الى الاعلى
  • من كان له أنثى، فلم يبدها ولم يُهِنْها، ولم يُؤْثِّر ولده عليها أدخله الله الجنّة"النبي الأكرم(ص)"

التحفيز التربوي في التعليم عن بُعد


التحفيز التربوي في التعليم عن بُعد


"من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة 
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" 

عبد الجواد قصير *

اعتمد الخطاب الإسلامي على التحفيز في مواطن كثيرة، مستخدماً الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي. ويعتبر التحفيز في مجال التربية والتعليم عاملاً فعّالاً جداً في رفع مستوى حافزية المتعلمين على التعلّم، وأسلوباً هاماً في رفع مستوى تحقيق الأهداف التربوية. وهو عملية حساسة ودقيقة وذات أثر كبير ومباشر على المتعلّمين أفراداً وجماعات، ومهارة تحتاج إلى عناية خاصة من قبل المعلّم قد يحتاج لإتقانها المشاركة في عمليات تأهيل وتدريب وتطوير مستمرة، وذلك نظراً لتأثر نواتج التحفيز بالمتغيرات التي تطرأ على البيئة التعليمية وعلى المتعلمين، وهي تغييرات آخذة في التعقيد والتبدّل بشكل متسارع مع تقدّم الزمن ووسائل التعليم ووسائل الاتصال والتواصل. 


ومع ظهور وباء كورونا مطلع العام 2020، واضطرار المدارس إلى التحوّل عن التعليم الحضوري إلى التعلّم عن بُعد، شهدت عملية التعليم تغيرات جذرية على مختلف الصعد، وواجهت عقبات وتحديات لم تكن قد أعدّت العدة لها. فظهرت حالات خلل كبيرة منها الإحجام عن متابعة الدروس وتراجع حافزية المتعلّمين نحو التعلّم، وهو ما يستلزم تكييف العملية التدريبية بمختلف جوانبها لتتلائم مع الواقع الجديد ولتحفّز المتعلم على الاستمرار بالتعلّم، لا سيما أن التعليم عن بُعد يوفر خدمات ومميزات لم تكن لتتوفر في التعليم الحضوري التقليدي (كمرونة الوقت، وإمكانية الإعادة، والاستفادة المكثّفة من الرسوم والفيديوهات، ...).

 


أولاً – مفهوم التحفيز:


ترجع كلمة التحفيز إلى الفعل الثلاثي حَفَزَ، يحْفِزُ، حَفْزاً، وذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه "كتاب العين" أن الحفز هو: حثُّكَ الشيء حثيثاً، ويقال: الليل يحفِز النهار، يسوقه . أو كما ورد تعريف آخر له بأنه الدافع الذي يحثّ المرء ويحضّه على فعل شيء . أما اصطلاحاً، فقد تطرق لتعريف التحفيز العديد من العلماء بحسب اختصاصهم (علم نفس، علم اجتماع، إدارة، تربية، ...) وصنّفوه تصنيفات عديدة تجمع على أنه التحريك للأمام، وهو عبارة عن كل قول أو فعل أو إشارة تدفع الإنسان إلى سلوك أفضل، أو تعمل على استمراره فيه ، أي أنه مجموعة العوامل والمؤثرات التي تدفع الفرد نحو بذل أكبر جهد في أعماله ونشاطاته لتسير به نحو تحسين سلوكياته.

 

ثانياً – أنواع الحوافز:


تنوعت تصنيفات الحوافز وتقسيماته إلا أن أبرزها ما يلي:

  1. الحوافز الداخلية: وهي الدوافع، والتي تعرّف بأنها شيء داخلي ينبع من نفس الفرد ويثير فيه الرغبة في العمل .

  2. الحوافز الخارجية: هي القوى التي تصدر من محيط خارجي للفرد، وتقسّم إلى:

    ‌أ.    حوافز مادية وحوافز معنوية: الحوافز المادية هي التي تشبع حاجات الإنسان المادية كالأكل واللباس والأموال، أما الحوافز المعنوية فهي الحوافز غير المادية، التي تهدف إلى إشباع حاجات الإنسان الاجتماعية والذاتية، كالانتماء إلى الجماعة أو التقدير، وتكون على شكل ترقية أو اعتراف بأهمية الفرد وجهده.

