الى الاعلى
  • من كان له أنثى، فلم يبدها ولم يُهِنْها، ولم يُؤْثِّر ولده عليها أدخله الله الجنّة"النبي الأكرم(ص)"

المهارة 1 من 21: ما هي نظرتك للعالم؟


المهارة 1 من 21: ما هي نظرتك للعالم؟
 
 
المصدر : بريد القراء
 
إن المهارة الأولى من مهارات الذكاء الروحي بحسب نموذج ويغلزوورث Wigglesworth هي "وعي نظرتك للعالم" Awareness of own worldview. بكل بساطة هي كيف تنظر أنت للعالم. التركيز هنا هو على كلمة "نظرة" وهي أهم ما في المهارة: الاعتراف بأن الطريقة التي ترى بها ليست ببساطة "حقيقة الأمور" – هي نظرة محددة. كلمة "النظرة للعالم" في الإنجليزية worldview مشتقة من الكلمة الألمانية weltanschauung، المؤلفة من كلمتي "العالم" و"النظرة". وتُستعمل على الأغلب للدلالة على الإطار العملي للمعتقدات والأفكار الذي من خلاله نفسر العالم من حولنا. هذه المعتقدات والأفكار تشكلها البيئة الثقافية التي نشأنا فيها والخلفية الدينية والعرقية وغيرها من العوامل ولا مفر من ذلك.
إن النظرة للعالم ليست "ما ترى" بل "كيف ترى". هي تشبه أساسات المنزل: مهمة ولكن غير مرئية. إنها تلك التي يَنظر من خلالها، وليس إليها، المجتمع أو الفرد بشكل طبيعي. يمكنك اعتبار "النظرة للعالم" كعدسة لاصقة، أو مصفاة، قريبة جدّاً من عيونك بحيث لا تشعر بوجودها. هذه المصفاة تعمل في اتجاهين في آن. أولاً، تقوم "النظرة للعالم" بتصفية المعلومات التي لا تتناسب معها. إن كانت لديك "نظرة دينية للعالم"، مثلاً، قد تقوم بتصفية كل المعلومات التي تتناقض مع معتقداتك. وهذا ما يفعله الكثير اليوم وهو من أساسيات الاختلافات بين الشعوب.
ثانياً، تقوم "النظرة للعالم" بتصفية ما تسمح له بالنفاذ إلى وعيك عبر طبقات من التفسير المنطقي. قد نراجع عدداً من الدراسات العلمية ولكن لا نقتبس إلا من تلك التي تتوافق معنا. هذا نوع من عدم المصداقية الفكرية. معظم (وليس كل) الوقت، يحصل هذا الأمر بلا وعي. إن كنا فعلاً نقدّر الحقيقة، علينا أن نقاوم هذا الميل لإقصاء البيانات التي لا تتوافق مع معتقداتنا. إن الفرد ذا مستوى عال من الذكاء الروحي يعرف نفسه بشكل كاف للانتباه لهذه التصفية الداخلية.
قد يكون مفهوم "النظرة للعالم" مألوفاً بالنسبة لك، ولكنني وجدت أنه لدى الكثير من الناس، هذا المفهوم جديد ومفيد جدّاً. إن معرفتي بعمق "النظرات للعالم" وكونها غير واعية فتح آفاقي الفكرية. لقد كان الأمر صدمة حين وصلت لنتيجة مفادها أن دماغ الآخر قد يحلل المعلومات بطريقة تختلف عن دماغي. إن أنماط الشخصية، يمكن أن تكون مساعدة في فهم هذا الأمر. لنأخذ مثلاً شخصاً انطوائياً لديه طريقة انطوائية في تحليل المعلومات ويُفضل النظر إلى الأمور بشكل منطقي. يحب أن يكون صامتاً ويحلّل المعلومات بشكل واف قبل الكلام. هذا الشخص سيتفاجأ حين يلتقي بصاحب شخصية انبساطية تفكر بصوت عال. وإذا فهم مبدأ الاختلاف حديثاً، فما كان يميل لاعتباره "كلام بأفكار غير ناضجة يضيّع الوقت" سيراه اليوم في الحقيقة حوارٌ أساسي بالنسبة للانبساطي. الانبساطيون "يشكلون" أفكارهم من خلال التحدث بها مع بعضهم البعض. إن سبب رفض الانطوائي للانبساطي يكون عادة لاعتبار أن أدمغتهم تعمل بالطريقة ذاتها. وقد لا يخطر لهم أساساً أنه يوجد طريقة أخرى لتحليل المعلومات بنجاح. هل خطرت لكم هذه الفرضية قبلاً؟ بعيون الانبساطي، فإن الانطوائي يظهر وكأنه ممتنع، متلقي، متعجرف، ولا يشارك. ولكن عندما يتعرف النمطان على مواصفات بعضهما يمكنهم أن يتواصلوا مع بعضهم من دون تأثيرات المصافي غير الدقيقة. 
