الى الاعلى
  • جميعنا مدينون لفضل المعلم ومنّته هذا هو لبّ كلامنا وأصل القضية "الامام الخامنئي"

بحث بعنوان: من معرفة القيم إلى قيم المعرفة


 
بحث بعنوان
من معرفة القيم إلى قيم المعرفة
 
دراسة في المناهج التربوية بالتعليم ماقبل الجامعي
 وأثرها في تشكيل منظومة القيم لدى شباب الجامعات
مادة التربية الإسلامية نموذجا
 
 
د/ خالد الصمدي
رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية الإسلامية 
ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان 
المملكة المغربية 
 
مدخل:
يشكل موضوع القيم مجالا خصبا وحساسا للبحث في وقتنا الراهن ، فهو مجال خصب باعتبار مركزيته في بناء شخصية الفرد ومن القيم السائدة لدى الأفراد يتشكل الضمير الجمعي لأمة فإذا صلحت القيم صلح الجسد كله وفي فسادها فساده، 
وهو موضوع حساس في وقتنا الحاضر اعتبارا لمركزيته في اهتمامات المدارس والمؤسسات والدول وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث انتبه العالم إلى أن المنظومة الفكرية المبنية على قيم وقناعات محددة تشكل عاملا حسما في التعامل مع القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وقد تؤدي إلى توافق كما قد تؤدي إلى صدام الحضارات 
ومعلوم أن الإسلام يعتبر دينا وثقافة يحمل منظومة متكاملة من القيم ذات أبعاد إنسانية وكونية  تنطلق من رؤية فلسفية للكون والحياة والمصير ، وتصاغ في الواقع نظريات وأفكارا ممتزجة بخبرات الناس وأساليبهم في تنزيلها إلى أرض الواقع ، وتصاغ في شكل مسلكيات أخلاقية تحكم تربية الأجيال من أجل استمرارها وتفاعلها وتطورها واتساع تمثل الناس لها ، ويتم التركيز في كل ذلك على الشباب وتكويتهم وتنمية كفاءاتمهم وقدراتهم باعتبارهم حملة التغيير والتطوير ، والمدخل إلى كل ذلك بناء برامج ومناهج التعليم
فكيف يمكننا بناء تصور دقيق لفلسفة القيم في التصور الإسلامي، وكيف يمكننا أن نرصد آثارها وتجلياتها في مسار التنمية وخاصة على مستوى تأهيل الموارد البشرية للمستقبل ؟ وكيف يمكننا أن ننتقل بالشباب من التعرف على القيم في المراحل الأولى من التعليم ، إلى مرحلة الوعي بقيمة القيم ودورها في توجيه المعرفة في مسار التكوين والبحث في التعليم العالي؟ 
تلكم أهم المحاور التي سنقاربها نظريا ومن خلال نماذج تطبيقية في هذا البحث بحول الله وفق التصميم التالي :
 
عناصر البحث
 مقدمة :  مكانة المعرفة في سلم القيم
1. الإطار الفلسفي للتربية الإسلامية ( رؤية وتأملات جديدة في علاقة المعرفة بالقيم )
  • فلسفة إعادة التربية من الاختبار إلى المصير
  • مفهوم الأمر والنهي في ضوء فلسفة القيم
  • ميزان الأعمال في ضوء فلسفة القيم
  • منهج الترقي نحو القيم من المعرفة إلى العمل
  • دور تنمية الوجدان في الثباث على سلم الترقي نحو القيم
 
2. القيم الإسلامية ومجالات التنمية
  • مفهوم التربية الإسلامية في بعدها العام 
  • مفهوم التنمية في بعدها الحضاري
  • دور العقيدة في توجيه حركة التنمية
  • التربية على القيم الإسلامية وتسيير المؤسسات
  • التربية على القيم الإسلامية و استعمال التكنولوجيا 
  • التربية على القيم الإسلامية  والإعلام
  • التربية على القيم الإسلامية وحماية البيئة 
  • التربية على القيم  الإسلامية وأهداف البحث العلمي 
3. مناهج التعليم ودورها في ترسيخ القيم 
  • العلاقة بين القيم الإسلامية ومختلف المواد الدراسية 
4. تطبيق عملي في بناء مناهج جديدة لمادة التربية الإسلامية بالتعليم ماقبل الجامعي وأثرها في تكوين منظومة القيم الإسلامية لدى شباب الجامعات
  • تشخيص البناء المعرفي في مجال التربية على القيم الإسلامية لدى  عينة من طلبة التعليم الثانوي بالمغرب
  • ( عرض نتائج الدراسة الميدانية ) 
  • نحو رؤية جديدة لبناء مناهج التربية الإسلامية 
  • أسس بنائها 
  • تشخيص الصعوبات المنهجية والمعرفية في مناهج التربية الإسلامية كمادة تعليمية 
  • مدخلات ومخرجات المادة حسب الأسلاك التعليمية 
  • امتدادات مفاهيم وقيم مادة التربية الإسلامية في مختلف مسالك التكوين بالجامعة 
 خاتمة
 
 
 
المعرفة في سلم القيم
من حكمة الخالق البالغة أن بدأ رسالة الإسلام باختبار القيم في سلوك أول جيل من أجيال البشرية (ابني آدم ) قال تعالى ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدها ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلي يديك لتقتلني ما أنا بباسط يدي أليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين)  
ولم تكن القرابين إلا نتيجة المعرفة المكتسبة لكل من الأخوين، والتي ارتبطت عند الثاني بالقيم حين قال ( إنما يتقبل الله من المتقين)  قالتقوى عاصمة من تحويل العلم والمعرفة إلى سلطة شر ، وانفصلت عن القيم عند الأول الذي قال لأخيه ( لأقتلنك ) معتبرا أن الخبرة المعرفية كافية لقبول العمل دون اعتبار قيمة التقوى والخوف من الله ،
 وقد طبع النموذجان مسيرة البشرية إلى قيام الساعة، ولذلك لم تفتأ الرسالات السماوية تعمل على ترسيخ النموذج الذي يربط المعرفة بالقيم عن طريق التربية، وتحذر من النموذج الذي يفصل بينهما لما له من آثار سلبية في الحال والمآل، ولذلك ختمت هذه الرسالات، برسالة محمد صلى الله عليه وسلم التي كانت أول آية نزلت فيها قوله تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق )  وهذا الربط في الرسالة الخاتمة بين القراءة واسم الله  ( الرب) الذي يرتبط في بعد الاصطلاحي بالتربية ، يجعل الإسلام لا يقر بفائدة أي علم منفلت عن القيم.
ومن هنا ارتبطت العلوم بشتى فنونها - كإنتاج للمعرفة في المنظور الإسلامي بالقيم، وتكون فائدتها في تدبير شؤون الحياة أكثر فائدة حين تتجاوز منطق السيطرة على الكون وإخضاعه لسلطة الإنسان، إلى العلم بالخالق وخشيته، وبذلك تضع نتائج المعرفة الباحث ( الإنسان ) على سكة الترقي نحو القيم المطلقة من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان 
وحين تقف نتائج العلوم عند حدود سيطرة الإنسان على الكون بمعزل عن القيم، فإن هذه السلطة تتحول إلى توهم السيطرة، وهذا يؤدي إلى الوقوع في الفساد بالمفهوم القرآني قال تعالى  ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين )   وقال أيضا( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس )  وتوهم السيطرة تجلت في عقلية قارون حين قال مزهوا بممتلكاته ( إنما أوتيته على علم عندي )  فكان التعقيب الإلهي  ( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين )  فالعلم الذي اكتسبه ضخم أنانيته فتوهم القدرة والسيطرة ، فتحول العلم في هذه الحالة من مدرج مفتوح للترقي نحو القيم المطلقة ، وانحبس في كنف المادة مما ينافي طبيعة العلم ذاته ، والمادة وسيلة للعلم وليست  غايته ومقصده، ومن طبيعة العلم الانطلاق نحو السباحة في الملكوت ، وهو يتجاوز الإنسان إلى سائر ملكوت الله ، ولا يملك الإنسان من العلم المطلق إلا مقدار الماء العالق بالمخيط إذا أدخل البحر. 
والخلاصة أن العلم وسيلة لتدبير شؤون الحياة، وهو في الآن اللازم وسيلة لمعرفة الخالق والترابط بين الوسيلتين يجعل العلم في خدمة الإنسان، والانفصال بينهما يؤدي إلى انتكاسات تغرق البشرية في حمآت من الكوارث، والنماذج تترى في مسيرة البشرية ويكفي أن نذكر في عصرنا الحديث باستخدام نتائج البحث العلمي في إنتاج أسلحة الدمار الشامل وإلقائها على الأبرياء في هيروشيما ونكزاكي وفلسطين والعراق والشيشان وأفغانشتان  وغيرها  من بؤر التوتر في العالم، ولا يزال العالم يتوقع أمثال هذه الممارسات في وقت تزداد الهوة فيه اتساعا  بين المعرفة  القيم ولا يقام فيه وزن  للأخلاق والتربية،  بل ويعتبر البعض كل ذلك  ذلك معيقا لحرية المعرفة ، في حين نرى أن حصر مقاصد المعرفة في تلبية غريزة السيطرة لدى الإنسان تعتبر أكبر معيق في وجه تطورها وانطلاقها.
فعلم الرياضيات مثلا ينطلق في فضاء أوسع حين لا يقف عند ضبط المعادلات المنطقية والهندسية لخدمة التدبير والتسيير والاقتصاد وعلم الذرة وتكنولوجيا الاتصال وغير ذلك ، إلى اعتباره وسيلة لمعرفة سنن الله في خلق الكون وتسييره بالتوقيت الدقيق والميزان الحقيق قال تعالى ( والسماء رفعها ووضع الميزان )  والفصل بين المقصدين الأدنى والأسمى إجحاف في حق هذا العلم وحد من المدى الواسع له وفي ذلك حجب للعقل وتضييق عليه. 
والغاية من علم اللغة كعلم من العلوم الإنسانية، التواصل والتعارف بين الشعوب ووسيط لتبادل الخبرات والتجارب في تسيير وتدبير شؤون الحياة، وهي في نفس الآن وسيلة لإدراك حكمة الخالق في تنوع خلقه واختلاف ألسنتهم وألوانهم قال تعالى ( ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم )   وإدراك سر عظمة الخالق سبحانه وتعالى في تعليم آدم الأسماء كلها تكريما له على سائر المخلوقات وأمر أفضل المخلوقات بعده بالسجود له اعترافا وتقديرا لا عبادة وتبجيلا، وقل مثل ذلك في سائر العلوم. 
ومما يتفرع عن هذه النظرة من نتائج أن كل علم من علوم تدبير الحياة بما فيها مايصطلح عليه بعلوم الشريعة الإسلامية، ، ترتقى درجته ويرتب في سلم الأوليات بالنسبة لحاجة البشرية بقدر ما يسهم في تيسير سبل الحياة ، ويسعى إلى الترقي في سلم القيم المطلقة في رحلة العودة من الأرض إلى السماء ، وتلك رسالة التربية ودورها  كما سنوضح بتفصيل في رؤيتنا الجديدة لفلسفة التربية الإسلامية كمساحة لحركة المفاهيم بناء وممارسة. 
1. الإطار الفلسفي للتربية الإسلامية ( رؤية وتأملات جديدة في علاقة المعرفة بالقيم )
حين ينظر المربي والمدرس بعين فاحصة إلى القرآن الكريم وإلى سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يجد فيها من الجزئيات والتفاصيل ما إن جمعه وتصنيفه ودراسته في ضوء النظريات التربوية الحديثة ليشكل توجهات نفسية واجتماعية وتربوية ومعرفية جامعة تستهدف تكوين شخصية الإنسان من لحظة الفطرة التي فطره الله عليها إلى لحظات تشكل أعقد المفاهيم والتصورات لديه وتكون الاتجاهات و الميولات ومن تم الاعتقادات والجوازم بفعل مروره بخبرات متعددة ومتنوعة ومتغيرة خلال مسيرة حياته. 
ومعلوم أن النظرية التربوية الإسلامية من حيث أسسها ومبادئها العامة أسهمت بشكل كبير في صياغة نظرة الإنسان إلى نفسه ومن ثم إلى الكون والحياة والمصير سواء أكان مسلما مؤمنا بأصول هذه النظرية و منقادا لأحكام الإسلام بفهم سديد ورأي رشيد، أو مستفيدا من هذه النظرية من باب الإطلاع على التجارب والخبرات المختلفة كما نجد عند كثير من المفكرين والكتاب المهتمين بالتربية المنتمين إلى مختلف المدارس الفكرية وخاصة المنفتحة والمنصفة منها 
ونجد أنفسنا في هذا المدخل نثير تساؤلا نتلمس معالم الإجابة عنه في مقاصد الشريعة الإسلامية غير أنه لم يكن بارزا كما برزت تساؤلات العلوم الإسلامية وغاياتها في كتابات المفكرين المسلمين المشتغلين بالبعد المقاصدي للأحكام الشرعية كمقاصد الصلاة ومقاصد الزكاة وغيرها ،  ذلكم هو سؤال التربية وحظ النظرية التربوية الإسلامية من تفكير المشتغلين بالعلوم الإسلامية وبمقاصد التشريع الإسلامي على وجه الخصوص 
وسنجزئ هذا السؤال المحوري إلى أسئلة فرعية تستدعي التأمل والتفكير فنقول: 
  • لماذا شرعت الأحكام وكلف الإنسان بها وهل المقصود شرعا هو إتقانها والالتزام بها في حياة الإنسان فقط أم أن هناك مقصدا أسمى؟ 
  • ما علاقة القيم الإسلامية بالأحكام الشرعية ؟ وهل يمكن الاتصاف بالقيم دون الالتزام بالأحكام؟ 
  • هل تستهدف التربية الإسلامية تربية النشء على أداء الشرائع والأحكام في بعدها المعرفي والتطبيقي أم أن الشعائر والأحكام ليست إلا وسائل قد تحقق التربية إن قدمت بمنهج يمزج بين المعرفة والوجدان والسلوك وقد لا تحققها إن قدمت بالمنهج المعرفي الصرف 
  • إذا كانت إعادة التربية هي الوسيلة التي تعيد الإنسان إلى مركز الفلاح ( الجنة ) الذي تبوأه قبل هبوط آدم من الجنة، فما هي المحطات الأساسية لمسيرة العودة وما دور الأحكام الشرعية فيها؟ وهل دعوة الرسل كانت إلى الأحكام كمقاصد أم كوسائل للترقي نحو القيم؟ للمساهمة في الجواب عن  هذه الأسئلة نسوق هذه التأملات
 
