الى الاعلى
  • أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم "الإمام الصادق (ع)"

التربية الدينية في ظل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا


التربية الدينية في ظل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا

الدكتور عبدالله قصير*

 

يدفعنا العنوان إلى تقسيم الحديث إلى محورين، الأول حول التربية الدينية وأهميتها ودورها والثاني حول التحديات في ظل كورونا، ونبدأ بالحديث عن مدى أهمية التربية الدينية وما هي أبرز التحديات.


تحدّي خاص يواجه التربية الدينية في العصر الحالي، وهو عصر إنفجار المعلومات وخلط المفاهيم وتشتت الأفكار وصراعها وعصر الإستلاب الثقافي والحرب الناعمة الذي أحدثته الطفرة التكنولوجية وعمقت الفجوة ليس بين الأجيال فقط بل وبين أفراد المجتمع الواحد والأسرة الواحدة. 
ذلك أن التربية الدينية تشكل حاجة ملحّة لتعميق وفلسفة وتنظيم نظرة المتربي إلى الكون وخالقه وإلى فلسفة الحياة والإنسان، واستناداً إلى هذه الحقائق المعرفية تبني التربية الدينية وتصوغ شخصية المتربي حول محورين أساسيين:

  1. الدين كوحي إلهي حق.

  2. الإنسان كمخاطب بهذا الوحي الإلهي، فهو الذي يشكل نقطة الإرتكاز في خطاب الدين وفي قراءة عالم الوجود والتدبر والتعقل والتفكر فيه والإرتباط بخالقه والعمل بأوامره وعمارة الأرض.

 

فالمتربي هو الإنسان المستدل والمستكشف والمتعرف إلى الطبيعة وما فوقها وإلى الكون ونظم العلاقات بين عناصرها المختلفة.


وهو ما نطلق عليه تربوياً العلائق الأربعة: علاقة الإنسان مع نفسه، مع الله، مع البيئة والطبيعة المحيطة، مع الإنسان (النظير في الخلق).


من هنا تصبح التربية الدينية تتطلب (منهج هداية) للمتربي يدفعه ويساعده إلى الإعتقاد الواعي والإختياري بالدين وإلى الإلتزام العملي (بعد الإعتقاد القلبي) بالنظام المعياري الإسلامي الذي يشمل (العقائد والأحكام والأخلاق وحتى الأعراف والعادات الحميدة الموجودة في المجتمع الإسلامي).


وقد قام مركز الأبحاث والدراسات التربوية بوضع وثيقة تربوية تتناول المباني والأصول في الأبعاد الإنسانية كافة (الإيمانية والجهادية والسياسية والإجتماعية والعلمية والبيئية والإقتصادية.. إلخ) لتشكل مرجعية فكرية صالحة لبناء المناهج التربوية ومنها منهاج التربية الدينية وندعو الجميع للإطلاع عليها والإستفادة منها.


ومع تقديرنا للدور المهم والكبير الذي أدته مناهج التربية الدينية التي وضعتها جمعية التعليم الديني في لبنان منذ عشرات السنوات. إلا أننا ندعو إلى تطوير وتعديل هذه المناهج وتبعاً لذلك تطوير الأساليب والأدوات وإعادة النظر في الكفايات والأهداف لتلبي الحاجات المستجدة عند أجيال المتربين في العقود الحالية والمستقبلية بما يمكّنهم مواجهة التحديات المطروحة في الساحة التربوية والإعلامية والمعرفية وحتى السلوكية المتغيرة والمتأثرة بقيم وافدة عبر ما تتعرض له مجتمعاتنا من غزو ثقافي وحرب ناعمة تستهدف قيمنا وثقافتنا ومنظومتنا الأخلاقية.


والوقت لا يسمح للدخول في التفاصيل التي تحتاج لورش متخصصة، ولكن أود التأكيد على أن المركز يبدي إستعداده للتعاون والمساعدة مع الجهات والمؤسسات التربوية في هذه المهمة المحورية والأساسية في عملية التربية الدينية.


يبقى لابد من الإشارة إلى ضرورة الحرص على التأهيل المستمر للكادر المربي علمياً ومعرفياً ومهاراتياً لمواكبة تطور البيئة العامة ومتطلباتها التكنولوجية في العملية التربوية.

 


المحور الثاني جائحة كورونا


وفي ظل تحديات جائحة كورونا تعرضت العملية التربوية بكل تفرعاتها إلى هزة عنيفة فرضت تحديات متعددة كان لابد من الإجابة عليها والتفاعل معها واحتواءها لتحافظ العملية التربوية على فاعليتها وتأثيرها وتحقيق أهدافها المرسومة.

وهنا نتساءل هل استطاعت الجهات المعنية سواء الرسمية أو الخاصة من تجاوز التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على الواقع التعليمي التربوي في لبنان؟! وإلى أي مدى نجحت في ذلك؟!


قد تكون الإنطباعات والمعطيات أحياناً غير واضحة ومختلفة بين قطاع وآخر وبين مؤسسة تربوية وأخرى حتى داخل القطاع نفسه سواء الخاص والعام.
ولكن بالإستناد إلى الدراسات الميدانية التي قام بها باحثون متعاونون مع مركز الأبحاث والدراسات التربوية يتبين لنا ما يلي: سنذكر الأرقام العامة دون الدخول في التفاصيل:
عن واقع التعليم عن بعد في لبنان في ظل أزمة كورونا، دراسة د. علي صالح / وقد شملت 130 مدرسة (70 خاصة / 60 رسمية)

  1. حول طريقة التعليم المعتمدة في الأزمة:
    79% من المدارس إعتمدت أونلاين فقط.
    20% من المدارس إعتمدت المدمج.
    أقل من 1% من المدارس إعتمدت التعليم الحضوري.