طبعاً، عندما ندرك أنه لدينا معتقدات مختلفة، وافتراضات مختلفة، وتفسيرات (نظرات للعالم) مختلفة، يمكننا اختبار النظر بعيون الآخرين وتطوير ذكائنا الروحي بهذه الطريقة. ولكن لا يمكن لأي من هذا أن يبدأ قبل أن نعي مبدأ واقعي بسيط وهو أنه لدينا نظرة للعالم. هذا الوعي هو أساس المهارة رقم واحد. الوعي هو أساسي – لذلك يأتي بالمرتبة الأولى. لا يمكنك أن تخرج من إطار نظرتك للعالم وتقييم مدى فائدتها قبل أن تعي أنه لديك نظرة للعالم.
إن وعي النظرة الذاتية للعالم مهارة أساسية ولكن يمكن إهمالها بسهولة. لشرح أهمية هذه المهارة، من المفيد النظر إلى المثال الآتي الذي يتضمن أمراً يندر تفكيرك به (أو ربما لا تفكر به أبداً) ولكنه يحصل يومياً. ما هي المسافة التي يجب أن تكون فيها بعيداً عن الآخر في سياق اجتماعي ما؟ هذا ما يسمى "المسافة الاجتماعية" وهي من القوانين التي لا يُتحدّث عنها ولكن متفق عليها وتشكل جزءاً من نظرتك للعالم، ونظرة كل من يتشارك معك في البيئة الثقافية التي تنتمي إليها. في أمريكا الشمالية، المسافة الاجتماعية المقبولة هي بين 18 و24 إنش من الأنف إلى الأنف (بطول ذراع تقريباً).
الآن، تخيّل موظف "أ" من أميركا الشمالية. يصل شخص جديد وهو الموظف "ب" للعمل معه في المكتب. قد نُقل حديثاً من بيئة ثقافية مختلفة – البرازيل مثلاً أو إيطاليا. في حفل الاستقبال في المكتب يأتي "ب" ليعرف بنفسه ويقف قريباً من "أ" حيث يبعد وجهه من 6 إلى 10 إنشات فقط عن وجه "أ". قد يشعر "أ" بعدم الارتياح ويرجع خطوة إلى الوراء من دون حتى التفكير بذلك. أيضاً بسبب العادة، يأخذ الموظف الجديد "ب" خطوة إلى الأمام لسد الفراغ بينهما. يزداد انزعاج "أ" وتشعر بأن "ب" لا يحترم "المسافة الاجتماعية". لذلك، يُنهي المحادثة. ما لم يلتفت إليه "أ" في هذا المثال، أمران أساسيان. أولاً، هو غير واع لواقع أن فكرته عن المسافة الاجتماعية المقبولة ليست مطلقة، بل جزء من نظرته الخاصة للعالم. إن إدراكه الذي يخبره بأن الموظف الجديد يخترق حيزه الشخصي هو قصة غير واعية يُخبرها لنفسه بعد أن أخبرته بها البيئة الثقافية التي ينتمي إليها. هذه القصة لا تأخذ في الحسبان أن الموظف الجديد قد يكون له نظرة مختلفة للعالم وله فكرة مختلفة عما هو مقبول إجتماعياً. في الواقع، في بيئته الثقافية، مسافة إجتماعية من 6 إلى 10 هي طبيعية. هو لا يقصد الإساءة، هو يحاول أن يكون محترماً. ولكن إنسحاب "أ" من المحادثة تركته مشوشاً وجعلته يقلق ويظن بأنه غير مرحب به. والموظف "أ" ليس الوحيد الذي يرجع خطوة إلى الوراء قبل أن ينسحب من المحادثة. لقد حصل مع الموظف "ب" ذلك طوال فترة تواجده في اللقاء. وفي الوقت الذي يشعر فيه "أ" بالغضب، قد يشعر فيه  "ب" بالتشويش وبأنه مرفوض. 
