- مدير الحلقة- الباحث في مركز الأبحاث والدرسات التربوية الدكتور حسين صفي الدين:
البداية مع كلمة تأبينية لروح سماحة الشيخ مصطفى قصير العاملي يلقيها نائب مدير مركز الأبحاث والدراسات التربوية الدكتور يوسف أبو خليل.
- الدكتور يوسف أبو خليل-نائب مدير عام مركز الأبحاث والدراسات التربوية:
وهو المركز الذي وجد فيه ضالته، والمجال الذي كان يحلم به ليتفرغ فيه للعمل البحثي بعيداً عن الإدارة ومتابعاتها.
ومن خلال العمل البحثي إنطلاقاً من الفكر المحمدي الأصيل، وعلى المزج بين الأصالة الإسلامية والحداثة الأكاديمية، وذلك لما للتربية من دور في بناء الأجيال والمجتمعات الصالحة، فكان سماحته (رحمة الله عليه) يعتقد صواباً أن المجتمع أحوج ما يكون إليه هو التربية على: القيم الدينية السمحاء، والتي تقوم بدورها على تقبل الآخر، التعايش والعيش المشترك، رفض الفتن بكل أنواعها، وغيرها من القيم التربوية العليا.
لذلك إنطلقت فكرة تأسيس مركز للأبحاث والدراسات التربوية، على الرغم من مرضه الذي ألمّ به، إلا أنّ سماحته لم يترك ضمن هذه الفترة التأسيسة التي تابع فيها المركز تفصيلاً من مقدمات العمل من إعداد الرسالة والرؤية والهيكلية العامة للمركز ووضع اللبنة الأساس في توجيهه نحو الأهداف المنشودة، رحم الله المؤسّس الشيخ مصطفى قصير وحشره مع محمد وآله، ونسأله تعالى أن يوفقنا للسير على هذا النهج القويم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- مدير الحلقة- الدكتور حسين صفي الدين:
لا شك أنّ الدين يعتبر ركناً من أركان الثقافة الاجتماعية للحفاظ على الروابط الاجتماعية وتقويتها، وبالتالي حفظ البيئة الاجتماعية، والدين له علاقة وثيقة بالقيم التي تقوم عليها المجتمعات، وإذا كانت القيم بوجه من الوجوه تتشكل في ضوء المعتقدات التي يحملها الفرد نحو القيم والمعاني والأشياء المختلفة؛ فإن دور التربية الدينية يتركز على إكساب الفرد مجموعة من القيم كموجهات سلوكية في إطار علاقة الفرد الثلاثية بالله والجماعة والذات، فهو يعيد بناء منظومة القيم التي يختزنها على أساس ديني مرتكز على رؤية لاهوتية تحسم إتجاهاته كإنسان وكفرد من أفراد الجماعة التي ينتمي إليها إزاء هذا الموقع للدين في مجتمعات مبنية أساساً على أسس دينية وخاصة في بلدان الشرق.
وهكذا يصبح السؤال التالي مسوّغاً: ما هو دور الدين ووظيفته في المجتمعات المتعددة دينياً وطائفياً؟ وهل سيكون للتربية الدينية دور سلبي أم إيجابي في ظل دعوات التكفير والتقوقع المذهبي التي نشهدها في ساحاتنا الراهنة؟ هل سيتمكن المنادون بالتربية الدينية، أو الإسلامية من ترسيخ قيم العيش المشترك في إطار جامع وموحد لكل الأفراد والجماعات التي تنتمي إليها المجتمعات؟
هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عليها في الفصل الأول من الحلقة البحثية فضيلة الشيخ علي سنان.
من جهة أخرى نرى أنه في المجتمعات الدينية يحتل مفهوم العيش المشترك موقفاً محورياً فيها، ونفترض مقولة العيش المشترك كمبدأ إفتراضي بوجود جماعتين أو أكثر، تقبل كل منهما بالأخرى من دون محاولة للإضطهاد أو للنظر بإستخفاف أو تعصب، وتتفاعل فيما بينها رغم إختلافها، وتتجاوز وتتقبل وجود الإختلاف مع الآخر في إطار وحدوي على مبادئ الإنفتاح والإحترام والتقبل. وقد إرتكز النظام السياسي اللبناني على مبادئ ونصوص تضمنها الميثاق اللبناني عبر المادة 43، وآخر تعديلات دستورنا اللبناني في إتفاق الطائف عام 1989، أكدت مبادئ العيش المشترك.
وقد اتفق اللبنانيون على أن هذه المقولة ضرورة من الضرورات الملحّة التي يفرضها الحفاظ على الكيان اللبناني، ويمليها الحرص المشترك على بقاء لبنان، وإستمراره كوطن جامع لجميع أبنائه، لذا كان السعي لترسيخ هذه المقولة بين اللبنانيين من أهم القضايا التي يجب إيلاءها الاهتمام اللازم لما تشكله من ثروة إنسانية يجب الحفاظ عليها.
من هنا أيضاً نطل على موضوع التعليم الديني في المدارس بين الإلزام والإختيار، وما يثار حوله من آراء ووجهات نظر مختلفة تجعل منه قضية تستدعي الوقوف عندها، وإستبيان آثارها وإنعكاساتها على المجتمع اللبناني.
ونجد أن التعليم الديني المعتمد في المدارس اللبنانية يقوم على منهج ديني خالص يرتكز إلى المفاهيم الدينية، التي تؤكد الذات والهوية الدينية، وربما المذهبية ومن هنا تطرح الاسئلة التالية: كيف سيوفق التعليم الديني في المدارس لتوجيه التلامذة نحو الاخر؟ وكيف سيتمكن من تعزيز مقولات مثل الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين اللبنانيين؟ ما علاقة التعليم الديني بالإعتراف والقبول والإنفتاح على الآخر؟ هل سيعزز التعليم الديني من قيم التسامح، أم أنه سيزيد من آفة التعصب في مجتمعنا؟ هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عنها فضيلة الشيخ علي بيطار عضو دائرة التعليم الديني في دار الفتوى.