    ‌ب.    حوافز إيجابية وحوافز سلبية: الحوافز الإيجابية هي التي تجذب الفرد نحو سلوك إيجابي معين كالمديح والترقية، أما الحوافز السلبية فهي التي تدفع الفرد عن سلوك سلبي وتحثّه على تغييره باتجاه سلوك إيجابي كالذَّمِّ أو الحرمان من امتياز أو سحب مهام أو صلاحيات.

    ج.    حوافز فردية وحوافز جماعية: الحوافز الفردية هي الحوافز الموجّهة لكل فرد على حدة، ويمكن أن تلحظ الفوارق الفردية بينهم، وقد تدفعهم للتنافس للحصول عليها، ويكون عائدها للأفراد الذين يحصلون عليها لوحدهم دون الآخرين. أما الحوافز الجماعية فهي الموجّهة إلى الجماعة بكلِّها وتحثّ الأفراد على التعاون للحصول عليها لتقاسمها أو الاستفادة منها جميعهم.

 


ثالثاً – أهداف التحفيز:


وللتحفيز أهمية ووظائف وأشكال وأساليب متنوّعة بتنوّع النظريات التي قدّمها العلماء على مرّ تطور المفهوم منذ نشأته وحتى اليوم، وهو يسعى إلى أهداف أساسية أهمها:

  1. إتمام العمل وإتقانه: يحثّ التحفيز على إتقان العمل وإتمامه، فعن رسول الله (ص) "إن الله تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ، وهو ما يساعد التحفيز عليه من خلال توفير الجاذبية اللازمة التي تشدّ المتعلّم على إتمام تحقيقه للأهداف التعليمية.

  2. ديمومة السلوك المطلوب: إن السلوك الإيجابي مطلوب دائماً، إلا أن البعض يتراجع أو يتوقف عن أدائه ويتحول إلى مسارات سلبية عند أي عقبة أو تحدّ، فيما التوجيه الإلهي هو بالاستمرار به وفقاً للآية الكريمة "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"  أي حتى الممات. وفي مجال التعليم فإن التحفيز يشكل مقوّياً للمتعلم ومسانداً له عند مواجهة أي عقبة ويساعده في تخطيها والاستمرار بتعلّمه وبتحقيق الأهداف التربوية دون تراجع.

  3. سرعة إنجاز العمل: يزرع التحفيز روح التنافس ويحثّ المتعلمين على تحقيق الأهداف بأسرع ما يمكن، وهو ما يتوافق مع ما دعت إليه الآية الكريمة "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين" .

  4. التميّز في أداء العمل: إضافة إلى الإسراع في الخير، فإن التحفيز يساعد في أداء المطلوب بأفضل الصور، وقد ظهر التحفيز الإلهي للمؤمنين للتميز في أداء العمل في عدة مواطن منها عند قوله تعالى "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور" .

  5. تجنّب السلوك الخاطئ أو السلبي: يساعد التحفيز بنوعيه الإيجابي والسلبي على الالتزام بالسلوك المطلوب والابتعاد عن السلوك المنهيّ عنه، وقد بلغ التحفيز الإيجابي والسلبي الإلهي حدّ التدقيق بأي سلوك مهما كان حجمه صغيراً أو كبيراً فأشار إلى أن الحساب سيكون على مثقال كل ذرّة عمل يقوم بها الإنسان، "فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" .

