الى الاعلى
  • جميعنا مدينون لفضل المعلم ومنّته هذا هو لبّ كلامنا وأصل القضية "الامام الخامنئي"

مختصر دراسة تربويّة النظريّة البنائيّة في التربية وأثرها في تصميم مناهج التعليم العام في لبنان (1997)


مختصر دراسة تربويّة

النظريّة البنائيّة في التربية وأثرها في تصميم مناهج التعليم العام في لبنان (1997)

 


الكاتب: حسن كوراني

 

مستخلص البحث

هدفت هذه الدراسة إلى تقييم تصميم المناهج اللبنانيّة ومدى ملاءمة هذا التصميم مع النظريّة البنائيّة في التربية، وتحديدًا على صعيد تعليم التفكير واستكشاف الذات وبنائها، وقد صمّم الباحث لهذه الغاية أداة للتحيل النوعيّ لأهداف بعض مواد المناهج مستقاة من تصنيف مارزانو للأهداف التربويّة. وبعد تحليل الأهداف الإجرائيّة لمواد اللغة العربية وعلوم الحياة والرياضيات والتربية المدنية واللغة الإنكليزيّة للصفوف السادس والتاسع والثاني عشر، كانت النتيجة أن المناهج صمّمت أهدافها بشكل يتفاعل فقط مع نظام الإدراك ويُغفل نظام ما فوق الإدراك ونظام الذات، كما يتضمّن معارف فقط ضمن مجال المعلومات بدون أن يتضمّن بشكل كافٍ ما له صلة بالمهارات الذهنيّة، أي في الخلاصة لم يكن تصميم المناهج اللبنانيّة مراعيًا لمعايير النظريّة البنائيّة في التربية.

 

موضوع الدراسة وأهميّتها


شهد العالم، في القرن العشرين تطوّرًا بارزًا في عدّة مجالات، ومنها المجال التكنولوجيّ لا سيّما من ناحية تكنولوجيا المعرفة، فتضاعف كمّ البيانات التي يمكن تداولها من قبل الناس في جميع أنحاء العالم.
كما شهدت العلوم العصبيّة تطوّرات ملحوظة في مجال دراسة وظائف الدماغ وإمكاناته في اكتساب المعرفة وتداولها فتوظيفها.
وبالتالي، وعلى صعيد العلوم الانسانيّة، الفلسفيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والتربويّة، حصل مجموعة من المستجدّات، وبوجه خاص على صعيد طبيعة المعرفة، ومعنى التعلُّم، وميكانيزم حصوله، والعوامل المؤثّرة في ذلك. ممّا دعا إلى تعزيز اتجاهات جديدة في تصوّر كلّ ذلك.
أمّا، في لبنان، فإنّ الواقع الاجتماعيّ السياسيّ، وتحديدًا، الفترة الخاصّة من تاريخه (1975-1990)، فقد أرخت بظلالها، على مُختلف نُظم المجتمع في هذا الوطن، لا سيّما النظام التربويّ.
وتماشيًا مع السياق العالميّ الذي ذكرناه، والوضع اللبنانيّ الخاص، اتُخذ القرار بخوض غمار التطوير التربويّ في لبنان، محاكاةً للتغيّرات العالميّة، وانسجامًا مع التوجّهات الداخليّة التي دعت إلى بناء مناهج جديدة أُقرّت رسميًّا عام 1994 وبدأ تطبيقها عام 1997.
وكانت النظريّة البنائيّة في التربية هي النظريّة التي اعتُمدت كمُرتكز لمختلف منطلقات المناهج الجديدة وعناصرها وقد ورد ذلك في مُختلف الوثائق ذات الصّلة، بشكل صريح وضمنيّ على حدّ سواء.
بشكل صريح كما ورد في نصّ خطّة النهوض التربويّ 1994 وتحديدًا عند تعداد المبادئ التي اترتكزت عليها المناهج التعليمية في عبارة "..توفير التربية المدرسيّة التكوينية.. /ص 10" وعند الكلام على الأطر والأهداف العامّة للخطّة /ص17 وتحديدًا في عبارة "..يوفّر التربية المدرسية التكوينية.." وقد تم توضيحها كالآتي: "التربية التكوينية (Formative Education) هي بخلاف التربية الإخباريّة أو الإعلاميّة (Informative) فتقوم على تزويد المتعلم بجملة من المواقف والقيم والمعارف والمهارات، ثم إن المعارف نفسها لا تقتصر على فهم المعلومات أو التعريفات، بل تمتد إلى تطبيقها وتحليلها وتقييمها وتوليفها.."

