الى الاعلى
  • أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم "الإمام الصادق (ع)"

المهارات القياديّة والتربويّة لدى مديري المدارس الرسميّة


المهارات القياديّة والتربويّة لدى مديري المدارس الرسميّة


نموذج المدارس الرسميّة في منطقة الزهراني

 

قديمًا، كان دور مدير المدرسة يقتصر على المحافظة على نظام المدرسة، وتنفيذ برنامج تعليميّ مزدحم بالأعمال التدريسيَّة التلقينيّة المحصورة بجداول زمنيّة ضمن أوقاتٍ محدّدةٍ بدقّةٍ، وبانتهاء آخر ساعة من العمل ينتهي دور المدير، أو لا يعاود البدء إلاّ في اليوم التالي. بمعنى آخر كان تركيز مدير المدرسة يتمحور حول الجوانب الإداريّة الرقابيّة مع إغفال الجوانب الفنيّة التي تتعلق بإدارة المدرسة. أما اليوم فلم يعد دور المدير يقتصر على مجرّد تسيير شؤون المدرسة سيرًا روتينيًا؛ بل أصبح دوره واسعًا ليشمل الجانب الإداريّ والفنيّ بدون الفصل بينهما.


غير أنّ المناهج التربويّة التي أقرّتها الدولة اللبنانيّة سنة 1996، فرضت على دور المدير مسؤوليّات جديدة، وذلك انطلاقًا من المبادىء المبنيّة عليها والتطبيقات والإجراءات العلميّة والعمليّة التي تتطلبها. لهذا، برزت اتجاهات جديدة في الإدارة المدرسيّة، تمحورت حول العناية بكل المجالات ذات الصلة بالعمليّة التربويّة، فظهر دور الإدارة كمهارة في القيادة، وفي العلاقات الإنسانيّة، والكفاءة في إدارة عملية تنفيذ المناهج الجديدة، وأساليب التدريس والتقويم، وتنظيم فِرقِ العمل ووضع الخطط، وصولًا إلى المساهمة في تعميق الفكر الإبداعيّ وإطلاقه. وعليه يتوقف نجاح المدير في هذا الدور على ما يمتلك من كفاءات ومهارات قياديّة تساعده على تحقيق الأهداف المرجوّة للمدرسة، ولا شك في أنّ المهارات القياديّة التي يمتلكها المديرون تُعتبر من المقوّمات الأساسيّة التي تمكّنهم من متابعة المتغيّرات المتسارعة في البيئة المحيطة بالمدرسة، والاستجابة لها بابتكار الأساليب والطرائق والحلول المناسبة التي تضمن التكيّف الملائم بين المدرسة والتغيّرات التي تحدث في بيئتها الداخليّة والخارجيّة؛ ليحقق في نهاية الأمر تنظيمًا مدرسيّاّ فعالًا يساهم في تحقيق الأهداف التربويّة المنشودة. 


إذاً، لقد أصبح من الضروريّ لكل من يشغل هذه الوظيفة القيام بأدوار مختلفة، يتطلّب كلّ منها عددًا من المهارات التي قد تختلف درجة توافرها من مديرٍ لآخر؛ وهي مهارات اتّسعت وتنوعت لتشمل مجالات متعدّدة، علمًا بأنّ توافرها ضرورة لكلّ قائد تربويّ، لكيّ يتمكّن من قيادة المدرسة التي يديرها، وإحداث التغيير المطلوب فيها. خصوصًا في ظلّ ما يواجهه المديرون يوميًا،  من مشكلات عدّة تتطلّب مهارات قياديّة معيّنة، في التعامل معها وقدرات تحليليّة متعدّدة تختلف باختلاف تلك المشكلات من حيث بساطتها وتعقيدها، ومن حيث تأثيرها على أداء المدير والمدرسة معًا.


عليه، سعت الطالبة في هذه الدّراسة إلى البحث في مدى توافر هذه المهارات لدى مديري المدارس، والكشف عن درجة ممارستها، ومدى إتقان مدير المدرسة لهذه المهارات الضرورية لعمله، مما يجعله يقوم بالمهام التي يتوقّع منه ممارستها في إدارته للمدرسة في مجالات القيادة المدرسيّة كافة، كالتخطيط، والنمو المهني للمعلّمين، والتقويم والإشراف التربويّ، ومتابعة تنفيذ المناهج التربويّة،  ووضع الخطط والاستراتجيّات التي تنعكس بدورها على تحسين الأداء المدرسيّ، وتطوير العمليّة التعليميّة – التعلّميّة بشكلٍ عام وتحقيق الأهداف المرجوّة من المناهج التعليميّة – التعلّميّة المأمول لها.
عالجت الطّالبة موضوع الدّراسة من خلال ستّة فصول وُزّعت على الشكل التالي:

  1.  الفصل الأول / مدير المدرسة والقيادة التربويّة:
    يتضمن هذا الفصل مفهوم القيادة التربوية، كما يلقي الضوء على المهارات المطلوب توافرها لدى مدير المدرسة، وصولًا إلى الكفايات للازمة لمدير المدرسة.

