الى الاعلى
  • إذا قعد أحدكم في منزله فليُرخِ عليه ستره، فإنّ الله تعالى قسم الحياء كما قسم الرزق"النبي عيسى(ع)"

بيئة في خطر، التربية البيئية وتحدياتها


 

نظّم مركز الأبحاث والدراسات التربوية الملتقى التربوي الاول للعام 2023 وذلك مساء الأربعاء بتاريخ 1 آذار 2023 م، تحت عنوان [بيئة في خطر، التربية البيئية وتحدياتها] (قدمه الدكتور يوسف أبو خليل)

  • المداخلة رقم 1: التربية البيئية والواقع البيئي (د. فاطمة ياسين /لبنان)

  • المداخلة رقم 2: التربية البيئية والحفاظ على البيئة من وجهة نظر إسلامية (الشيخ د. خليل رزق /لبنان)

 

بدأ الملتقى بمقدمة للدكتور يوسف أبو خليل تناول فيها المشكلة التربوية التي تواجه المجتمع اللبناني، فافاد بأنّه هناك أزمة في بلدنا على صعيد التربية في كل مجالاتها، ولكن ملتقانا سيتمحور حول التربية البيئية، حيث أنّ البيئة هي الوعاء الذي تتمّ فيه كل العمليات التربوية، فهي خليط من الاقتصاد والاجتماع والسياسة و..إلخ، والتربية البيئية ليست ترفًا بل حاجةً، فالبيئة في لبنان في خطر. والمسألة البيئية هي مسألة عبادية، وهي حاجة لحياة الإنسان بشكل سليم، لكي يحيى الحياة الطيبة.

كما يركّز سماحة السيد القائد (حفظه الله) على الموضوع البيئي حيث يقول: "لا تعدّ مسالة البيئة عندنا، او الحفاظ على الموارد الطبيعية، مسألة كمالية أو من الدرجة الثانية، بل متعلّقة بالحياة. يجب أن نعطي هذا القطاع الأولوية، بل يجب ان نعتمد عليه في سعينا لتنمية البلاد".

وسيركز ملتقانا اليوم على شقّين، الأول سيتعلّق بالتربية البيئية والواقع البيئي، والثاني سيتمحور حول التربية البيئية والحفاظ على البيئة من وجهة نظر إسلامية.

ونحن في مركز الأبحث من خلال الوثيقة التربوية، واهتمامنا بموضوع التربية البيئية، كأحد محاور هذه الوثيقة، قسّمنا علاقة الإنسان مع أربعة أمور هي:

  • علاقة الإنسان بربّه.

  • علاقة الإنسان مع نفسه.

  • علاقة الإنسان مع الآخرين.

  • علاقة الإنسان مع البيئة المحيطة فيه.

 

المداخلة رقم 1: التربية البيئية والواقع البيئي (د. فاطمة ياسين /لبنان)

بدأت د. ياسين مداخلتها من خلال التاكيد على أنّ الموضوع البيئي والمناخي ليس ترفًأ بل حاجةً ملحّة، فهناك كوارث مناخيّة عالميّة، ومنطقة الشرق الأوسط متأثّرة جدًّا بالتغيّر المناخي نتيجةً للتلوث العالي بالتالي ارتفاع درجات الحرارة وفقدان الماء، وهذا ما قد يجعل بعض مناطقنا غير قابلة للعيش للأجيال القادمة.

 

فالواقع البيئي في لبنان سيء جدًا، فهناك مياه آثنة ترمى في البحر وفي مجاري الأنهار، وهناك غياب شبه كامل لإدارة النفايات الصلبة (تحديدًا من قبل الأفراد عبر غياب الفرز)، فهي إمّا تُحرَق، أو يتم دفنها في باطن الأرض. فإدارتها بحاجة لتفاعل بين شقّين، سياسات الدولة من جهة، والفرز لدى الأفراد من جهةٍ ثانية، ونحن في برامجنا نتوجّه عادةً للأفراد بشكل مباشرة بهدف تنمية التربية والحس البيئي لديهم.

 

ويُعدّ من أحد اهمّ أسباب أمراض السرطان في لبنان هو التلوّث (مياه، تربة، غذاء)، فالسؤال هنا كيف نستطيع كأفراد وممارسات أن نخفّف من التلوّث، حتّى ولو هناك وجود لقصور كبير في سياسات الدولة في هذا المجال، فأي عمل بسيط من قبلنا كأفراد قد يخلق هذا الفارق الإيجابي المهمّ على الصعيد البيئي.

