الى الاعلى
  • جميعنا مدينون لفضل المعلم ومنّته هذا هو لبّ كلامنا وأصل القضية "الامام الخامنئي"

قضايا ملتبسة في المناهج التعليمية (إشكالية في المنطلقات المفهومية والمعرفية)



قضايا ملتبسة في المناهج التعليمية
(إشكالية في المنطلقات المفهومية والمعرفية)

إعداد: عباس كنعان*                    


     شهدت الأوساط العلمية والبحثية المهتمة، والمختصين والمعنيين بشأن إعداد وتطوير المناهج التعليمية في لبنان، لا سيما في السنوات الثلاثة الماضية، إشكاليات متعددة، منها ما يرتبط بتحديد مجموعة من القضايا والمصطلحات، وما يمكن أن تتضمن أو تستلزم من مفاهيم ومحتوى وأبعاد معرفية وثقافية على مستوى الكفايات والمضامين التعليمية والتربوية في المناهج الرسمية، كالجندر أو النوع الاجتماعي، في ظل ما يطرح من قضايا حقوق المتعلم في اختيار هويته الجنسية أو الجندرية ، والمساواة بين الجنسين، وقضايا المرأة، والتعددية الثقافية، والتنوع الثقافي والتعددية الدينية، والفرق بينهما، بالإضافة إلى المواطنة العالمية، وقيم الواحد والعشرون، وما حوته وثيقة 2030  من ملابسات ثقافية ومفهومية وإشكاليات مبهمة في بعض الأحيان ، فضلاً عن دلالات مصطلح مؤسسات أو منظمات المجتمع المدني والأهلي، ومقاربة سمات المتعلم اللبناني، ومفهوم التربية المواطنية والتربية الوطنية، والعولمة التربوية، ورفاهية المجتمع ورفاهية الفرد، وإشكالية المساواة أو العدالة التربوية.


    يُضاف إلى ما تقدم، إشكالية التعامل مع منهجية كتاب التاريخ، ومقاربة قضية هامة وحساسة كالدولة المدنية، وقضايا المرأة ومندرجات القضايا الإشكالية التي تحتويها، وطرح قضية الغياب النسبي للنساء عن مناصب السلطة، وتحدّيات ضد نظام السلطة الأبوي، حيث تعمل العديد من الجمعيات على سن قوانين وتشريعات من أجل اضعاف سلطة الأب في الأسرة، وتمكين النساء، ساعيةً للانقلاب على الموروث والعادات والتقاليد، وباحثةً عن دور اجتماعي وسياسي ... لها في المجتمع، بالإضافة إلى التحيّز الجنسي والعنصرية وعدم المساواة الاقتصادية (كاختيار الوظيفية والمعاش الشهري...)، وتكافؤ الفرص: في المجتمع والتعليم والعمل...، فضلاً عما يُطرح حول قضية الأمومة، من مدخلية طرح إشكالية ما إذا كانت الأمومة لا تزال لها الدور الأساس والمقدس في المجتمع؟ أم أنّ هناك أمور أخرى أهم يجب الاهتمام بها؟! مما قد يؤدّي إلى رفض الزواج والعنوسة، كذلك قضية زيادة معدّلات الوفيات بين الأمهات (طبية، اجتماعية، أسرية): بسبب معدلات الانجاب المرتفعة وبسبب حالات القتل التي تتعرض لها من قبل الشريك، وقضية الصحة الانجابية وحرية الاجهاض، والتحرّش، والحرية الجنسية، وما إلى ذلك من قضايا تُطرح في مجال المرأة والأسرة، كذلك على مستوى مفهوم ومصطلح العولمة التربوية، و الاعتراف بالآخر، وحدود ذلك، خاصة في ظل إشتباك وجودي بين لبنان والكيان الصهويني المؤقت والغاصب.


     إنّ طرح هذه المفاهيم والمصطلحات، لا يمكن أن يأتي دون مقاربة نظرية لها، أو دون ارتكاز إلى فهمٍ ما يضعها في هذا الاتجاه أو ذاك، فمصطلح "الحوار والانفتاح على الآخر"، لا يمكن أن يُترك دون أن نجعل له محددات مفهومية تمنع من دخول الكيان الصهيوني الغاصب والمؤقت تحت مظلته ومقاربته، وما هي المفاهيم أو المصطلحات المطلوب التنبه إليها أو حذفها وعدم اعتمادها في هذا الجانب أثناء وضع المناهج؟ وما هي المفاهيم والمصطلحات التي لا بد من اعتمادها كبديل؟ وما هي مقاربتنا لها؟...إلخ.