- الورقة البحثية الأولى لفضيلة الشيخ علي سنان- مدير مركز التربية الدينية في جمعية التعليم الديني ( مدارس المصطفى-ص-):
يعيش العالم الاسلامي اليوم أزمة خطيرة، ومتفجرة وهي أزمة إثارة الحساسيات المذهبية والدينية، الحساسيات المتوترة التي تنطلق من عمق ديني متخلف لا يستند إلى دليل شرعي، أو منطق عقلي بل منطق الجهل والتعصب، وإلغاء الاخر وخطورة هذا الواقع أن أتباعه خضعوا لنمط تربوي يؤكد على أن ما نشأوا عليه هو الحق المطلق، ومن خلال أفقهم الضيق هذا رفضوا الحوار، وأغلقوا عقولهم ولم يصغوا الى أي دليل أو برهان، فما يعتقدونه هو الحق الذي لا جدال فيه وعليه يتوقف مصير الانسان إما الى الجنة أو الى النار، مع ما يستتبع من شعور بواجب الدعوة ومحاربة كل من يخالف بكل أساليب القسوة والعنف حتى بلغ الأمر بالبعض على الاقدام على تفجير نفسه قربة لله تعالى وليحصل على رضا ومكافأة الرسول (ص) بعد الموت، هذا العنف الديني المنطلق من جهل وعصبية وتخلف لا يعتبر جديد على عالمنا الاسلامي. فنحن حينما نقرأ التاريخ نلتقي بالحروب الدينية بين المسيحيين في أوروبا منها حرب المئة سنة والحروب بين الكاثوليك والأرثوذكس وبين الكاثوليك والبروتستانت والنزاعات بين الموارنة والدروز وبين السنة والشيعة، مشكلة هذه الحساسيات التي تنطلق من جذور دينية متوارثة أنها تسكت صوت العقل وتقمع كل فكر منطقي محاور لا بل فان أي صوت عاقل هو موقف نقد وسخرية وإستهجان وتعجب فما يقتنعون به لا مجال فيه لأي تفسير أو تأويل آخر، أي إنا على حق لا الآخر، والآخر لا يملك حرية التفكير والتأويل والاختلاف لذا فهو كافر ولا مجال لديه إلا للعودة إليهم أو القتل، والقرآن الكريم نبه الى كيفية التعامل مع الآخرفي الحوار معه ومن دون أي موقف مسبق " إنا أو إياكم لفي هدى أو في ضلال مبين" سورة سبأ الآية (24).
وأمام هذه التحديات القاتلة لا بد من التوقف أمام أمور من شأنها أن تخفف من حمى النزاع والخلاف، وهو أمر تعلمناه من سيرة النبي(ص) وأئمتنا (ع) وأننا إذ نثمن الدور العظيم الذي قام به علماؤنا في حفظ هذا التراث المهم والكنز الكبير من الأحاديث الواردة عن النبي وآله، إلا أن ذلك لا يمنع القيام بالخطوات التالية:
1- إن نعيد النظر بالكثير مما دخل على تراثنا التاريخي والمعرفي والفقهي والعقيدي، فنبحث عن مصداقيتها ومركزها من الصواب والخطأ، فقد تسللت الى كتبنا الكثير من الأحاديث والتفسيرات والاسرائيليات التي شوهت الكثير من المفاهيم وأصبحت جزء من قناعاتنا، وهذه الأمور إجتهد المنافقون والزنادقة في ادخالها الى النفوس ومحاولة اثارتها وتأجيجها من أجل تفكيك وحدة المسلمين وتشويه صورتهم وقد نبه الائمة (ع) من ذلك، وقد انكب عدداً منهم بعد الامام الصادق (ع) على تنقية الاحاديث من الكاذب وغيره،ـ ومن الامثلة على ذلك ما ورد بحق "المغيرة بن سعيد" هذا الذي تحدث بالكثير من الأحاديث الكاذبة التي دسّت في كتبنا.
عن "يونس ابن عبد الرحمان" أن بعض أصحابنا سأله يا أبا محمد " ما أشدك في الأحاديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يشدك على انكار الاحاديث"، فقال: حدثني هشام ابن الحكم أنه سمع أبا عبد الله يقول: " لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القران والسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة فان المغيرة ابن سعيد دس في كتب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وخالف سنة نبينا (ص) فانا إذا حدثنا قلنا قال الله عز وجل وقال رسول الله (ص)".
2- نحن بحاجة الى مواقف موضوعية وجريئة تعالج كل الأحاديث والتفسيرات التي تثير الاشكالات والخلافات والنزاعات والحساسيات والتي تعود الى مخلفات التاريخ تنشر كل ما يفرق ويوتر، لذا علينا أن نعود الى مرجعية القرآن ونرفض كل حديث لا ينسجم مع هذه المرجعية، أو نعمل على تأويله بالشكل الذي ينسجم مع مبادئ الوحدة والأخوة والحوار والتعاون. عن أيوب ابن الحر قال سمعت الامام الصادق (ع) يقول: "كل شيء مردود الى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف"، وقال النبي (ص): " اذا جاءكم عني حديث فأعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فأقبلوه وما خالفه فإضربوا به عرض الحائط "، وهدانا الى ذلك رسول الله(ًص) وأئمتنا (ع) فقد روى الشيخ " أبو الفتوح الرازي " في تفسير حديث عن رسول الله (ًص): "اذا أتاكم عني حديث فأعرضوه على كتاب الله وحجة عقولكم فان وافقهما فإقبلوه وإلا فاضربوا به عرض الجدار"، ومع ذلك هناك للأسف الأحاديث التي أصبحت تأخذ أشكال القداسة أو المسلمات البديهية نتيجة تداولها الطويل عبر التاريخ والتي جرت علينا آثارها الويلات والحروب. لذا يجب أن يكون لدينا على الأقل الجرأة للبحث في كل شيء من أجل مقاربة الحقيقة كل الحقيقة التي لا يمكن أن تشير إلا الى الأمن والطمأنينة والثقة والاحترام.