وهذا الدور المطلوب من الأفراد مُستمدّ من القرآن الكريم من خلال أنّ الإنسان هو خليفة الله على أرضه. فالإنسان لم يُخلَق ملوِّثًا، فالإنسان خُلق للرسالة الصحيحة وهي الإستخلاف السليم للأرض والمحافظة عليها، ولهذا علينا أن نكون فاعلين في نشر المعرفة والثقافة البيئية السليمة لدى الأفراد، وتحديدًا لدى الأطفال، فنحن نعمل على صناعة القادة انطلاقًا من التربية البيئية لدى المراهقين، من خلال بناء القناعة للعلم بالسلوك السليم، وهو اسهل من تغيير القناعة لدى الأكبر سنًّا. وفي لبنان يوجد منهج للتربية البيئية المدرسية، ولكنّه لتاريخه لم يتم وضعه موضع التنفيذ في المدارس اللبنانية.

 

والتربية البيئية غير محصور بالنباتات والزراعة فقط كما يُخيَّل للبعض، بل إنّ الموضوع البيئي يشتمل على منظومة واسعة من المفاهيم الأحيائية والأخلاقية، و...إلخ، فهي في المناهج المدرسية من المفترض أن لا تكون حكرًا على مادةٍ من المواد التعليمية، أو محصورة في مرحلة دراسية معينة دون مرحلةٍ أخرى، وبالتالي فالمطلوب دراسة المنهج المتعلق بالتربية البيئية من قبل متخصصين.

 

وتشير التجربة العملية بأننا كبشر نطبّق الفرز في كل مراحل حياتنا (مثلا: نفرز الغسيل ألوان بيضاء وقاتمة، نفرز الأغراض داخل المنزل عندما نشتري من المتجر،..إلخ)، ولكن فقط عندما نصل لمفهوم فرز النفايات الصلبة، نصبح غير قادرين على الفرز، مع العلم بانّ نفايات المواد الصلبة تعدّ من أكبر مشاكل التلوث في لبنان.

ولحل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل البيئية في لبنان، المطلوب خلق ثقافة بيئية لدى الأطفال في المدارس، فنحن نستند في التربية البيئية على نقل الفعل من شخص لآخر، اعتمادًا على الصبر وعلى توسعة الوعي المجتمعي حول هذه المواضيع المهمة، والتي تجعلنا مواطنين صالحين.

 

وأخيرًا أودّ التاكيد على ضرورة العمل بمنهاج التربية البيئية في كافة المدارس في لبنان، وذلك من خلال التركيز على اعتماد الأنشطة اللاصفية، وكذلك التعاون مع الفرق الكشفية ومع المنظمات المجتمعية الداعمة لقضايا البيئة، مع التاكيد على الجانب الشرعي الديني لحفظ هذه الأمانة.

 

المداخلة رقم 2: التربية البيئية والحفاظ على البيئة من وجهة نظر إسلامية (الشيخ د. خليل رزق /لبنان)

بدأ د. رزق مداخلته بالتأكيد بأنّه يتواجد بيننا اليوم لعرض نظرة الإسلام تجاه البيئة، فالإسلام يعطي القواعد العامّة والأسس التي يسير الناس بهديها.

 

وأضاف أنّه في عصرنا الحاضر احتلّت البيئة وقضاياها وعلومها حيّزًا مهمًّا بين اهتمامات البشرية، بأفرادها ومؤسساتها وأنظمتها، وذلك بسبب المشاكل والأخطار التي تهدد العالم بأسره من الملوّثات البيئية الناجمة عن العبث بالنظام الكونيالذي ابتدعه الخالق العظيم على أحسن وأجمل صورة، بما فيه من ماء وهواء ونبات وجماد وغير ذلك من الإبداع الخَلقي.

ونظرًا للمساحة الواسعة التي أصبح يشغلها الإهتمام بالبيئة كان لابدّ لنا من أن نسأل ما هو موقف الديّن والتشريعات الإسلامية في حماية الإنسان والبيئة؟ وهل أنّ الدين الإسلامي قدّم أم لم يقدّم شيئًا في هذا المجال؟ 

وفي معرِض الإجابة عن هذه الأسئلة نقول بأنّ الرسالة الإسلاميّة أفرزت للبيئة اهتمامًا كبيرًا، لأنّ الله تعالى قد صنع وخلق البيئة وسخّرها لخدمة الغنسان، فمن الطبيعي أن يشرّع القوانين ويضع النواميس التي تكفل حفظ التوازن البيئي، والتي ترشد الإنسان إلى طريقة حماية البيئة، وكيفية التعاطي مع أنظمتها وقوانينها.