 

رابعاً – التحفيز  في التعليم عن بُعد:


من أهم التحديات التي تواجه المعلّم في هذه المرحلة هي تحفيز المتعلمين على التعلم عن بُعد، خاصة أنهم غير معتادين على هذا النوع من التعلّم، فبعدما كانوا يذهبون إلى مدارسهم ليتلقوا تعليمهم بالطريقة التقليدية الحضورية المدعّمة في بعض الأحيان بجوانب من التعلم الإلكتروني، وجدوا أنفسهم فجأة – بسبب جائحة كورونا – في بيئة تعليمية مختلفة بشكل كبير عما اعتادوا عليه وباتوا بعيدين عن أجواء المدرسة الشيّقة التي بطبيعتها تحفّز على الدراسة والنقاش الوجاهي مع رفاقهم ومعلميهم وعن العمل الجماعي وعن البيئة التعليمية المتناسبة مع المناهج المعتمدة.  فكان لا بد من إيجاد آليات وسبل تحفيز مغايرة لما كان معتمداً في التعليم الحضوري، لذا نستعرض بعض الأساليب والاستراتيجيات التي تساعد على تحفيز المتعلمين في التعليم عن بُعد – علماً أن بعضها يصلح في التعليم الحضوري أيضاً:

 

  1. التركيز على نقاط القوة عند المتعلمين والابتعاد عن نقاط الضعف لديهم، فالتركيز على نقاط القوة من شأنه المساهمة في تحقيق التطور الأكاديمي والعاطفي عندهم.

  2. التعاون مع المتعلمين لتجاوز العقبات اللوجستية – من نقص التجهيزات أو البرامج – التي تستلزمها عملية التعليم عن بُعد، والبحث عن بدائل أو السعي لتأمينها وتدريبهم على البرمجيات الجديدة التي لا يمتلكون مهارات استخدامها.

  3. إظهار الحماسة والاهتمام باستمرار تعلمهم وتحقيقهم للأهداف التعليمية، ما يشعرهم بأن ما يقومون به هو موضع تقدير لدى المعلم وذي قيمة لديه.

  4. تنويع أساليب وأنماط التعليم، فالمتعلمون متنوعون في قدراتهم وميولهم، فمنهم البصري (Visual) ومنهم السمعي (Auditory) ومنهم الحسي حركي (Kinesthetic)، وتوفير أساليب متنوعة يساعد في تحقيق الأهداف التعليمية لدى مختلف أنواع المتعلمين، حيث يحقق التنويع في الأساليب والأنماط عدة فوائد، منها:
    أ.   يؤمّن التعامل السليم مع الفروقات الفردية بينهم.
    ‌ب.  يساعد في التذكر والفهم وبناء قدرات التحليل والاسترجاع.
    ‌ج.  يكسر الروتين ويخلق بيئة متجددة وجذابة غير مملة.

  5. إظهار أهمية استمرارهم بالتعلم، وأهمية تحصيلهم للمعارف والمهارات المطلوبة وبأنها في جوهرها لا تختلف عما اعتادوا عليه في التعلّم الحضوري.

  6. التأكيد على جدّيّة وأهمية التعلّم ومخاطر التعاطي باستخفاف وتهاون مع التعليم عن بُعد.

  7. ربط التعلم عن بُعد بالمهارات والقدرات الحديثة اللازم توفرها عند الأجيال الصاعدة وما تشكله من بيئة ضرورية يجب الاندماج فيها والتعامل معها على أنها واقع لا عودة عنه حتى بعد انتهاء أزمة كورونا، وبأنها تشكل المستقبل المتقدّم الذي سيحكم الأعمال في المستقبل.

  8. الاستفادة من الميزات التي يقوم عليها التعليم عن بُعد لجهة استخدام الوسائط المتنوعة والتفاعلية والتوجيه نحو استخدام الخدمات التي توفرها وسائل الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لمصلحة تحقيق الأهداف التعليمية بدل هدر الوقت أو الانجرار إلى ما لا فائدة منه.

  9. التحضير الجدّي لتقديم الدروس وتقديمها بأمانة واهتمام وهو ما ينعكس حتماً على اهتمام المتعلمين بالدروس، وذلك عبر تكييف الدروس بما يتناسب ويتلاءم مع البيئة التعليمية الحديثة.

  10. السعي لتحصيل المهارات اللازمة للتعامل مع التقنيات الحديثة والبرمجيات اللازمة لتقديم المحتوى التعليمي عن بُعد، فالمتعلم الذي يجد أنه يجيد مهارات استخدام التقنيات أكثر من معلمه سيفقد الحافزية لتقبل ما يقدمه المعلم له.