  2.  الفصل الثاني / الإدارة المدرسية ومهام المدير القائد:
    يتناول هذا الفصل مفهوم الإدارة المدرسيّة، كونها عنصر هام في أداء المهام التربوية، وتنفيذ البرامج المدرسيّة، وعليها يتوقف أداء المؤسسة المدرسيّة وكفايتها، وإنتاجية العملية التعليميّة-التعلّميّة في مختلف أوجهها وأبعادها تخطيطًا وبرمجةً، وتنظيمًا وإشرافًا ومتابعة، وتوجيهًا وتقويمًا. كما يُشير هذا الفصل إلى مهام مدير المدرسة القائد.

  3. الفصل الثالث / خصائص مجتمع البحث:
    هو نتيجة العمل الميداني، ويظهر تفاصيل عن اختيار العينة، كما يتناول الخصائص الديمغرافية (الجنس والعمر) وصولًا إلى الخصائص المهنية والتعليمية (مواد التدريس، ومرحلة التعليم، مستوى التحصيل العلميّ، وسنوات الخبرة).

  4. الفصل الرابع / الخطة المدرسيّة:
    يلقي الضوء على تصنيف الخطط التي يضعها المدير ومضمونها، ومشاركة المعلّمين في وضعها، وصولًا إلى الانعكاس الإيجابي للخطط المدرسيّة على الأداء المدرسيّ.

  5. الفصل الخامس / الإشراف التربوي والتقويم:
    يركز هذا الفصل على دور المدير وإشرافه على تطوير العملية التعلمية، وحرصه على تقويم وتطوير البرامج التعلّيمية.

  6. الفصل السادس / النمو المهني للمعلّمين ومتابعة تنفيذ المناهج التربوية:
    يلقي الضوء على المهام القيادية التي يقوم بها مدير المدرسة من خلال متابعة تنفيذ المناهج التربوية، والتنمية المهنية لأفراد الهيئة التعليميّة من وجهة نظر المعلّمين والمدراء.

 

ميدانيّاً، شملت الدّراسة 14 مدرسة من أصل 19 مدرسة مُتواجدة في منطقة الزهراني، و 220 معلّم ومعلّمة من أصل 382، حيث قامت الطالبة بمقابلات مع مدراء المدارس وبملء استبيان للمعلّمين.
أمّا من ناحية النتائج، فقد توصّلت الطالبة في الدّراسة إلى أنّ دور مدراء المدارس في منطقة الزهراني لا يقتصر على القيام بالمهام الإداريّة فحسب، بل يتمّ توزيع الأدوار بين أفراد العمل الإداريّ وفق الأقسام والمسؤوليات، ممّا يساعد المدير على الاهتمام بالمهام الفنيّة بالتعاون مع فريق العمل المدرسيّ بكامله.  كما يتّضح أنّ أغلب المدراء يضطلعون بدورهم القياديّ الذي يتمثل في:

 

1. وضع الخطط المدرسيّة وبناء فريق العمل، من خلال:

  • ‌وضع خطط طويلة المدى تطال الجوانب المتعدّدة للعمليّة التعليميّة – التعلّمية  في المدرسة، ويتبعونها بخطط متوسطة المدى، ويعملون جاهدين إلى تنفيذها.

  • اشراك المنسّقين والمعلّمين في وضع الخطط المدرسيّة؛ فالمعلّم والمنسّق هما الأساس في أيّ خطة تُرسم أو تًنفّذ لتكون أفكارهم وآراءهم هي المًنطلق، لأنهم موجودون على أرض المدرسة، يعايشون المشكلة، وعلى تماس واتصال مباشر مع التلميذ والمادة والمنهج، فهم يعرفون المشكلات وكيفية معالجتها. بعد الانتهاء من وضع الخطة المدرسيّة يعيّن المدراء بدورهم فريق العمل لتنفيذ هذه الخطط تضم عددًا من المنسقين والمعلّمين يعملون كفريقٍ واحد. يمارسون صلاحيتهم تحت إشراف المُدراء ويطّلعون بشكلٍ دائم على مراحل العمل، فيساعدونهم ويصوّبون خطواتهم للوصول إلى النتيجة المرجُوَة.

 

2. الإشراف التربوي الدائم على عمل المعلّمين من خلال فريق العمل التربوي:

تُرافق التطوّر في بنية المدرسة وتغيّر مهامها وتعقّدها، تغيّرات في مهام مدير المدرسة وتعاظم مسؤوليّاته. بعد أن كانت مهمّاته الأساسيّة تقتصر على الجانب الإداريّ، تكتسب وظيفته مؤخرًا طابعًا فنيًّا، لا يقل أهميّة عن الطابع الإداريّ. 
بعبارة أخرى، تحوّل مدير المدرسة من موظف إداريّ تقليديّ يرصد الحضور والغياب إلى مشرف تربويّ مقيّم،  يهدف إلى تحسين العمليّة التعلّميّة – التعليميّة من جميع جوانبها بالتعاون مع فريق العمل التربويّ.


