دراسات ومقالات المركز
تعزيز الحياء: حجاب المرأة الباطني
د. یوسف ابو خلیل
مقدمة :
يعتبر الحياء قيمة اساسية من القيم الاسلامية ، حيث حضت التعاليم الاسلامية على الحياء كمفهوم اخلاقي يطال كل المجتمع بجناحيه اي الرجل والمرأة ، وبعد انخراط المرأة لا سيما المراة المسلمة في مجالات العمل المختلفة ومع تغرب مجتمعاتنا الاسلامية من حيث النظر الى المرأة من خلال ما يسمى "المساواة بين الرجل والمرأة" واعتبار الرجل والمرأة لا يختلفان الا من حيث البعد الفزيولوجي لتصبح المراة هي عبارة عن رجل قادر على الانجاب ، لهو من اشد الظلم الذي طال المرأة نفسها.
اما النظرة الاسلامية والتي تنظر الى التكامل بالادوار ما بين الرجل والمرأة حيث لا اختلاف بالانسانية بل هناك فوارق بيولوجية وفیزيائية ونفسية تؤدي الى توافق واختلاف في وظائف ودور كل منهما.
حض الاسلام على الحياء وفي هذا يقول الامام علي (ع): الحياء خير كلَّه." ، ولقد تم الربط ما بين الايمان والحياء لدرجة انه بانتفاء احدهما يؤدي الى زوال الاخر، وفی حديث عن الصادق (ع) :" لا إيمان لمن لا حياء له " وفي حديث اخر يزداد هذا الربط حيث يقول امير المؤمنين (ع):" الحياء والايمان في قرن واحد ، فإذا ذهب احدهما تبعه الآخر."
اذن دعت التعاليم الاسلامية إلى تمتع الانسان المؤمن بالحياء كنوع من الحجاب الباطني الذي يستر عيب الانسان وفی حديث عن امير المؤمنين(ع): "من كساه الحياء ثوبه ، لم ير الناس عيبه" .
ولإن كان الحياء ملكة يجب العمل على تعزيزها، ولإن كانت هذه الملكة واجبة على الرجل فهي على المرأة اوجب، وفي الحديث عن رسول الله (ص): " الحياء حسن لكنه في النساء أحسن" .
ويخلط البعض ما بين الحياء كصفة حسنة يجب ان يتمتع بها الانسان وما بين الخجل الذي هو عبارة عن حالة مرضية، ولقد ميز امير المؤمنين (ع) بينهما حيث قال: "الحياء حياءان : حياء عقل، وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل" .
تحرير بعض المصطلحات :
-الخجل : يعتبر علماء النفس ان الخجل او الرهاب هو حالة موجودة في الناس بدرجات متفاوتة، وينظر اليها في حال اشتدادها كحالة مرضية (عصابية) وهي الاحساس بالوهن والضعف امام موقف ما وتتلخص في اثارها التالية :
- احمرار الوجه.
- زيادة افراز الجسم للادرينالين .
- جفاف الريق .
- التلعثم وعدم القدرة على الكلام.
- سرعة دقات القلب والتنفس.
- شد العضلات.
- عدم القدرة على التركيز.
- الحياء:
معنى الحياء لغة: "الحشمة، ضد الوقاحة" . اما اصطلاحا فهو: "انقباض النفس من شيء وتركه حذرا عن اللوم منه" . وقال ابن حجر: " الحياء: خلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق كل ذي الحق" .
اذن فالحياء خلق يبعث على فعل كل حسن وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الإنصراف عن القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وكما جاء في الاحاديث الواردة التي تم ذكرها فهو من خلق المؤمنين وسمة أهل الدين والتقوى.
ان الاشتراك ما بين الخجل والحياء هو الضعف في موقف ما، بينما نجد ان الفارق بينهما ان الحياء هو الضعف امام العمل القبيح، بينما الخجل هو الضعف امام العمل الحسن والقبيح، فالحياء يمنع الانسان من القيام بأعمال سيئة اختيارا وذلك حسب قيمة العمل بينما الخجل هو عدم القدرة على القيام بأي عمل وهو بالتالي ليس عملا اختياريا بل هو ضعف في كل المواقف.
