذه الثورة ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ قد أثرت ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ، بل وسيزداد تأثيرها في المستقبل القريب، لذلك كان من الضروري عند التخطيط للتعليم المستقبلي أن يوضع بالاعتبار تنمية المعلمين مهنيًا بما يتناسب مع معطيات العصر الرقمي وانعكاساته على التعليم، فقد بات من الضروري تأهيل المعلمين وتنميتهم مهنيًا بطريقة تمكِّنهم من القدرة على التكيف والتفاعل مع المعطيات الجديدة للعصر الرقمي ليكونوا مزودين بالخبرات والمعارف والمهارات التي تعينهم على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية المرتبطة بمهنة التعليم، لا سيما وأن تطويرهم وتنميتهم مهنيًا ينعكس على دعم الطلاب، وزيادة قدرتهم على فهم التغيرات والتحولات المعاصرة.
ﻭمن هذا المنطلق ﻓﺈﻥ ﺍﻟورقة الحالية هدفت إلى طرح رؤية تربوية للارتقاء بالتنمية المهنية للمعلمين مستفيدة من معطيات العصر الرقمي وانعكاساتها على التعليم الذي أصبح هو الآخر متصفا بالرقمية، ومن ثم فسوف نعرض في هذه الورقة المحاور التالية:
المحورالأول: وفيه يتم تناول ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ ﻭﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ.
المحور الثاني : ويتناول الأدوار والمهارات اللازمة للمعلمين للتعامل مع بيئات التعلم الافتراضية.
المحور ﺍﻟثالث: يتناول طرح رؤية تربوية لتحقيق التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين وسبل تنزيلها.
ﻭﻟﺘﺤﻘﻴﻕ أﻫﺩﺍﻑ هذه ﺍﻟورقة فقد تم الاعتماد ﻋﻠﻰ منهج الدراسات الاستشرافية ﺍﻟﺫﻱ ﻴﺒﻨﻲ ﻨﻅﺭﺓ تنطلق من الواقع وتحلق في المستقبل لتحقيق تنمية مهنية إلكترونية للمعلمين تجعلهم قادرين على التعامل مع ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ الحالية والمستقبلية مستفيدين من معطيات الثورة الرقمية وتقنياتها الحديثة.
المحور الأول: ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ ﻭﺘﺄﺜﻴﺭﺍﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ
1. تعريف الثورة الرقمية
تعددت ﻤﻔﺎﻫﻴﻡ اﻠﺜﻭﺭﺓ ﺍﻟﺭﻗﻤﻴﺔ، إلا أن أقربها ﻟﺨﺩﻤﺔ ﻫﺩﻑ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻴﺘﻤﺜل في أن الثورة الرقمية هي القدرة على تحويل كل ﺃﺸﻜﺎل ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺭﺴﻭﻤﺎﺕ، وﺍﻟﻨﺼﻭﺹ ﻭﺍﻟﺼﻭﺕ ﻭﺍﻟﺼـﻭﺭ ﺍﻟﺴـﺎكنة ﻭﺍﻟﻤﺘﺤﺭكة لتصبح في صورة ﺭﻗﻤﻴـﺔ، ﻭﺘﻠﻙ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺕ ﻴـﺘﻡ ﺍﻨﺘﻘﺎﻟﻬﺎ ﺨﻼل ﺸﺒﻜﺔ الإنترنت ﺒﻭﺍﺴﻁﺔ ﺃﺠﻬﺯﺓ ﺇﻟﻜترونية ﻭﺴﻴﻁﺔ (الهاتف، وﺍﻟﻜﻤﺒﻴﻭﺘﺭ) ﺤﻴﺙ يمكن ﺨﻼﻟﻬﺎ ﺘﺨﺯﻴﻥ ﻭﺘﻭﺯﻴﻊ كم ﻫﺎﺌل من المعلومات الرقمية بصفة ﻤﺴﺘﻤﺭﺓ (عبد القادر،2008: 82 ). وقد ﺒﺩﺃ ﺘﺄﺜﻴﺭ الثورة الرقمية ﻴﺘﻀﺢ ﻓﻲ كافة الأنشطة الحياتية ومنها التعليم، حيث ساعد على ظهور الكثير من ﺍﻟﻤﺼﻁﻠﺤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﺃﻭﺠﻪ ﺍلأنشطة التعليمية ﻤﺜل: ﺍﻟمدرسة الذكية ﻭ الفصول ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀـﻴﺔ، ﻭﺍﻟتعليم ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀﻲ، والتعليم الإلكتروني، والإدارة الإلكترونية، والمدرسة المحوسبة، وكلها تعتمد على فضاءات ﺍﻓﺘﺭﺍﻀﻴﺔ ﺨﺎﻟﻴﺔ من القوانين الفيزيقية ﺍﻟﻤﻭﺠﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ، ﻭﻴﻨﻌﺩﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻻﺤﺴﺎﺱ ﺒﺎﻟﺒﻌﺩ ﺍﻟﻭﺍﻗﻌﻲ ﺍﺫ أﻥ ﺍلاﺤﺴﺎﺱ ﺍﻟﻭﺤﻴﺩ ﺒﺎلأبعاد ﻭﺍﻟﻌﻨﺎﺼـﺭ ﺍﻟﻤﻜﻭنة للفضاء يكون إحساسا سيكولوجياً ( حسين، 2009).
ولقد تأثرت ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ التعليمية بهذه ﺍﻟﺜﻭﺭﺓ الرقمية، فتخطت ﺃﺴﻠﻭﺏ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠيم التقليدي الذي يقضي بذﻫﺎﺏ ﺍﻟﻁﺎﻟﺏ ﻭﺍلمعلم إلى الدراسة في مواعيد محددة، و بالتالي فإن الحضور هنا مكاني و زماني، وفيه ﻴﺤﺩﺙ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋل الحقيقي ﺍﻟﻘﺎﺌﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻨﺩﻤﺎﺝ بين المعلم والطالب في ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻭﺠﻬًﺎ ﻟﻭﺠﻪ، ﻤﻤﺎ ﻴﺠﻌل العلاقة ﺒﻴﻥ المعلم ﻭﺍﻟﻁﺎﻟﺏ أكثر تأثيراً في تحقيق الأهداف عبر الوسائط التقليدية المتاحة.
ﺃﻤّﺎ ﻋﻥ بيئات التعلم الافتراضية المعتمدة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﻠﻭﻤﺎﺘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻭﺴﺎﺌﻁ ﺍﻟﻤﺭﺌﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺴﻤﻭﻋﺔ في ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴم والتعلم، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻁﺎﻟﺏ ﺴﻴﺘﻤﻜﻥ خلالها ﻤﻥ ﺍﻟﺤﺼﻭل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺭﺍﻤﺞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ و اجتياز ﺍﻻﻤﺘﺤﺎﻨﺎﺕ من ﺃﻱ ﻤﻜﺎﻥ، فيما ﻴﻌﺭﻑ ﺒﺎﻟﺘﻌﻠﻡ عـﻥ ﺒﻌﺩ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﻴﺘﻭﻗﻊ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻴﺅﺩي ﺇﻟـﻰ ﺘﻐﻴﻴـﺭ ﺍﻟﻨﻅﺭﺓ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ عن أماكن ﺍﻟـﺘﻌﻠﻡ ﻭﻤﻜﻭﻨﺎﺘﻬـﺎ ﻭﻁﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻭﻤﻜﻭﻨﺎﺘﻪ، ﻓﺴﺘﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺩﺍﺭﺱ ﺒﻼ ﺃﺴﻭﺍﺭ، ﻭﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﺒـﻼ مدرجات (ردنه، 2015: 47) وﺒﺎﻟﺘﺎلي فإنَّ الحضور سيتغير من حضور مكاني إلى حضور لامكاني، كما ﺃﻥ ﺍﻻﺘﺼﺎل ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻋل ﺴﻴﺘﺤﻭل ﻤﻥ ﺍﻟﺘﺯﺍﻤﻥ ﻋﻥ ﻗﺭﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺯﺍﻤﻥ عن ﺒﻌﺩ، ﺃﻭ ﺍﻟﻼ ﺘﺯﺍﻤﻥ . ﻭ ﻫﺫﺍ ﺍلأﻤﺭ قد ﺤﺩﺙ ﺒﺎﻟﻔﻌل ﻓﻲ ﺒﻌﺽ ﺍﻟﺩﻭل فيما ﻴﺴـﻤﻰ ﺒﺎﻟﻤـﺩﺍﺭﺱ ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﺍﻻﻓﺘﺭﺍﻀـﻴﺔ، وهي ﻤﺩﺍﺭﺱ ﻭﺠﺎﻤﻌﺎﺕ ﺒﺩﻭﻥ ﻤﺒﺎﻥ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ تقدم خدماتها التعليمية ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍلاعتماد على خدمات الحوسبة السحابية في التعليم.
