الى الاعلى
  • إذا قعد أحدكم في منزله فليُرخِ عليه ستره، فإنّ الله تعالى قسم الحياء كما قسم الرزق"النبي عيسى(ع)"

الذكاء الروحي: واحد من أربعة


الذكاء الروحي: واحد من أربعة
 
المصدر : بريد القراء
 
لمحة سريعة
 
هل سبق وأن التقيت شخصاً ذكياً بحق، ولكن مهاراته البينشخصية سيئة جدّاً؟ كيف يمكن لشخص أن يكون ذكياً جدّاً في مجال محدد من الحياة وغير كفوء في مجال آخر؟ الجواب البسيط هو وجود أكثر من نوع من الذكاء. حين نفهم هذا الواقع البديهي ولكن الغائب عن أذهاننا في الأغلب، يصبح بإمكاننا تقبل نقاط قوتنا وتحديد مجالات نمونا.
لكي نركّز على تطوير الذكاء الروحي، من الضروري فهم موقع هذا الذكاء في شبكة الذكاءات المتعددة التي تشكل إنسانيتنا. سنرى بأن الذكاء الروحي ليس فقط ذكاءاً واحداً من مجموعة ذكاءات. بل في مراحله المتطورة يصبح مصدراً لتوجيه الأبعاد الأخرى لإمكاناتنا البشرية. 
حين بدأ علماء النفس يهتمون بقياس "الذكاء" في القرن التاسع عشر في فرنسا، كان يُعتبر الذكاء قدرةً واحدة غير متعددة  ويفهم منه أنه القدرة على التفكير المنطقي وحل المعضلات وهي قدرة تولد مع كل بشري بمستوى أعلى أو أقل. كانت تُعتبر هذه القدرة صعبة التغيير. إن انحياز معظم (وليس جميع) من يعمل في هذا المجال في الأيام الأولى كان باتجاه مفهوم "الطبيعة فوق التنشئة" – أي اعتقاد أن العناصر الوراثية تلعب دوراً أساسياً في تحديد الذكاء وأن العناصر الثقافية والبيئية، ومن ضمنها التربوية، هي ثانوية. هذا المُعتقد أدى لظهور بعض الأفكار البغيضة تتعلق مثلاً بتحديد نسل البعض مقابل تشجيع التناسل لدى البعض الآخر لرفع مستوى الذكاء لحدوده القصوى في مجتمع ما ككل وهذا شكل من أشكال نظرية داروين الاجتماعية. لحسن الحظ، هذه الأفكار لم تسُد. اليوم نفهم بأن "ذكاء" الفرد ليس ببساطة مسألة وراثة جينية. وبشكل متزايد نرى بأن الذكاء ليس "شيئاً" واحداً.
إن مجال الذكاء الذهني IQ يبقى جدلياً إلى يومنا هذا. الكثير من الناس يشعرون بأن اختبار IQ التقليدي لا يُنصفهم. بالنسبة للتلاميذ في سنواتهم الدراسية الأولى، من المعروف اليوم بأن المزاج والصحة وأي شكل من أشكال الضغط النفسي الاجتماعي يمكن أن يؤثّر سلباً على نتائج إختبار IQ. وحتى لدى التلاميذ في السنوات الدراسية المتقدمة، يكون البعض ببساطة لا يجيد الخضوع للامتحان. ربما تكون أنت أو أحد أقاربك أو معارفك قد تعامل مع صعوبة تعلمية مثل الديسلكسيا أو نقص التركيز. إن هذه الحالة لا تعني بالضرورة نقصاً في الذكاء بل صعوبة في معالجة بعض أنواع المعلومات أو استقبالها أساساً. لكن من يعاني من صعوبة تعلمية غالباً ما يُعتبر "أقل ذكاء" من قبل أولئك الذين لا يعون أطياف هذا المجال.