  2.     حول أسلوب التعليم:
    80% أسلوب التعليم النظري مع واجبات منزلية.
    13% أسلوب التعليم النظري مع تجارب عملية داخل المدرسة.
    7% نظري بالكامل دون واجبات منزلية.

  3. المنهج المقرر:
    88% إعتمدوا تدريس بين 50% - 75% من المنهج (إنسجاماً مع الوزارة).
    9% إختارت أقل من 50%.
    3% إختارت إعطاء المنهج الكامل.

النتائج المحققة:

38% من النتائج شهدت ارتفاعاً وتقدم في المعدلات.
33% حافظت على نفس المستوى.
29% شهدت انخفاض في المستوى.

  1. توفر البنى التحتية:

    72% تم توفيرها بسهولة مع بعض الصعوبات.
    9% كانت سهلة أمامهم.
    19% واجهت صعوبات كاملة (واعتبرتها معيقة أمام التحصيل العلمي).

  2. تأقلم الهيئة التعليمية:
     
    67% إستجابت لطريقة التعليم المعتمدة من المدارس.
    30% إستجابة متوسطة.
    3% إستجابة ضعيفة.
    (تدل على جهد كبير بذلته إدارات المدارس للتأهيل)

  3. إستجابة المتعلمين:

    56% إستجابتهم متوسطة.
    22% إستجابتهم جيدة.
    21% إستجابتهم ضعيفة.
    (دلالة عن الوضع الإقتصادي ومعاناة الأهل في تأمين الوسائل المطلوبة).

 

التوصيات:

 

  • سن قوانين خاصة بالتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد.

  • تطوير المناهج لتصبح أكثر إنسجاماً مع التعليم الإلكتروني مع التركيز على المدمج كونه أصبح واقعاً لا يمكن الخروج منه وذلك نتيجة التحديات الإقتصادية والأمنية....إلخ).

  • بناء إستراتيجية وطنية للتعلم في الأزمات (تشاركية واسعة).

  • وضع خطة داعمة لإدارة الأزمات التربوية.

  • توفير البنية التحتية للمتعلمين والمعلمين (كهرباء/إنترنت سريع/أجهزة مناسبة بأسعار معقولة وغيرها).

 

أما بخصوص التعليم الديني فقد قام أحد الباحثين بتكليف منا بإجراء دراسة ميدانية شملت 54 مدرسة وثانوية ومعهد (رسمي) كعينة عشوائية من كافة المحافظات سمحت بها الظروف للتواصل مع المدراء. وطرح مجموعة أسئلة محددة عليهم تعكس واقع التعليم الديني في هذه المدارس والثانويات خلال فترة أزمة كورونا. وتبين من خلالها الأرقام والمعطيات التالية:

  1.  تراجع التعليم الديني في المدارس والثانويات من 83% قبل الأزمة إلى 79% بعد الأزمة ، 2.1% لم يعلم تربية دينية.

  2. في الأساليب المعتمدة للتعليم الديني:

    42% إستخدمت أساليب جديدة كلياً.
    30% إستخدمت أساليب جديدة جزئياً.
    6% إستخدمت الأساليب التقليدية.
    2% عبر الواتس اب (فيديو وشرح).
    20% لم يعتمد أي شيء (لم يدرس).

  3. أهم المعوقات التي واجهت التعليم الديني:

    46% ضغوطات في البرنامج التعليمي الإجمالي.
    26% لا معوقات.
    20% محدودية المحتوى الرقمي للمادة الدينية.
    8% طبيعة المنهج المعتمد (تقليدي) قديم.

  4. مدى تفاعل الطلاب مع برامج التعليم الديني:

    54% وسط.
    17% عال.
    18% ضعيف.
    11% لا يوجد تفاعل.

  5. تقييم في نهاية عملية التعليم عن بعد:

    20% لم يُجري التقييم.
    14% أُجريَ التقييم عن بعد.
    13% أُجريَ التقييم جزئياً.
    8% أُجريَ التقييم حضورياً.

 

 

المقترحات وأهم التحديات التي تواجه التعليم الديني

 

  1. مشكلة عدم توفر الإنترنت أو نقص في الأجهزة في البيت الواحد (يستخدم أكثر من طالب) مما دفع التلاميذ إلى إختيار المواد الأهم بنظرهم.

  2. يجب إختيار أساتذة يتمتعون بكفاءات عالية ومهارات تكنولوجية وتأهيلهم بشكل مستمر ومستدام.

  3. إعداد مناهج تحاكي التعليم في الأزمات (وأساليب تدريس عن بعد).

  4. تجهيز مادة تعليمية للتربية الدينية للتعليم عن بعد (مشوقة وسلسة) وسائل إيضاح وفيديوهات توجيهية وتعليم يخرج عن إطار التلقين إلى أطر تفاعلية.

  5. إعداد أنشطة تجذب إهتمام الطلاب للمشاركة والتفاعل في عملية التعليم عن بعد.

  6. توضيح أهمية التعليم الديني للطلاب.

  7. إعادة النظر في المضمون لمادة التربية الدينية حيث يفتقر لمواضيع الإبتلاءات في العصر الراهن.

  8. يجب تغليب جلسات الحوار والنقاش على التلقين في المادة.

 


الدكتور عبدالله قصير : مدير عام مركز الأبحاث والدراسات التربوية | دكتوراه في علم الإجتماع السياسي

ألقيت هذه الكلمة في لقاء نظمته جمعية التعليم الديني تحت عنوان : "آفاق التربية الدينية في ظل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا"
 

أضيف بتاريخ :2021/08/09 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 6368

الكلمات المفتاحية : التربية الدينبة كورونا