ولدينا من التعاليم والأخلاق والآداب التي تشجعنا على احترام الآخر وحسن الظن به والكثير الكثير من النصوص القرآنية والآحاديث الشريفة للنبي (ص) وأئمة أهل البيت (ع)، فقد ورد عن أبي عبد الله (ع) قال :" قال أمير المؤمنين (ع) في كلام له ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا".
3- في إطار تفسير آية أو تأويل حديث، لماذا نركز على الجانب السلبي، ولا نتمسك بالجانب الايجابي الذي يركز على التوجهات الدينية.
4- على العلماء إعادة النظر بكل ما دخل على تراثنا من أحاديث لا تنسجم مع توجه القرآن الكريم والتي قد تؤدي فيما لو تركت دون بحث الى إتهام للآخر وتكفيره، وسب رموزه المقدسة وهو أمر يشدد عليه مراجعنا الكبار اليوم، وقد صدر عن الولي الفقيه السيد علي الخامنئي (دام ظله) بالرد على استفتاء يحرم النيل من رموز إخواننا السنة فضلاً عن إتهام زوج النبي (ص) بما يخل بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على سائر الأنبياء وخصوصاً سيدهم الرسول الاعظم (ص)، وقبل كل هذا يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النحل :" ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين".
5- أن نحترم قناعة الآخر فنناقشه ونحاوره بعيداً عن الجدل العقيم لنصل الى القواسم المشتركة بحيث ننطلق منها ونتفق عليها ونجعلها قاعدة للتلاقي، وأن نعالج القضايا الخلافية في إطار المعايير العلمية.
6- العقلية والفقهية، وفي إطار الاحترام المتبادل. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران :" قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً ولا نتخذ بعضنا بعضاً أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".
7- أن نؤكد في أساليبنا التربوية على الوحدة الاسلامية التي أكدت عليها الآيات والأحاديث والسيرة، يقول تعالى في سورة آل عمران:" واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا"، ويقول تعالى في سورة المائدة:" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان"، ويقول في سورة الحجرات:" إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم".
8- أن نقف بقوة في وجه كل المنافقين والاستكباريين والتكفيريين الذين من أهدافهم إثارة الخلافات، والحساسيات المدمرة التي جرت الويلات في الماضي، ولا تزال تفعل فعلها الخطير في الحاضر، ولعل من أهداف تشجيع عمليات التكفير من قبل الاستكبار العالمي هو تشويه صورة الاسلام في عقول العامة من أجل أن لا يقتربوا من قراءة فكر الاسلام وأخلاقه وتعاليمه، وهذا أمر نشهده اليوم في الاعلام الغربي بحيث أصبحت كلمة الاسلام هي مرادف للعنف والتخلف والقتل، وهذا هو ما نشهده أثناء قراءتنا لسيرة الرسول (ص) مع المنافقين الذين كان من أهدافهم إرباك الحركة الاسلامية ومسيرتها وبالتالي تشويه تعاليمها.
9- من الآساليب التربوية المفيدة التي نستطيع من خلالها مواجهة التحدي التكفيري:
أ- أن نشجع كل الأصوات (ولو كانت محدودة) التي تدعو الى الوحدة والتعاون ونبذ العنف والتلاقي على ما هو أحسن.
ب- أن ننشر في أوساطنا المحلية والخارجية ثقافة الألفة والمحبة والتقدير ومحبة الآخر، والآيات والاحاديث في هذه المواضيع كثيرة جداً.
ت- أن نأول الاحاديث التي يستغلها البعض كمبرر لاثارة الفتن بالتأكيد وفق المعايير المنطقية المعتمدة؛ لأن الدين لا يمكن أن يدعو الى الفتنة والخلاف، ويقول تعالى في سورة فصلت:" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، إدفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". وهذا لا يعني أن يتخلى الانسان المسلم عن قناعاته من أجل الوحدة، فإختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فليبقى الشيعي متمسكاً بشيعيته التي اقتنع بها، وكذلك السني، وهذا من شأنه اغناء الساحة الفكرية بالتنوع وكل انسان يتحمل مسؤولية قناعاته، فقيمة الاسلام وحيويته تنطلق من هذا التنوع الفكري الذي يعتمد على الاجتهاد، وفي إطار المذهب الواحد هناك تنوع في الآراء على صعيد العقيدة والتفسير والفقه والتاريخ.
مشكلتنا أن التوظيف السياسي للدين والمذاهب يثير الخلافات ويؤججها من أجل أن يحصلوا أرباب السياسة على مواقع متقدمة، وهنا علينا أن نعتمد الحكمة ونأخذ بالوعي ونرفض الانفعال حتى نفوت الفرصة على الذين يصطادون في الماء العكر، فدور الدين خصوصاً في المجتمعات المتعددة دينياً ومذهبياً أن يكون عامل وحدة لا تفرقة، ووظيفته فهم الآخر والتعاطي معه من أحد منظاري الأخوة في الدين أو الانسانية. كما ورد في كتاب الامام علي (ع) لولي مصر "مالك الاشتر" وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فانهم صنفان إما أخو لك في الدين وإما نظير لك في الخلق".
ث- دور التربية الدينية يجب أن يطبق من خلال التعريف بمبادئ الدين القائمة على المحبة والرحمة، والانسانية والقيم الاخلاقية، المبادئ التي إن أحسنا بثها وتعميم ايجابياتها، نكون قد انطلقنا في الخطوات العملية لمواجهة عمليات التكفير والتقوقع المذهبي التي نشهدها في ساحاتنا الراهنة.