2. سمات وملامح الثورة الرقمية
تميزت الثورة الرقمية بسمات وملامح خاصة، ومن أهم هذه السمات ما يلي:
١- تلاحق الاكتشافات التكنولوجية المتداخلة
فالثورة الرقمية تمثل عدة ثورات متداخلة ومتكاملة في آن واحد، فقد تمثلت الثورة الأولى في ظهور الحاسب الآلي الشخصي (الكمبيوتر)، والثورة الثانية مثلتها شبكة المعلومات (الإنترنت)، والثورة الثالثة هي ثورة الوسائط المعلوماتية (الإنفوميديا)، أما الثورة الرابعة فهي طريق المعلومات السريع (سالانترنتز)، والتي تعد الإنترنت فيها مجرد حارة صغيرة مقارنة بذلك الطريق هائل الاتساع (العسكري، 2001: 9) حيث تحل الألياف الضوئية محل الأسلاك النحاسية. ويرى المهتمون بالتكنولوجيا أن الإنترنت ما هي إلا مجرد البداية التي مهدت لطريق المعلومات السريع في القرن الواحد والعشرين (كاكو، 2001: 69).
٢- أنها ثورة يصعب السيطرة عليها
إن الطبيعة التي تميز الثورة الرقمية من حيث الاعتماد على تحويل أي معلومات وأي تعاملات إلى أرقام يسهل نقلها والتعامل معها، يجعل من الصعب التحكم في هذه الثورة أو في تحديد أو حجب تطورها. وإذا كان الغرب هو الذي أبدع هذه الثورة الحديثة، فإنه يلهث وراءها حتى لا تسبقه كالمارد الذي أطلق من سجنه ولا يمكن التحكم فيه، وقد أشار ” توفلر” إلى أن القوة في القرن الواحد والعشرين لن تكون في المعايير الاقتصادية أو العسكرية، ولكنها تكمن في قوة المعرفة (معاش، 2000: 73).
٣- أنها حتمية التغيير
تتوقف قدرة الدول في تحقيق التقدم على مدى قدرتها على إيجاد التغييرات اللازمة لتطوير حركتها التصاعدية، وعلى نوعية استجاباتها للتغيرات الخارجية التي تهب عليها من جهات أخرى، لذلك فإن الأمم التي لا تستجيب للتغيير تحكم على نفسها بالتخلف عن ركب الحضارة، فانحطاط أغلب الحضارات وانقراضها بدأ عندما عجزت عن تغيير واقعها استجابة للمستجدات التي واكبت الحركة الإنسانية المتصاعدة ( البغدادي، 2001) . وتعد الثورة المعلوماتية واحدة من أكبر التغييرات التي شهدها العالم، فهي ثورة تختلف عن غيرها من الثورات السابقة، لها طبيعتها وجوانبها الخاصة، لأنها ترتبط بالمعلومات ولأن المعلومات تمثل العصب الأساسي في جميع أوجه الحياة. فهكذا الثورة الرقمية بقوتها وقدرتها الفائقة أصبحت تمثل العصب الرئيسي لكل التغييرات الممكنة في مختلف نواحي الحياة الحضارية.
و لقد انعكست الثورة الرقمية على مؤسسات التعليم فتأثرت المدارس بما حدث من تغييرات مصاحبة للثورة الرقمية، وظهرت مصطلحات جديدة للمدارس مثل المدرسة الذكية School Intelligent التي ارتبط اسمها بمحاولة إكساب المبنى صفة العقل الإنساني، التي على أساسها يمكن لهذا الأخير أن يفكر، وذلك من خلال أجهزة خاصة تسمى الأجهزة الذكية، وتعتمد فكرتها على تركيب جهاز ذكي ضمن شبكة الكهرباء في المبنى ويمكن من خلاله التحكم في إطفاء وإضاءة اللمبات في أوقات محددة، كأن يحدد سلفاً الوقت المطلوب فيه إطفاء جميع وحدات الإضاءة في المبنى أو بعضها. كذلك يمكن ربط شبكة التكييف ومنظومة النوافذ والأبواب بالشبكة الذكية ويصبح بالإمكان تشغيل أي جهاز في وقت محدد وفقاً لبرمجة الجهاز الذكي على ذلك، وهذا هو الفارق بين المنظومة الذكية في المبنى وذكاء الإنسان، فالإنسان معد للتعامل مع احتمالات غير متوقعة الحدوث بالنسبة له، أما المبنى وعناصره فهو يتعامل مع أحداث سبقت البرمجة عليها.
3. ملامح التعليم في العصر الرقمي
تشير التوجهات المستقبلية إلى أن التعليم الإلكتروني سوف يفرض نفسه على الأنظمة التعليمية بحيث ستصبح المدرسة هي مصدرا للتعلم وليست مكاناً له.
ولقد توقع ( نيوباي وزملاؤه، ( Newby et al. 2000 :264 مستقبلاً للتعليم يشارك فيه المعلمون والطلاب تقنية التعليم ويدمجونها لتحسين التعليم والتعلم، مما سيعني حدوث تغييرات جوهرية في عملية التعليم. وقد تحققت بالفعل تنبؤات ” نيوباي وزملاؤه”، فلقد أصبحت العملية التعليمية في ضوء المتغيرات الحالية تتصف بما يلي:
١- تعدد مصادر وسائط التعلم من خلال شبكات المعلومات سوف تصبح خاصية مركزية للتعليم.
٢- الطلاب أصبحوا متعلمين نشطين يتعلمون تعاونياً مع بعضهم بعضاً ومع أعضاء أكثر خبرة في المجتمع للبحث عن المعلومات وتحصيل المعرفة.
٣- تغير دور المعلم من “حكيم” إلى “مرشد على الطريق”. وبدلاً من نقل المعلومات، أصبح مطالباً بمساعدة طلابه على استخدام أدوات المعلومات الجديدة، للبحث عن المعلومات وتحليلها ودمجها وحل المشكلات والتفكير المبدع وبناء معرفتهم، وفهمهم الخاص بهم.
٤- أصبح التعلم عملية مستمرة مدى الحياة ومتاحًا للجميع، وأصبحت المدارس مراكز للتعلم لجميع أعضاء المجتمع.
٥- تضاءلت الحدود التي تفصل المدارس عن بعضها بعضاً وعن المجتمع، ذلك أن استخدام تقنيات التعليم عن بعد سوف يمكِّن المتعلمين من أن يتعلموا من معلمين في مواقع أخرى، ويتعاونون مع طلاب آخرين في مواقع أخرى.
ومع التوسع في تعميم التعليم الإلكتروني سوف تتصف العملية التعليمية بما يلي( Roblyer, M, et al (2009 : 228
•سوف يختفي التقسيم الاصطناعي بين المستويات التعليمية، وسوف يركز التعليم على أساليب تقويم بديلة معتمدة على الأداء الحقيقي للطالب.
•أهداف التعلم أصبحت مؤقتة (تجريبية) من خلال التفاوض مع الطلاب.
•النشاطات التعليمية أصبحت ذات نهايات مفتوحة ومرتبطة في الوقت نفسه بمواقف الحياة الواقعية (Anchored) التي يواجهها الطلاب خارج قاعات الدراسة.
•سوف يزداد الارتباط بين التعليم والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) حيث سيصبح من الضروري التوسع في تعميم التعليم الإلكتروني واعتباره مصدراً لا غنى عنه للمعلمين والمتعلمين.
إن التعليم الرقمي يعني أن المدرسة بأكملها يجب أن تتحول إلى بيئة حاضنة للتقنية فيما يسمى بالمدرسة المحوسبة، وحوسبة المدرسة تتطلب تحقيق ما يلي:
– تحويل المدرسة إلى بيئة تقنية تجيد التعامل مع تقنيات الحاسب الآلي ومعطياته.
– تحفيز المعلمين على تطوير قدراتهم في مجال التعامل مع التقنية ومصادر المعلومات.
– تطوير مستوى الاتصال الإلكتروني والتواصل بين المدرسة والمنزل ومؤسسات المجتمع.
– حوسبة المناهج والكتب الدراسية واعتماد التعليم الإلكتروني.
– توفير الربط الشبكي بين أجزاء وفصول المدرسة ومرافقها المختلفة.