 

وبشكل ضمنيّ كما ورد في العبارات الآتية في خطّة النهوض التربويّ 1994 أيضًا:

 

  • من المرتكزات التي بُنيت عليها الخطّة، "الإيمان بالقيم والمبادئ الانسانية التي تحترم الانسان وتقيم مكانة للعقل وتحضّ على العلم والعمل والأخلاق" (ص6).

  • من الأبعاد المطلوب من المناهج أن تأخذها بالاعتبار، تكوين المواطن "الممارس للقواعد الصحيّة المؤدية الى النمو السوي جسديًا ونفسيًا وخلقيًا"، "القادر من خلال العملية التربوية، والارشاد والتوجيه، على الاختيار الحرّ لمهنة المستقبل والارتقاء بها عن طريق التعلّم الذاتي وغيره من الوسائل (ص9).

  • "تضمين محتويات المناهج بما يخدم: ... القدرة على تنمية مهارة التعلُّم الذاتي.." (ص15)

 

ممّا ترتّب عليه أن نجد نصوص تلك الوثائق مليئة بما يصوّر المدرسة على أنّها مكان لبناء الفكر والشخصيّة وليس مجرّد ملء للذاكرة، فمثلًا تمّ وصف المدرسة على أنّها "مركز لتكوين الذات" و"يجب أن تتحوّل المدرسة إلى مركز يتعلّم فيه التلميذ كيفيّة التفكير والبحث والتحليل والمقارنة والربط بين الأفكار وطرح المسائل وحلّها. فلم يعد يكفي أن نخزّن معلومات جاهزة، بل يجب تحويل هذه المعلومات إلى "عدّة عمل" تستثمر وتستعمل في الحياة وخارج المواقف الصفّيّة."  (المركز التربوي، 2004، 65).


وبطبيعة الحال، ما سيوصلنا إلى تحقيق هذا التصوّر، هو نوع المناهج التي سنبنيها، والدعوة هي نفسها عام 2020، العام الذي تقرّر أن يكون موعدًا لبدء صدور مناهج مطوّرة نتيجة لورشة بدأت منذ عدّة سنوات ولازالت مستمرّة.
أمّا المناهج المعتمدة حاليًّا، والمتداولة باسم "المناهج الجديدة /1997" فقد مرّت 22 سنة على صدورها، وبالرغم من بعض التعديلات الجزئيّة أو الإجراءات التكميليّة التي خضعت لها، فإنّها ظلّت من حيث المرتكز النظريّ تُسند هندستها إلى النظريَّة البنائيَّة في التربية.
وأمّا المناهج التي ستصدر، عاجلًا أم آجلًا، فلا يبدو أنّها تتخطّى إطار هذه النظريَّة، وإن كان الاختلاف الأبرز، بحدود اطلاعنا، هو في درجة وضوح النماذج التي سيتمّ اعتمادها ووضوحها، فقد تمّ التصريح باسم هذه النماذج، مثلًا: التصميم العكسيّ لغرانت ويغينز (Grant Wiggins).
لذا، تظلّ الحاجة موجودة لنقد مناهج عام 1997، طالما أنّ النظريَّة التي يُسند إليها في تطوير المناهج اللبنانيّة لا زالت هي نفسها، وبما أنّ دراسة المناهج لناحية ملاءمتها مع النظريَّة التي تنطلق منها لتصميم مكوّنات المناهج (الأهداف، المحتوى، الطرائق، التقييم)، تعتبر بحدّ ذاتها منطلقًا لكلّ تطوير لاحق، فهذا النوع من الأبحاث لا يسلّط الضوء على الثغرات فحسب، إنّما يقدّم أدواتٍ تصميميّة ربّما تكون أكثر فعاليّة ووضوحًا.


لقد كُتبت آلاف الصفحات عن مناهج عام 1997، حصيلة دراسات وندوات واقتراحات، لكن كلًّا منها عالج جانبًا من الجوانب، لكنّ أيًّا منها، وبحدود اطلاعنا، لم يتناول "بنائيّة التصميم" بشكل واضح ومستقلّ، وتحديدًا مدى انسجام تصميم أهداف المناهج مع المعيار الجوهريّ في النظريّة البنائيّة والذي يمكن أن نختصره ب "تعليم التفكير" الذي يتفرّع عنه التعلّم الذاتيّ وما إلى ذلك من مقاصد في النظريّة البنائيّة.