واخيرا، نستطيع بعد الفهم للدين ودور التربية الاسلامية كما أسلفنا أن نرسخ قيم العيش المشترك في إطار جامع وموحد لكل المذاهب والطوائف التي ينتمي إليها هذه المجتمعات.
- الورقة البحثية الثانية لسماحة الشيخ علي بيطار- عضو دائرة التعليم الديني في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى:
أيها الحضور الكريم، أسئلة تتبادر إلى أذهاننا من الواقع الذي نعيشه في هذا البلد الحبيب، ما دور المناهج التعليمية في تعزيز الوحدة الوطنية، وقيم العيش المشترك وتقبل الآخر لدى الطلاب في ظل التحدي المذهبي الخطير الذي نعيشه ؟ وكيف يعزز التعليم الديني قيم التسامح والمحبة بين اللبنانيين عموماً وبين المسلمين خصوصاً؟ وما هي المقترحات التي يمكن تقديمها لتعزيز مفهوم الوحدة الوطنية لدى الطلاب لا سيما في المرحلة الثانوية التي هي مقدمة للمرحلة الجامعية ؟ لكن قبل أن نشرع في الاجابة على هذه الاسئلة المطروحة بين يدينا نستعرض بشكل سريع المفهوم المعبّر عن الوحدة الوطنية، كما نستعرض أبعاد الوحدة الوطنية المختلفة وأهمية تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية لدى الطلاب وكيف نستطيع أن نضمن هذا المفهوم وما هي الوسائل لننمي مفهوم الوحدة الوطنية والاسلامية في المناهج التربوية، وما هي المقترحات للكفايات التربوية المتعلقة بالوحدة الوطنية.
أولاً: مفهوم الوحدة الوطنية كما تعرفه الموسوعة العربية العالمية فتقول هو تعبير قويم يعني حب الفرد واخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء الى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن، كما تعرف الوحدة الوطنية بأنها الشعور الجمعي الذي يربط بين أفراد الجماعة، ويملأ قلوبهم بحب الوطن والجماعة والانسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو طائفته او إنتمائه، والاستعداد لبذل كل الجهد في بناء هذه المفاهيم.
إن أهمية تعزيز الوحدة الوطنية وأهدافها لدى الطلاب تأتي من حيث أنها عملية متواصلة ومترابطة كالسلسلة والشعور بالواجب إتجاه المجتمع، وتنمية شعور الانتماء للوطن وغرس حب المواطنة لدى الطلاب، كما أن الاتجاهات الوطنية والتعاون بين المواطنين مسلمين ومسيحيين سنة وشيعية ودروز وسائر الطوائف الدينية هي التي تنمي هذا المفهوم وتضعه على السكة الصحيحة لدى هذا الجيل الناشئ وهم طلاب ورجال المستقبل.
وهذه الأهداف لا تتحقق بتسطيرها وادراجها في الوثائق الرسمية، بل يجب أن تترجم عملياً على واقع الحال وأن تتضمن المناهج والكتب الدينية التي تدرس في المدارس الرسمية والخاصة، وتتمثل أهمية تعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية والتسامح لدى الطلاب، وأنها تدعم وجود الشعور بالوطنية فيشعر الطالب بإنتمائه الوطني وبحبه لأرضه ولتراب بلده الذي يعيش عليه، وتسهم أيضاً في الحفاظ على استقرار المجتمع وتنمي مهارات إتخاذ القرار والحوار واحترام الحقوق والواجبات لدى الطلاب كما أنها تنمي القيم الديمقراطية والمعارف المدنية، ويمكن القول بأن هدف تعزيز الوحدة الوطنية لدى الطلاب هو تقديم برامج تساعد هؤلاء الطلاب وتكون عوناً لهم على أن يكونوا مواطنين صالحين مطلعين وعميقي التفكير، يتحلون بالمسؤولية الدينية والاخلاقية والعرفية والاجتماعية والقانونية.
وأيضاً تتطرق الى تعزيز نموهم الروحي والأخلاقي والثقافي وأن يكونوا أكثر ثقة بأنفسهم وتشجعهم على لعب دور ايجابي في مدرستهم ومجتمعهم ومحيطهم وبلدهم الحبيب لبنان.
أيها الحضور الكريم، هناك عدة صور يمكن من خلالها أن نعزز مفهوم الوحدة الوطنية والاسلامية في المناهج الدراسية الدينية نوضحها من خلال الشكل التالي:
1. الوحدة الوطنية يمكن ان تكتسب، وتنمى من خلال الأمثلة الواردة في الكتب الدينية والتطبيقات العملية والصور والأشكال حسب المراحل العمرية للطلاب، كما أن اسلوب دراسة الحالة وعرض الموضوعات عن طريق القصص الصحيحة المثبتة والرحلات والزيارات الميدانية لبعض المقامات المعتبرة تنمي عند الطالب الروح الوطنية والاسلامية وتنمي عنده الشعور بإنتمائه الديني والوطني.
2. إن مقررات العلوم الدينية غنية بالمعلومات والمفاهيم التي تعزز الشعور بالوحدة الوطنية وتحتاج فقط الى تفعيل من خلال تعديل عملية التدريس داخل الفصول، لذلك أقترح بعض الأهداف التي يمكن أن توضع للمعلمين، وتوضح لهم طريقة التدريس من خلال الزيادات والتعديلات التي يمكن أن تطرأ على كتب التربية الدينية في المدارس الرسمية والخاصة، والتي من خلالها يتعزز مفهوم الوحدة الوطنية والاسلامية وهي كما يلي:
أ. غرس العقيدة الاسلامية الصحيحة المبنية على الوسطية والعدل والمساواة وتعميقها في نفوس الطلاب من خلال تضمين المقرر درساً عن التوحيد، وأن لا يتطرق هذا الدرس الى المسائل الخلافية إذ أن ما نجتمع عليه هو أكثر بأضعاف مضاعفة مما يفرقنا.