وهذا التحول إلى المدرسة المحوسبة يتطلب المعلم المؤهل والمدرب على استخدامات التقنية، بما يعني تحول المعلمين من مجرد ناقلين للمعرفة إلى مستخدمين للتقنية وباحثين منتجين للمعرفة. كما يتيح مشروع حوسبة المدرسة فرص الوصول إلى مصادر المعرفة (الموسوعات، الدوريات العلمية، المصادر والمراجع) لكل من المعلم والطالب ويجعل من التعلم عملية تشاركية تفاعلية تعتمد على الوسائط الحاسوبية التفاعلية، حيث ستفهم كلمة مدرسة على أنها مصدر تعلم لا مكان تعلم ( أبو السمح، ورحال، 1433).
4. الثورة الرقمية وانعكاساتها على استراتيجيات التعليم
انسجاماً مع التحولات التي يشهدها التعليم الإلكتروني أعطى التربويون لاستراتيجيات التعليم أهمية كبيرة لتواكب البيئة التعليمية في التعليم الرقمي، ولعل أبرز هذه الاستراتيجيات التي يفرضها الواقع التربوي الإلكتروني في العصر الرقمي ما يلي (نيوباي وزملاؤه، Newby, et al 2000 :256)
•التعلم المعتمد على حل المشكلة
وهي منهجية تعليمية تستخدم مشكلة أو حاجة أو تحدياً حقيقياً كسياق للطلاب لتعلم مهارات حل المشكلة والتعلم مدى الحياة وتحصيل المعرفة في مجـال محدد.
•التعليم المرتكز على مهام حقيقية (Anchored Instruction)
فالتعليم الإلكتروني يقدم أسلوبا للتعليم في مواقف شبيهة بالمواقف الحياتية الواقعية (غالباً عن طريق المحاكاة) لحفز التفكير المتعمق والنقد الهادف ونقل التعلم إلى مواقف جديدة وحل المشكلات ذات المستوى العالي.
•التعلم من خلال مواقف (Situated Learning)
وهي استراتيجية تعليمية تتطلب أن يتناول الطلاب مهام حقيقية يتم تنفيذها في مواقف حياتية واقعية.
•التمهين الإدراكي (Cognitive Apprenticeship)
وهي طريقة تساعد على اكتساب مهارات إدراكية في موضوع محدد، وتطوير هذه المهارات واستخدامها عن طريق مشاركة الطلاب في نشاطات حقيقية في ذلك الموضوع، وتشمل استراتيجيات التمهين الإدراكي أساليب النمذجة والتدريب والتعقيب وغيرها.
•التعلم التعاوني التنافسي (Coopetitive Learning)
وهو طريقة تعليم تشجع مجموعات من الطلاب على التعاون في أداء مهام من خلال التنافس مع مجموعات أخرى من الطلاب.
•التعليم الافتراضي (Virtual Instruction)
وهو يعتمد على توظيف تقنية الواقع الافتراضي، فالطلاب مثلاً يمكنهم الذهاب في رحلة تعليمية افتراضية، والسفر إلى مواقع بعيدة، وإجراء تجارب افتراضية مثل مزج مركبات كيميائية خطيرة، وتعلم أداء مهام معينة دون التعرض لخطر استخدام الشيء الحقيقي. ويمكن من خلال التعليم الافتراضي إجراء العمل تعاونيــاً بـين الطلاب بواسطة شبكات الواقع الافتراضي والمشاركة في الحيز الإلكتروني. باختصار يمكن للواقع الافتراضي أن يجعل من المحاكاة (Simulation) شيئاً مشابهاً للحياة الحقيقية بدرجة كبيرة.
المحور الثاني: الأدوار والمهارات اللازمة للمعلمين للتعامل مع تعليم العصر الرقمي
أولاً: أدوار المعلم في العصر الرقمي
تشــير بعض الدراسات (سلطان، 2005، والغريب، 2009، والحلفاوي، 2011 ، و نيوبي وزملاؤه et al., 2000 Newby ) إلى أن أدوار المعلم والطالب ستتحول ملامحها في العصر الرقمي تحولاً يعكس طبيعة بيئات التعلم الجديدة، وكيفية التعامل معها، وبناءً على التحول في نموذج التعليم الافتراضي يتوقع التربويون تحولاً جـوهرياً في دور المعلم ولعل أهم هذه التحولات تتركز فيما يلي:
•تحول المعلم من مقدم للمعلومات إلى موجّه ومدرب وميسر للتعلم
النموذج التقليدي للتعليم هو نموذج موجّه بواسطة المعلم و يقوم على أساس التعليم المباشر، إلا أن هذا النموذج يتحول حالياً إلى تعليم موجّه بواسطة المتعلم وهو ما يعرف بنموذج التعليم غير المباشر، وهذا التحول يتطلب من المعلم أن يعيد النظر في دوره التقليدي المرتكز على التدريس المباشر وتقديم المعلومات لتمكين طلابه من استيعابها. إن التغيير التقني والتحول في نموذج التعليم سيغير من أولويات مهارات التدريس المعتمدة على دروس معدة إعداداً محكمـاً يقدمها المعلم (المعلم المحاضر) أمام طلابه ، ليصبح دور المعلم هو دور الميسر للتعلم في بيئات التعلم الجديدة الموجّهة بواسطة المتعلم، وهذا يعني أن دور المعلم سيرتكز حول مساعدة طلابه على البحث والتقصي عن المعلومات ودراسة المفاهيم بطرقهم الخاصــة لتيسير التفكير الناقد والابتكاري في بيئة تعلم تعاونية، ويشمل ذلك مساعدة الطلاب في تقرير أهداف التعلم المناسبة وتحديد الوسائل المثلى التي يحقق الطلاب من خلالها تلك الأهداف.
لقد قلصت التكنولوجيا دور المعلم في نقل المعرفة وانصبت مسؤوليته على تهيئة الطلاب للتعلم من خلال تنظيم البيئة الصفية الداعمة للتعليم، وتحقيق صيغة للتفاعل بين المتعلم من ناحية ومصادر تعلمه من ناحية أخرى، فالمعلم يستخدم أفضل الأساليب لتحقيق بيئة تعليمية في الصف تعمل على تنمية الفهم والمرونة العقلية، وتساعد على استخدام المعلومات بفاعلية في حل المشكلات وتشجع على إدراك المفاهيم التي تساعد على تكامل معرفتهم وخبراتهم الإنسانية.
•التحول من المعلم الملقن إلى المرشد الأكاديمي لطلابه
في تعليم العصر الرقمي سوف يقوم المعلم بدور المرشد الأكاديمي فردياً أو بمجموعات صغيرة لمتابعة تقدم طلابه في برامج تعلمهم الشخصية. إن مهمة المعلم في هذا الدور هي تشخيص حاجات الطالب الأكاديمية للتعليم ومساعدته على اختيار البرنامج الذي يقابل حاجاته وتوجيه الطالب لتطوير جداوله الأكاديمية. كذلك يراجع المعلم التقدم التربوي للطالب من خلال استمارات خاصة تمثل تغذية راجعة للمعلم والاحتفاظ بسجل إلكتروني يحتوي على تعليقات المعلم خلال المقرر.
•تحول المعلم من العمل الفردي إلى عضو في فريق تعاوني
يضطلع المعلم بدور فعَّال في تعليم العصر الرقمي، حيث يقوم بإرشاد طلابه إلى كيفية اكتسابهم للمعلومات المتنوعة المُستهدفة، فالنظام التعليمي المتضمن استخدام الإنترنت يعتمد على المعلم الخبير في طرق البحث عن المعلومة نفسها، فقد تحول المعلم من خبير يعلِّم كل شيء إلى مرشـد في عالم مليء بالمعلومات. والإنترنت بما يحتويه من كميات ضخمة من المعلومات تجعل المتعلمين يحتاجون لمن يرشدهم في مجال الحصول على تلك المعلومات. أيضاً ينبغي أن يكون هناك تعاون بين مجموعة المعلمين في المدرسة الإلكترونية لتكوين فريق عمل تعاوني، فالأدوار الجديدة للمعلمين في ضوء هذه المستحدثات التعليمية تتطلب المشاركة في الجهود التعاونية لتحسين المستوى وحل المشكلات عن طريق تخطيط الجداول الدراسية، ومناقشة الطرق التعليمية المبتكرة بما يتناسب والمدرسة الإلكترونية، وتبادل الأفكار والمشاركة في الخبرات، ومناقشة المشكلات المتنوعة، وتدعيـم بعضهـم بعضـاً عندمـا يشترك طلابهم في خطة فصلية واحدة.