كما نضع بين أيديكم لمحة عن بعض الخطوط العريضة التي تناولها الفقه الإسلامي في مجال علم البيئة وحمايتها استنادًا إلى القرآن الكريم والروايات الشريفة:

  • البيئة اسلاميًا لا تعني الطبيعة فقط، بل تشمل كل ما يحيط بالإنسان، فهي تقسّم بشكلٍ عام إلى قسمين: البيئة الطبيعية (خلق الله تعالى)، والبيئة الحضارية (البيئة التي صنعها الإنسان). وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في 199 آية في سور مختلفة تحت مفهوم "الأرض ومن عليها وما حولها". 

  • لم يغفل القرآن الكريم عن بيان دور أهم عنصر من عناصر الحماية البيئية وهو الإنسان، فاعتبره المستخلَف في الأرض والمسؤول الأول عن استمرارية بقاء المكونات البيئية وعناصرها كما خلقها الله تعالى لتؤدي دورها في خدمة البشرية. فبعد أن خلق الله تعالى البيئة واتقن صنعها وصياغة عناصرها، يأتي الإنسان ويحاول إفساد هذه المكونات والعناصر، وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم.

  • أول محميّة بيئية في الإسلام هي مكّة المكرّمة، من خلال الشروط التي يجب على المكلّف الإلتزام  بها داخل هذه المدينة المقدّسة (من خلال عدم قطع أشجارها، والحفاظ على حيواناتها،..إلخ).

  • في أحكام الفقه الإسلامي، هناك مجموعة من القواعد الفقهية ذات الصلة بحماية البيئة كقاعدة النهي عن الفساد، وقاعدة النهي عن الإسراف، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة احترام مال الغير، وقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

 

وهذه بعض النماذج عن قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

أ- حرمة عمارة البيت بما يؤدي إلى تخريب بيوت الآخرين.

ب- حرمة أي عمل يؤدي إلى منع دخول الشمس أو سدّ الهواء عن الاخرين.

ت- حرمة تنظيف المنزل إذا أدّى ذلك إلى رمي النفايات في الطرقات والأماكن العامّة.

ث- عدم جواز رفع صوت الراديو والتلفزيون أو أي مصدر صوت ىخر بما يزعج الآخرين (تلوّث سمعي).

ج- حرمة إلقاء النفايات السامّة في الأنهار.

ح- حرمة سدّ الطرقات والإستفادة منها للمصالح الشخصيّة.

 

  • هناك تشريعات في الإسلام تتعلق بالمنافع المشتركة (الأراضي، المواد الأوليّة، المياه الطبيعيّة، الثروات الطبيعيّة):

أ- إحياء الأرض الموات، وهي الأرض التي لا يُنتفَع منها، والتي ليس لها مالك، فاعتبر الإسلام انّ هذه الأرض هي ملك لمن يحييها من خلال بذل الجهد فيها لجعلها نضرة وذات إنتاجيّة، وهذا يثعدّ من المقوّمات الأساسيّة للمحافظة على البيئة من وجهة نظر الإسلام، وهو ما يتوافق اليوم مع ما تعمل عليه الكثير من المنظمات، من خلال العمل التشجير وإيجاد الغابات الخضراء، لمنع ارتفاع حرارة الأرض واختلال التوازن البيئي وبالتالي مكافحة التصحّر.

ب- التشريع الإسلامي ينصّ على أحكام تختصّ بكيفية الإنتفاع من الطرقات مثل عدم جواز استغلالها بما يضرّ المنفعة العامّة، فلا يجوز الجلوس فيها بما يضرّ مرور الناس، ولايجوز سدّ الطرقات، فعن الإمام زين العابدين (ع) في تفسير الذنوب التي تعجّل الفَنَاء يقول "قطيعة الرحم وسدّ طريق المسلمين". وكذلك لا يجوز تملّك الطرقات العامّة.

ت- لا يجوز إخراج شرفات المنازل إذا كانت خارج حدود البناء أي في الفضاء العام.

ث- التشريعات المختصّة بالنظافة وإبعاد المجاري الصحيّة عن المنازل "اجعلوا الحمام في اكناف الدار".