أبرز نتائج الدراسة

 

  1. بالرغم من تركيز النظريَّة البنائيّة على "نظام الذات" بمعنى الانطلاق من المتعلّم باتجاه العلم، وأخذ دافعيّة المتعلّم بالاعتبار، قبل الخوض بعمليّة التعلّم، فقد أظهرت نتائج التحليل أنّ تصميم أهداف المناهج اللبنانيّة لا تأخذ هذا النظام بالاعتبار مطلقًا.

  2. كما أنّ النظريَّة تؤكّد الاهتمام بوعي المتعلّم لعمليّاته المعرفيّة، والنظر إلى التعلّم "كرحلة تعلُّم" يعي فيه المتعلّم من أين انطلق وكيف سار وكيف وصل، فهو الذي يدير عمليّاته المعرفيّة ولا تسير بشكل تلقائيّ تلقينيّ، فمعرفته بخطوات الانتقال من المجهول إلى المعلوم، وخطوات تدرّجه في الوصول إلى الحلّ، أمر مقصود بحدّ ذاته وليس المطلوب فقط الوصول إلى الحلّ، إلّا أنّ نتيجة التحليل أظهرت أنّ نظام "ما فوق الإدراك" لم يؤخذ بالاعتبار مطلقًا.

  3. نعم، يمكن ملاحظة بعض التنوّع في مستوى العمليّات المعرفيّة المنشودة في الأهداف لكنّها ظلّت في حدود "نظام الإدراك".


لذا، ومع غياب نظاميّ "الذات وما فوق الإدراك"، فمهما تنوّعت المهام التي تستهدفها الأهداف التربويّة فإن ظلّت في حدود "نظام الإدراك" فإنّها لا تضمن حيازة المتعلّم لقدرة حلّ المسائل في الحياة الواقعيّة وبناء ذاته بشكل مستقلّ، كما ركّزت النظريَّة البنائيّة. وفي أفضل الحالات يمكن للمتعلّم أن يعيد تأدية المهام التي مارسها ضمن الوقت الأكاديميّ سواء كانت استرداد المعرفة أم توظيفها في مواقف أكاديميّة محدّدة مسبقًا. والوقت المخصّص للأهداف المعتمدة يدلّل على أنّ النظام المستهدف هو "نظام الإدراك"، هذا إن أمكننا تحقيق كلّ هذه الأهداف في الوقت المخصّص.


في نهاية المطاف، لا يمكن تصنيف مناهج التعليم العام في لبنان كمناهج منسجمة مع توجّهات النظريّة البنائيّة في التربية.

 


قائمة المراجع باللغة العربيّة
1.    إبراهيم، ناصر. (1989). اسس التربية (الإصدار 2). عمان، الأردن: دار عمّار.
2.    المركز التربوي. (2004). التطوير التربوي في لبنان مطلع القرن الحادي والعشرين. بيروت: وزارة التربية والتعليم العالي.
3.    المناهج التعليمية الجديدة في لبنان: نظرة تقويمية. (1999)  .بيروت، الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية.
4.    بياجيه، جان. (2004). الإبستمولوجيا التكوينية. دمشق: دار التكوين.
5.    البستاني، فؤاد إفرام. (1986). منجد الطلاب. بيروت: دار المشرق.
6.    جون؛ أوبراين، نانسي باتريسيا كولينز. (2008). قاموس دار العلم - غرينوود للمصطلحات التربوية. بيروت: دار العلم للملايين.
7.    الحيلة، محمد محمود. (2012). تصميم التعليم: نظرية وممارسة. عمان (الأردن): دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
8.    الخوالدة، محمد محمود. (2011). أسس بناء المناهج التربوية وتصميم الكتاب التعليمي. عمّان (الأردن): دار المسيرة للنشر والتوزيع.
9.    زيتون، حسن حسين، و كمال عبد المجيد زيتون. (2003). التعلّم والتدريس: من منظور النظريّة البنائية. الرياض: دار عالم الكتب.
10.    عبيدات، ذوقان، و سهيلة أبو السميد. (2011). إستراتيجيات التدريس في القرن الحاي والعشرين (الإصدار ط2). عمّان (الأردن): دار الفكر.
11.    عواضة، هاشم. (2015). المنهج التعليمي. بيروت: لا. ن.
12.    سعادة، جودت أحمد، و عبد الله محمد إبراهيم. (2011). تنظيمات المناهج وتخطيطها وتطويرها. عمّان (الأردن): دار الشروق للنشر والتوزيع.
13.    سليم، مريم. (2003). علم نفس التعلم. بيروت: دار النهضة العربية.
14.    كوراني، حسن مصطفى. (2014). التقييم التربوي الواقعي: رؤيته التربوية وأثره في "أسس تقييم" مناهجنا الجديدة. بيروت: جامعة القديس يوسف.
15.    ناصف، مصطفى. (1983). نظريات التعلم (المجلد 70). الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
16.    نجار، فريد جبرائيل. (1980). تطور الفكر التربوي (الإصدار 2). بيروت: المركز التربوي للبحوث والإنماء.
17.    الهدور، أحمد، تحليل أسئلة اختبارات الشهادة الثانوية العامة لمادة الرياضيات بالجمهورية اليمنية في ضوء التصنيفات الحديثة للأهداف التعليمية، مجلة الجامع في الدراسات النفسية والعلوم التربوية،7332-257.
18.    وزارة التربية. (1997). مناهج التعليم العام وأهدافها 1997. بيروت: المركز التربوي للبحوث والانماء.