•تحول المعلم من مصدر للمعلومات إلى مستشار معلوماتي
في بيئات التعلم الجديدة المعتمدة على شبكات الاتصالات عن بعد، سيتحول دور المعلم مـن مصدر للمعلومات إلى مستشار البحث عن المعلومات المباشرة (On Line) في الشبكات. فالمعلم في هذا الدور الجديد يساعد طلابه ومدرسته على استثمار البيئة المعلوماتية الاستثمار الأفضل. هذا الدور المهم يتطلب من المعلم البحث عن مصادر المعلومات الملائمة لمهام التعليم والتعلم، ومساعدة طلابه في الوصــول إلى استخــدام شبكات الحاسوب والتقنيات المرتبطة بها كأدوات للتعليم (Teaching Tools ) وكذلك مساعدة طلابه على استخدامها كأدوات للتعلـم (Learning Tools).
•تصميم المقررات الإلكترونية
يُقصد بالمقرر الإلكتروني كل الأنشطة والمواد التعليمية التي تعتمـد على الكومبيوتر، وعندما يصمـم المعلـم مقرراً إلكترونياً، فإن هناك عدداً من الاستراتيجيات ينبغي أن يضعها بوضوح في اعتباره كتحديد الأهداف والواجبات والمناقشات الإلكترونية، واختيار الطرق التدريسية المناسبة لها، واقتراح المواد والأدوات والأجهزة والوسائل التعليمية اللازمة لتعلمها، واقتـراح الأسـاليب الإدراكيــة المعـاونة في تعلمهـا، وأساليب عرض محتوى التعلم، وكيفية عرض المحتوى التعليمي بطرق جاذبة لانتباه متعلميه، وتصميـم الاختبـارات التقويميـة واستخدام الوسائل الخاصة بتنفيذ التغذية الراجعة Feed back الفورية، ومعنى هذا أن المعلم في تعليم العصر الرقمي سوف يضطلع بدور اختيار وتصميم كافة الأنشطـة المتعلقة بتصميم التعليم ، وبالتالي فإن المعلم يُلقى على عاتقة مسؤولية كبيرة في الإلمام بكل ما هو جديد في مجال التقنيات التعليمية والتربوية.
إن قيام المعلم بتوظيف تقنية المعلومات في تصميم المقررات تتيح له التغلب على مشكلة جمود المحتوى الدراسي و عرض مادته التعليمية بصورة أكثر فاعلية كما أن توظيف تقنيات المعلومات من جانب المعلم يوفر خدمات تعليمية أفضل، ويتيح له وقتاً أطول لتوجيه طلابه واكتشاف مواهبهم، والتعرف على نقاط ضعفهم.كما سيعمل على تنمية المهارات الذهنية لدى الطلاب، ويزيد من قدرتهم على التفكير المنهجي ويحثهم على التفكير المجرد ويجعلهم أكثر إدراكاً للكيفية التي يفكرون بها ويتعلمون من خلالها.
وهناك من يضيف للأدوار المتجددة للمعلم في العصر الرقمي الأدوار التالية (قنديل، 2006: 174):
– دورالشارح باستخدام الوسائل التقنية بحيث يستخدم شبكة الإنترنت والتقنيات المختلفة لعرض المحاضرة. ومن ثم يعتمد الطلاب على هذه التكنولوجيا لحل الواجبات وعمل الأبحاث.
– دور المشجع على التفاعل في العملية التعليمية عن طريق تشجيع طرح الأسئلة والاتصال بغيرهم من الطلبة والمعلمين.
– دور المحفز على توليد المعرفة والإبداع، فهو يحث الطلاب على استخدام الوسائل التقنية وابتكار البرامج التعليمية التي يحتاجونها، ويتيح لهم التحكم بالمادة الدراسية بطرح آراءهم ووجهات نظرهم.
– دور المشجع والمطور للتعلم الذاتي وإعادة النظر في آليات بناء إنتاجية المعرفة والتركيز على تطويرها.
ثانياً: مهارات المعلم اللازمة للتعامل مع تعليم العصر الرقمي
إن الأدوار التي فرضت نفسها على المعلمين في العصر الرقمي تتطلب توافر عدد من المهارات التي تجعلهم قادرين على الوفاء بمتطلبات هذه الأدوار، فلقد أشار مكراكيس(Makrakis, V. 2005 ) إلى أن استخدام التكنولوجيا الجديدة في التعليم استدعى وجود أدوار جديدة للمعلمين، واستحداث أساليب تربوية جديدة لإعداد وتأهيل هؤلاء، حيث يتوقف نجاح دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في قاعة الدرس على قدرة المعلمين على بناء بيئة للتعلم بوسائل غير تقليدية، ودمج التكنولوجيا الجديدة مع الأساليب التربوية والتثقيفية الجديدة، وتطوير قاعات درس نشطة اجتماعياً، تشجع الأسلوب التفاعلي، والتعلم القائم على التعاون، والعمل ضمن فرق صغيرة، وهذا يتطلب مجموعة من المهارات التي ينبغي أن يمتلكها معلمو العصر الرقمي والتي تتمثل فيما يلي:
المهارة الأولى: تنمية المهارات العليا للتفكير
تعد مهارات التفكير من العمليات الأساسية في السلوك الإنساني، فهي السمة المميزة للإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وأصبحت برامج تعليم التفكير وتنميته هدفًا رئيسًا من أهداف المؤسسات التربوية، وعليه فإن الكثير من القائمين على العملية التعليمية يتفقون على ضرورة تعليم التفكير وتنمية مهاراته لدى المتعلمين، خاصة أن هناك دولاً تبنت هذه الوجهة في عملياتها التعليمية ومنها اليابان وأمريكا وسنغافورة وماليزيا وغيرها الكثير (بيرني وشارل، 2013).
المهارة الثانية: إكساب الطلاب المهارات الحياتية
تناولت الأدبيات التربوية ما يتعلق بالمنهج الخفي Hidden Curriculum الذي يركز على ما يكتسبه المتعلم دون تخطيط من قبل المنهج الرسمي المعلن، ولعل من أكثر الأمور التي يشير إليها المنهج الخفي، ذلك التنظيم الخفي للمهارات الحياتية التي يكتسبها المتعلم من قبل المعلم، فصحيح أن المعلم يدخل إلى الحجرة الدراسية ليعلم طلابه معارف أكاديمية، ولكن في ذات الوقت يكتسب المتعلم من المعلم أمورًا تتعلق بطريقة التواصل وإدارة التعامل ومهارات الذات (الصالح، 2015). ومن هنا تؤكد أدبيات العصر الرقمي على الكثير من المهارات الحياتية التي ينبغي على المعلم أخذها بعين الاعتبار عند تعليمه لطلابه، بحيث تخرج من حيز المنهج الخفي إلى حيز المنهج المُعلن، بل هناك من يرى ضرورة أن يكون ضمن المناهج الدراسية مقررات مستقلة تحت مسمى المهارات الحياتية ( بيرني وتشارل، 2013) ومن المهارات الحياتية التي يتوقع أن يقوم معلمو العصر الرقمي بتنميتها لدى المتعلمـين ما يتعلق بالمهارات الحياتية الشخصية مثل (اتخاذ القرار ونقد الذات وتعـزيز الذات وتطوير القدرات وتحديد الأهداف وإدارة الوجدان والتوافق النفسي والثقة بالنفس وإدارة الوقت والمرونة)، هذا إلى جانب المهارات الحياتية الاجتماعية مثل ( التعامل مع الشخصيات الصعبة، والسيطرة على الغضب والعمل الجماعي والتعامل مع المواقف الضاغطة وتكوين علاقات اجتماعية ناجحة والتفاوض والحوار والإقناع وتقبل الآخرين).
المهارة الثالثة: إدارة قدرات الطلاب من خلال التدريس المتمايز
التدريس المتمايز هو تعليم يهدف إلى رفع مستوى جميع الطلبة، وليس الطلبة الذين يواجهون مشكلات في التحصيل، إنه سياسة تأخذ باعتبارها خصائص الفرد وخبراته السابقة، وهدفها زيادة إمكانات وقدرات الطالب، والنقطة الأساسية في هذه السياسة هي توقعات المعلمين من الطلبة، واتجاهات الطلبة نحو إمكاناتهم وقدراتهم.