  11. إشراك المتعلمين في التحضير للدروس والاستفادة من العلوم والمعارف المتوفرة على شبكة الإنترنت وفي المواقع الإلكترونية المتخصصة، لا سيما التي تقدم معلومات حديثة عن المواضيع قيد المعالجة، بما يُشعر المتعلم بأهمية التعلم وارتباط ما يتعلمه بالواقع والحداثة. فضلاً عن جعله شريكاً في تحصيل المعلومة وتحليلها وربطها بالدرس.

  12. استخدام الخرائط الذهنية التي تضبط مسار الدروس وتوضح ارتباط الأفكار المقدمة وعلاقتها ببعضها البعض وبالموضوع العام قيد الشرح.

  13. تقديم الدعم العلمي والتقني الإضافي للمتعثرين ومساعدتهم على تجاوز العقبات التي يواجهونها.

  14. الدمج بين الشرح النظري والتجربة ما أمكن، عبر الطلب من المتعلمين تطبيق ما يمكن تطبيقه في منازلهم وإجراء تقييم للتأكد من أنه أنجز كما يجب.

  15. إجراء تقييمات دورية للتأكد من تحقق الأهداف التعليمية لدى كل المتعلمين.

  16. التشجيع على التواصل، وأن يكون شاملاً لكل المتعلمين لا سيما في حالات تعليم عدد كبير من المتعلمين، كي لا يشعر البعض أنه مَنسي أو أنه غير معني بما يتم شرحه، وضبط ذلك بلوائح توثّق مشاركة الجميع.

  17. تخصيص أوقات للاحتفال افتراضياً بالإنجازات، فبُعد المسافة لا يمنع استعراض الإنجازات والتقدّم المحقق. ويمكن منح شهادات وأوسمة الكترونية للمتفوقين والمميزين.

  18.  توفير المواد والملفات المساعدة للمتعلمين وإرسالها إليهم، بما يساعدهم في بناء بنك معلومات لديهم للرجوع إليه والاستفادة منه عند الحاجة.

  19. توفير مواد إضافية حول الدروس المعطاة، لتحفيز المميزين على توسيع معارفهم وزيادة مهاراتهم. 

  20. استطلاع آراء المتعلمين عن رضاهم ومدى فهمهم وتحقيقهم للأهداف التربوية وموارد الإشكالات لديهم والأساليب التي يفضلونها للشرح، ويساعد ذلك في فهم مدى التقدّم ويرفع مستوى حافزيتهم للمشاركة والتحصيل العلمي.

  21. تأمين جو من اللطافة والدعابة المضبوطة الذي يساعد في جذب المتعلمين، وبالتالي حبّهم للمادة والمعلم والتعلّم بشكل عام.

  22. توزيع الأدوار وتحميل بعض الأفراد مسؤولياتٍ مساعدةٍ في التعليم، ومداورة المهام على المتعلمين، ما يشعرهم بالمشاركة في إدارة العملية التعليمية.

  23. السعي لإضافة الطابع الشخصي للتعلّم قدر الإمكان، عبر ربط ما يتم تعليمه بالحياة اليومية واهتمامات المتعلّمين وتجاربهم.
    ختاماً، فإن النبي الأكرم (ص) كان طبيباً دوّاراً بِطِبِّه، لم تمنعه البيئة الجاهلية من القيام بواجبه، وعلى المعلم أن يقتدي به وأن يكيّف البيئة التعليمية مع التغيرات الحاصلة. وكان (ص) يخاطب الناس كلاً بحسبه، فلم تمنعه الفروقات الفردية من إيصال المعرفة إلى كل فرد وفقاً لما يتناسب مع قدراته. وكان ذا خلق ولين وكياسة تحبب الناس به، وهو ما حفّز الناس على اتباعه والانجذاب إليه، وقدّم الإسلام بما يحمله من حوافز ومرغّبات ومرهّبات ليقدم رسالته على أكمل وجه، ولكم في رسول الله (ص) أسوة حسنة.

 

 


*عبد الجواد قصير: م. الإحصاءات الميدانية في مركز الأبحاث والدراسات التربوية | طالب دكتوراه إدارة أعمال.

أضيف بتاريخ :2021/06/08 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 17402