 
فلسفة إعادة التربية من الاختبار إلى المصير:
 
إن هذه السؤالات وما يمكن أن يتفرع عنها يعيد من جديد سؤال التربية إلى الواجهة وفق سلم يقتضي كثيرا من التفكير والتحليل ثم إعادة البناء بما يمكن أن يعيد تشكيل العقل المسلم ويرتب أولياته ويركز مجهودات الإصلاح على الأهم فالأهم. 
وتفسير ذلك أن الإنسان نزل من الجنة لخلل أصاب جهازه التربوي عند الاختبار ( مخالفة سلوكية ) رغم قوة التكوين المعرفي. قال تعالى ( وعلم آدم اللأسماء كلها )  وغاية نزوله إلى الأرض إعادة تصفية جهاز القيم عن طريق التربية و غسل درن المخالفة بالهدى قال تعالى ( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى)  ليعود من تفوق في اختبار إعادة التربية إلى مكانه الأصلي الطبيعي (الجنة) وقد صفت قيمه،  وتنفي النار درن المخالفة عن المخطئين في تطبيق وصفة العلاج ( الأوامر والنواهي الشرعية ) كما تنفي الصدأ عن الحديد ليعودوا بعد مغفرة الله ومنه إلى الجنة ، لأن نظام القيم لدى المخطئ يظل متماسكا وإن أصابه درن مخالفة بعض الأحكام، أما الخاطئ المنكر لها  ( فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون)  خالداً مخلداً مادام نظام القيم قد انهار لديه ولم يعد قابلا للترميم وذلك هو مصداق قوله تعالى ( أولائك الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم )  
وهكذا بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين يملكون أمهر الوسائل وأرقى درجات الحكمة مزودين بتوجيهات وأوامر إلاهية تقرب من القيم وتنهي عن سلوكات ومخالفات تبعد عن القيم.
وقد بعث الله تعالى لكل أمة رسولا وجعل الرسل تترى في الزمان، وختمهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم حين نضجت وسائط التواصل بين البشر وأصبحت المجموعات البشرية أكثر احتكاكا، وقربا فناب العلماء عن الرسل في القيام بواجب التوجيه والإرشاد.
ولم تكن الشرائع والأحكام إلا وسائل للتربية وليست مقصودة لذاتها ،  ولذلك علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس الصلاة وقال (صلوا كما رأيتموني أصلي)  ولكنه قال للمصلين ( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا)  وأمر الناس بالزكاة وبين لهم أنصبتها ومقاديرها وأوجه صرفها ثم قرأ عليهم قوله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم)  ، وعلمهم الصيام وفرائضه وسننه ثم قال لهم ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع شرابه وطعامه )  وقس على ذلك.
والأنبياء والمرسلون يعلمون أن التشريعات والأحكام وسائل ليس إلا، وأن الغاية والمقصد منها أن يرتقي الإنسان بها في سلم القيم فذاك وحده هو الدليل على نجاح عملية إعادة التربية، ولذلك كانوا يسلكون من الأساليب والوسائل ما يجعل الناس مقبلين على تناول (جرعات ) من دواء  الصلاة أو  الزكاة بإقبال نفس وراحة ضمير وقبول وطاعة فيؤتي الدواء أكله في إعادة تصفية جهاز القيم، أما إذا كان أمر تطبيق أحكام الشريعة مبنيا على الإكراه والمراقبة الخارجية الصارمة عوض المراقبة الذاتية الناعمة ، فإن الدواء لن يؤتي أكله ، فيقع الشرخ بين ممارسة الشعائر وجهاز القيم وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن”    
وقد يقول قائل: ما دامت الأحكام والتشريعات وسائل للتربية على القيم وليست مقصودة لذاتها أفلا يمكن أن تكون وسائل أخرى قد تكون اجتهادية بشرية محققة لهذا المقصد ؟ وهنا يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ما دام الأمر يتعلق بقيم إنسانية عالمية كالعدل والصدق والأمانة والوفاء وغيرها لخوض تجارب إنسانية متعددة قد توجد في الكنفشيوسية أو البوذية أو لدى عباد الأصنام أو الصابئة أو حتى الذين يدينون بديانة الإلحاد ما دام التدين ضرورة بشرية لا يتخلف عنها أي إنسان. 
والجواب عن هذا التساؤل واضح من خلال القرآن الكريم فقد اعترف بكل الديانات وفسح المجال أمام الإنسان ليختار معتقده ومسيرته قال تعالى ( لكم دينكم ولي دين )  وقال تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )  وقال تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )  وبذلك وضع الخالق سبحانه وتعالى الإنسان أمام اختبار الاختيار وذكر القرآن الكريم كثير من الديانات الوضعية وناقشها بقوة العقل وحجة المنطق بين أنها وصفات دواء لا تمكن الإنسان من الترقي نحو القيم المطلقة. 
وبناء على ذلك يمكننا أت نقسم سعي الإنسان نحو القيم إلى قسمين:
قسم يسعى إلى قيم "العاجلة"  النسبية، فهو ينال حظه ونصيبه منها من غير ظلم ولا بخس قال تعالى ( ومن كان يريد حرث الدنيا نوته منها وما له في الآخرة من نصيب )  فمن ابتغى العدل كقيمة في بعدها الإنساني النسبي نال نتيجة سعيه في الدنيا وما له في الآخرة من نصيب مادام لا يؤمن بها ولا يسعى إليها بمحض اختياره .
وقسم يسعى إلى قيم "الآخرة" المطلقة ويعلم أن الدنيا مزرعة للآخرة فهو يرقى في سلم القيم إلى ما هو أسمى من قيم "العاجلة" وبذلك يكون تمسكه بقيمة العدل مثلا أقوى وأبقى أثرا لأنه يعلم أن الفائدة المادية حاصلة في الدنيا من انتشار العدل وهي خطوة للفوز والفلاح في الآخرة وهو هدف أسمى لدى المؤمن.                                                                                                                                                                                      
ثم إن الترقي في سلم القيم المطلقة للعودة إلى الجنة لن يكون إلا وفق ما أمر الله تعالى في القرآن الكريم وبين رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم كانت شريعة الإسلام الوسيلة الوحيدة للرقي نحو هذه القيم المطلقة، وباقي الوسائل الاجتهادية الأخرى تقف عند سقف قيم "العاجلة" . قال تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) .
وغاية الشريعة الإسلامية أن توضح هذا السبيل ولا تلزم الناس به ولا تنفي باقي السبل فالله تعالى يقول ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )  وتلك هي عظمة الاختيار في الإسلام لأن صقل القيم بالتربية لا يكون قسرا غير عرض النموذج الواحد وإنما يكون بوضع الخيارات المتعددة مع توضيح وبيان انجح الطرق وأفضل الخيارات بقوة العقل والبرهان وللإنسان أن يختار و يتحمل بعد ذلك مسؤولية اختياره.
ونقر هنا أن أي وسيلة وضعية من قوانين وأعراف تستهدف بصدق التربية على القيم الإنسانية الكونية تكون الفئة السالكة لها أقرب إلى الإسلام، وهذا الذي يجعل كثيرا من السالكين العقلاء الباحثين عن الطريق السوي يصلون في نهاية الأمر إلى الوسيلة الأمثل المتمثلة في شريعة الإسلام فيجعلهم ذلك يعيدون النظر في منظومتهم الفكرية والسلوكية ويحولون الاتجاه بعد الاستماع إلى الضمير السليم، والعقل السليم، في لحظات الخلوة بالنفس، أو القراءة الهادئة، أو الدراسة الواعية الفاحصة، أو التجربة الدقيقة الباهرة داخل مختبر فيجد في هذه اللحظات صفاء يقوده إلى الاتجاه الصحيح.  
وحين يصل الإنسان بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الالتزام بالأحكام والتشريعات الإسلامية كوسيلة للترقي نحو القيم يصل إلى التزكية، وهي الخطوة الأخيرة في مسيرة العودة إلى مقر الفلاح (الجنة ) المقر الأصلي الطبيعي للإنسان ذو القيم الصافية قال تعالى ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) 
 
 مفهوم الأمر والنهي في ضوء فلسفة القيم :
 إن منظورنا لعلاقة الأحكام بالقيم وهي كما قررنا علاقة السبب بالمقصد تحيلنا إلى تحليل بنية الأحكام الشرعية إلى جزئيات الأوامر والنواهي كما وردت في القرآن الكريم وفي سنة وسيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم والنظر إليها في سلم الترقي نحو القيم. 
أما الأوامر الإلاهية فهي توجيهات على طريق الوصول إلى القيم تسدد الخطى وتسرعها بقدر درجة الالتزام بها فالحريص على الفرائض منها فقط  أقل سرعة وحركة من الحريص على الفرائض والنوافل، ومعلوم أن السرعة مطلوبة للوصول إلى المقصد في أقل وقت ممكن ما دام العمر محدودا وساعة كل فرد علمها عند ربي في كتاب، ولا شك أن العاقل سيختار الوسيلة الأسرع. 
وفي هذا السياق نفهم قوله تعالى ( لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما )  
أما النواهي فهي لدرء المحرمات والتي تعتبر في سياق الترقي نحو القيم معيقات تضيع على الواقع في شراكها الجهد والوقت، ولذلك سماها الله تعالى بالسبل حين قال في محكم التنزيل ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )   والدخول إلى السبل الضيقة الصغيرة قد يكون سببا في التأخر في انتظار التوبة والعودة إلى الطريق المستقيم، وقد يكون سببا في الضياع فينتهي الزمن المقدر لحركة الإنسان نحو القيم ( العمر ) وهو عالق في السبل كسفينة جانحة في الصخور لم تتمكن طواقيم الإغاثة من انتشالها فعالاها الصدأ وتآكلت ألواحها وهوت إلى قاع البحر                   
وبما أن الله تعالى رحيم وغفور كتب على نفسه الرحمة، فقد نبه الناس إلى هذه المسارب الضيقة وأمرهم باجتنابها والسير في الطريق المستقيم من أجل الوصول السريع إلى صفاء القيم ومنها إلى النجاة، والمتأمل يرى أن النهي عن المحرمات هو رحمة بالسالكين و إلا كان منطق العدل البشري أن يترك السالك – وهو صاحب العقل والتفكير - يختار ما يشاء ويتحمل مصير اختياره،  ولكن العدل الإلهي عدل رحمة وتيسير ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )  وهكذا يعتبر النهي عن المحرمات في سلم الترقي نحو القيم ترشيدا لمسيرة الإنسان وليست قضاء على شهوة أو تكليفا بما لا يطاق، فمن نظر إلى المحرمات بهذا المنظور تتجلى له بلا شك نعمة الخالق في النهي عنها ، وسارعت نفسه إلى اجتنابها ، لأن المعادلة الواضحة في ذهنه تدعو إلى ضرورة تجنب كل معيقات الوصول إلى القيم في صراع حقيقي مع الزمن المحدود.
 
ميزان الأعمال في ضوء فلسفة القيم:
ويتفرع عن هذا التصور وضع ميزان للأعمال الصالحة والطالحة انطلاقا من فلسفة القيم ذلك أن العبرة في هذا الميزان بنوعية ا لعمل لا بكثرته، ولنوعية العمل دور حاسم في الدلالة على نضج القيم في نفس الإنسان، ولذلك كان الفعل الصغير من الأوامر قوة هائلة دافعة نحو القيم وعلامة بارزة على نضجها في النفس.  وكان الفعل الحقير من النواهي علامة كبرى على ضمور القيم في النفس وسببا في السقوط في الهاوية والعودة إلى نقطة الانطلاق مما يعني ضياع كل الجهود السابقة.
ويتضح هذا من التأمل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعله يغرف له به حتى أرواه فشكر الله فأدخله الجنة"  وأن "امرأة دخلت النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها ا تأكل من خشاش الأرض" . 
وأن "الرجل يذكر الكلمة لا يرى بها بأسا تهوي به سبعين خريفا في النار" ، ومعنى ذلك أن الرجل رجع إلى نقطة الصفر في سلم الترقي نحو القيم وقد يدركه الزمن ( العمر ) دون أن يتمكن من  الترقي نحو القيم بما يكفي فيظل في الخطيئة فيدخله الله إلى النار إلا إذا شاء سبحانه غير ذلك. 
ونستنتج من هذا أن الغاية ليست هي طبيعة العمل، فالرجل حين سقى الكلب قام بحركة بسيطة و المرأة ربطت الهرة لساعات، ولكن كل عمل من العملين دليل على درجة الترقي في سلم القيم، فالرجل الذي سقى الكلب لم يدفعه لذلك – وقد كان لوحده في الصحراء – إلا نضج قيمة الرحمة وقيمة ابتغاء مرضاة الله في نفسه. فدفعه كل ذلك إلى الإحسان فعبد الله كأنه يراه وذلك أرقى صور نضج القيم وسلامتها، وفي المقابل انمحت من نفسه رذائل القسوة والرياء والاحتقار وغير ذلك مما يكون عادة سببا في العزوف عن القيام بالكثير من الأعمال الجليلة القدر البسيطة الشكل.
وأما سلوك المرأة فدل على ضعف قيمة الرحمة في نفسها وحضور القسوة والجفاء مكان ذلك ، وقوة دافعية البخل على قيمة البذل والكرم، والأخطر من كل ذلك أنها لم تستحضر رقابة الخالق سبحانه وتعالى في فعلها فهي لا زالت تعتقد أن لا رقيب يحاسبها على عملها ذلك وهذا أكبر خلل في منظومة القيم وعلامة خطيرة على انهيارها.
 