المهارة الرابعة: مهارة دعم الاقتصاد المعرفي
يقوم الاقتصاد المعرفي بدورمهم في توليد المعرفة واستثمارها ومن ثم تحقيق الثروة، ففي عصر الثورة الصناعية تحققت الثروة عبر استثمار الآلة عوضًا عن الإنسان، وفي اقتصاد القرن الحادي والعشرين تتحقق الثروة من خلال الاستثمار في المعرفة وخاصة في مجال التكنولوجيا المتقدمة ( مركز الدراسات الاستراتيجية، 2010). ومن أهم مظاهر الاقتصاد المبني على المعرفة:
•سرعة توليد ونشر واستثمار المعرفة.
•زيادة في البيئة التنافسية العالمية.
•زيادة أهمية ودور المعرفة والابتكار في الأداء الاقتصادي وفي تراكم الثروة.
•تحرير التجارة، وتزايد نسبة التكنولوجيا في الصادرات.
ويحتاج معلم العصر الرقمي لدعم الاقتصاد المعرفي أن يقوم بالأدوار التالية:
•التنويع في أساليب التعلم لتوائم الحاجات المتنوعة للطلبة، وتراعي الفروق الفردية بينهم.
•استخدام تطبيقات من الحياة اليومية بحيث تربط ما يتعلمه الطلبة بحياتهم العملية، وبما يمكن البناء عليه مستقبلاً.
•الاستجابة لمستويات عليا من الأسئلة (مثل: التطبيق، التحليل، التركيب، التقويم).
•قضاء وقت أكبر في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تساعد على إدراك المفهوم الجديد.
•تطوير أنشطة لتنمية روح العمل الجماعي واستخدام المهارات البين شخصية إضافة إلى أنشطة التعلم الفردية.
المهارة الخامسة: استخدام وإدارة تكنولوجيا التعليم
في ظل ثورة المعلومات والتقدم التكنولوجي الذي فرض نفسه على تعليم القرن الحادي والعشرين، لم يعد للمعلم النمطي الذي يركز فقط على حفظ المعلومات، مكانًا يذكر في النظم التعليمية الحديثة التي تركز على الأساليب التكنولوجية الحديثة في تصميم وتنفيذ البرامج التعليمية وهذا يتطلب من معلم العصر الرقمي أن يكون قادراً على استخدام التكنولوجيا وإدارتها وتوظيفها في عملية التعليم، بل إنه مطالب بأن يُحدث معارفه ومهاراته التي تمكنه من القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة والمتطورة باستمرار، فما نشهده من ثورة معلوماتية وتكنولوجية حالية وما سنشهده من تطور هائل في مجال المعلومات والتكنولوجيا سوف يفوق طاقة تخيلنا اليوم عما سيكون عليه المستقبل، فقد ذكر(عبيد 2006: 8) أن ليونارد ادلمان (Leonard Adelman) الخبير التكنولوجي، قد أكد على أن حواسيب المستقبل ستكون أسرع بملايين المرات من أحدث أجهزة الحاسوب الحالية، وسوف تغير بشكل جذري طريقتنا في العيش، ونوع العالم الذي نعيش فيه، وسوف يجمع حاسوب المستقبل كلاً من علوم المعلومات وعلوم الحياة معاً في ثورة تقنية واحدة.
إن مثل هذا التطور السريع يتطلب غرس وتنمية مهارات وقدرات علمية لها من الصفات ما يجعلها مشاركة، وغير متلقية فقط في مجال تطوير استخدام التكنولوجيا، وأولى الخطوات في ذلك تأهيل معلمي المستقبل وتفعيل دورهم، حيث أن معلم اليوم يعيش في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي، وعصر التفجر المعرفي والثقافي السريع، وعصر الابتكارات والتجديد، ويتجلى هذا بوضوح في ازدياد المعرفة الإنسانية المتطورة القائمة على اكتشاف حقائق وقوانين ونظريات جديدة كل يوم بشكل لم يسبق له مثيل من قبل.
إن الأدوار الجديدة لمعلم العصر الرقمي تفرض عليه أن يكون مزوداً بمهارات كيفية استخدام تكنولوجيا التعليم، إضافة إلى ضرورة تخليه عن مهمة تقديم المعلومات وتلقينها لطلبته، ويجعل همه توظيف مهاراته وكفاءاته التعليمية في تشخيص مستويات المتعلمين، وتحديد أولوياتهم وأنماط تعلمهم، وتقويم مستويات تحصيلهم وإنجازاتهم لتهيئة بيئة ومواد تعليمية وأنشطة مناسبة لكل متعلم أو مجموعة من المتعلمين في ضوء الأهداف المنشودة. ( شوق، وسعيد،2001).
المهارة السادسة: القدرة على التفكير الناقد
يمثل إعداد المتعلمين وفقا لمهارات التفكير الناقد أحد المهام الأساسية لتربية العصر الرقمي، ولقد طرح (بيرني، وشارل، 2013) مجموعة من الممارسات التي ينبغي على المعلم أن يقوم بها لغرس وتنمية مهارة التفكير الناقد لدى طلابه وهي:
•التخطيط للمواقف والخبرات التعليمية: حيث يعد المعلم مخطط الخبرات التعليمية نحو مشكلات الحياة الواقعية، من خلال التعامل على نحو إبداعي مع مواقف واقعية في حياة الطلبة.
•توظيف مبادئ ديناميات المجموعة في توطيد مناخ جماعي متماسك، يسمح فيه بالتعبير عن الرأي والاستكشاف الحر.
•إثارة حب الاستطلاع والاهتمام لدى طلابه، وحفزهم على المبادرة وحب الاستطلاع والاهتمام بالمشكلات المطروحة.
•طرح الأسئلة الملائمة ذات المعنى لتعزيز التعلم بالخبرة، وتؤدي الأحداث الصفية وغير الصفية عمومًا إلى الاعتقاد بأن الأسئلة المطروحة وطريقة البحث عن إجابتها تعكس نوعية التعلم بصورة أكبر مما تعكسه الإجابات نفسها، وتشجيع الطلبة على طرح الأسئلة ومناقشة المواقف المختلفة.
•تجنب تزويد الطلبة بالإجابات عن التساؤلات التي يطرحونها بل عليه أن يعينهم على السعي للوصول إلى الاستنتاجات بأنفسهم.
المحور الثالث: التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين في العصر الرقمي
أشار (الغريب،2009: 322) إلى أهمية التنمية المهنية الإلكترونية كاتجاه حديث في تكوين المعلم أثناء الخدمة، وطالب بالبدء في تنفيذ المشروعات التربوية المتصلة باستخدام هذه المستحدثات التكنولوجية مثل البرمجيات الإلكترونية في تحقيق تنمية إلكترونية تواكب مستجدات العصر وتقنياته. كما ظهرت العديد من الدراسات التي أكدت على أهمية التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين، مثل دراسة (سلطان،2005، ومانتيلا Mantyla،2006 ، وجيباراGebara ،2010 ، ووهبة، 2011، وعبد المعطي وزارع ، 2012) وقد أجمعت هذه الدراسات على فاعلية البرامج التدريبية الإلكترونية في التنمية المهنية للمعلمين عموما، و بينت أيضا فاعلية (نظم إدارة المقررات الإلكترونية) في إدارة برامج التنمية المهنية و ما تتمتع به من مميزات كبيرة في هذا المجال، و أن استخدام التعلم الإلكتروني في التنمية المهنية للمعلمين تسهم بشكل كبير في فاعلية برامج التنمية المهنية عبر الإنترنت لما تتيحه من مزايا مختلفة، و بينت متطلبات التنمية المهنية الإلكترونية و اعتبرت التخطيط الجيد في ضوء تصورات المعلمين واحتياجاتهم أحد أهم متطلبات فاعلية التنمية المهنية الإلكترونية.
لقد ساعدت الثورة الرقمية على ظهور الكثير من الاتجاهات التربوية الحديثة في مجال إعداد المعلم وتدريبه أثناء الخدمة كنتيجة مباشرة لتفاعل مؤسسات إعداد وتدريب المعلمين مع المتغيرات المعاصرة، فنظراً للانفجار المعرفي وتطور تقنيات الاتصال والدخول إلى عصر تكنولوجيا المعلومات، أو ما يسمى بالعصر الرقمي، وما استتبعه من تغير في بيئات التعلم، فقد بات من الضروري الاهتمام بالتنمية المهنية للمعلمين لمواكبة هذه التغيرات ومعرفة كيفية التعامل معها بما ينعكس على تهيئة الطلاب لفهم هذا العصر الرقمي والانخراط فيه واكتساب مهارات التعامل معه.