ب. إكساب الطالب المعارف والمهارات المتضمنة للأخلاق الاسلامية السامية وذلك من خلال تضمين المقرر درساً عن الحديث النبوي الشريف وعن الثقافة الاسلامية التي تتضمن توجيه سلوكياتهم وممارستها عملياً، وملاحظتها وتعديلها في المدرسة وفي المنزل وإن أردنا أن ندخل في الحديث البنوي الشريف هناك عدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة رواها صحابة الرسول، وفي نفس الوقت رووها بعض أئمة آل النبي (ص) هذه الأحاديث حرفياً.
ج. من خلال ترجمة موضوعات دروس الفقه الى سلوك عملي ممارس من قبل المعلم والطالب داخل الصف المدرسي وخارجه؛ لأن الطالب يترجم الأفعال والأقوال التي سمعها ورآها داخل الصف خارج الصف.
د. إكساب الطالب المهارات والقيم والاتجاهات التي تنمي لديه حب الوطن والزود عنه ومقاومة اي تدخل خارجي أو أجنبي عند الحاجة الى هذه المقاومة.
ه. تنمية مهارات الطلاب في المناقشة البناءة وفي الحوار المفيد، والأهم من ذلك تقبل الرأي الآخر، وعدم التشبث برأيه ومعرفة حقوق المواطنة بشكل عام، والابتعاد قدر الإمكان عن المسائل الخلافية، وأن لا نعود الى التاريخ الأسود الذي يفرق بين المسلمين والمسيحيين وبين المسلمين أنفسهم.
و. تنمية مهارات الطلاب في التعامل الصحيح المستمد من النهج النبوي الشريف مع أفراد المجتمع ضمن أمثلة، وروايات وقصص وأحاديث حصلت مع سيدنا رسول الله (ص) وآل بيته وأصحابه ويمكننا أن نستفيد منها لتنمية الواعز الديني وتعزيز مفهوم المواطنة وتقبل الرأي الآخر.
ز. تنمية روح الولاء لله وللرسول ولأولي الأمر، وهو مقصد من مقاصد الشريعة الاسلامية، وتأصيل معنى الوحدة الوطنية من خلال غرس روح المبادرة للعمل في نفوس الطلاب من خلال مشاركتهم في الأعمال الخيرية والتطوعية والانمائية، وفي وقوفهم الى جانب إخوانهم إن كانوا من طائفتهم أو من مذهبهم أو إن كانوا لبنانيين ينتمون الى هذا البلد الحبيب لبنان.
ح. أخيراً، نقترح الخروج بكتاب ديني شبه موحد يعتني بالمسائل غير ذات الصفة الخلافية، وإن عدنا بالزمن الى الوراء في التاريخ، أعتقد بأن فيلم الرسالة قد أجمع عليه علماء المسلمين وقد شاهدناه منذ أن كنا صغاراً ولم نرى أحداًمن العلماء سنة أم شيعة يعترضون عليه، لذا ألا يمكننا أن نجمع كتاباً يجمع ولا يفرق، الا يمكننا أن نؤلف كتاباً يؤلف القلوب لا سيما وأن النفوس ممكن أن تشحن في أية لحظة، لذا فان هكذا كتاب يمكن أن يكون له دوراً أساسياً في تحقيق مفهوم الوحدة الوطنية والوحدة الاسلامية بين الطلاب.
- المداخلة الأولى- مدير مركز نون الثقافي سماحة الشيخ حسن الهادي:
ثانياً، حقيقة وفي هذه الحلقة البحثية المشتركة بين أطروحة الشيخ علي سنان وأطروحة الشيخ علي بيطار، هل بالفعل نحن نملك الجرأة لنقدم برنامجاً للتربية الإسلامية على مستوى لبنان يتضمن بغاياته وأهدافه، والكفايات التفصيلية التي تدخل في مقرراته طرحاً للدين الإسلامي يحقق في نتائجه مجتمعاً متكاملا متفاهماً خال من النزعات التكفيرية والمذهبية ونحوها،وهذا سؤال نحتاج الى أن نتأمل به.
الشق الثاني من المداخلة فيما يتعلق بالوحدة الوطنية، أنا أعتقد أن مفهوم وفكرة العلاقة بين الوطن والمواطنة تحتاج إلى تأصيل على مستوى الفكر السياسي الإسلامي؛ أي كيف يرتبط المسلم بوطنه؟ بماذا يرتبط بالنظام، بالدولة، بالارض، بالانسان الذي يشاركه في الهوية ؟ أنا أستطيع أن ادعي بأنه من النصوص بإمكاننا أن نفهم شيئاً وهو أن الدين الاسلامي يطرح قضية التعايش مع الانسان الآخر والمسلم الاخر كما يطرح قضية الإستفادة من الارض والثروات، لكنها إستفادة مصلحية على قاعدة الإحياء والإستفادة لتأمين الحياة والرزق، ويطرح الدين الاسلامي الإستفادة القيمية في التعاطي مع كل الموارد ومع المجتمع الإسلامي ككل.