 
منهج الترقي نحو القيم من المعرفة إلى العمل:
إذا كنا قد عرفنا أن نوعية العمل هي العملة الوازنة في ميزان القيم فكيف يتوصل الإنسان إلى اختيار العمل النوعي ؟ وكيف يرتب أولويات عمله في ضوء ذلك ؟ 
نتصور أن هذا المنهج ينبني على أربع قضايا كبرى هي: البحث عن المعرفة، وطرق اكتسابها ونشرها، وانعكاس أثرها تطبيقا في السلوك. ومقومات الاستمرار والثبات على هذا السلوك ،   وكل قضية لها وجهان فقد تكون دافعة في اتجاه الترقي نحو القيم  كما قد تكون في الوجه الآخر معيقا ومثبطا.
فأما المعرفة فقد تكون دافعة حين تكون موثوقة المصدر تجمع بين قراءة الوحي وقراءة الكون معتمدة على كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهادات العلماء العاملين المشهود لهم بالورع والتقوى وسعة الإطلاع، ولذلك يطلب من الإنسان أن يبني معرفته عن طريق التحري والسؤال، وهو مسؤول عن المعرفة الصحيحة التي يكتسبها ويترجمها إلى سلوك دافع نحو القيم ، وإذا توصل إلى معرفة خاطئة وبنى عليها اختياره يكون كمن ركب حافلة تتوجه إلى غير الاتجاه المقصود، والسبب في الغالب يعود إلى عدم السؤال الكافي وعدم التحري في دقة الجواب فيضيع الجهد والوقت ، وذاك شأن المعرفة المعيقة فكثيرة هي السلوكات المبنية على أحاديث ضعيفة أو موضوعة أو فهم غير سليم لآي من الذكر الحكيم، أو اعتماد اجتهاد غير معتبر ولا مستند إلى منطق ولا دليل ، وهذه السلوكات تبعد عن المسار الصحيح للقيم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)  ولا يحدث الإنسان في أمر الدين شيئا إلا من معرفة خاطئة بأصوله وضوابطه ، وعليه فالبدعة في هذا السياق هي عبادة الله تعالى عن جهل وهذا هو سياق تفسير الإمام البخاري لقوله تعالى ( فاعلم أنه لا إلاه إلا الله ) في ترجمته لكتاب العلم في صحيحه قال (باب العلم قبل القول والعمل ) وتلك هي المعرفة الدافعة نحو القيم .
أما في طرق اكتساب ونشر المعرفة فهي بدورها دافع أو معيق، ونقصد بالطرق: تلك المسلكيات اللفظية والمادية التي يعتمدها العالم والمتعلم في نقل واكتساب المعرفة، فالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن هي أنجح الوسائل التي ترغب الناس في تقبل المعرفة والتوجه نحو الطريق السوي وهم راضون مطمئنون تدفعهم الرغبة في السلوك، وذلك هو منهج القرآن الكريم في حفز الهمم نحو القيم وهذا المنهج دافع إلى الاستمرار والثبات على الطريق ولو كان السالكون قلة لأن الأهم هو قوة إيمان السالكين وليس كثرة عددهم. 
ونشير هنا إلى أن المعلم - بناء على هذا التصور - لا ينبغي أن يتسرع النتيجة في دفع الناس نحو القيم بما اتفق من الوسائل والطرق، ولا ينبغي أن ييأس حين ينظر إلى قلة السالكين لأن اليأس والتسرع قد يدفعانه إلى الخروج عن الحكمة فيتضخم الضلال والغي في عينيه، فيحكم على الناس من زاوية مظلمة فتحدثه نفسه بأسوأ السبل المنفرة من القيم كالتكفير والعنف والترهيب والطعن في النيات، وهذه أقصر السبل لانهيار سلم القيم في النفوس وإبعاد الناس عن المسار والمسير. 
وكثيرا ما رأينا من بعض المربين سلوكات نفرت الناس من الإسلام ونأت بهم عن طريقه، وكثيرا ما شاهدنا الرجل يقود ابنه أو أخاه أو صديقه إلى أحكام الإسلام قودا بالضرب أو الترهيب والزجر بدافع الغيرة، حتى إذا وضعه على السكة نفر، لأن الأحكام في الإسلام دواء، ولا يؤثر الدواء في المريض إن لم يتناوله برغبة وشوق وأمل في الشفاء. 
وكثيرا ما شاهدنا بالمقابل إشهار إسلام على الملأ في فرح واحتفال بسبب سلوك بسيط حسن، خلق في نفس المشاهد (غير المؤمن بالإسلام ) رغبة في التطلع تحولت إلى البحث فالاقتناع فالإيمان فالانخراط في سلم الترقي نحو القيم والأمثلة في هذا كثيرة ومتعددة. 
وكثيرا ما كانت تجليات القيم في سلوكات الناس دافعا إلى الإيمان قبل السؤال عن الأحكام والتشريعات، ولكن كثيرا من الناس يخطؤون الوسيلة فيركزون على التشريعات والأحكام وتفاصيلها وجزئياتها مع الغفلة عن تمثل وبيان آثارها في الوجدان والسلوك. 
وهذا الانفصام بين المعرفة والسلوك، هو الذي يدفع داعية إلى المناقشة الصاخبة في سنة عملية من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كالقبض في الصلاة" مثلا، مع المبتدئين والمؤلفة قلوبهم، ويجد لمخالفة هذه السنة النبوية الشريفة أثرا بليغا في نفسه ويضخم خطورتها في ذهن المدعو وتصوره، في حين لا يلقي بالا لتطفيف في المكيال والميزان، أو رمي للقمامة في الشارع وإذاء الجيران بذلك، والحالة أن ضرر المخالفة الثانية أضر على الإسلام والمسلمين من الأولى، وكلاهما ضرر، ومعالجة الثانية أولى من الأولى، وكلاهما يحتاج إلى علاج
ومثل هذا السلوك هو الذي ضخم الانفصال بين أفعال العبادات ، وبين آثارها في السلوك مع النفس والأهل والبيت والجيران والمحيط اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
أما العمل والتطبيق فهو بدوره قوة دافعة للترقي في سلم القيم إن كان صالحا، أو معيق إن كان  طالحا، فأما الصالح فميزانه الاعتدال والوسطية اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكليف النفس بما تطيق، والمداومة على العمل الصالح والترقي فيه بتدرج، كل ذلك يجعل من العمل قوة دافعة نحو القيم لأننا علمنا مما سبق أن العمل بالأحكام وسيلة وليس غاية 
ومن اعتقد أنها غاية ضخمها أكثر من اللازم فوقع في الغلو والتطرف ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه منبها المغالين ممن زاروا بيته يسألون عن أعماله (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له غير أنني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )  فالعمل من هذا القبيل معيق في طريق الترقي نحو القيم رغم اعتقاد صاحبه بصلاحه
أما مقومات الاستمرار والثباث على العمل والسلوك فهو الوجدان المتفاعل والمتوازن، فحين تحدثنا عن المعرفة الصحيحة، والطريقة والوسيلة الحكيمة، والعمل الوسطي المعتدل، كنا بذلك نضع أسس المنهاج السليم الذي يضع الإنسان على سكة الترقي نحو القيم، غير أنه يحتاج بالإضافة إلى كل ذلك إلى مقومات الثبات والاستمرار، وهنا بالضبط يحضر الجانب الوجداني والنفسي والعاطفي بما يوفره من شحنات قوية تغذي الدافعية نحو القيم، فكثيرا ما كان الحماس الفياض والعاطفة الجياشة والغيرة الحية دافعا نحو التضحية من أجل المبدأ، شريطة أن تكون مبنية بناء سليما متدرجا وفق المنهج السالف الذكر.
أما الوجدان والعاطفة المبنية على معرفة خاطئة أو غير موثقة كالقصص والحكايات الموضوعة، أو المركبة بعنف في ذهن صاحبها بوسيلة غير سليمة، أو الناتجة عن عمل هو أقرب إلى الرهبنة المبتدعة أو هي كذلك، وجدان غير مستقر وعاطفة غير سليمة لا تضمن الثبات في المسير لأنها هباء تذروه رياح العقل حين يفكر، والوجدان الصافي حين يتحرك، أما الوجدان والتعاطف المبني على معرفة صحيحة مستقيمة، ووسيلة وطريقة حكيمة، وعمل وسطي، فيؤدي إلى التمازج والاندماج ويصبح قناعة راسخة غير قابلة للتغيير، ولذلك كان أحب الدين إلى الله أدومه وإن قل.
وبهذا يكون تقوية الجانب الوجداني والعاطفي على أسس متينة وقودا للسالكين طريق الحق ومحفزا للثبات عليه ويكون ضعف هذا الجانب أو بناؤه على أسس غير سليمة، مثبطا ومنفرا يخلق الاضطراب والاغتراب. 
ولذلك ندعو المربين إلى تجنب استخدام الصدمات الوجدانية والعاطفية في التربية، لأنها تخلق رد فعل ظرفي لا ينبني عليه عمل، وهنا نفهم كيف يتحول شاب أوشابة في لمح بصر من معاقر للخمر ة ومستهلك للمخدرات أو قاطع للطريق، إلا صالح مصلح يرخي عمامته ويطلق لحيته ويحضر صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، ثم لا يلبث أن يترك كل ذلك وراءه ظهريا إلى ما هو أفظع وأنكى من السلوكات، وعليه نؤكد أن سلوك هذه الطريق من طرف المربي دليل على عجزه واستعجاله.
إن بناء هذه الدعائم الأربعة لمنهج الترقي نحو القيم ( المعرفة السليمة، والطريقة الحكيمة، والثمثل العملي الوسطي، والوجدان المحفز ) هي صميم المجال النظري والتطبيقي للتربية الإسلامية والغايات الكبرى التي تتوخاها سواء في بعدها العام أو في بعدها التعليمي المدرسي. تجد تجلياتها التطبيقية في مجالات التنمية كأقوى دافع للإنتاج ، وأقوى محفز للإخلاص وحب الخير والمصلحة العامة ، وسنعرض نماذج وأمثلة لانعكاس هذا التصور في مسارات التنمية . 
2 . التربية  على القيم الإسلامية و أثرها في مجالات التنمية ( قضايا ونماذج)
 ننتقل من الإطار الفلسفي العام للتربية الإسلامية كما حاولنا بناءه برؤية جديدة  ، إلى الجانب العملي للتربية  على القيم الإسلامية كعامل مؤثر في التنمية المستدامة، أو ما يمكن تسميته بتيسير سبل الحياة  ، وخدمة الصالح العام وتحقيق مبدأ الاستخلاف، والنجاح في معركة العودة إلى مركز الفلاح عبر تصحيح منظومة القيم الفردية والجماعية. 
   وهذا يقتضي منا بدأ تحديد مصطلحي لمفهومي "التربية الإسلامية "و"التنمية" لان الاختلاف في مفهوم المصطلح يقود إلى الاختلاف الحتمي في النتائج، ثم تحديد ميادين التنمية المعاصرة ودور التربية على القيم الإسلامية فيها من بيئة وتكنولوجيا وتسيير المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ثم البحث العلمي والإعلامي وغيره. 
  مفهوم التربية الإسلامية في بعدها العام 
يقول الكاتب الإسلامي محمد قطب  "لقد أحسست بطبيعة الحال أن في القرءان توجيهات تربوية كثيرة وأن لهذه التوجيهات أثر في النفس ، وأن الإنسان حين يتدبرها ويتأثر بها يصبح سلوك معين وشعور معين هو أقرب إلى الصلاح والتقوى ، ويصبح الإنسان أكثر شفافية وأكثر إنسانية  (لقد خلق الله في البشر مجموعة من الأحاسيس والطاقات وأنواعا من أساليب التفكير والعمل ، ولم يكن ليترك هذه الأحاسيس وهذه الأساليب والطاقات محكومة بهوى النفس لأنه خلق الإنسان لهدف (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون)  فكان لابد أن توجه هذه الطاقات إلى الانسجام التام مع الغرض من الخلق ، وفي هذا الصدد ترتبط التربية الإسلامية مع نمط متكامل من التوجيهات التي ترسم الطريق للإنسان وتتلخص في :   
  • الإيمان أو ما يمكننا أن نسميه تربويا الارتباط بالرقابة الذاتية النابعة من الجانب العقائدي الذي يربط الأرض بالسماء، وعمل الإنسان بفلسفة الجزاء "الثواب والعقاب "الشيء الذي تعجز عنه القوانين الوضعية لارتباطها بالرقابة الخارجية وتوفر أدلة الإثبات.
  • الربط بين مبدأ التربية ومبدأ الاستخلاف (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض)  (وإذ قال ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة)   وهذا الربط يشكل جوهر المنظور الحضاري في التصور الإسلامي.
  • التوازن والتكامل بين الجوانب العقلية والمادية والنفسية والروحية (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ،وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) 
وبهذا تكون التربية الإسلامية هي"توجيه طاقات الإنسان الإبداعية إلى تحقيق العبودية لله تعالى والتخلص من عبوديات المكونات المادية التي تعتبر في فلسفة التربية الإسلامية وسيلة لا هدفا "وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد الغزالي "ليس الدين أحكاما جافة وأوامر ميتة ،انه قلب يتحرك بالشوق والرغبة يحمل صاحبه على المسارعة إلى طاعة الله وهو يقول ، وعجلت إليك ربي لترضى " 
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي ،ولما ختم الله كتبه بالقرآن وختم رسالته بالإسلام وختم النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأعلن في كتابه الخلود إن الغاية من خلق المكلفين لأن يعرفوا الله ربهم وأن يعبدوه . فهذا سر خلق الجنس الناطق المفكر المريد في هذا العالم 
  مفهوم التنمية في بعدها الحضاري 
من الخطأ أن نعتبر التنمية مجرد عملية اقتصادية فنحصرها في مناصب الشغل مع إغفال مؤشرات التقدم والتخلف المرتبط بالقيم التي تحكم المسار الثقافي والاجتماعي والسياسي.
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عادل حسين، في مقال له تحت عنوان "التراث ومستقبل التنمية "غني عن البيان أن حديثنا عن التطورات المقبلة خلال عقدين كاملين. هو حديث عن تنمية مركبة تشمل المجتمع كله وتصيب مكوناته كلها ( سياسية وثقافية واجتماعية إلى جانب المكون الاقتصادي) بشكل ينبغي أن يكون متكاملا ومنسقا …ويلاحظ في السنوات الأخيرة أن المتحدثين عن التنمية العربية أصبحوا جميعا يتناولونها باعتبارها عملية أوسع من أن تكون مجرد عملية اقتصادية، ولذا يتابعون باختفاء وتحفظ مؤشرات التقدم في مختلف القطاعات وليس في القطاع الاقتصادي وحده . ومن هنا نقول إن مهمة التربية الإسلامية لاتنفك عن هذا المنظور الشامل للتنمية بحيث لا تنحصر في بناء السلوك الفردي بقدر ما توجه وتربى كل الطاقات الفاعلة في ساحة التنمية سواء في ذلك المهندسون والإعلاميون وتقنيو الفلاحة وملاحوا الفضاء والبحر وغيرهم.    
 