في عالمنا الصغير اليوم، معظمنا قد يختبر هذا النوع من سوء التفاهم الثقافي. ما يظهره هذا المثال هو كيف أن وعيك لنظرتك للعالم – أي إدراك أن لديك نظرة للعالم وفهم أن وجهة نظرك ليست ببساطة "ماهية الأمور"، وإمتلاك درجة من الموضوعية فيما يتعلق بأفكارك المسبقة ومعتقداتك - قد يؤمن لك مجالاً تتفادى ضمنه هذا النوع من سوء التفاهم كالمذكور أعلاه. لإحداث فرق في هذه المهارة، يجب أن يترافق تطويرها مع تطوير المهارة رقم 7: وعي نظرة الآخرين للعالم (سنشرح هذه المهارة لاحقاً بإذن الله). ولكن يمكن أن نبدأ بمعرفة وجهة نظرنا على الأقل. أفضل ما يُمكن فعله هو التحري الداخلي عن الانزعاج كلما حدث بسبب شخص ما. إسأل نفسك: "ما هي التفسيرات التي أعطيها؟ ما هي المعتقدات والافتراضات التي تسبب تلك التفسيرات؟" جرب هذه الطريقة – ستتعجب من المساحة التي ستسمح بها للآخرين.
إن الانتباه لنظرتك إلى العالم يتطلب تحرياً داخلياً شجاعاً. قد يكون من الصعب عليك رؤية الافتراضات التي تنطلق منها. في مسار تتطور هذه المهارة، فإن المستوى الأقل يتضمن القدرة على شرح نظامك العقائدي، مروراً بالمستويات الأعلى التي تبدأ فيها بالاعتراف بأن نظرتك للعالم ليست وحدها الصحيحة، ومن ثم تقدير أهميتها وحدودها، ومن ثم التواضع فيما خص معتقداتك، وصولاً أخيراً إلى المساحة التي لا تصدر فيها الأحكام ولا تفرض فيها معتقداتك على الآخر. ومن هنا تكون قد أعطيت نفسك قدرة على التعلم الحقيقي والواقعي يختلف عن كل الطرق التي تعلمت بها سابقاً.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نبذه عن الكاتب:
الإعلامي محمد سيف الدين حسن بدأ العمل في قناة المنار سنة 2007 كمتدرب وظهر للمرة الأولى على الشاشة سنة 2008 ضمن برنامج عشرينات. انتقل للبرامج المباشرة سنة 2010 في الإطلالة الجديدة لبرنامج صباح المنار آنذاك. انتقل سنة 2012 إلى البرامج الدينية ليشارك في انطلاقة قناة الصراط حيث قدم مجموعة من البرامج الحوارية بين العام 2012 و2014 أبرزها "الإسلام والغرب" حيث حاور مجموعة من العلماء والأكاديميين في ستين حلقة حول مختلف القضايا من وجهتي النظر الإسلامية والغربية. تحول أكثر للعمل التدريبي الشبابي بعد العام 2014 في مختلف المهارات لا سيما "بناء الشخصية" و"التفكير الإيجابي". كلف بمتابعة مكتب الإدارة العامة في قناة الصراط سنة 2015 وحاليا يتابع ملف تدريب المقدمين الجدد في القناة. بدأ اهتمامه بالذكاء الروحي كمفهوم سنة 2010 حيث لم يكن هذا المفهوم قد دخل إلى الأدب العربي بعد وما زال حتى اليوم نادر الذكر. ترجم كتابين في هذا الإطار لم ينشرا بعد وهما: "الرأسمال الروحي" للكاتبة دانا زوهار و"مهارات الذكاء الروحي الـ21"  للكاتبة سيندي ويغلزوورث. وهو مدرب متمرن في مؤسسة "التغيير العميق" في هيوستن للتدريب على المهارات الـ21 منذ 2010.
كما ويعمل على ترجمة المقالات الأجنبية التي ترد على الإلحاد بطلب من معهد المعارف الحكمية.
 
 
 
 

أضيف بتاريخ :2016/07/27 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 10451

الكلمات المفتاحية : المهارات الـ21 الذكاء الروحي