والحياء انواع، اعلاها مرتبة الحياء من الله عز وجل ورسله والمؤمنين، بالتالي فإن الحياء من ارفع مراتب التقوى وقد قسمه رسول الله حيث قال: "الْحَيَاءُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ حَيَاءُ ذَنْبٍ وَحَيَاءُ تَقْصِيرٍ وَحَيَاءُ كَرَامَةٍ وَحَيَاءُ حُبٍّ وَحَيَاءُ هَيْبَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أَهْلٌ وَلِأَهْلِهِ مَرْتَبَةٌ عَلَى حِدَة" .
إنّ التربية الاسلامية كانت وما زالت من المسائل الاساسية والملحّة،لا سيما في عالمنا المعاصر لأن سنخيّتها هي التربية على القيم والأخلاق السمحة التي يدعو الاسلام. وإذا أخذنا بعين الاعتبار التعاريف المتعدّدة للتربية الإسلامية، يمكن استخلاص التعريف الآتي، وهو: "أنّ التربية الإسلامية عبارة عن إيصال كافّة استعدادات الإنسان في كافّة الجوانب والأبعاد الشخصية؛ أي الأبعاد العقليّة، والاجتماعيّة، والعاطفيّة، والأخلاقيّة، إلى فعليّاتها." .
وكون الحياء هو قيمة يجب العمل على ترسيخها كفضيلة، ويعتبرها البعض من الملكات والاستعدادات النفسية ويجب تعزيزها على المستوى النظري كواحدة من اهداف واصول التربية، وتثبيتها على المستوى العملي كسلوك وفضيلة اسلامية يجب التمتع بها لا سيما في حياة المرأة، لذلك لا بد من الاشارة ان تعزيز القيم يندرج تحت عنوان التربية، وهو ليس عنوانا تعليميا محضا، ويجب التعاطي مع هذه المسألة على ان يكون المرشد للتربية على القيم مربيا لا معلما، بل يندرج التعليم كجزء من العملية التربوية.
المراحل العمریة الحرجة والمؤثرة في علم النفس التربوي:
وفي التربية يجب الاشارة الى بعض المبادئ الاساسية للتربية على القيم والتي تساهم بشكل مباشر في التربية على الحياء عند الفتاة، ويجب مراعاتها سواء في مؤسسة الاسرة او في المؤسسات التربوية الاخرى:
- مراعاة المراحل العمرية: لكل من المراحل العمرية معايير ومنهج تربوي حيث ان مراعات هذه المراحل لا سيما المراحل العمرية الحرجة ، التي تشكل عامل اساسي في التكوين الفكري والمعرفي للانسان عموما او للفتيات خصوصا:
- المرحلة العمرية الحرجة الاولى: تسمى هذه المرحلة ايضا بمرحلة الطفولة المبكرة وهي تمتد من عمر سنتين الى خمس سنوات من مميزاتها:
- يتوقف عليها سلامة البنيان الجسدي والعقلي والنفسي إلى حدٍ بعيد.
- نجاح المربي في تعويد الطفل على الانضباط وتأجيل الحاجات خلال هذه المرحلة يهيئ للنمو الأخلاقي والقيمي السليم في المراحل اللاحقة.
- المرحلة العمرية الحرجة الثانية: تسمى هذه المرحلة ايضا بمرحلة المراهقة المبكرة وهي تمتد من عمر 12 الى 15 سنة وفي هذه المرحلة يجب الالتفات الى:
- هواجس المراهق والتعامل بحكمة مع أزماته النفسية والانفعالية في هذه الفترة، ويتوقف عليهما إلى حدٍ بعيد سرعة استرجاع المراهق لتوازنه النفسي والانفعالي.
- ان نجاح المربي في وضع الخطوط الحمراء، التي تحدد حرية المراهق وحمايته من الأفكار الفاسدة ورفاق السوء، يضمن نجاح المراهق في السيطرة على نزواته والتزامه بمنظومة القيم الدينيّة والأخلاقيّة فيما بعد.