دور التربية على القيم الإسلامية في توجيه حركة التنمية
لقد تركزت الأخلاق الاقتصادية في الغرب على أسس عقلانية نفعية صرفة، فكان الإخلاص في العمل والوفاء بالعهد وعدم الغش وغيرها من مبادئ حسن التصرف والإدارة تأخذ بعين الاعتبار عدم فقدان الزبون، وفي كتاب ثروة الأمم يعلن منظر الليبرالية آدم سميت
"إننا لا نعتبر قوتنا منة من القصاب أو الخباز بل إن عملهما يعود بفائدة عليهما، إننا لا نخاطب إنسانيتهما بل أنانيتهما فلا نكلمهما عن حاجياتنا بل عن مصالحهما" .
يدل هذا التحليل على الارتباط الصرف بالمصالح الآتية، وتختلف الوسيلة باختلاف نسبة ما يتحقق من هذه المصالح المادية الظرفية، ولعل هذا ما يفسر طغيان المصالح المركزية للغرب حيث ترتبط التصرفات بفلسفة تربوية تعتمد المذهب النفعي ، ويتجلى ذلك بوضوح حينما يرتبط الأمر بحقوق الإنسان والحوار الحضاري والرؤية الجيوسياسية للعالم المقبل، فلا تكاد تحضر القيم المتنوعة  لكافة الشعوب في أي مشروع تغييري ولا تتحد المضامين المصطلحية للثوابت الحضارية «حقوق الإنسان –العدالة الاجتماعية -السلم –الحوار…"ألا وفق ما تنسجه مصلحة الغرب ولو على حساب المفهوم الحضاري للإنسانية. وهذا لا ينفك عن الفلسفة التربوية التي ذكرنا.
وإذا رجعنا بذاكرتنا إلى ما سبق وان قررناه من أن فلسفة التربية الإسلامية قائمة على الارتباط بالجانب العقائدي الذي يخلق الرقابة الذاتية وبمبدأ الاستخلاف الذي يأخذ بعين الاعتبار فلسفة الجزاء (ثواب عقاب) كموجه أساسي، وبمبدأ التوازن انسجاما مع مكونات الإنسان. تبين لنا أن أخلاقيات التنمية في المشروع الإسلامي مرتبطة بما هو أبعد من تحقيق المصلحة الذاتية الفردية، إذ تعتبر العقيدة ورقابة الله تعالى ومبدأ التقوى بوصلات موجهة لأي فعل اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي فيقاس النفع والضرر بمدى الاستجابة لأمر الله لا بالمصالح الذاتية الفردية والظرفية.
ويصبح مقياس حقوق الله وحقوق المكلفين (كما يقول علماء الأصول ) والتعارض بينهما قائم على درء المفاسد وجلب المصالح العامة. هو الموجه المتحكم.
وبهذا تكون العقيدة الإسلامية  كخلفية للقيم ،عنصرا متحركا وليست إيمانا جامدا لا يتجاوز حدود القنا عات الخاصة الداخلية غير المؤثرة في السلوك العملي لذلك قال الرسول (ص) "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل"  
وبقراءة بسيطة لبعض نماذج الدعوة في القرءان الكريم نرى كيف وظفت العقيدة الإسلامية  ، في إصلاح ما فسد من أحوال اقتصادية واجتماعية وسياسية وموصلة لتنمية بديلة. ومن أمثلة ذلك. نبي الله شعيب وإصلاح الفساد الاقتصادي  ، ودعوة نبي الله لوط إلى إصلاح الفساد الأخلاقي والاجتماعي ، ودعوة نبي الله موسى إلى إصلاح الفساد السياسي ، وكل من هؤلاء جعل من تثبيث عقيدة التوحيد  مدخلا للإصلاح . وعبر هذه النماذج يظهر بجلاء أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بفلسفة التربية السائدة  ويمكننا أن نتلمس الآثار الإيجابية للتربية على القيم الإسلامية في ميادين التنمية المعاصرة من خلال رصد واقعها أولا ثم معرفة انعكاسات التربية على القيم الإسلامية في مستوياتها العملية. لتطبعها ببصمات الاستمرار الناجح والتخطيط المسؤول. ومن ذلك على سبيل المثال
 
التربية الإسلامية وتسيير المؤسسات
يحتاج تسيير المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قبل القوانين الضابطة، إلى تكوين متين ومستمر يستوعب التغيرات، ويحتاج أيضا إلى من يتصف بأخلاق المهنة والإخلاص لها، ثم هو يحتاج ثالثا إلى تخطيط مستقبلي ورؤية بعيدة.
وتأتي القوانين المنظمة خاصة الزاجرة منها لسد الثغرات وتفويت فرض الاستهتار على المتهاونين ، ويحتاج القانون المتعارف عليه إلى جيش من الأطر يسهر على حمايته ثم إلى مجموعة أخرى تسهر على حمايته ومراقبة حماة القانون، لأن المتعارف عليه في زماننا من خلال الواقع المعيش أن أهل القانون أقدر الناس على اختراقه باعتبار الإطلاع الكبير على الحلقات المفرغة ونقط الضعف وصيغ التأويل. وما أوتيت كثير من المؤسسات إلا من قبيل سوء التدبير واختراق القوانين المنظمة نظرا لغياب الضمير المهني من جهة ثم ضعف الرقابة البشرية من جهة ثانية.
وأمام هذا الوضع لا شك أن تسيير المؤسسات في حاجة إلى رجال يتوفرون إلى جانب ما ذكرنا من تكوين مستمر ومتين على رقابة داخلية مكتسبة من منظومة تربوية إسلامية تربطهم بأهداف أسمى من "الضمير الحي "الواجب الإنساني "إلى تحقيق مبدأ خلافة الله في أرضه والإحساس بالمسؤولية أمام أصحاب الحقوق وأمام الله الذي يعتبر رقيبا وحسيبا وشاهدا لقول الرسول j: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"   ، ولن يتم هذا إلا إذا كان التكوين المهني والمعرفي لا تنفصل فيه الجوانب التقنية عن التوجيهات الروحية العقائدية  ، ولذلك لا نستغرب من كون الرسول (ص) وهو المعضد بالوحي قضى ثلاث عشر سنة في صقل الجانب العقائدي لدى الرجال الذين سيساهمون في بناء أول دولة إسلامية بالمدينة.
 ومن هنا يظهر أن هدف التربية على القيم  الإسلامية يتجلى في أمرين ،طرح البديل الإسلامي في الواقع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، ثم ترسيخ الرقابة الذاتية التي تجعل الشخص المسؤول يرقى بالمسؤولية من التشريف إلى التكليف لانه يعي جيدا قول الرسول j :"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "   ومن هنا ندرك أن سر قول عمر: "لو عثرت بغلة في العراق لسئل عمر لماذا لم يعبد لها الطريق"  ، وقال حين حضرته الوفاة: "ما ندمت على شيء ندمي على تولي الخلافة"  ، وندرك أيضا سبب عزوف أبي حنيفة عن تولي منصب القضاء غير أنه كان من سننهم أيضا إذا رأوا أنهم أهل لتولي منصب قد يفسده من ليس أهلا له ،قالوا مثل ما قال يوسف عليه السلام للعزيز [اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم]     .....والحفظ يعني الشعور برقابة الله تعالى والعلم يعني الكفاءة وهما شرطان أساسيان لتسيير المؤسسات، وهذا ما توفره التربية على القيم  الإسلامية.
 
 
التربية على القيم الإسلامية  واستخدام التكنولوجيا
يشعر الإنسان في العالم المعاصر أنه أسير التكنولوجيا وأنها سلبته حريته فأصيب بهذيان وارتجاف خوفا من أن تكون عاملا مدمرا للحياة أو على الأقل عامل استعباد للضعفاء وتهديد لمصادر رزقهم وتحكم في خيار اتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما حصل بالفعل في عالم النظام الجديد ،وقبله أيام الحرب الباردة ،وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد عزيز الحبابي رحمه الله: "التكنولوجيا بحد ذاتها هي مصدر للروائع بالنسبة للإنسانية ، لكن هذه الأخيرة ليست أبدا سوى وسائل مادية فاترة ذات بعد متساو من الخير والشر على الصعيد الإنساني ، إن للتكنولوجيا دورا وهو الدراسة العقلانية للتقنيات . يجب أيضا إقامة انشطار واضح بين الاستعمال الحسن أو الاستعمال السيئ للتقنيات غير أن ما يميز التكنولوجيا ظاهريا في مرحلتنا الراهنة ،هو بداية قسوة تطبيقاتها :أفران حرق الجثث –هيروشيما –التمشيط المنتظم للثائرين "الثوار ضد فرنسا "،رش البلدان بالنابالم في الصبائح الهادئة ،الشواهد لا تنقص أبدا ،إن المنطق ينكسر في هذه اللعبة ، ويتموضع "الانا"في البداية أو في النهاية ويصبح الكلام عبر منطق مكسور . وهناك بعض الوقائع التي تسبب الخوف والارتجاف، إنها مراجع مرقمة ، مدوية وحادة جارحة بشكل مفارق :
900 مليار دولار تقريبا للتسلح مقابل  35مليار لمساعدة العالم الثالث، وجزء عيني من هذه المساعدات معطى على شكل سلاح أو يقدم لشراء أسلحة…،كيف يمكن لمسلم أن يكون رد فعله على هذا الدجل العالمي "  . وبعد عرض مستفيض لمختلف المواقف المتخذة من التكنولوجيا خلص الدكتور الفاضل إلى فكرة تجسد اهتمامات العالم المعاصر وهو ما يصطلح عليه "بأخلاقيات التكنولوجيا" وما نسميه نحن "توجيه التربية الإسلامية لاستخدام للتكنولوجيا" بما يخدم قيم الإنسانية ويحقق خلافة الله في الأرض وعمارتها مخالفين بذلك منطق السيطرة الذي يؤدي في غالب الأحيان الى الاستعمال السيئ للتكنولوجيا، يقول الدكتور محمد عزيز الحبابي: "وبالفعل الإسلام والتكنولوجيا سوف يجدان وجه فائدة لكل منهم، فالآلية المنتقدة من أجل تفلتها الجنوني ،سوف تأخذ وجها إنسانيا، والإسلام سوف يجد أوبته الجسور التي انتزعها منه التفاوت التاريخي ،وسوف يعود الإيمان قوة احتجاج متيقظة ..وهكذا فان زواج العقل والخلاص بين العلم والتكنولوجيا من ناحية والإسلام من ناحية أخرى، تعيد للمجتمع بعده الروحي وسوف نسترجع عندها الصفاء والسكينة الخامدتين منذ أمد طويل " 
 