هناك تصنيفات كثيرة للذكاء والتصنيف الأبسط والأكثر انتشاراً اليوم هو الذي يعتبرها أربعة تتعلق بالمجالات الجسدية والذهنية والانفعالية وحديثاً الروحية. فيكون لدينا أربعة أنواع من الذكاء بحسب هذا التصنيف وهو الجسدي PQ (قدرة التحكم بالجسد وما يرافقها من مهارات الجسدية) والذهني IQ (قدرة التحكم بالأفكار والمنطق الرياضي) والانفعالي EQ (قدرة التحكم بالعواطف والانفعالات وفهم الذات والآخر) والروحي SQ (من تعريفاته القدرة على التصرف دائماً إنطلاقاً من النموذج الأعلى والأسمى بحب وحكمة بغض النظر عن الظروف).
الذكاء الروحي (SQ)
إن فكرة الذكاء الروحي مقبولة بنسبة أقل من الذكاء الانفعالي ولكنها تدخل ببطء في مجرى أفكار البحث العلمي وفي الأعمال والنقاشات الفلسفية/النفسية في الغرب. اعتٌبر الذكاء الروحي مكوّناً أساسياً من مكونات القيادة بحسب الكاتب ستيفن كوفي Stephen Covey. كثير من الناس يُرجعون المصطلح إلى دانا زوهار Danah Zohar، التي قدّمت الفكرة في كتابها "إعادة توصيل الدماغ المؤسساتي" Rewiring the Corporate Brain، وبعد ذلك طورتها، مع إيان مارشال Ian Marshall، وكتب لاحقة ومن ضمنها الذكاء الروحي: الذكاء الأقصى  SQ: The Ultimate Intelligence. لسوء الحظ، عرّف زوهار Zohar ومارشال Marshall الذكاء الروحي على أنه شيء "لا يمكن قياسه"، جاعلين مقاربتهم محدودة الفائدة كمسار للتطور الشخصي أو كأداة للبحث أو تطوير القيادة. 
تعرف سيندي ويغلزوورث Cindy Wigglesworth الذكاء الروحي على أنّه " القدرة على التصرف بحكمة وتعاطف مع المحافظة على السلام الداخلي والخارجي بغض النظر عن الظروف". بحسب المسار التاريخي، فإن الذكاء الروحي هو آخر الذكاءات الأربع. إن هذا الذكاء يعتمد على مستوى محدد من تطور الذكاء العاطفي الذي يأتي قبله – وتحديداً مهاراتي الوعي الذاتي العاطفي والتعاطف. من دون الوعي الذاتي والقدرة على التفكير التأملي، لا يمكن للعمل الداخلي للذكاء الروحي أن يستمر. ومن دون التعاطف، لا يُمكن تطوير التفهم الانفعالي (وهو مهارة بمستوى أعلى من التعاطف). بشكل مثير للاهتمام، معظم الناس يختبرون، مثلما اختبرت أنا، أنه بمجرد البدء بالعمل على ذكائهم الروحي فإن ذلك يسرّع ويزيد مستوى مهارة تطوير الذكاء العاطفي مشكلاً دائرة قوية وفاعلة. القليل من الذكاء العاطفي يسمح للذكاء الروحي بأن يبدأ، مما يزيد من مستوى تطور الذكاء العاطفي ويرويه، الأمر الذي بدوره يؤدي إلى المزيد من تطور الذكاء الروحي.
إختار هاورد غاردنر Howard Gardner أن لا يضيف الذكاء الروحي إلى ذكاءاته الأخرى بسبب صعوبة وضع معايير علمية قياسية له. لاحقاً، إقترح غاردنر Gardner وجود ذكاء "وجودي" قام علماء آخرون بمحاولة ربطه بالروحية. إلا أن غاردنر Gardener  نفسه بقي على حذر. يقول "إنه عمل مسؤول أن نحفر حول تلك المساحة من الروحية الأقرب في "الروح" إلى الذكاءات الأخرى ومن ثم...التأكد من كيفية عمل ذلك الذكاء المرشّح. من خلال القيام بذلك، أعتقد أنه من الأفضل وضع لفظة "الروحي" جانباً، مع كل ما هو متعلق بها من جدل ودلالات خلافية، وأن نتحدّث بدلاً من ذلك عن ذكاء يستكشف طبيعة الوجود بوجوه تعبيره شديدة التنوع. بالتالي، يكون الاهتمام بالقضايا الروحية أو الدينية ناحية – وربما أهم ناحية – من الذكاء الوجودي".