ج- الأحكام الخاصّة بالمياة حيث تم تقسيمها في الفقه إلى: مياه أنهار، آبار وعيون، حيث لكل واحدة من هذه الأقسام أحكامها الخاصّة لجهة التملّك والإستفادة منها.

ح- الأحكام الخاصّة بنظافة الجسد والإعتناء بالمظهر.

خ- الحفاظ على الثروة الحيوانية وتحريم صيد اللهو. 

 

 

المداخلات:

عقب المداخلتين الأساسيّتين كانت هناك عدد من المداخلات من قبل الحضور أو الضيفين:

  • مداخلة (مدير مديرية المناهج الشيخ د. عباس كنعان): بداية الشكر لفضيلة الشيخ وللدكتورة على هذا العرض المميز. وهناك توصية توجيهية نأمل أن تكون محلاً للدّراسة. المواد التعليمية في لبنان أصبحت مشتّتة (بعض المراحل الدراسية فيها 14 مادّة)، وبالتالي يزداد النفور من قبل الطلاب للتعلّم، وتنخفض الدافعية لديهم. فالتوصية هي أن يكون لدينا مقترح على صعيد المناهج [منهج تربوي إدماجي]، لا يضيف مواد إلى المواد التعليمية الكثيرة اصلاً، بل يتم تسييل المنهج التربوي البيئي ضمن تلك المواد من خلال المعارف والأهداف والكفايات والسلوكيات التي يعمل على تحقيقها.

 

  • مداخلة (مدير مديرية الدراسات الميدانية د. علي كريم): الشكر لفضيلة الشيخ وللدكتورة على هذا العرض الوافي. بمجرد عرض هذه العناوين من خلال هذا الملتقى وغيره من اللقاءات هو تجسيد لخلق ثقافة بيئيّة، وعلينا التاكيد على إعادة ضبط هذه المفاهيم من خلال علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبالآخرين وبالبيئة المحيطة به. وهذه المفردات هي جزء من الحياة التي نعيشها يوميًّا، ولكنّنا لا نعي بأنّها جزء من الوعي والثقافة البيئيّة. وبالتالي هناك ضرورة لتعزيز وترسيخ المفهوم بشكل أكبر، وبالتالي خلق وعي لدى المجتمع، من خلال تكريس ثقافة ترتبط بالمباشر بانّ كل هذه المفاهيم والمصطلحات والسلوكيّات ترتبط بالتربية البيئيّة.

مع العلم بانّ المركز لدينا قام بإصدار عدد من المجلة العلمية الخاصة به يتعلّق بالتربية البيئيّة. وهنك نقص في الثقافة المجتمعية حيال هذا الموضوع، حيث أنّه في إحدى السنين كان هناك كتابًا واحدًا فقط عن التربية البيئية في كل معرض بيروت الدولي للكتاب.

 

  • مداخلة (الشيخ د. خليل رزق): أودّ التأكيد أخيرًا على أن التوجّه فقط لتعليم مناهج التربية البيئية في المدارس والجامعات غير كافٍ لوحده، بل على وسائل الإعلام أن تلعب دورًا أيضًا لنشر الثقافة في هذا المجال، فنحن نواجه خطرًا بيئيًّا كبيرًا، وعليه فكل فئات المجتمع وكل من لديه وسيلة عليه العمل على نشر ثقافة التوعية تجاه قضايا البيئة، وأيضًا على رجال الدين وغيرهم من المثقفين العمل على نشر هذه الثقافة السليمة من خلال الندوات والمحاضرات و..إلخ، فكلٌّ لديه مسؤوليّة في هذا المجال.

 

  • مداخلة (د. فاطمة ياسين): في النهاية أكّدت د. ياسين بأنّ التربية البيئية غير محصورة بمادة تعليمية معيّنة، بل تتم من خلال أنشطة مرتبطة بنظريات علميّة، تتمّ بشكل أساسي اعتمادًا على الأنشطة اللاصفيّة، بهدف خلق المواطن الصالح الذي يعرف مسؤوليّاته.

وأضافت بأنّها ومنذ العام 2014م هي متطوّعة لنشر الثقافة البيئيّة من خلال الندوات، ولخدمة المجتمع في أي نطاق معرفي يتعلّق بالبيئة.   

 

 

 لمشاهدة الندوة بشكل كامل من خلال الرابط التالي : https://www.youtube.com/watch?v=7pBPY9x9Uo4

 

أضيف بتاريخ :2023/04/03 - آخر تحديث : 2023/04/03 - عدد قراءات المقال : 549