 التربية على القيم الإسلامية  ، وأثرها في مجال الإعلام
يستطيع الإعلام أن يخلق صورة سيئة عن إنسان ما ، أو شعب ما ، كما أن له قدرة على خلق صورة إيجابية  ، وان لم تكن حقيقية عن إنسان آخر أو شعب آخر وعن طريق سلطة الإعلام ودورها في تكييف الإطار الفكري للإنسان، نخلص إلى أن الوسائل الإعلامية تلاحق الفرد في العصر الحديث أينما كان ، وبغض النظر عن مكونات العقلية المرجعية فإننا نجده مستعدا للتجاوب مع الخبر والصورة بشكل كبير ، ويبقى الصدق والكذب وقواعد الإعلام مثل "الخبر مقدس والتعليق حر "تخضع للنسبية المرتبطة بأخطبوط إعلامي موجه لخدمة أهداف معينة ،  ليست بالضرورة في صالح المستمع بل توجيهه والتأثير عليه ، وقد أضحى الارتباط متينا بين المؤسسات السياسية والإعلامية ، ولم تعد الاستقلالية واردة على الإطلاق ، فلن يمكن بأي حال من أن تخرج توجهات محطات الإرسال التلفزيوني في الولايات المتحدة مثلا عما تخططه المؤسسة الحاكمة في إطار النظام العالمي الجديد ،  وكم كان الإعلام الغربي مقدمة ممهدة لضربات عسكرية موجعة في عدة مناطق من العالم عن طريق استعداء العقلية الغربية باستعمال مصطلحات" الإرهاب "التطرف"الشرعية الدولية"التدخل لحماية حقوق الإنسان "إعادة الأمل"فيشعر الشارع الأوروبي  إما بالتعاطف مع العمليات العسكرية أو بالخوف على المصالح الذاتية .
ولقد أصبح المسلمون اليوم بعد فترات الانحطاط يعتمدون على وسائل الإعلام الأجنبية. في مادتهم الإخبارية التي ترتبط في كثير من الأحيان بمركزية الغرب،  وفي كثير من الأحيان الأخرى بالمؤسسات الصهيونية.التي تعمل عبر شركات دعاية إعلامية ترصدها الأموال الطائلة لصناعة أبطال مزيفين ،  وتهميش كل من لا يدور في فلك هذه المؤسسات أو يعمل ضدها.
إننا نجد في الإسلام ضمانات الخبر الصادق واستقلال المؤسسة الإعلامية نظرا لتحملها المسؤولية في تحري الدقة، انطلاقا من قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "  وقوله تعالى: " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"  وقوله (ص) : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" .
وقد صدر مقال للأستاذ محمد ادريس، من إسلام أباد  في مجلة العالم اللندنية  يتحدث فيه عن قوانين الصحافة كما وضعها القرءان الكريم من خلال قصة النبي سليمان  عليه السلام مع الهدهد في سورة النمل ومن الموازين الصحفية التي ذكرها :
  • احتواء الخبر على الجديد بالنسبة للسامع ،وهذا واضح في قوله تعالى على لسان الهدهد : " أحطت بما لم تحط به"  . 
  • كون الخبر مؤكدا في قوله تعالى : " وجئتك من سبأ بنبا يقين "  فليست الصحافة الإسلامية صحافة تزييف وتزوير .
  • تحديد الزمان والمكان ووصف الحالة وهذا وارد في ثنايا القصة. 
  • الصحافة الميدانية أرقى صور الإعلام المعاصر وهذا متوفر لأن الهدهد صحافي لم يعتمد تغطية الحدث من مكتبه وإنما زاره ميدانيا "وجئتك من سبأ بنبأ يقين"  
  • تجرد الخبر عن أي مؤثرات ،  وعدم استجابته لأي ضغوطات، فالهدهد نقل الخبر وانتقد الأخطاء دون أن يخشى ملكة سبأ.
 إن ميدان الإعلام يحتاج إلى تربية وتكوين يضمنان تواجد أخلاق المهنة ويتحرر الإعلام ليصبح أداة ترشيد وتثقيف عوض أداة ضغط وتزييف. وذلك عن طريق تطعيم برامج التدريب بالبعد الأخلاقي سواء في المناهج أو المواد الدراسية لأن الواقع الحالي يتحدث عن ضعف الحس إعلامي القيمي والأخلاقي عند كثير من معدي البرامج عموما، أو عن خبرة ضعيفة عند معدي البرامج الدينية خصوصا فلا هذا ولا ذاك نريد، إنما نريد إعلاما متطورا منضبطا إلى التوجهات التربوية الإسلامية وأساسيات الإعلام الحر النزيه.
 
التربية على القيم الإسلامية ، وأثرها في حماية والبيئة
حينما نتحدث عن البيئة فإننا نقصد كل ما يحيط بالإنسان مما سخر الله له في الكون من مخلوقات قال تعالى :"والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين " .
وقد تحدثت كثير من الدراسات عن البيئة وعوامل تلويثها. فتحدثت عن تلوت الماء،  وعن تلوت الهواء والتربية والغذاء والتلوث الضوضائي وتلوث الطبقات الجوية واستنزاف الثروات الطبيعية، وأشارت بأصابع الاتهام إلى الإنسان عبر أنشطته الصناعية التي خلفت نفايات خطيرة وأنشطته العسكرية التي خلفت دمارا وخرابا للبيئة يبقى مفعوله عبر الحقب والأزمان ومخزون العالم من أسلحة الدمار الشامل يكفي لتدمير الكرة الأرضية.
إن من أساسيات التنمية، الحفاظ على البيئة ومقاومة التلوث ولن يتم هذا بواسطة قوانين محلية أو دولية يصادق عليها في مؤتمرات من حجم قمة ريوديجانيرو (قمة الأرض) وإنما يتم ذلك بواسطة التربية لأن الفرد هو الذي يفسد البيئة ويلوثها قال تعالى:  "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " .
إن غياب هذا الحس التربوي الإنساني هو الذي يجعل الغرب يصدر نفاياته إلى بلدان العالم الثالث بما في ذلك النفايات النووية المشعة ،  مقابل عقد صفقة مع نظام حاكم في بلد جائع وفقير ومريض، إن غياب هذا الحس هو الذي يجعل الصناعات الغربية تصب الأطنان من النفايات في عرض البحر، و إن الفرق كبير بين الفكر والممارسة ،  وكبير بين "التخلص من النفايات" و "المحافظة على البيئة"، إن الإسلام حينما تحدث عن الطهارة الحسية والمعنوية فإنما ربط ذلك بالتصور العقائدي والعبادي، ربط الطهارة بالشعائر التعبدية حيث لا تجوز بدونها ولا تخلو تعليمات الإسلام في كل الميادين من إجراءات لحماية البيئة.
فحينما تحدث عن الماء وهو المكون الرئيسي للبيئة ربطه بالحياة قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"  لذلك نهى الرسول (ص) عن تلويثه في الحديث الذي رواه أبو هريرة حيث قال:  " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه " . وبالقياس يكون النهي بهذا الحديث عن كل ما يلوث الماء.
وحينما يتحدث عن الحروب ومخلفاتها ينهى عن حرق المزروعات وتدمير مقومات الحضارة لأن الحرب في الإسلام استثناء من قاعدة السلام ،  يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لأسامة بن زيد قائد جيش المسلمين  إلى الشام:  " ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل.."وعن التصرفات العامة للإنسان في تعامله مع بيته اعتبر الرسول (ص) أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة فعن أبي برزة قال قلت يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به قال: " اعزل الأذى عن طريق المسلمين " .
هذه توجيهات إسلامية أوردناها كنموذج لدعوة الإسلام إلى المحافظة على البيئة يحتاج تأصيلها إلى دراسة واسعة. يقول الأستاذ عبد الله هلال من هيئة الطاقة الذرية في القاهرة "والواقع أن التقدم الصناعي الذي أحرزه الإنسان هو أكبر مسبب للتلوث، ذلك لأنه لم يقترن بالقيم الصالحة التي تحرم الإضرار بالبيئة واستنزاف ثرواتها ، وإذا كنا نجتهد في هذه الأيام لدفع التنمية في بلادنا ومواكبة التقدم الصناعي الذي أحرزه الغرب فيجب أن تحكمنا قيمنا الإسلامية " ويضيف" صدرت التشريعات وتكونت المنظمات وعقدت المؤتمرات العديدة لبحث إجراءات اللازمة للتصالح مع البيئة، ومع أن إهمال الجوانب الروحية والدينية هو أهم أسباب التدهور البيئي فمن المؤسف أن المواثيق والتوصيات التي صدرت عن مؤتمرات حماية البيئة، لم تتطرق إلى هذه العوامل المهمة، إن الرقابة الوحيدة التي يمكن أن تلازم الإنسان في كل زمان ومكان هي رقابة الضمير والقانون الوحيد الذي نضمن له الاحترام والتطبيق هو القانون الإلهي"  .
 
التربية على القيم الإسلامية وأهداف البحث العلمي
إن الأخذ بالمنهج الإسلامي في مجالات البحث العلمي يجب أن يقبل على أنه حقيقة منطقية وضرورة حضارية ويكفي شاهدا على ذلك أن علوم الكون والحياة إسلامية بطبيعتها لأن موضوع البحث فيها هي كل خلق الله في كتابه المنظور.
من هنا كانت إسلامية المنهج العلمي ضرورة حضارية ملحة لضمان مواصلة التقدم العلمي والتقني مع الحفاظ على إنسانية الإنسان، لأن الإيمان الخالص، والسمو الروحي يأتيان في مقدمة الخصائص التي يتميز بها المنهج العلمي الإسلامي وإليهما تعزى كل القوى الدافعة لملكات الباحث العلمي عن طريق الإبداع والابتكار.
لذلك بنيت فلسفة البحث العلمي من المنظور الإسلامي على نظرية التوحيد التي شكلت دافعا من حيث المنطلق وهدفا من حيث النتائج، فهي دافع من حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له "  ، فهذا دافع يتضمن مصلحة الإنسان وتطوير البحث العلمي والسيطرة على الطبيعة، ليتجاوزها إلى ما هو أسمى وهو الأجر والثواب المتواصل بتواصل نفع النتائج المتوصل إليها. وهي هدف من حيث أن "من الصفات الجديدة للمعرفة العلمية المعاصرة، أن الحواجز الظاهرية بين فروع العلم المختلفة أخذت تذوب تدريجيا لكي تحل العلوم المتداخلة والمتكاملة محل العلوم المتعددة والمنفصلة ، ولقد توقع "هيز تبرنج"هذه النتيجة للعلوم المعاصرة عندما ذكر في محاضرة ألقاها بجامعة ليبزج عام 1941م أن فروع العلم المختلفة قد بدأت في الانصهار في وحدة كبيرة وحول فكرة العلم الموحد" .
وهذا هو هدف البحث العلمي من المنظور الإسلامي إذ كل العلوم ووسائل البحث فيها تهدف إلى إثبات وحدانية الله وعظمته، لذلك نجد كثيرا من الآيات تحث على النظر في المخلوقات لإدراك عظمة الخالق وهو الهدف الأسمى من البحث العلمي.
وهكذا تدفع التوجيهات الإسلامية الباحث العلمي إلى تصحيح نيته في البحث وتوجيهه إلى ما هو أسمى من المصلحة الظرفية، وفي هذا التصحيح دفع قوي وتجاوز للصعاب ،  وترشيد في طبيعة توظيف النتائج لخدمة الإنسان وتحقيق الخلافة في الأرض.
والخلاصة أن التربية على القيم  الإسلامية فلسفة عامة توجه الفعل الحضاري الإنساني إلى التوفيق بين متطلبات الحياة المادية والغاية العلوية التي تتمثل في خلافة الله في الأرض ،  وإذا كانت التنمية تقوم أساسا على العنصر البشري فإن تأهيله وتكوينه يمر بالضرورة عبر صياغة برامج للتكوين تستهدف التربية على القيم وتنمية الكفايات .وقد بقي هذا المطلب يتردد في توصيات المؤتمرات والندوات الفكرية ، دون أن تصاغ في تنزيله إلا قلة من المشاريع  التتنفيذية والإجرائية ، بل واعتقد الكثيرون ممن يشتغلون ببناء مناهج التعليم، أن ترسيخ القيم الإسلامية يمر فقط عبرتدريس مادة التربية الإسلامية والعلوم الشرعية ، وأن باقي المواد الأخرى في المنهاج التعليمي هي مواد تعليمية منفصلة عن القيم ، وسنحاول في هذا البحث أن نبرز دور كل المواد المكونة للمنهاج التعليمي في التربية على القيم الإسلامية من خلال عرض إبراز هذا الارتباط أولا ، ثم صياغة مقترحات عملية في كل مادة تعليمية ، حتى يكون المنهاج التعليمي منطلقا من فلسفة واحدة وقاصدا أهدافا موحدة تتجلى في التربية على القيم وتنمية الكفايات.والإسهام الفاعل انطلاقا من ذلك في حركة التنمية ,
 