في موضوع المواطنة نحن ماذا نريد بالضبط! تفضل سماحة الشيخ علي بيطار بإسهاب وطرح بعض الأفكار والإقتراحات لتأمين نوع من الوحدة الوطنية في البرامج، وأنا أقول علينا أن نبدأ من أصل تأسيس، وتأصيل هذا المصطلح وهذه الرابطة في الفكر السياسي الإسلامي لنبني على الشيء مقتضاه، وأخيراً: أقترح هنا أن نقف ملياً عند بعض النصوص التي سأطرح عناوينها فيما يرتبط بالعلم، والتي بنظري تشكل منظومة ومنطلق للكثير من الأبحاث والدراسات التربوية، مثلاً الرواية التي تحدثت عن أن "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" هي تريد أن تعمم الواجب على كل أفراد المجتمع، والرواية التي تقول: "أن أطلب العلم ولو في الصين" هي تريد أن تقول لنا ارفعوا كل الموانع والمعيقات من أمام الحركة العلمية والتعليمية، ورواية "أطلب العلم من المهد الى اللحد" هي تريد أن توجه بإتجاه التنمية التربوية والعلمية المستدامة، ونفهم من روايات إنفاق العلم، والعمل به، وتعليم القران. من هذه الأصول والروايات التي ذكرتها وهي تشكل طائفة من الروايات يكون المنطلق، فمن خلال الدين الإسلامي الذي بنى هذا الحراك العلمي على هذه الأصول بإمكاننا أن ننطلق لنؤسس، ونستنبط من ديننا البرامج، والأصول والقواعد التربوية التي طرحتها في بداية المداخلة.
- المداخلة الثانية – الباحثة التربوية والإجتماعية الدكتورة سحر مصطفى:
الموضوع مهم جداً ومتشعب، لذلك سأدخل اليه من باب مختلف عن الذي تفضل به سماحة الشيخ حسن، وهو من إختصاصنا أي: الدراسات الميدانية، وسأبدأ من الدراسة التي عملنا عليها عن الطلاب الجامعيين حيث سألنا مجموعة من الطلاب الجامعيين عن مدى معرفتهم بالطوائف والمذاهب الأخرى، ليتبين لنا أن معرفتهم بالطوائف والمذاهب الأخرى تكاد تكون معدومة سواء فيما يخص تاريخ هذه المذاهب، أو حركتها، أو عقيدتها، وبينت الدراسة مدى جهل الطلاب حتى بمذهبهم الشخصي فكانت معرفتهم ضعيفة وسطحية جداً.
ومن هنا أقول أن كل الجهد الذي بذل سواء على تعليمهم تعليماً دينياً أم لا؟ فإن هذا الأمر لم يغير شيئاً في حقيقة أنهم يجهلون الآخر، إضافة إلى جهلهم بطائفتهم ومذهبهم الشخصي، وبالتالي يبدأ طرح علامات الإستفهام عما قدم على هذا الصعيد حتى الآن؟
سماحة الشيخ علي بيطار طرح بعض المقترحات التي يمكن العمل عليها لاحقاً لتحقيق المعرفة بالآخر، لكني أستذكر هنا كتب التربية الوطنية، وأسأل ما الذي قدمته الى الآن إن على صعيد المواطنة، أو الوحدة الوطنية، وغيرها من المفاهيم الوطنية البعيدة عن المفهوم الديني. وأستطيع القول بأن تجربتها الى الآن لم تكن ناجحة لأنها لم تستطع نقل الناس من إنتمائهم لمذاهبهم الطائفية إلى الإنتماء لوطنهم. لذلك علينا البحث عن ما يجب تقديمه وكيفية تقديمه؟ فمثلاً: كتب التربية الدينية الموجودة بين أيدي الطلاب حالياً قد لا تقدم صورة سلبية عن الآخر، ولكنها في نفس الوقت لا تقدم أي صورة عنه؛ أي أنه لا وجود للآخر فيها لا سلباً ولا ايجاباً. إذاً نحن نقوم بتكرار أنفسنا من خلال هذه المناهج، ولا نرى الآخر إلا من خلال وسائل الإعلام، وما تقدمه هذه الوسائل عن الآخر. من هنا علينا أن نرى كيف يتم تقديم الآخر في هذه الوسائل ومدى تأثيرها علينا.
أخيراً، أود أن أشير إلى أن موضوع التعصب والتطرف له الكثير من الأسباب التي تتضافر وتؤدي إليه مثل: البطالة، الظلم، تضييق الحريات، ولا يجب أن نتهم الدين فقط في خلق هذا التطرف والتعصب، بل الظروف الإجتماعية أيضاً تؤدي إلى هذا الأمر.
- المداخلة الثالثة- لمدير عام مركز الأبحاث والدرسات التربوية الحاج عبد الله قصير:
الأولى: أن مسألة تحديات المذهبة تنطلق ليس من موقع الإختلاف المذهبي، وإنما من موقع الإثارة المذهبية، التي هي في الحقيقة لا تستند إلى معرفة بهذه المذاهب بقدر ما تستند إلى الجهل بهذه المذاهب. وهنا تأتي جدلية المعرفة والجهل وكلما رفعنا نسبة المعرفة بالمذاهب، وحتى الخلافات بينها، يؤدي ذلك إلى سد الفراغ في نسبة الجهل بالآخر، وأصحاب الإثارة المذهبية يستندون الى هذا الجهل بالآخر ليملؤه بآكاذيب، وبصور نمطية غير صحيحة وغير دقيقة عن الآخر، ويقدموها كوسيلة لإثارة الحساسيات بين الطوائف المختلفة.
ثانياً: علينا أن لا نحمّل الكتاب المدرسي، أو المدرسة، أو التربية المدرسية مسؤولية إثارة النعرات المذهبية، اليوم أصبحت المدرسة جزء من مصادر المعرفة، والتربية عند الطفل، أو الشاب. ولكن يجب أن نأخذ بعين الإعتبار وسائل الإعلام بخطورتها وأهميتها، ودورها والمعرفة المسطحة التي تقدمها، لذلك أمام المركز تحدي آخر للبحث في أهمية وسائل الإعلام والتربية الاعلامية وتحديات المذهبة، لا سيما لما لها من دور خطير في هذا الاطار.