ولقد أصبح من الضروري الاهتمام بتوظيف تقنيات التعليم والتعلم في مجال التنمية المهنية للمعلمين لتدريبهم عليها، ورفع أداء المعلمين وإنتاجيتهم، وقد تطلب ذلك ضرورة الاهتمام بالتنمية المهنية للمعلمين لمواكبة متطلبات التعليم في العصر الرقمي، فليس من المقبول أن تظل التنمية المهنية للمعلم بمنأى عن تأثيرات العصر الرقمي، خاصة بعد أن أصبح مضمونها وأسلوب تقديمها، بل وزمان ومكان ووسائل تقديمها متاحاً للمعلم في كل وقت وفي كل مكان يتواجد به.
1. مبررات الاهتمام بالتنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين
إن الحاجة إلى التنمية المهنية للمعلمين حاجة قائمة باستمرار، وذلك لكي يحافظ المعلم على مستوى متجدد من المعلومات والمهارات المتعلقة بمهنته وبتخصصه. وهناك العديد من المبررات التي تدعو إلى الاهتمام بالتنمية المهنية للمعلمين لمواكبة متطلبات التعليم في عصر يتسم بالتفجر المعرفي والتكنولوجي وانتشار نظم الاتصالات والتوسع في استخدام شبكة الانترنت، ولعل من بين هذه المبررات مايلي:
1.التطور التكنولوجي و انعكاساته على العملية التعليمية، من حيث توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتقنيات التعلم والتعليم. فقد أثرت تكنولوجيا المعلومات و الحاسب الآلي بشكل جذري على نظم التعليم وأساليبه، مما تطلب مساعدة الطلاب على اكتساب مهارات التعلم الذاتي، والتعلم التعاوني، والتعلم من بعد، إضافة لزيادة الاهتمام بالتنمية المهنية لأعضاء الهيئات التدريسية بغية تحسين فعالية المخرجات التعليمية.( سالم، 2004: 23) فالعصر الرقمي يتسم بالتفجر المعرفي والتكنولوجي وانتشار نظم الاتصالات والاستعمال المتزايد للحاسوب والتوسع في استخدام شبكة الانترنت، وقد بدأت الدول تستشعر الأهمية المتزايدة للتربية المعلوماتية ولمحو الأمية التكنولوجية من خلال توفير بيئة تعليمية وتدريبية تفاعلية تجذب اهتمام الأفراد في عصر يتميز بالتطور المتسارع والتغير المستمر. ويعتبر توظيف تقنية المعلومات والانترنت في التدريب والتعليم من أهم مؤشرات تحول المجتمع إلى مجتمع معلوماتي، لأن ذلك سيسهم في زيادة كفاءة وفعالية نظم التعليم، وفي نشر الوعي المعلوماتي، وبالتالي سيسهم في بناء الكوادر المعلوماتية التي تنشدها المجتمعات في العصر الرقمي.
2.التغير الذي طرأ على أدوار المعلم: فتطور تقنيات الاتصال، وتعدد مصادر التعلم أدت الى إحداث تغييرات جوهرية في متطلبات الموقف التعليمي من حيث وسائل نقل المعرفة وأدوار المعلم التي تحولت من الأدوار التقليدية التي تعتبر المدرس مجرد ناقل للمعرفة الى ميسر و مسهل ومرشد وموجه لطلابه.
3.عدم توفر الأعداد الكافية من المعلمين المؤهلين في مختلف التخصصات مقابل ارتفاع نسبة المدرسين من حديثي العهد في التدريس و هذه الفئة تفتقر إلى المهارات والخبرات اللازمة لممارسة أدوارها بصورة فعالة.
4.النمو المعرفي في جميع التخصصات و المجالات مما يتطلب ضرورة متابعة المعلم للتطورات العلمية في مجال تخصصه باعتبار هذا الأمر ضرورة لتحسين الكفاءات التدريسية، ففي ظل التزايد الكبير في المعلوماتية وتقدم المعرفة يصبح لزاماً على التربية أن تطور أنظمتها التدريبية وأن تبتعد عن القوالب الجامدة التقليدية، وأن تفكر بطريقة تنسجم وضرورات عملية التنمية المهنية للمعلم لتكون بمثابة استجابة للمتغيرات المتسارعة ومواكبة للتطورات المتلاحقة في مجال المعارف والمعلومات ومسايرة التقدم الذي يعيشه العالم في ضوء الطلب الكبير من مجتمع المعلومات على التطبيقات التكنولوجية الحديثة التي تتصف بالمرونة والكفاءة والتصميم الجيد.(يماني، 2006).
5.التزايد المستمر في أعداد الطلبة الملتحقين بالتعليم، وما يستتبعه من تزايد الطلب على المعلمين بمختلف مؤهلاتهم وتخصصاتهم.
6.تحدي جودة النوعية في التعليم، فتحقيق جودة النوعية في التعليم والمطالبة بالاعتماد وتحقيق الميزة التنافسية أصبح من الأمور التي تشكل تحدياً يواجه مسؤولي مؤسسات التعليم، ويحتاج للمزيد من التدريبات المتطورة للمعلمين بقصد رفع كفاءتهم وزيادة إنتاجيتهم، مما يدعو إلى الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تحقيق المزيد من التنمية المهنية للمعلمين. (أحمد، 2007).
2. التدريب الإلكتروني مدخلاً لتحقيق التنمية المهنية للمعلمين
تقوم فلسفة التنمية المهنية الإلكترونية للمعلم على أساس توفير التدريب لكل معلم راغب فيه والاهتمام بتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتاحة حاليا كالإنترنت والوسائط الفائقة المختلفة في توفير فرص التدريب لجميع المعلمين، أو من يرغب منهم في إتمام التدريب بغض النظر عن العمر أو مكان الإقامة أو الظروف الاقتصادية. ومن هنا كان للتدريب الإلكتروني دوره الفاعل في تحقيق أهداف التنمية المهنية للمعلمين في العصر الرقمي.
والتدريب الإلكتروني هو تدريب يتم عبر استخدام شبكة الإنترنت كوسيط (بيئة) للتدريب، و يتم من خلاله التفاعل بين المدرب والمتدربين، و يعتمد على البرامج التدريبية المحوسبة. كما يمكن اعتباره عملية تدريبية تعتمد على شبكات الإنترنت المحلية، والشبكة العالمية لعرض وتقديم الحقائب الإلكترونية أو التفاعل مع المتدربين سواء كان بشكل متزامن أو غير متزامن بقيادة مدرب أو بدون مدرب من خلال التدرب الذاتي أو من خلال الدمج بين ذلك كله.
ويذكر (الكردي،2010) أن التدريب الإلكتروني هو العملية التي يتم فيها تهيئة بيئة تفاعلية غنية بالتطبيقات المعتمدة على تقنية الحاسب الآلي وشبكاته ووسائطه المتعددة، و التي تُمكن المتدرب من بلوغ أهداف العملية التدريبية من خلال تفاعله مع مصادرها، وذلك في أقصر وقت ممكن، وبأقل جهد مبذول، وبأعلى مستويات الجودة، دون تقيد بحدود المكان والزمان. وهو يعتمد على تقديم البرامج التدريبية والتعليمية عبر وسائط إلكترونية متنوعة تشمل الأقراص المدمجة وشبكة الإنترنت بأسلوب متزامن أو غير متزامن وباعتماد مبدأ التدرب الذاتي أو التدريب بمساعدة مدرب.
ويضيف (عبد الرازق، 2011) أن التدريب الإلكتروني هو نظام تدريب غير تقليدي يعتمد على التدريب النشط Active Training ويقوم على استخدام مواقع شبكة الإنترنت لتوصيل المعلومات للمتدرب والاستفادة من العملية التدريبية بكافة جوانبها دون الانتقال إلى مكان التدريب ودون وجود المدرب والمتدربين في نفس الحيز المكاني مع تحقيق التفاعل ثلاثي الأبعاد (المحتـوى التدريبي الرقمي ـ والمدرب ـ والمتـدربين) وإدارة العملية التدريبية بأسرع وقت وأقل تكلفة.
لقد كان من أهم تأثيرات العصر الرقمي على التنمية المهنية للمعلم ظهور نظام جديد لتدريب المعلم ورفع مستوى كفاءته المهنية وهو نظام التدريب الإلكتروني (وهبة ،2011: 249) الذي يعتمد على تقنية الاتصالات والمعلومات في النشاطات المطلوبة لعملية التنمية المهنية لتشمل التعليم الالكتروني والتدريب الالكتروني ولا تقتصر على إرسال المادة العلمية للمستفيدين بل تتعدى ذلك لتشمل جميع الخطوات والإجراءات من إدارة وتدريب ومتابعة للعملية التدريبية، والواقع أن هناك العديد من المبررات التي تدعو إلى الأخذ بالتدريب الإلكتروني في مجال التنمية المهنية للمعلمين ومن بين هذه المبررات ما يتعلق بمشكلات التدريب التقليدي والتي منها:
•غياب التخطيط الاستراتيجي لنظم وبرامج تدريب المعلمين، كما أن موضوعات التدريب لا يتم اختيارها في ضوء دراسة شاملة لاحتياجات المعلمين بصفة عامة (بركات،2005).