مناهج التعليم ودورها في ترسيخ القيم
حين ينظر المربي بعين متأملة وفاحصة إلى مناهج التعليم بصفة عامة يجد نفسه محاصرا بسؤالات الهوية الحضارية والقيم الموجهة لهذه المناهج ونوعية الكفايات المعرفية والوجدانية والسلوكية التي تبتغي هذه المناهج خلقها وتنميتها وتطويرها في نفسية المتعلم ، وكيف يمكن أن تسهم كل المواد الدراسية في تكامل وانسجام ، في بناء منظومة القيم الإسلامية لدى المتعلم ، سواء في محتواها التعليمي أو طرق تدريسها ، أو أنشطتها التعليمية 
نستهدف من خلال إبراز  العلاقة بين مختلف المواد الدراسية والقيم الإسلامية باعتبارها مواد حاملة ، توجيه المدرسين لهذه المواد وإرشادهم إلى الترابطات التي توجد بين كل مادة على حدة والقيم الإسلامية المتنوعة مما يساعدهم على صياغة الأهداف العامة للمحتوى الدراسي ككل والأهداف الخاصة بكل درس وأهداف مختلف الأنشطة التعليمية والتربوية المصاحبة. 
وحيث أن تسمية المواد تختلف من نظام تعليمي إلى آخر في بلدان العلم العربي والإسلامي فإنني سأتحدث عن المواد الكلية التي لا يكاد يخلو منها أي نظام تعليمي ، وما يمكن أن يوجد من مواد فرعية أخرى فيمكن أن تدخل ضمنا تحت مادة من هذه المواد الكلية وانطلاقا من ذلك سأبحث العلاقة بين :
  • مادة التربية الإسلامية والقيم الإسلامية 
  • مادة اللغة العربية أو( الوطنية)والقيم الإسلامية       
  • مادة اللغة الأجنبية والقيم الإسلامية
  • مادة الرياضيات والقيم الإسلامية
  • مادة العلوم الطبيعية والفيزيائية والقيم الإسلامية
  • مادة التربية الفنية والتكنولوجية والقيم الإسلامية
  • مادة التربية البدنية والقيم الإسلامية
1  - مادة التربية الإسلامية (اليقين والتصورات)
” إن واقع التربية في البلدان الإسلامية اليوم يقصر التربية الإسلامية على تحفيظ واستظهار وفقه بعض الآيات من القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية الشريفة والسيرة النبوية وبعض التراجم لأعمال بعض القادة، وما إلى ذلك، وهذا قاصر عن مفهوم التربية الإسلامية كنظام متكامل فالتربية الإسلامية بفلسفتها وأهدافها تتميز بسمات وقواعد حددت وفق نظرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وفيما يخص جوانب التربية المباشرة للفرد فقد غطت بشمول وتوازن كل جوانب النمو عنده، عقله وجسمه وروحه وحياته المادية والمعنوية كما غطت كل جوانب المعرفة من علوم شرعية وعلوم كونية، باتساق واضح منطلق من فلسفة إيمانية حددت لكل نوع من المعرفة أهدافه التي تسعى إلى تلبية حاجة الفرد الروحية والمادية والاجتماعية.    “
انطلاقا من هذا التعريف الشامل يظهر أن مادة التربية الإسلامية مادة كلية حاملة لمختلف القيم الإسلامية المنظمة لجميع مجالات الحياة والموجهة لمختلف سلوكات الفرد وتصوراته.
ونريد أن ننبه هنا إلى قضية جد هامة وهي أن محتوى مادة التربية الإسلامية في كثير من بلدان العالم الإسلامي لا يعكس هذه الصورة الكلية العملية المحددة في التعريف السابق وإنما يتجه أكثر إلى التركيز على الجانب المعرفي المرتبط بالعلوم الإسلامية كالقرآن حفظا وتفسيرا والحديث حفظا وتفسيرا، وأحداث السيرة وبعض أحكام العبادات والمعاملات وتدريس هذه المكونات بأسلوب نظري عام يكاد يخلو من الجانب التطبيقي العملي المرتبط بسلوك المتعلم اليومي مما يجعل محتوى المادة قاصرا عن أداء رسالتها الكبرى وهي ترسيخ القيم الإسلامية التطبيقية العملية خاصة في مرحلة التعليم الأساسي التي يحتاج فيها المتعلم إلى تنمية الكفايات الوجدانية والسلوكية أكثر من حاجته إلى المعطيات المعرفية.
ولذلك ندعو إلى ضرورة إعادة النظر في محتويات المادة حتى تحتفظ بدورها كمادة رسمية حاملة للقيم الإسلامية بصفة مباشرة ونتصور أن تكون مكونات المحتوى الدراسي كالتالي:
-المجال العقائدي والتعبدي بمفهومه العام.
 -المجال الفكري والمنهجي.
-المجال الاجتماعي والأسري.
-المجال الاقتصادي والمالي.
-المجال الوقائي والصحي.
-المجال الحقوقي.
-المجال التواصلي والإعلامي.
-المجال الفني والجمالي.
-المجال البيئي.
 
وكل مجال من هذه المجالات يتضمن دروسا ومحاور تنطلق من النصوص القرآنية والحديثية والفكرية والأمثلة والقصص المشوقة والأشغال التطبيقية العملية والأنشطة الموازية خارج الفصل التي ترسخ المكسبات وتعمقها.
وهكذا يمكن للمادة من خلال محتويات برامجها وأنشطتها وتكييف طرق ووسائل تدريسها ان تشكل العمود الفقري للنظام التعليمي الذي له صلة مباشرة بالقيم الإسلامية وباقي المواد الأخرى تدور في فلكها من حيث التكامل في حملها للقيم الإسلامية جزئيا.
2-  اللغة العربية ) التواصل والبيان ( 
اللغة العربية لغة القرآن وهو خطاب الله تعالى إلى العالمين وقد اختارها الله تعالى من بين كافة الأسماء التي علمها لآدم كوعاء ليحمل القيم الإسلامية للعالمين، ولذلك لا يمكننا أن نفصل بين هذه المادة والقيم الإسلامية، مما جعلنا نعتبرها مادة حاملة لهذه القيم بصفة مباشرة لأنها ليست وسيلة اتصال فقط ولكنها خطاب حامل لقيم تستهدف تكييف ميولات المتعلم واتجاهاته.
وهنا نشير كما أشرنا سابقا في مادة التربية الإسلامية إلى أن مناهج تدريس اللغة العربية في المدارس العربية والإسلامية يركز على البعد التقعيدي من نحو وعروض وبلاغة ويطغى فيه هاجس امتلاك اللغة كوسيط للتواصل لا غير دون محاولة تطعيم محتويات الدروس بالبعد التربوي القيمي الإسلامي.
ونحن لا نعتقد أنه بالإمكان الفصل بين اللغة والثقافة التي تحملها فلا نتصور تدريس اللغة الإنجليزية مثلا دون أن ننقل عبرها إلى المتعلم بعضا من القيم الغربية،ولذلك لا يمكننا أن نفصل بين اللغة العربية والثقافة الإسلامية التي تحملها وأي إغفال لهذا الجانب سيكون فيه كثير من التجني على هذه اللغة لغة الوحي.
وإذا ما انتقلنا من تدريس اللغة العربية كمادة دراسية إلى مجال أوسع وهو اعتمادها كلغة تدريس لجميع المواد، لإتسع المجال أكثر لإبراز البعد التربوي والمعرفي لهذه اللغة، يقول الدكتور إسحاق الفرحان ” نظرا لأهمية اللغة العربية في تراث الأمة الإسلامية وكيانها ونظرا لأن اللغة ليست وسيلة اتصال فقط وإنما هي ظلال فلسفة حياة وتحمل في طياتها طريقة تفكير الأمة ومنهاج حياتها فإنه يجب اتخاذ اللغة العربية لغة القرآن الكريم لغة أساسية لتدريس كافة المعارف والعلوم ، في جميع مراحل الدراسة في التعليم العام والتعليم الجامعي كما يجب السعي لدى الدول الإسلامية التي لا تتكلم العربية وتشجيعها لتتخذ اللغة  العربية  لغة  رسمية  ثانية  تعلم  في  المدارس  كلغة وكوسيلة لتعلم العلوم الشرعية كذلك ليتسنى للطلاب في الأمة الإسلامية الإطلاع على التراث الإسلامي من أوسع أبوابه “  
وانطلاقا من هذا التأسيس النظري نتصور أن أستاذ مادة اللغة العربية يمكن أن يوظف هذه المادة لنقل القيم الإسلامية من خلال :
 اختيار النصوص التي تحمل قيم العدل والحرية والكرامة وكل الأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة وجعلها موضوع التحليل والدراسة وخاصة منها النصوص القرءانية والحديثية والنصوص الأدبية المتميزة من شعر وقصة وأمثال.
 اختيار نصوص الكتاب والمؤلفين المسلمين المتميزة كتاباتهم بالسلاسة والوضوح والمستحضرين للقيم الإسلامية في إبداعاتهم وإنتاجاتهم وجعلها مناسبة للتعريف بهم وبجهودهم.
 تجنب اختيار النصوص الحاملة للقيم السلبية وإن كانت تحمل إبداعا لغويا لأنه يوجد في غيرها ما يغني عنها حتى وإن كان أعذب الشعر كما يقال أكذبه. 
توجيه الطلبة إلى القراءة الذاتية الموجهة من خلال إرشادهم إلى قصص وأشعار ودراسات وأبحاث تنمي الملكة اللغوية وترسخ القيم الإسلامية .
العناية بالكتابة الموجهة للطفل الهادفة إلى تنمية قدراته اللغوية وتحبب له التعامل مع اللغة العربية.
العناية بإنتاج واستعمال كافة الوسائل التعليمية السمعية والسمعية البصرية والإعلاميات في تعليم اللغة العربية.
 
3- اللغة الأجنبــية  ( التواصل مع الآخر )  
لا شك أن إدراج مادة اللغة الأجنبية في مناهج التعليم سواء كانت اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها الغرض منه تعزيز قدرات المتعلم على التواصل بألسنة متعددة تمكنه من الإطلاع إلى الثقافات الأخرى والتعريف بثقافته الأصلية.
وهذا مقصد مهم يحقق ما يطمح إليه النظام التعليمي العام من انفتاح على المحيط ، إلا أننا نعلم أن الفصل بين اللغة والثقافة أمر يكاد يكون مستحيلا لما تتضمنه اللغة من مفاهيم ومصطلحات تكون في العادة وليدة البيئة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولذلك يحتاج المربون في كثير من الأحيان إلى بذل مجهودات كبيرة لتكييف اللغة الوافدة مع الثقافة الأصلية للمتعلم حينما يكونون بصدد بناء برامج المواد اللغوية المرتبطة باللغة الأجنبية وكثيرا ما لا يبذل هذا المجهود فتنقل اللغة وحمولتها الثقافية بل وحتى القيمية إلى المتعلم، مما يعارض حتى المنطلقات الأساسية التي ينبني عليها التعليم فيصبح التلميذ أمام مرجعيتين أو أكثر، وأمام أنماط ثقافية متعددة في التعليم الأساسي، وهو ليس قادرا بعد على فهم الأبعاد الأساسية للاختلاف ولم يمتلك بعد أصول خاصية ثقافته الأصلية، وقد أجريت كثير من الدراسات التقويمية لبرامج ، مواد اللغات الأجنبية تكشف التناقضات الموجودة بين برامجها وما تنص عليه المنطلقات العامة للنظام التعليمي في كثير من البلدان العربية والإسلامية وتخلص هذه الدراسات في الغالب إلى اقتراح ضرورة الملاءمة بين محتويات مختلف المواد الدراسية والمنطلقات العامة للنظام التعليمي التي تعتمد ترسيخ قيم العقيدة الإسلامية وتصوراتها للكون والحياة والإنسان كمبدأ أساس  .
ومع ذلك تبقى محتويات مواد اللغات الأجنبية حاملة لثقافتها رغم مجهودات الملاءمة التي تحدثنا عنها وقد تسربت المرجعيات الثقافية المتعددة إلى محتويات مواد أخرى غير اللغات إنما هي في هذه الأخيرة أظهر وأبرز.
انطلاقا من كل ذلك ندعو إلى ضرورة بذل مجهودات كبرى لتكييف محتويات مواد اللغات الأجنبية مع متطلبات النظام التعليمي لجعلها مواد حاملة للقيم الإنسانية النبيلة العامة والقيم الإسلامية التي تأخذ طابع الإنسانية والعالمية أيضا انطلاقا من عالمية رسالة الإسلام وذلك باعتماد التوجهات الآتية :
اختيار نصوص الثقافة الإسلامية المكتوبة باللغات الأجنبية واعتمادها في تنمية مهارات القراءة والكتابة والتحليل والتقويم.
 اختيار نصوص من الثقافة العالمية المكتوبة باللغات الأجنبية لا يناقض محتواها القيم والتصورات الإسلامية وتدعو إلى الأخلاق والآداب العامة أو تتضمن معلومات ومعطيات عن الحضارة الإنسانية في أبعادها الإيجابية.
التعريف بأعلام الفكر والثقافة والحضارة الإسلامية من خلال إنتاجاتهم وإبداعاتهم وكذا أعلام الثقافة الإنسانية الذين قدموا خدمات جليلة على مستوى البحث والابتكار.
اختيار نصوص الحفظ والأشغال التطبيقية من مصادر ومراجع يحال عليها المتعلم لاستكمال خبراته وتحضير دروسه تكون محتوياته منسجمة مع القيم الإسلامية..
 تنظيم أنشطة موازية موجهة من طرف المدرس كالقراءة الجماعية لكتاب أو قصة أو مشاهدة أفلام فيديو أو الاستماع إلى نصوص مقروءة عبر الشريط السمعي أو غير ذلك على أن تخضع مادة هذه الأنشطة إلى الإعداد المسبق من طرف الموجه التربوي حتى يتم استثمارها إيجابيا في تعزيز قدرات التلميذ اللغوية وتنمية اعتزازه بقيمه.
العناية الكبرى بالكتابة الموجهة للطفل والمراهق باللغة الأجنبية وتشجيع الكتابات التي ترسخ لدى التلاميذ الأخلاقيات والآداب العامة من خلال طبعها وتوزيعها على أوسع نطاق وهكذا يمكننا أن نقول أن مواد اللغة الأجنبية إذا استلهمت هذه التوجيهات يمكن أن تسهم بشكل كبير في تعزيز كل القيم الإسلامية لدى المتعلم ونشرها في محيطه.
 