قائمة المراجع باللغة الأجنبيّة
1.    Fosnot, C. T. (2005). CONSTRUCTIVISM: THEORY, PERSPECTIVES, AND PRACTICE (2nd ed.). New York: Teacher College Press.
2.    Gunduz, N., & Hursen, C. (2015). Constructivism in Teaching and Learning; Content Analysis. Procedia - Social and Behavioral Sciences, pp. 526-533.
3.    Hawkes, T. (2004, February 12). Structuralism and Semiotics. Routledge. New York, New York, United States of America.
4.    Henson, K. T. (2015). Curriculum Planning: Integrating Multuralism, constructivism, and Education Reform. Illionois, United States of America: Wavland Press INC.
5.    Jideani, V., & Jideani, I. (2012). Alignment of Assessment Objectives with Instructional Objectives Usig Revised Bloom's Taxonomy-The case for Food Science and Technology Education. Journal of Food Science Education, 34-42. doi:10.1111/j.1541-4329.2012.00141.x
6.    Knol, M. (2011, March 25). Constructivism and post-constructivism : the methodological implications of employing a post-constructivist research approach. Retrieved from Munin Open Research Archive: https://munin.uit.no/handle/10037/3111
7.    Longman Dictionary of Contemporary English. (2019, February 7). Suggestions for Constructivism: Longman Dictionary of Contemporary English. Retrieved from Longman Dictionary of Contemporary English Website: https://www.ldoceonline.com/spellcheck/english/?q=constructivism
8.    Macmillan Dictionary. (2019, February 7). Constructivism Definition and Synonyms: Macmillan Dictionary. Retrieved from Macmillan Dictionary Web site: https://www.macmillandictionary.com/dictionary/british/constructivism
9.    Marzano, R. J., & Kendall, J. S. (2007). The New Taxonomy of Educational Objectives (2nd ed.). USA: Crown Press.
10.    Merriam-Webster Dictionary. (2019, February 7). Definition of Constructivism: Merriam-Webster Dictionary. Retrieved from Merriam-Webster Dictionary Web site: https://www.merriam-webster.com/dictionary/constructivism
11.    ORNSTEIN, A. C., & HUNKINS, F. P. (2009). CURRICULUM: FOUNDATIONS, PRINCIPLES, AND ISSUES (5th ed.). NEW YORK: PEARSON.
12.    Oxford Dictionaries. (2019, February 7). Definition of Constructivism in English: Oxford Dictionaries. Retrieved from Oxford Dictionaries Website: https://en.oxforddictionaries.com/definition/constructivism
13.    Oxford Online Dictionaries. (2019, February 7). Definition of Construct in English: Oxford Dictionaries. Retrieved from Oxford Dictionaries Website: https://en.oxforddictionaries.com/definition/construct
14.    Richardson, V. (2003). Constructivist Pedagogy. Teachers College Record, 105(9), 1623-1640.
15.    Riegler, A. (2001). Radical Constructivism in Biology and Cognitive Science. Foundations of Science, 6(1-3), 99-124.
16.    Sirois, S. S. (2008). Neuroconstructivism: How the Brain Constructs Cognition. Behavioral and Brain Sciences, 31(3), 321-356.
17.    Slavin, R. E. (2011). Educationalpsychology: THEORY AND PRACTICE. United States: PEARSON.
18.    snow man, J., & Biehler, R. (n.d.). Psychology Applied to teaching. 


*حسن كوراني : دكتوراه في العلوم التربوية- جامعة القديس يوسف في بيروت.

أضيف بتاريخ :2021/07/26 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 4211