•عدم استمرارية البرامج التدريبية اللازمة لتحقيق التنمية المهنية، مع تباعد الفترات الزمنية للبرامج التدريبية التي يلتحق بها المعلمون والتي قد تصل إلى عدة سنوات. (الكبير،2007).
•قصور البرامج التدريبية للمعلمين وابتعادها عن مواكبة التغير الحادث في الأهداف والوسائل والأساليب الحديثة للتنمية المهنية للمعلمين، بل وافتقار هذه البرامج لمتابعة المفاهيم الحديثة للتنمية المهنية وما ينبغي أن يصاحبها من تطبيقات ( الحلفاوي ، 2011).
•تقليدية أساليب وطرق تدريب المعلمين واعتمادها على أساليب بعينها كالمحاضرة والإلقاء وقلة الاهتمام بحلقات المناقشة وورش العمل ومن ثم ندرة الاهتمام باكتساب المهارات والتركيز على المعلومات النظرية.
•نمطية أساليب ووسائل التقويم في برامج تدريب المعلمين التقليدية وتركيزها على بعض الوسائل مثل نسبة الحضور والانتظام أو الاختبارات التحريرية التي تعتمد على الحفظ.
3. سمات التدريب الإلكتروني
التدرب الإلكتروني عبارة عن عملية تدريبية لا تشترط وجود المدرب والمتدرب في مكان واحد، بل يكون المتدرب فيها بعيدا عن المدرب بمسافة جغرافية يتم عادة تجاوزها باستخدام وسائل الاتصال الحديثة عبر الإنترنت. ويسهم التدريب الإلكتروني في تمكين المتدرب من التحصيل العلمي والاستفادة من العملية التدريبية بكافة جوانبها دون الانتقال إلى أماكن وقاعات التدريب التقليدية، ويمكن المدربين من إيصال المعلومات والتفاعل مع المتدربين دون الانتقال إليهم، كما أنه يسمح للمتدرب أن يختار برنامجه التدريبي بما يتفق مع ظروف عمله والوقت المناسب والمتاح لديه للتدريب دون الحاجة إلى الانقطاع عن العمل أو التخلي عن الارتباطات الاجتماعية. ومن أهم سمات التدريب الإلكتروني:
•يتجاوز التدريب الإلكتروني عبر الإنترنت عاملي الزمان والمكان، إذ لا توجد ضرورة لتواجد المدرب والمتدربين في نفس المكان والزمان.
•يتيح التدريب الإلكتروني عبر الإنترنت لأطراف عملية التدريب التغلب على عوائق التدريب التقليدي المختلفة مثل العوائق المادية والسفر، أو المرض، أو الإعاقة، أوترك العمل وما إلى ذلك.
•يوفر التدريب الإلكتروني عبر الإنترنت فرصا هائلة لاستثمار التقدم التكنولوجي الكبير في مجال التدريب، مع توفير كبير في الوقت والجهد والنفقات.
•يوفر التدريب الإلكتروني عبر الإنترنت إمكانية تحديث المحتوى التدريبي مع ظهور أي تطوير أو تغيير فيه.
•يوفر التدريب الإلكتروني عبر الإنترنت فرص تدريب كبيرة، لذلك فهو يسمح بزيادة أعداد المتدربين بشكل كبير.
•يسمح التدريب الإلكتروني عبر الإنترنت للمتدربين بتكرار أنشطة التدريب حسبما يشاءون دون حرج وبما يتناسب مع قدراتهم حتى يتقنوا المهارات التدريبية المطلوبة.
لقد أكدت العديد من الدارسات (بركات، ٢٠٠٥، وعبد المعطي، وزارع2012، ووهبة،2011) على أهمية التدريب الإلكتروني، وأشارت إلى أن مقدار التعلم وكم ونوع وشكل المحتوى التدريبي الإلكتروني يفوق ما يتم اكتسابه في التدريب التقليدي بالإضافة إلى انخفاض الوقت التدريبي وزيادة قدرة المتدربين على اختيار معارفهم وتخطي بعض أجزاء التدريب. إلى جانب قدرة التدريب الإلكتروني على تقديم أساليب تدريبية متنوعة تتناسب مع نوعية المتدربين مما يساعد على جودة وفاعلية البرنامج التدريبي وارتفاع العائد المتوقع منه.
ومن هذا المنطلق اتجهت العديد من دول العالم إلى التوسع في استخدام التدريب الإلكتروني لتنمية معلميها مهنيا والاستفادة من مخرجات تقنية المعلومات الحديثة وأدواتها في التدريب، ففي ألمانيا يستخدم التدريب الإلكتروني للمعلم على نطاق واسع ويتم من خلاله تحقيق نتائج طيبة في مجال التنمية المهنية للمعلمين، ويساعد في ذلك أن المدارس في جميع المدن الألمانية تعتمد على تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في حل كثير من مشكلاتها وتنمية خبرات العاملين بها. وفي كندا يعد التدريب الإلكتروني للمعلم من الأساليب شائعة الاستخدام في مختلف المقاطعات الكندية والتي تهدف إلى تزويد المعلمين بكل ما هو مستحدث في مجال التنمية المهنية للمعلمين، واكسابهم خبرات مهنية متجددة. (العاني وآخرون، 2009: 95)
أما في انجلترا فقد تم تصميم شبكة قومية للتدريب الإلكتروني تهدف الى تقديم برامج التنمية المهنية المستدامة للمعلمين في مجال مهنة التدريس، وتقدم هذه الشبكة ما يقرب من ستة ملايين برنامج تدريبي إالكتروني بمعدل عشرة برامج لكل معلم سنويا، أما في ماليزيا فإن أكثر من 80% من المدارس الماليزية تحولت إلى نمط المدارس الذكية التي تطبق وسائل التقنية والأساليب الإلكترونية في كل ما يرتبط بتعليم التلاميذ أو الإدارة التعليمية أو تدريب المعلمين وتنمية قدارتهم المهنية.(زيتون،2006 : 24).
وبذلك يتضح أن التدريب الإلكتروني للمعلم أصبح من النظم التي تستخدم بكثرة في مجال التنمية المهنية للمعلم في كثير من دول العالم، وذلك من منطلق حرص هذه الدول على الإفادة من تقنيات ووسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال في تطوير نظمها التدريبية بصورة تسمح لمعلميها بأن يكونوا مؤهلين لمسايرة التطور المعلوماتي والمعرفي من ناحية، ومواكبة التغير في مجال المهنة من ناحية أخرى. يضاف إلى ذلك أيضا أن التدريب الإلكتروني يعد وسيلة من وسائل التعلم مدى الحياة، الأمر الذي يمكن المعلم من تثقيف نفسه وإثراء المعلومات من حوله، وهذا يسهم في جعل التدريب الإلكتروني من أفضل التقنيات التي تعمل على تحقيق أهداف التدريب بكفاءة عالية، كما تجعله قادراً على تقديم برامج تدريب متنوعة وفعالة بصورة مستمرة، دون المساس بجـودة برامج التدريـب مما يؤدي إلى زيادة دافعية المستفيدين من هذه البرامج لتحديث مهاراتهم وبالتالي تحسن أدائهم المهني (محمد، 2007: 14). ومن هنا برزت أهمية التدريب الإلكتروني الذي يمكن من خلاله تقديم حلول جذرية للعديد من المشاكل والصعوبات التي تواجه المعلمين، وتنميتهم مهنياً وتلبية حاجاتهم التكنولوجية.