 4- المواد العلمية ) الخلق والتسخير (: الرياضيات – العلوم الطبيعية – الفيزياء والكيمياء
لم يكن ثمة انفصال بين العلوم الشرعية والعلوم الكونية في التراث التعليمي الإسلامي اعتبارا لوحدة هدف التعليم وهو معرفة الكون والحياة المفضية إلى معرفة الله وإفراده بالعبادة.
هذه قيم كبرى تخدمها المنظومة التعليمية ككل غير أن الأنظمة التعليمية العربية الإسلامية الحالية التي تعددت مشاربها أضحت العلوم الكونية فيها ) التجريبية – الطبيعية ( تكاد تكون منفصلة عن تحقيق البعد القيمي الإسلامي علما بأن قدرتها على ترسيخ القيم في نفوس المتعلمين، قد تكون أفضل بكثير من العلوم النظرية اللغوية والإنسانية فمواد الرياضيات والهندسة والعلوم الطبيعية والفيزياء القائمة على التجربة الحسية الممارسة والتفكير المنطقي التحليلي إذا ما تم توجيه نتائجها وآليات التفكير فيها إلى التأمل في الصنع الإلاهي البديع، وقدرته على الخلق والتدبير كفيلة بأن تخلق للمتعلم ربطا متسقا بين ما يتلقاه في العلوم النظرية والعلوم التطبيقية فيقع الإيمان في نفسه موقع الاطمئنان تماما كما حصل لنبي الله إبراهيم حين أجابه الله تعالى عن سؤاله ” رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي “   فأمره بعد الإيمان النظري أن يجري تجربة تطبيقية  ”قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم “  فتزاوج النظر والتجريب، فكانت النتيجة حصول الاطمئنان القلبي وهذا هو منهج القرآن الكريم في بناء المعرفة فهو ليس كتاب في علم من العلوم الكونية أو الطبيعية وليس مصدرا لاكتشاف النظريات العلمية التجريبية، ولكنه أشار إشارات حاسمة إلى مجالات الكون والميادين العامة للمعرفة التي يجدر بالعقل الإنساني أن ينظر فيها ويتعلم قال تعالى ” قل انظروا ماذا في السماوات والأرض  “  وقال ” فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم  “وقال ” ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلف ألوانها ومن  الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما سيخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور    “ولذلك تجدر الإشارة إلى هذه الآيات الكريمة عند ) تدريس ( الميادين العلمية ذات العلاقة، وذلك لتعزيز الإيمان بالله. إن هذا الاتجاه من شأنه أن يثبت في نفس الطالب عظمة الخالق الواحد الأحد والإيمان بالله وحده لا شريك له .  
إننا نخنق في الطالب نفس امتداد التفكير في عوالم الملكوت وانفلات أسئلته الواسعة المفضية إلى الإيمان حينما نختزل قانون ظاهرة من الظواهر الطبيعية التي يتوصل إليها المتعلم عن طريق إجراء التجربة في ) الطبيعة ( وليس في عظمة خالقها.
إن من شأن تدريس العلوم الكونية بنفس إسلامي أن يحقق لدى المتعلم قيما شتى أشير فقط إلى بعضها.
معرفة تكريم الإسلام للعقل والعلم والعلماء ووضع المعرفة في سياقها الطبيعي وهو معرفة الله وخشيته وعبادته.
إدراك المتعلم لقدرة الله تعالى الخالق المبدع والمدبر لكل القوات المتحكمة في كل الظواهر.
تعميق العقيدة الإسلامية لدى المتعلم مما يعمق تجلياتها في سلوكاته وتصرفاته .
تنمية الحس المنطقي في التفكير والقدرة الذاتية على الحوار والإقناع بأدوات العقل والنقل. 
إن المتعلم في مادة الرياضيات يتعامل مع مسلمات أولية ويبني عليها عمليات تجريدية منتظمة في الأسلوب تفضي إلى وحدة في النتائج. وعقيدة الإسلام تنطلق من مسلمات وتوجد لها سلوكية في الواقع وتفضي بدورها إلى وحدة في النتائج بحسب اختيار الإنسان.
وإن المتعلم في مادة العلوم الطبيعية والفيزياء يتعامل مع ظواهر علمية تجريبية مبسطة في المراحل الأولى من التعليم ، وقد يكون أبسطها تركيبا يفضي إلى عميق الأثر في نفس المتعلم بعظمة الخالق ،كتكون النباتات ونمو الأشجار، وجريان المياه وفق دورتها ، وتغذية الحيوانات وتصرفاتها ، والتربة وطبقات الأرض بهضابها وسهولها وجبالها ، ينبغي أن يتناول المعلم كل ذلك بالشرح والتفسير والتطبيق لكنه لا يمكن أن يقف عند رصد الظواهر بل ينبغي كلما لاحظ في أعين التلاميذ تجليات السؤال الكبير " من خلق ودبر كل هذا ؟ " قال اللطيف الخبير، وإلا يكون قد قصر في مهمته وما أدى رسالته. 
إن نظرة في الأهداف المسطرة لدروس العلوم الطبيعية والتجريبية والأنشطة العلمية المصاحب لها تجدها تنحصر في :
- تنمية حب الاستطلاع – تنمية روح النقد – تنمية القدرة على التعبير المتعدد الأشكال – تنمية القدرة على التواصل – تنمية روح التعاون – احترام المياه والطبيعة – العناية بالذات من الناحية الصحية والوقائية- الوعي بالقضايا السكانية والصحية والغذائية … وغيرها.
كل ذلك جميل ولكنه سيكون أجمل إذا ما ربط بالقيمة الكبرى والهدف الأسمى الذي يحكم كل تلك القيم الجزئية وهو تنمية روح الإيمان في المتعلم ، وهذا هو دور المعلم وهذه هي روح رسالته.
يقول الدكتور حمدي أبو الفتوح عطيفة ” وتعد مجالات العلوم الطبيعية والبيولوجية من أخصب المجالات التي يمكن للإنسان أن يكتسب فيها تلك المعرفة التي تساعده على العمل الصالح الذي يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى فمن خلالها يعرف الإنسان نفسه، ومن ثم يعرف قدره وحجمه وحدود دوره المرسوم له في هذه الحياة الدنيا، كما أنه من خلال دراسته لتلك العلوم يتعرف على بيئته وما سخر الله تعالى من تلك البيئة لخدمته فسخر له الدواب وأنزل له من السماء ماء فأخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم، ومن خلال دراسته لتلك العلوم يتعرف الإنسان على ذلك الكون الهائل المعجز ويعرف فضل الله عليه إذ سخر له الشمس ليستمد منها الطاقة التي تسير بها حياته، وسخر له القمر ليعرف عدة الشهور وسخر له النجوم ليهتدي بها في الظلمات “  
5- التاريخ والجغرافية ) الاجتماعيات ( ) العبرة والاعتبار(         
إن للزمان والمكان أثرا كبيرا في إدراك المتعلم لمحيطه وقضاياه وفي ضوء كل ذلك يبني علاقاته ويحرك طاقاته وإبداعه وفي ظل عدم الوعي الكافي بالزمان والمكان والمحيط قد لا يكون المتعلم قادرا على ممارسة دوره في المحيط بالشكل المطلوب.
وفقا لهذه الرؤية تحدد الأهداف العامة لمادة الاجتماعيات في تنمية قدرات المتعلم على التفاعل مع محيطه عن طريق معرفة بيئته وتاريخ وطنه ومقوماته الحضارية وخواص طبيعية البيئية والبشرية والاقتصادية وعلاقته ببلدان أخرى وتحديد موقعه ومواقفه من كل ذلك ثم تتفرع هذه الأهداف في الإطار النوعي إلى أهداف خاصة بالتاريخ وأخرى خاصة بالجغرافية .
إن النظرية التربوية الإسلامية تعتمد كل هذه الأهداف وتستوعبها مهما اختلفت وتطورت في شكل جزئيات وتفاصيل لكنها تضع له إطارا عاما وهو فهم الإنسان للحياة والكون فهما إسلاميا يعتمد الاعتبار من تاريخ الأولين وسنن الكون زمانا ) تاريخ( وأداء مهمة الخلافة مكانا ) جغرافيا(.
فالإسلام يدعو من خلال تعليم مواد التاريخ والجغرافية إلى تمكين المتعلم القدرة على التفكير في أحوال العالم وسنة الله في الخلق وأحوال الأمم والشعوب على مدار التاريخ ، دون أن يقف عند الوعي بها ولكن في خدمتها عبرة يعيد في ضوئها قراءة الواقع والتفاعل معه والاعتزاز بما حققته الأمة الإسلامية من حضارات زاهرة حين ربطت العلم بالقيم وما تعانيه من تخلف نتيجة الفصل بينهما.
وهذه قيم سامية تعطى للتلميذ في شكل جرعات مناسبة لسنه وقدراته العقلية فلكل حدث صغير عبرة تناسبه، ولكل ظاهرة اجتماعية طريقة مناسبة للتحليل والاستنتاج ويمكننا أن نحدد القيم التي يمكن أن تحققها مادة الاجتماعيات  حسب هذا المنظور في:
معرفة التلميذ لأصوله وانتمائه الحضاري الإسلامي واعتزازه به وطنيا وعالميا.
 إدراك التلميذ لنسبية الزمان والمكان والحياة ككل من خلاله معرفته بفناء الأمم السابقة وخضوع المرحلة التاريخية التي  يعيشها بدورها لدورة الزمان والمكان.
 بناء سلوكاته وتصرفاته اليومية انطلاقا من القيم الإسلامية الاجتماعية الداعية إلى احترام الآخرين والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات ونبذ العنصرية ومحاربة الميز على أساس اللون أو العرق واحترام الثقافات الأخرى والمجادلة بالتي هي أحسن.
الاعتبار بأحوال الأمم السابقة سواء في هلاكها ودمارها حين سلكت طريق الانحراف أو ازدهارها ورقيها حين اختارت طريق الاهتداء،  من خلال قصص الأولين في القرآن الكريم أو مصادر التاريخ الأخرى 
إننا نؤكد أن مدرس الاجتماعيات لا يذكر الحادثة التاريخية لمجرد تحقيق هدف معرفي ولا يرصد الظاهرة الاجتماعية لمجرد أنها ظاهرة اجتماعية ولكنه ينبغي أن يستهدف من ذلك حمل قيم إسلامية إلى التلميذ فلكل حادث عبره في الزمان ولكل ظاهرة اجتماعية عبرة في المكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
6- المواد الفنية والتكنولوجية ) الحس والملكة (
تشمل في العادة المواد الفنية والتكنولوجية على الرسم والأعمال المسطحة والنحت كمرحلة أولى ثم الأشغال التركيبية الأولى المؤدية إلى التعامل مع التكنولوجيا كصناعة المجسمات المركبة ومعرفة خواص الأشياء كالأسلاك والقطع الخشبية والبلاستيكية والمزج بين الأجسام الصلبة والسائلة وغير ذلك مما يمكن أن يعتبر أنشطة تربوية موجهة قبل أن ينتقل التلميذ إلى التعامل مع التكنولوجيا الحديثة من وسائل سمعية بصرية وإعلاميات وتهدف هذه الأنشطة التربوية في العادة إلى :
إذكاء روح الإبداع والابتكار لدى المتعلم وتحفيزه على التفكير وشحذ الذهن والإنتاجية.
تنمية حواس الذوق الجمالي والفني لدى المتعلم والتفاعل الإيجابي مع البيئة.
تذوق وتقدير الإنتاج الفني والجمالي ثانيا.
 اكتساب المهارات وضبط التقنيات الأساسية للتعامل مع مختلف الوسائل في إنجاز إبداعات وابتكارات. لأشكال متعددة للتعبير والتواصل مع المحيط تتيحها الأعمال الفنية.
 وتعد هذه الأهداف أساسية في تكوين شخصية المتعلم وانفتاحه على محيطه وتعتبر هذه المواد فضاء واسعا لإدماج القيم الإسلامية من خلال إدراك التلاميذ لمفاهيم الذوق والجمال في الإسلام ، فالله جميل يحب الجمال، والله طيب لا يقبل إلا طيبا، والله تعالى يحب  إتقان العمل والصنعة. والإسلام يطلب منا أن نتأمل في صنع الله وفي خلقه  ، فكل شكل من الأشكال وكل جسم من الأجسام وكل مادة من المواد صلبة كانت أو سائلة كل شيء عنده بمقدار  ، ولم يخلق عبثا، وفي كل صورة للإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد إبداع إلاهي، ولا وجود للزائد ولا للفائض، وأن الله تعالى متع الإنسان بقدرة فائقة على الإبداع والابتكار أقواها قدرة العقل والحواس من سمع وبصر ولمس، وأن الإنسان لولا هذه القدرات التي متعه بها الخالق ولولا الكون الذي سخره له لما استطاع أن يكون مبدعا فعليه أن يسخرها في الإبداع الإيجابي.
وهذه المواد بتكامل مع غيرها من المواد الأخرى داخل نسق تعليمي واحد المتعلم تزود بقيم التعامل مع التكنولوجيا الحديثة سواء في التعامل مع الوسائل السمعية البصرية أو الإعلاميات التي أصبح التلاميذ في السلك الأساسي يعتبرونها الوسيط الأفضل لممارسة أنشطتهم التعليمية والترفهية  ، فكان لا بد أن يشجعوا على التعامل مع هذه الوسائل بتوجيه يستهدف ترسيخ القيم الإسلامية وتجنب ما يخل بهذه القيم ويهدمها مما يكسبهم مناعة ذاتية.
وهكذا يمكن للمواد الفنية التكنولوجية أن ترسخ لدى المتعلم القيم الآتية:
إحساس التلاميذ بدقة صنع الخالق للحياة والكون.
اعتزاز التلاميذ بفنون الحضارة الإسلامية والمبدعين من علمائها.
الإحساس بإيجابية توظيف مهاراتهم  التقنية في التوعية بالقيم الإسلامية.
 تهذيب الخلق العام والأحاسيس الذاتية للمتعلم واستثمار ذلك في تعامل مع المحيط كحرصه على النظافة والنظام وغير ذلك.
وهكذا يبدو أن معلم هذه المواد ينبغي أن يضع إلى جانب الأهداف المهارية والذوقية الصرفة أهدافا تربوية ذات أبعاد قيمية يفهم معها التلاميذ أن جمال الإبداع وجمال النفس وجمال المحيط وجمال السلوك كلها وحدة لا تتجزأ ، وأن لا قيمة لفن تحضر معه المهارة وتغيب معه رسالة القيم فالله جميل يحب الجمال.
7- التربية البدنية والرياضة ) سلامة الجسم والعقل (
تستهدف التربية البدنية بلورة قدرات المتعلم الجسمية والعقلية والتفاعلية ، بواسطة تمارين حركية منظمة وموجهة تنمي فيه الجهد ، وقوة الإرادة والتحمل ، وتدفعه إلى الانسجام داخل المحيط ، وخلق لديه حب المنافسة الشريفة وتقوى مناعة الجسم عنده وبهذا التوجه تبدو مادة التربية البدنية مادة حاملة لكثير من القيم التي تجد نفسها متجذرة في التصور الإسلامي فالرسول  صلى الله غليه وسلم يقول ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير “ 
وينسب إلى أمير المؤمنين عمر  )ض( قوله ” علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل“ وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،  أنه سابق عائشة رضي الله عنها فسبقته في الأولى وسبقها في الثانية، فقال هذه بتلك. فقوة الجسم ومناعته والعناية بصحته وتنشيط كافة أجهزته الدموية والتنفسية والعصبية والعناية بالهياكل العظمية والعضلية ، ليس مستهدفا لذاته في التصور الإسلامي، ولكن العناية بكل ذلك هو استعداد للقيام بمهام العبادة بمفهومها الواسع لأن من شأن الجسم السليم أن يدفع إلى التفكير السليم والأداء السليم لأركان العبادات وإتقان العمل والصنعة 
والصبر على صعاب الحياة  النفسية والمادية، وقد صدق من قال العقل السليم في الجسم السليم.
وإذا أضفنا إلى ذلك القيم الإسلامية المتعلقة بتنمية الروح الاجتماعية كالتنافس الشريف ، والتعاون والتضامن واحترام الغي، والإخاء والصداقة والتعايش وحسن المعاملة، فإننا نتيقن أن مادة التربية البدنية تعد المحك التطبيقي الذي يمكن أن نختبر فيه مدى تمكن القيم الإسلامية الفردية والجماعية في نفسية المتعلم ، والتي يتلقاها في مختلف المواد الدراسية الأخرى وبناء على ذلك يمكن لمعلم التربية البدنية أن يرسم لحصصه الدراسية وما يتعلق بها من أنشطة أهدافا مرتبطة بالقيم الإسلامية والتي يمكن تقويمها في فترات ومراحل محددة بناء على تخطيط سليم ومتدرج للمناهج  المتعلقة بهذه المادة، لأن من شأن تنمية روح التعاون مثلا كقيمة إسلامية عملية أن لا تقاس في حصة أو حصتين ولكن تجلياتها تكتشف عن طريق الملاحظة الأولية في كل حصة دراسية  ، شأنها في ذلك شأن تنمية القدرات الجسمية التي لا يمكن أن تحقق إلا عبر مراحل.
ونختم الكلام في هذا المحور بضرورة العناية بالجو العام الذي تمارس فيه التربية البدنية مما يسمح بترسيخ القيم الإسلامية السالفة الذكر حيث تتوفر فيه شروط الاحترام والأخلاق العامة فلا تمارس التربية البدنية بشكل مختلط بين الذكور والإناث ، لأن من شان ذلك أن يؤثر على ممارسة الأنشطة الحركية الضرورية لكل فئة على حدة، مع تهييء القاعات اللازمة لذلك، وتنظيم الحصص الدراسية في المادة بالتناوب مع تخصيص معلمات للتربية البدنية لإناث ومعلمين للتربية البدنية للبنين خاصة في مرحلة السلك الثاني من التعليم الأساسي.
ومن الملاحظ أن كثيرا من الفتيات يحرمن من الاستفادة من التمرينات الرياضية نظرا لغياب الجو المناسب لذلك، وأعتقد أن الإقبال على هذه المادة الضرورية بالنسبة للجميع سيزداد ويتقوى كل مل توفرت الشروط الضرورية لممارستها في ظروف تسمح بتنمية القدرات الجسمية وتنمية الملكات العقلية والروح الجماعية ترسيخا للقيم الإسلامية.
وهكذا نكون قد أبرزنا أوجه الترابط بين مختلف المواد الدراسية ، ومنظومة القيم الإسلامية ومن شأن هذا أن يسهل على مدرس المادة صياغة الأهداف الخاصة بمادته عموما وبتفاصيل دروسها,
 