3. النمو المهنيّ للمعلّمين 

 تبرز أهمية التخطيط الإستراتيجيّ للنمو المهنيّ المستمر للمعلّمين في الإدارة المدرسيّة كأحد المهام الرئيسيّة المناطة بمدير المدرسة القائد. 
تبيّن من خلال الدراسة أنّ أغلب المدراء يضطّلعون بدورهم القياديّ في تفعيل برامج النمو المهنيّ في الخطط المدرسيّة؛ من خلال تنظيم برامج خاصّة لتدريب المعلّمين على المهارات اللّازمة لرفع مستوى المؤهّلات العلميّة، واستتباعًا القيام بدورات تدريبيّة على التكنولوجيا المتوافرة في مدارسهم.


4. متابعة تنفيذ المناهج التربوية:


رغم أنّ المناهج والكتب المدرسيّة تضعها السلطات التربويّة المركزيّة، وليس للمدير صلاحية في اختيار المنهج ولا الكتاب المقرّر. إلاّ أنّه يستطيع أن يؤدّي دورًا هامًا وفعالًا مع المعلّمين في تحليل المنهج والكتاب ومقارنتهما وتلافي الأخطاء الواردة فيهما. فقد تبيّن أنّ مدراء المدارس الرسميّة يتابعون هذه المسألة بحال اصطدام المعلّم بصعوبة أو خطأ أثناء التعليم. عليه، يقوم المدراء بمساعدته على التغلب على هذه الصعوبة إذ يقوم برفعها إلى المعنييّن المختصين بمتابعة وتعديل المناهج.
وقد أشارت الطّالبة إلى أنّ المدراء المعنيّين يشتركون مع رابطة المعلّمين التي بدورها تساهم في تطوير المناهج التربوية والمشاركة في اللجان الفاحصة بفاعلية، وفي اجتماعات هيئة إعداد البرامج وهيئة متابعة خطة تقويم وتطوير الهيكلية والمناهج التعليميّة التي ينظمها المركز التربوي للبحوث. توافيهم بكل ما هو جديد لتعميمه في المدارس.

 

كما وتوصّلت الطالبة في الدّراسة إلى أنّ دورات تنميّة القيادات لمديري المدارسة الرسميّة تُركّز على مسألة القيادة بطريقة هادفة (التعرّف إلى معايير القيادة الفعّالة، والتعرّف إلى الافتراضات التي يتبناها المدير تجاه العاملين الذين يشرف عليهم، وإلى أنماط القيادة التي قد يلجأ إليها في توجيههم).


وقد تبيّن أنّ لهذه الدورات دورٌ فاعل في تنمية القيادة لدى المُدراء، وتحسين أدوارهم المختصّة بإدارة المدرسة من خلال:

  • تفعيل عمل الفريق التربوي (المدير والمنسّقون يعملون مع بعضهم بالتنسيق مع لجان المواد)، وعمل الفريق الإداري (المدير والنظّار ينسّقون مع بعضهم).

  • تحسين الأمور الإدارية لا سيما عملية توزيع الأدوار بين أفراد فريق العمل الإداريّ، بعد تحديد دور كل فرد من أفراد فريق العمل وتدريبهم على إعداد الخطط، هذا شيءٌ أساسي اكتسبوه من خلال هذه الدورات.

  • إعطاء الثقة لعددٍ كبير من المساعدين والمعلّمين والنظار في اتخاذ القرار السليم والمناسب، وإعطائهم الحريّة المطلقة ضمن حدود صلاحّياتهم مع تحمّل المسؤوليّة.

  • تحسين الأدوار بشكلٍ كبير - بمعنى آخر- قاموا بتفويض وإعطاء الصلاحية كإدارة الأعمال اليومية، يفوضون أكبر قدر منها إلى المساعدين ويكتفون بالمتابعة والتدخل حين تدعو الحاجة وحسن التنظيم واختيار المساعدين، هذا بدوره يؤدي المطلوب ويحسّن الأدوار المختصة بإدارة المدرسة.

والجدير بالذّكر، تأكيد المديرون من خلال المُقابلات التي أجرتها الطالبة، على أنّ هذه الدّورات لا تكفي لوحدها بل يجب أن يكون المدير منفتحًا جدًا، وأن تكون لديه متابعات ومشاركة  في المؤتمرات والندوات والسفر ضمن المشاريع التربويّة، فكلّما كان المدير منفتحًا كلما استطاع أن يطوّر نفسه وعمله والفريق الذي يعمل فيه. ويذكرون أنّهم إذا أرادوا كمدراء الجلوس فقط والعمل في المدرسة (إنجاز العمل بورقة أو ورقتين ثم يذهبون) يتصوّرون أنهم يدخلون حينها في ما يعرف بالعمل الروتيني، ويغيب الإبداع الذي يُعتبر من أهم الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المدير القائد.

 



رسالة ماستر في علم اجتماع المعرفة
إعداد الطّالبة : سحر عسيلي
إشراف الأستاذ الدكتور إيميل مارون
العام الجامعي 2017

أضيف بتاريخ :2020/06/09 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 8916