ويتيح التدريب الالكتروني إمكانية التعلم من خلاله بشكل مفتوح دون التقيد بحدود الزمان والمكان، والانخراط في نظام تعليمي فعال يعمل على تدريب المعلمين على المهارات العقلية العليا ومهارات حل المشكلات وذلك باستخدام الأساليب التعليمية التي يعتمد فيها المعلم على نفسه (التعلم الذاتي) وفقا لقدراته وإمكاناته ونمط تعلمه. ويتاح له فيها كافة المصادر التعليمية ليختار من بينها ما يناسبه ويبدأ من حيث انتهى، وكذلك ينتقي من بين العديد من الأنشطة التعليمية المصممة بما يتوافق مع مستواه التعليمي. وإلى جانب ذلك فإن التدريب الإلكتروني للمعلمين يسهم في تحقيق الأهداف التالية :
•التدريب الالكتروني خير وسيلة يتعود من خلالها المتدرب على التعلم المستمر مدى الحياة، الأمر الذي يمكنه من تثقيف نفسه وإثراء المعلومات من حوله، وهذا الأمر جعل التدريب الإلكتروني أفضل التقنيات التي تعمل على تحقيق أهداف التدريب بكفاءة عالية.
•تنظيم برامج وأنشطة التنمية المهنية لجميع المعلمين باختلاف مستوياتهم المهنية وتخصصاتهم العلمية، مما يؤدي إلى زيادة دافعية المستفيدين من هذه البرامج لتحديث مهاراتهم وبالتالي تحسن أدائهم المهني. (محمد ، 2007).
•التدريب الإلكتروني يساعد في التغلب على معوقات التدريب التقليدي للمعلم حيث يساعد على تحسين مستوى التدريب وتحديث المحتوى التدريبي وزيادة أعداد المتدربين والسماح للمتدرب بتكرار الأنشطة التدريبية، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من مختلف المواقع الإلكترونية الموجهة للتدريب وإتاحة الفرصة للمعلمين في الاشتراك بالبرامج التدريبية في أي وقت وفي أي مكان. ( إبراهيم، 2007)
•تطوير الأداء التدريسي للمعلم، حيث يتم تدريب المعلم على استخدام شبكة الإنترنت والتجول في الصفحات الإلكترونية والبحث عن معلومات محددة من خلال محركات البحث المختلفة، ونقل الملفات التي تفيده، والاستفادة من مصادر المعرفة المتاحة.
•تنمية مهارات المعلم وقدراته المهنية، حيث يمكن للمعلم من خلال الإنترنت الوصول لمصادر عديدة وبرامج وبحوث ودراسات تساعده على تنمية مهاراته وقدراته.
•التدريب الإلكتروني يساعد المعلم على الاطلاع على الجديد في مجال تخصصه ويقدم له العديد من المصادر التي تعينه على معرفة نتائج البحوث في مجال العمل المهني والمجال الأكاديمي المتعلق بتخصصه والتي يسهل الحصول عليها من خلال الإنترنت.
والحقيقة أن هناك العديد من البرامج الإلكترونية التي يمكن أن تستخدم في التدريب الإلكتروني وتساعد على تطوير العملية التعليمية ورفع كفاءتها وزيادة فاعليتها وتحقيق أغراضها، ويمكن الاستعانة بها في تحقيق التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين، ومن أمثلة تلك البرامج: الفيديو التفاعلي Interactive Video، ومؤتمرات الحاسوب Computer Conference، وأنظمة الهايبر ميديا Hypermedia Systems، وأنظمة الوسائل المتعددة Multimedia Systems، وأنظمة الفيديو كونفرانس Video Conference وغيرها. (أحمد، 2004: 17).
ولتحقيق التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين من خلال التدريب الإلكتروني تقترح الورقة ما يلي:
1. مساعدة الجهات التدريبية على توفير بيئة تعليمية وتدريبية تفاعلية تجذب اهتمام المعلمين لتوظيف تقنية المعلومات في التدريب لأن ذلك سيسهم في زيادة كفاءة وفعالية نظم التدريب في نشر الوعي المعلوماتي.
2. إنشاء جهاز إداري مستقل للتدريب الإلكتروني للمعلمين يكون مسؤولاً عن رسم السياسة العامة للتدريب الإلكتروني للمعلمين، ووضع الخطط اللازمة وتقدير الاحتياجات الحالية والمستقبلية. مع إنشاء إدارات فرعية للتدريب الإلكتروني تكون تابعة للجهاز الإداري الأعلى للتدريب الإلكتروني بالوزارة وتلحق بمديريات التربية والتعليم وتتولى الإشراف على أعمال التدريب الإلكتروني للمعلمين ومتابعة مشكلاتهم ومحاولة حلها.
3. إنشاء جهاز تربوي ذو خبرات تدريبية يتألف من بعض أساتذة كليات التربية وبعض المسؤولين في التربية والتعليم والمسؤولين عن نظم وبرامج تدريب المعلمين، بحيث يكون معنياً بتحليل وتقدير الاحتياجات المهنية والتدريبية للمعلمين، وتخطيط ووضع البرامج التدريبية ومتابعة تصميم هذه البرامج إلكترونيا لتحقيق أعلى فائدة تربوية للمعلم المتلقي.
4. إنشاء شبكة داخلية للتدريب الإلكتروني للمعلمين تربط مراكز التدريب الإلكتروني بوازرة التربية والتعليم وبالمدارس وبالحاسبات الشخصية للمعلمين وبجميع المواقع التدريبية التابعة.
5. تصميم وإنشاء موقع خاص بالتدريب الإلكتروني للمعلمين على الإنترنت، بحيث يتسم بالوضوح وسهولة الاستخدام دون تعقيدات، ويتوافر فيه عنصر التوجيه والإرشاد للمستخدم.
6. تسهيل إجراءات التسجيل في البرامج التدريبية للمعلمين الراغبين في الالتحاق ببرامج التدريب الإلكتروني، مع توافر الضمانات اللازمة والإرشادات والتوجيهات التي يحتاجها المعلمون في هذا الأمر.
7. تزويد المعلمين بمهارات استخدام التكنولوجيا في التدريب، والتعامل الجيد مع المشكلات الفنية التي قد تظهر أثناء تلقي البرنامج التدريبي الإلكتروني، واكسابهم اتجاهات إيجابية نحو التدريب الإلكتروني، مع تقديم الحوافز المادية والمعنوية الممكنة للمعلمين لتحفيزهم على المشاركة في برامج التدريب الإلكتروني، مع التركيز على هذا الجانب خاصة في بداية تطبيق تجربة التدريب الإلكتروني مع المعلمين.
8. تلبية الاحتياجات التدريبية الحقيقية للمعلمين مع التركيز على المعارف والمهارات المطلوبة التي يحتاجها المعلم في مجال عمله مما يساعد القائمين على تصميم البرامج وما تحويه من مواد تدريبية وخبرات تطبيقية مناسبة للمعلمين.
9. تنظيم المحتوى التدريبي الإلكتروني وفق الأسس العلمية مع احتواء كل جزء من المادة التدريبية على إرشادات وشرح تفصيلي واف في مجال عمل المعلم المهني.
10. التحديث المستمر للمواد التدريبية والتركيز على الخبرات العملية للمتدربين أكثر من التركيز على المعلومات النظرية، وتشجيع المتدربين على الاستكشاف والتطبيق والاستمرار في التدريب.
11. تضمين البرنامج التدريبي الإلكتروني أنشطة تدريبية تفاعلية متنوعة تقابل أساليب التدريب المختلفة كالفهم والتحليل والتطبيق والتقويم والنقد والإبداع.
12. توفير المدربين المهره الملمين بتقنية التدريب الإلكتروني وكيفية استخدامها مع المعلمين، مع الإلمام الكامل بإدارة البرامج التدريبية الإلكترونية وكيفية الاستعانة بالمعينات التكنولوجية.
13.إلمام المدربين بطرق التقويم الإلكتروني الحديثة، وخاصة تلك التي تعتمد على استخدام التكنولوجيا والوسائل الإلكترونية، مع اهتمام المدرب بإجراء التقييم المستمر للمتدربين ومتابعة مدى تقدمهم في البرنامج التدريبي الإلكتروني، وتقديم التغذية الراجعة المناسبة بناء على هذا التقييم.
وعلى ضوء هذه المقترحات يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحول التدريجي من التدريب التقليدي إلى التدريب الإلكتروني، من خلال فترة انتقالية يتم فيها اعتماد التدريب المدمج الذي يجمع بين التدريب التقليدي والتدريب الإلكتروني تمهيدا للانتقال كلية للتدريب الإلكتروني للمعلمين، سعياً لتحقيق التنمية المهنية المعتمدة على معطيات العصر الرقمي والقادرة في نفس الوقت على الوفاء بمقتضيات التعليم في العصر الرقمي.
تاريخ النشر: 2016/05/27
الكاتب : أ.د/ مجدي محمد يونس
تدقيق ومراجعة: الدكتور عباس كنعان
المصدر : موقع تعلم جديد www.educ-new.com
آخر تحديث : 2022-11-22
تعليقات