اساليب تعزيز الحياء لدى الفتيات :
- العلم النافع : ان اهم مسؤولية تقع على عاتق المربين (الاسرة) هي العمل على تعليم الصغار على المعارف الاساسية للدين، وبما ان الانسان اضافة الى فطرته فإن انواع العلوم يمكن ان تكتسب، واول سلم التربية هو المعرفة والعلم حيث ان تعليم وتعويد وتلقين الصغار على العلوم الدينية هو من ابسط الامور، على عكس المتعارف عليه حيث هناك من يعتبر بأن افهام الصغار المعتقدات الدينية هي من المسائل الصعبة بل ان الحقيقة بالعكس تماما وقد جاء في الحديث عن امير المؤمنين (ع) انه قال فی وصیته للامام الحسن (ع): "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك" ففي مرحلة الطفولة يتلقى الطفل العلوم من الاهل والمربين بقناعة عالية ، وتعتبر المعرفة من اول اساليب التربية.
- التقوى: هناك علاقة وطيدة ما بين التقوى والحياء حيث ان العبد المؤمن في اعلى درجات التقوى ينصرف عن الذنوب حياءا من الله عز وجل، هنا تبدأ المرحلة الثانية وهي تفاعل المتربي مع المعارف التي تلقاها من اهله ويبدأ بالتفاعل معها، والفتاة في هذه المرحلة تبدأ بترتيب سلم قيمي للمعارف التي تلقتها، وهنا تكمن اهمية الاهل بمساعدة الفتاة على اعطاء القيمة حسب الاولوية من تلك المعارف التي كانت قد تلقتها سابقا. وهنا يجب الابتعاد عن التلقين بل يجب التحفيز والترغيب، ففي هذه المرحلة خصوصية وحساسية عالية بحيث انه لا يمكن بناء سلم القيم على الاكراه، وكما يقول امير المؤمنين: " إن القلب إذا أكره عمي" . وفي هذا الشأن تقنيات ومهارات عديدة لا يسع ذكرها هنا.
- الاسوة والقدوة: مما لا شك فيه ان الانسان في فطرته يميل الى الكمال ويتأسى بالصالحين، وهناك نوعين من القدوة والاسوة، مباشرة وغير مباشرة، فالاسوة الغير مباشرة هم الانبياء والائمة والاولياء والصالحين، وهنا يلعب المربي ايضا دورا اساسيا في تعريف الفتاة على اخلاق وسيرة خير نساء العالمين فاطمة (ع) وزينب (ع) ومريم (ع) ...الخ. اما المقصود بالاسوة المباشرة فهو نفس المربي او المربية فكما هو معروف بأن الصغار يقلدون الكبار، والصبية يقلدون ابائهم، والفتيان يقلدن امهاتهن، ولعل من اخطر المبادئ التربوية تعليم الصغار شيء بينما لا يقوم المربي او المربية بتطبيق هذه التعاليم، وهذا عادة ما يؤدي الى فقدان الثقة بالمربي وبالتالي ايجاد خلل في السلم القيمي للمتربين، لذا يجب ان يتطابق القول مع فعل المربي، وفي هذا نهي جاء بنص القرآن الكريم : "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" وفي سورة اخرى امقت الباري عز وجل هذا الفعل حيث قال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3)" فلا يمكن مثلا ان نعلم بناتنا ان يغضضن اصواتهن ولا نغضض من اصواتنا ولا يمكن ان نعلمهن الحشمة والعلاقة التي تسود في داخل المنزل او خارجه هي عدم الاحتشام.
- الحجاب : اهم عوامل تقوية الحياء عند الفتاة هو الحجاب والستر عن غير المحارم، وللاسف بعض العوائل لا تراعي الحجاب الشرعي للفتيات حيث انهم يعتبروهن صغارا من وجهة نظرهم، ولا يتم مراعاة الحجاب الشرعي الذي فرضه الله عز وجل فالفتاة عندما تبلغ سن التكليف يجب مراعاة حجابها الكامل ولا يجب الاستخفاف به لانها بنظرهم صغيرة ففي شرع الله الحجاب والستر مفروض على المكلفة كما هو مفروض على المرأة ولا فرق، وهناك مسألة اخرى يجب الالتفات اليها حتى داخل المنزل وهي اطلاق العنان للفتيات الصغيرات بلبس ما تشاء من الثياب الخلاعية للفتيات الصغيرات والمكلفات داخل المنزل وامام الاسرة، بالطبع ليس المقصود هو ان تتحجب الفتاة بالحجاب الشرعي بل المطلوب تعويد الفتيات على اللباس المحتشم وغير الخلاعي في المنزل او في الخارج ان لم تكن مكلفة، ففي اصول التربية هناك علاقة تأثير متبادل بين ظاهر الانسان وباطنه.