في تعليق آخير لما طرحه سماحة الشيخ حسن في موضوع التأصيل الإسلامي لموضوع الإنتماء الوطني، أنا أرى أنه يوجد بين أيدينا ابحاث وكتابات إسلامية معقولة في هذا الإطار سواء عند الأخوة السنة أو الشيعة يمكن الرجوع إليهم.
- المداخلة الرابعة- لمدير مدرسة المهدي-الحدث الأستاذ هشام شمعوني:
- المداخلة الخامسة- للمفوّض العام لكشافة الإمام المهدي الشيخ نزيه فياض:
أما التعامل مع المذهبية أو المذهبة كواقع ممكن لنا ان نستفيد منه، وأن نتربى عليه، وأن نتلاقى على أساسه، وأن نجتهد في إستقطاب الآخر، ومعرفته سيساعد على فهم الكثير من المشتركات ويخلق مساحات كثيرة للكلام عن ما نختلف حوله، والحقيقة انني لم أجد الكثير من الكلام حول التكفير في هذه الندوة والذي هو التحدي الأبرز في موضوع المذهبة.
- المداخلة السادسة مسؤول الإرشاد في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم الدكتور محمد ترمس:
وأنا أوافق على ما قد قيل عن عدم وجود كل شيء في كتاب التربية الدينية؛ لأن المدرسة في لبنان لا تملك أي تأثير في صناعة توجه ديني للتلميذ، إلا في المدارس ذات الطابع الإسلامي، أو ذات طابع مذهبي معين، وإلا فان كل الأشخاص يتم تربيتهم دينياً خارج إطار المدرسة، مثلاً في الكشاف، أو الاعلام، أو النوادي والأحزاب.
أما الحل لهذا الموضوع وقد لا يكون حل جذري هي التربية العقلانية القائمة على ركيزتين: الأولى- وهي النقد الذاتي، ثانياً- وهي في كيفية تعلم نقد الآخر، وبالنتيجة تقبل الاخر، هذه التربية العقلانية إذا لم تكن رائجة ويتم تبنيها وتعليمها للطلاب، أعتقد أنه مهما حاولنا تغيير المناهج لن يكون هناك نتيجة مثمرة.
- المداخلة السابعة– للباحث في مركز الأبحاث والدرسات التربوية الشيخ سامر عجمي:
لذا السؤال هو كيف يمكن العمل على تجديد أدوات فهم الدين، وكيف يمكن أن نستثمر الأدوات المستجدة لإعادة قرائتنا وفهمنا للدين حتى لو كان تراثنا نقي بالفعل، إذا الحاجة الملحًة الآن تتمثل في تجديد فهم الدين من خلال تجديد أدوات الفهم؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تجديد قرائتنا وفهمنا للقرآن والسنة، وبالتالي بناء منظومة تربوية متجددة.
إذا الدعوة التي أريد تسجيلها هنا هي العمل على تجديد أدوات فهم الدين، وبالتالي تجديد قرائتنا للدين، وبالتالي تجديد بنائنا لمنظومتنا التربوية وغيرها.
- المداخلة الثامنة- لنائب مدير عام مركز الأبحاث والدراسات التربوية الدكتور يوسف أبو خليل:
في موضوع الدين فإن الفهم الصحيح له ولقيمه هي الطريقة الأمثل لحل الخلافات المذهبية لا البعد عن التربية الدينية، وما نشهده في لبنان يشير إلى أن لدينا مشكلة حقيقة وهي أن الدين لم يعد قيَمَاً، بل أصبح طائفة ومذهباً، وأوافق بأن عدم وجود رؤية تربوية تحكم العملية التربوية حالياً لا يمنع من التوجه إلى المناهج ومحاولة التوفيق على الأقل بين المذاهب.
وأؤكد بأنه لا يمكن مواجهة الفتنة المذهبية الدينية إلا بالإلتفات الى التربية بالمعنى الأعم، أي أن تكون المؤسسات التعليمية جزء من العملية التربوية، وهذا يحتاج إلى تضامن على مستوى كل من له علاقة بالعمليات القيمية والتربوية، وهذا قد يكون مدخل للحل في هذا الإطار.
- رد سماحة الشيخ علي سنان على المداخلات:
حاول البعض إلغاء التعليم الديني ضمن المدارس، فكان رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي هو عرّاب هذا الموضوع، ما أدى إلى إلغائه، وجعله إختيارياً أيام الجمعة والأحد، ولكن رغم القرار الذي أصدره كان هناك تحرك مضاد وإستمر تدريس مادة التربية الدينية في المدارس.
لكن بعد عودة التعليم، طالب البعض بوجود كتاب تعليم ديني موحّد لكل الأديان، وبعد تحرك مضاد؛ تم التوافق على إصدار كتاب تعليم ديني للمسلمين، وكتاب آخر للمسيحيين، ونحن كجمعية تعليم ديني كناضمن لجنة تأليف الكتاب الديني، ولكن تم إيقاف هذه اللجنة فيما بعد للاشكاليات الكثيرة التي رافقت هذا الموضوع.
من هذه المقدمة أردت القول أنه لدينا في المدارس حصة واحدة فقط في الإسبوع للتعليم الديني؛ لنعرّف الطلاب على دينه أو مذهبه، فكيف سيكون لدينا مساحة لتعريفه على الآخر؟
ثانياً، أنا أعتبر أن كتاب (الإسلام رسالتنا) أفضل بأشواط من الكتب الإسلامية التي تدرس في معظم الدول العربية، والإسلامية.
فيما يخص ما طرحه سماحة الشيخ حسن الهادي فإن تنقية الأحاديث ومتابعتها، تعتبر من المواضيع المهمة والأساسية؛ فالاسلام تم تغييبه عن الساحة، حتى تم إحيائه من جديد مع الثورة الإسلامية في إيران، وعلماؤنا كان لهم دور كبير في هذا الإطار، ولكن يجب متابعة هذا الموضوع إذ أننا إلى أيامنا هذه ما زلنا نسمع يومياً عن علماء دين وغيرهم يسيؤون الى الدين الإسلامي.