   لا شك بإنّ وثيقة 2030، أو أهداف التنمية المستدامة، والمعروفة أيضًا باسم خطة التنمية المستدامة، الصادرة  عن إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة اليونيسكو، تحتوي –أيضًا-على الكثير من الملابسات المفهومية التي لا بد من تحديدها، أو مناقشتها، ومقاربتها بشكلٍ واضح وبيّن، يدفع ما يمكن أن يحيط بها من إشكاليات معرفية، أو مفهومية أو اجتماعية، فلا يخفى على المتابعين مدى ما أثارته هذه الوثيقة من نقاشات على مستوى الكثير من بلدان العالم، بالرغم من أنها حصلت على موافقة الأكثرية في الجمعية العمومية، مع الكثير من التحفظات، أو الرفض على مستوى برلمانات العديد من الدول والمنظمات العالمية ، فما هي استراتيجيتنا في التعامل مع هذه الوثيقة بعد أن أصبحت مصدرًا لتصميم المناهج في العديد من الدول ومن ضمنها الدولة اللبنانية؟ وما هي المصطلحات الشائكة في الوثيقة التي لا بد من الالتفات إليها والتنبه لها، خاصة عند تصميم وإعداد المناهج التعاليمية؟!


     إنّ مبحث المصطلح والمفهوم في أي علمٍ من العلوم، يأخذ حيزًا واسعًا في الدراسة، وذلك لتحديد موضوع البحث، ومداليله المفهومية واللغوية، ومندرجاته ومستلزماته العلمية والمعرفية، وهو مبحث تأسيس لا بد منه، إلا أنّ هذا الموضوع في المناهج التعليمية يأخذ بعدًا أوسع، وعمقًا أكثر إحاطة وإشكالية، وذلك لما يمكن أن يتضمّن أو يعكس من معارف وتعاليم واتجاهات تعليمية وتربوية لدى المتربين أو المتعلمين، انطلاقًا من الاختلاف في المقاربات المفهومية والمعرفية التي تُساق عند تحديد الكفايات التربوية، أو تنطلق منها عند صوغ الأطر المرجعية لتطوير أو إعداد المناهج التعليمية، وكيف ذلك في واقع دولة مأزومة على أكثر من صعيد، وتعددية وتنوّع ديني وثقافي وفكري عال المستوى مثل لبنان، وخاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفجوات المعرفية أو العلمية التي يمكن أن يحدثها ذلك على المستوى الوعي العام في المجتمع اللبناني، في ظل ضعف الرقابة والتوجيه التربوي، والخلل الحاصل على مستوى التخطيط التربوي العام، بسبب مجموعة من العوامل التي ترتبط، بالإشكالية العميقة لنظام الحكم وإدارات الدولة، ومشكلة الخلل الحاصل على مستوى تمثيل ومشاركة مختلف أطياف ومكونات المجتمع في عملية تطوير المناهج التعليمية، مشاركة حقيقة وفاعلة ومؤثرة، لا شكلية أو صورية، إذ أن عملية المناهج التعليمية ترتبط ارتباطًا وثيقًا في عمق تشكيل وكينونة الهوية الثقافية والاجتماعية والعلمية لأي مجتمعٍ من المجتمعات، وترجمة حقيقة للمخزون والاتجاه الفكري والثقافي لمكوناته المتعددة، ففي لبنان لا يمكن إغفال العنصر والمكّون الأساس من مكونات الهوية اللبنانية، وهو عنوان وقضية المقاومة، فلبنان المقاوم للكيان الإسرائيلي الغاصب والمؤقت لا يمكن، وليس من الصحيح أن يقتصر الأمر على إيراد مفردة هنا، أو عبارة أو كفاية تعليمية هناك، بل لا بدَّ وأن تسري روح المقاومة في المنطلقات التأسيسية المعرفية للأطر المرجعيّة، والمقاربات العلمية والنظرية التي تنطلق منها عملية إعداد وهندسة المناهج وتطويرها، بحيث يُترجم ذلك في كل المخططات والمندرجات والإعدادات والإصدارات التي تنتج عن هذه المناهج، ومن أدلة، وكتب، وخرائط، وملحقات بيانية، وإعدادات فنية وتقنية ملحقة، ...إلخ، فضلاً عمّا يمكن أن تتضمن البرامج والورش والدورات المؤهلة للكادر الإداري والتعليمي، لما يتصف به من دور محوري في العملية التربوية والتعليمية.

والله ولي التوفيق

 

لتنزيل المقالة بصيغة PDF  إضغط هنا

 


الشيخ الدكتور عباس كنعان : دكتوراه في المناهج التربوية وباحث في شؤون الأسرة والمجتمع، مدير تطوير المناهج في مركز الأبحاث والدراسات التربوية.


 

أضيف بتاريخ :2022/07/13 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 4029

الكلمات المفتاحية : مناهج تربية جندر تطبيع