إن حذر غاردنر Gardner مبرر. يمكن للدين والروحية لا سيما في الغرب أن يكونا موضوعاً حساساً مليء بالتعريفات الغامضة والكثير من العواطف. الكثير من الناس يعتبرون أن أي شيء مرتبط بالمهارات الروحية لا يُمكن قياسه بالطرق التقليدية، بينما يعتبر آخرون، مثل بقية المفاهيم المتعلقة بسلوكنا وتفكيرنا، أن درجة معينة من القياس ممكنة. ويؤمن البعض أنها ليست فقط ممكنة، بل ضرورية، لقياس الذكاء الروحي. بدلاً من جعله مجموعة ضمنية من إهتماماتنا الوجودية الأوسع، أفهم أن الذكاء الروحي يلعب دوراً أساسياً في كل الذكاءات الأخرى. أنظر إليه على أنه الذكاء الترابطي – "حجر القمة" الذي يربط قدراتنا المنطقية والعاطفية ويرفع من مستواها. إن الذكاء الروحي هو الذي يساعدنا على معرفة "من الذي يقود السيارة" على طريق حياتنا، ويمكننا من تحمل مسؤولية نمونا في كل أبعاده الكثيرة. لأجل هذا السبب، توافق ويغلزوورث Wigglesworth - وهي صاحبة الاختبار العلمي الوحيد حالياً الذي يقيس مهارات الذكاء الروحي - مع الكاتب ستيفن كوفي Stephen Covey الذي يعتبر بأن "الذكاء الروحي هو المحوري والأكثر أساسية من كل الذكاءات الأخرى، لأنه يصبح مصدر التوجيه للآخرين".
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الإعلامي محمد سيف الدين حسن بدأ العمل في قناة المنار سنة 2007 كمتدرب وظهر للمرة الأولى على الشاشة سنة 2008 ضمن برنامج عشرينات. انتقل للبرامج المباشرة سنة 2010 في الإطلالة الجديدة لبرنامج صباح المنار آنذاك. انتقل سنة 2012 إلى البرامج الدينية ليشارك في انطلاقة قناة الصراط حيث قدم مجموعة من البرامج الحوارية بين العام 2012 و2014 أبرزها "الإسلام والغرب" حيث حاور مجموعة من العلماء والأكاديميين في ستين حلقة حول مختلف القضايا من وجهتي النظر الإسلامية والغربية. تحول أكثر للعمل التدريبي الشبابي بعد العام 2014 في مختلف المهارات لا سيما "بناء الشخصية" و"التفكير الإيجابي". كلف بمتابعة مكتب الإدارة العامة في قناة الصراط سنة 2015 وحاليا يتابع ملف تدريب المقدمين الجدد في القناة. بدأ اهتمامه بالذكاء الروحي كمفهوم سنة 2010 حيث لم يكن هذا المفهوم قد دخل إلى الأدب العربي بعد وما زال حتى اليوم نادر الذكر. ترجم كتابين في هذا الإطار لم ينشرا بعد وهما: "الرأسمال الروحي" للكاتبة دانا زوهار و"مهارات الذكاء الروحي الـ21"  للكاتبة سيندي ويغلزوورث. وهو مدرب متمرن في مؤسسة "التغيير العميق" في هيوستن للتدريب على المهارات الـ21 منذ 2010.
كما ويعمل على ترجمة المقالات الأجنبية التي ترد على الإلحاد بطلب من معهد المعارف الحكمية.
 
 

أضيف بتاريخ :2016/07/27 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 11451

الكلمات المفتاحية : المهارات الـ21 الذكاء الروحي