- عدم الاختلاط : يعتبر الاختلاط من اهم العوامل التي تؤدي الى خدش الحشمة وسلب الحياء المطلوب من الجنسين، ويعتبر الاختلاط من الافات المعاصرة التي دخلت الى مجتمعنا الاسلامي لما يتخلل السهرات والمحافل المختلطة من شبهات لا سيما النظر الحرام الى غير المحارم والمزاح بغير ضوابط شرعية، وكما مر سابقا فإن المنزل هو البيئة التي تعيش فيها الفتاة، والانسان ابن بيئته، ومن يعيش في بيئة سالمة محصنة يكون محصنا، واذا كانت هذه البيئة موبوءة، فإن هذا الوباء يسري على جميع افرادها.
- الاستماع الحسن: يجب على الوالدين ايضا ان يكونا مستمعين جيدين لابنائهما، ويجب ان تترك الفتاة تعبر عن رأيها، فان عدم السماح لها بالتعبير عن رأيها في مختلف المسائل قد يؤدي الى اثار وخيمة، لانه في هذه الحالة يقوي الخجل لا الحياء، وكما قلنا فالخجل هو افة نفسية وليس فضيلة.
- الاحترام المتبادل :لعل من اهم الموضوعات التي تقوي الحياء عند الفتاة هي الاحترام الذي يجب ان تعطيه الفتاة لوالديها، بحيث نرى ان الفتاة تستحي من القيام بأعمال مشينة امام امها وبالاخص امام والدها، ولا نعني هنا الخوف من الاهل بل الحياء،لان الخوف نتيجته الخجل اما الاحترام ينتج عنه الحياء، فهي تمازح اهلها ضمن حدود وتتعاطى معهما بإحترام ويجب ان تبقى هناك حدود بقوامية الاب ومن ثم الام على باقي الاسرة، وان احترام الابناء لابائهم لا يمكن ان ينشأ الا من خلال الاحترام المتبادل، فاذا اردنا ان يحترم الصغار الكبار، فعلى الكبار اولا الابتداء باحترامهم كونهم المربين الذين يقتدي ويـتأسى بهم الصغار، وفاقد الشيئ لا يعطيه.
- الحب والعطف والحنان: بالحب وحده والعلاقة العاطفية المرفقة بالحنان كنمط من التعاطي وحده يقوي الحياء عند الفتاة، وقد يقول قائل بأن كل الاباء والامهات يحبون ابناءهم، وهذا صحيح، ولكن يجب اظهار هذا الحب وبشكل مستمر، وقد يغيب هذا الامر عن الاهل بسبب الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والعملية الضاغطة، ولا يحتاج الامر الى دليل فكثيرا ما نجد ابناءنا يسألوننا بشكل متكرر عن مدى حبنا لهم، لا سيما الفتيات لشدة الحساسية والارتباط بالاهل. فعلينا ان نجسد حبنا لهن قولا وعملا، وكلما زاد اهتمام وحب الاهل لابنائهم كلما زاد حياء الابناء منهم, وفي الختام وان كان الحديث عن تقوية الحياء لدى الفتيات داخل الاسرة، الا ان هذه الاساليب تنسحب على المؤسسات التربوية التي تشكل جزءا اساسيا من مثلث التربية: الاسرة، المدرسة، البيت. فإن تربية الفتيات داخل الاسرة واختيار المدرسة المناسبة لهن يمكن ان يحصنهن في مواجهة مجتمعاتنا التي تحتوي كثيرا من الافات الاخلاقية والثقافة الغير اسلامية .
آخر تحديث : 2024-06-19
تعليقات