أنا أوافق على ما قد طرحه الحاج عبد الله قصير، وأما ما طرحه باقي الحاضرين؛ فإن الموضوع؛ يحتاج إلى مقومات دول إذ أن طرحي أنا ياتي على صعيد لبنان، وواقعنا الذي نعيشه، فإننا لن نترك أي فرصة قد تساعدنا لنبين الأثر الكبير للإسلام. ونحن نحتاج الى أن نعي إسلامنا جيداً حتى نستطيع أن نعرفه على الآخرين.
- رد الشيخ علي بيطار على المداخلات:
وأنا أرى من خلال خبرتي في المجال التربوي أن المدرسة سيف ذو حدين؛ فهي تستخدم إما لتقديم الفهم الخاطئ عن الآخر، أو الفهم السليم، والصحيح لنمط التعايش الإسلامي المسيحي، أو الإسلامي الإسلامي.
سماحة الشيخ حسن سأل كذلك عن مدى إرتباط الطالب بوطنه، نحن نرى من وجهة نظرنا أن الطالب يرتبط بوطنه أرضاً وشعباً ودولة ومؤسسات، والنبي (ص) تعايش مع اليهود والنصارى في المدينة المنورة؛ بل أنه تعايش مع عُباد الأصنام في مكة المكرمة، اما من جهة الإرتباط بالأرض فنحن في لبنان نشكل أكبر شاهد عن مدى حبنا لأرضنا من خلال دحرنا للإحتلال.
أما بالنسبة الى ما قد طرحته الدكتورة سحر؛ فإنها قد آثارت موضوعاً مهماً وهو أن الكتب لا تقدم أي صورة عن الطرف الآخر في المناهج التعليمية للمدارس، وهنا أقول أن هذا الأمر يجري في المدارس الرسمية، حيث لا يتم تسليط الضوء على الطرف الآخر، وأود أن أعطي هنا أمثلة: فالتدريس الديني في المدارس الرسمية في لبنان يمكن أن يضبط من خلال كتاب موحّد، وهذا ما يحصل فعلا كوني مدرساً في بعض هذه المدارس؛ إذ أن هذا الكتاب يتحدث عن العموميات، ولا يدخل أو يناقش في المسائل المختلف عليها، ونجد داخل الصف الواحد المسلم السني والمسلم الشيعي والمسلم الدرزي، ولا أحد يعترض منهم، ولا من ذويهم على هذا الكتاب، أما فيما يخص المدرسة الخاصة فلا ضوابط أمامها، إذ يمكن لها أن تدرس المنهج الديني حسب المعتقد الذي تريد وحسب الإنتماء الطائفي لها، لكن نحن كسرنا القاعدة وأعطي أمثلة واضحة ومثبتة على ذلك فنحن في دائرة التعليم الديني في دار الفتوى وبتوجيه مباشر من المفتش العام في دار الفتوى الذي طلب أن يتكلم المدرس داخل الصف على كل ما يجمع ولا يسلط الضوء نهائياً على كل ما يفرق بين المسلمين، وفي مدارس الحريري الخاصة فضيلة الشيخ حداد قد ألّف كتب دينية ليتم تدريسها في هذه المدارس كونه المنسق العام للتربية الدينية فيها، والتي تحوي طلاب مسلمين سنة وشيعة، وتحتوي هذه الكتب على دروس عن الامام علي (ع) حيث أقدمه كنموذج ومثال ليتم الاحتذاء به.
وفي الصف الثامن قام المؤلف بوضع درس عن المذاهب الفقهية الاسلامية ولم يقتصر على المذاهب الاسلامية الاربعة المتعارف عليها عند السنة بل تحدث عن المذاهب الاسلامية الخمسة وافرد حيزاً واسعاً للمذهب الجعفري الذي ينسب الى إمام المدينة المنورة أبي عبد الله الجعفري الملقب بالصادق(ع)، وقد أفرد للحديث عن هذا المذهب ما يقارب الصفحة والنصف مقابل نصف صفحة للمذهب الحنبلي، وهذا الأمر ينمي عند الطلاب حب الآخر وتقبله، ويجعلهم يخرجون من القوقعة العصبية الضيقة.
وفي المسابقة السنوية الدينية التي تقيمها دائرة التعليم الديني في دار الفتوى لمناسبة المولد النبوي الشريف وتشارك فيها المدارس الرسمية والخاصة، نضع لهذا المسابقة أكثر من عشرين سؤالا ليتم الإجابة عليهم من قبل الطلاب، ومن منطلق رؤيتنا للوحدة الاسلامية والاسلام ندرج في كل عام أكثر من سبعة أسئلة تتعلق بآل بيت النبي (ع)؛ وهذا ما لاقى إستحسان وصدى ايجابياً لدى الطلاب وذويهم في المدارس الرسمية والخاصة.
لذلك أيها الحضور الكريم نتمنى أن نعمل جميعاً، وبكل جهد لرص الصف الاسلامي وجمع الكلمة ونبذ الخطاب الطائفي والتعصبي، ونبذ الفرقة من أي جهة أتت، وعلينا جميعاً أن نشترك في هذه المسؤولية، وأن نعتبرها أمانة أمام الله (سبحانه وتعالى).
لذا علينا أن نعمل جاهدين لنبين مفهوم الإعتراف بالآخر وطنياً وإسلامياً؛ وذلك من خلال غرس المفاهيم الصحيحة عن الدين الاسلامي، وعدم التطرق إلى المسائل الخلافية التي يمكن أن تفرق ولا تجمع بين المسلمين.
آخر تحديث : 2022-11-22
تعليقات