نموذج تطبيقي: لتشخيص البناء المعرفي في مجال التربية على القيم  الإسلامية لدى طلبة التعليم الثانوي
وإذا كنا إلى هذا الحد قد سطرنا نظريا إمكانية إسهام مختلف المواد الدراسية في ترسيخ القيم الإسلامية فإننا اخترنا دراسة تطبيقية خاصة بمادة التربية الإسلامية باعتبارها مادة مركزية في التربية على القيم الإسلامية ، وسنعمل من خلالها على عرض نتائج دراسة ميدانية أجريت بالمغرب وتتعلق برصد الخريطة المفاهيمية  حول مادة التربية الإسلامية لدى تلاميذ أقسام الباكالوريا ، مع تحديد الإشكالات التي تعاني منها مناهج مادة التربية الإسلامية  في ضوء تلكم النتائج ، واقتراح بناء منهاج جديد للمادة نعيد من خلاله تشكيل خريطة مفاهيم التربية الإسلامية لدى تلاميذ التعليم الثانوي ، يسهم في حل تلكم الإشكالات ، ويجد امتداداته في تشكيل منظومة القيم  لدى شباب الجامعات في مختلف التخصصات ,
نقدم في هذا النموذج التطبيقي نتائج دراسة ميدانية أنجزناها بتطبيق تقنية ربط الكلمات الحرة وربط الكلمات بواسطة المصفوفة على عينة من طلبة التعليم الثانوي بالمملكة المغربية.
وقد اعتمدنا في هذه الدراسة على مفهوم "التربية الإسلامية" كمفهوم مثير،حامل للقيم، لمعرفة مدى ارتباطه بشبكة المفاهيم المتعددة الموجودة في ذهن الفئة التي تشكل عينة الدراسة.
 
  أهداف الدراسة
•تحديد الحقل المفاهيمي المرتبط بمفهوم "التربية الإسلامية" لدى عينة من طلبة التعليم الثانوي.
•تشخيص البناء المعرفي المرتبط بمفهوم «التربية الإسلامية" لدى نفس عينة الدراسة.
•اقتراح تصور جديد لمناهج التربية الإسلامية في ضوء نتائج الدراسة
 
  عينة الدراسة
تتكون عينة الدراسة من طلبة الثانية من سلك الباكلوريا ينتمون إلى ثانوية الحسن الثاني بأكاديمية تطوان بالمملكة المغربية. وقد اعتمدنا في هذه الدراسة على متغير التخصص الدراسي للمقارنة حيث كانت العينة الأولى متكونة من 45 طالبا وطالبة، من شعبة العلوم التجريبية و 67 طالبا وطالبة من  شعبة الآداب العصرية.
 
  أدوات القياس ونتائج التشخيص
تقنية ربط الكلمات الحرة
اعتمدنا في التطبيق الأول على تقنية ربط الكلمات الحرة ، حيث طلب  من العينة المفحوصةأن تكتب على ورقة  كل الكلمات أو المفاهيم أو المصطلحات التي يعتقدون أن لها علاقة بمفهوم "التربية الإسلامية"  في ظرف لا يتجاوز دقيقتين. مع تنبيههم إلى عدم كتابة اسمهم في ورقة الإجابة و أن كل الأجوبة تعتبر صحيحة.
بعد جمع النتائج، قمنا بتصنيفها في جدول حسب  عدد تكرار ارتباطها بمفهوم التربية الإسلامية.
أ‌-نتائج العينة الأولى المتكونة من 45 طالبة وطالب تخصص علوم تجريبية 
بالاعتماد على جدول معاملات الارتباطات الذي يبين الحد الأدنى للارتباط ذو الدلالة الإحصائية بالنسبة لعدد أفراد عينة الدراسة، فان الكلمات المكونة للمجال المفاهيمي لمفهوم "التربية الإسلامية في ذهن هذه الفئة هي:الصلاة – الزكاة – الصيام – القرآن الكريم -   العبادات – الحديث النبوي الشريف – الإرث – العقائد – الحج – الإسلام – الإيمان – الله تعالى. 
ب‌-نتائج العينة الثانية المتكونة من67 طالبا وطالبة من شعبة الآداب العصرية.
 بالاعتماد على جدول معاملات الارتباط الذي يبين الحد الأدنى للارتباط ذو الدلالة الإحصائية بالنسبة لعدد أفراد عينة الدراسة، فان المفاهيم المكونة للحقل المفاهيمي لمفهوم "التربية الإسلامية" بالنسبة لهذه العينة هي: القرآن الكريم – السنة - الحديث النبوي الشريف – الدين – الأخلاق - الإسلام –. الصلاة – العقائد – التربية – الزكاة – الاحكام – الواجبات – المكروهات – العبادات – العلم – المسجد – التفسير - السيرة
 
ويمكن تمثيل الحقل المفاهيمي لمفهوم التربية الإسلامية لدى العينتين بالرسم التالي:
 
من خلال قراءة أولية للنتائج المحصلة عليها يمكن ملاحظة ما يلي
 •عدد المفاهيم التي ربطها أفراد العينة الأولى ( تخصص علوم تجريبية) بمفهوم التربية الإسلامية هو 160 مفهوم، 13 مفهوما منها فقط تم احتساب علاقة الربط بينها وبين مفهوم التربية الإسلامية وباقي المفاهيم اعتبر ت قيمة ارتباطها غير ذات دلالة إحصائية أي أن ارتباطها بمفهوم التربية الإسلامية  ضعيف جداً. 
 •أما بالنسبة لأفراد العينة الثانية ( تخصص آداب عصرية) فعدد المفاهيم الواردة في أجوبتها وصل إلى 204 مفهوما ينتمي جلها لمجال العقائد والعبادات، 18 مفهوما منها فقط اعتبر ارتباطه ذو دلالة إحصائية.
وتدل هذه النتائج على ضعف في عدد المفاهيم المكونة للمجال المفاهيمي لمفهوم التربية الإسلامية لدى عينتي الدراسة، حيث وصل عدد المفاهيم 18 مفهوم لطلبة الآداب و13 مفهوم لطلبة العلوم التجريبية.
•عند تصنيف المفاهيم ذات الدلالة الإحصائية بالنسبة للعينتين فإننا نستنتج أن جلها تنتمي إلى مجال العقائد والعبادات مما يدل على محدودية مجالات الحقل المفاهيمي لمفهوم التربية الإسلامية لدى هؤلاء الطلبة وغياب المجالات الأخرى المكونة للحقل المفاهيمي لمفهوم التربية الإسلامية كمجال البيئة والاقتصاد والتكنولوجيا ...
 •يعتبر مفهوم الصلاة المفهوم الأكثر ارتباطا بمفهوم التربية الإسلامية لدى طالبات وطلبة العلوم التجريبية حيث تكرر في أجوبتهم 33 مرة أي بنسبة 73 % في حين كان مفهوم القرآن الكريم أكثر ارتباطاً بمفهوم التربية الإسلامية لدى طالبات وطلبة الآداب العصرية حيث تكرر في أجوبتهم 63 مرة أي بنسبة 94  %.
 
 
تقنية بناء البطاقة المفاهيمية بواسطة ربط الكلمات بالمصفوفة
في هذه التقنية نقدم لعينة الدراسة ، مصفوفة تتضمن لائحة من المفاهيم المنتمية لمجالات معرفية محددة، ونطلب منهم وضع علامة (x) في خانة تقاطع المفاهيم التي يرون أنها مرتبطة في ما بينها.
بعد حساب تكرار عدد الارتباطات بين المفاهيم، و حساب قيمة التردد بينها نستنتج البناء المعرفي لعينة الدراسة.
لائحة المفاهيم المقترحة هي: 1- التربية الإسلامية 2- الصحة 3- الإعلام 4- الحقوق 5- الجمال 6- البيئة 7-العلم 8-الاقتصاد 9-الأسرة 10- الفن 11- التكنولوجيا.
أما المصفوفة فهي كالتالي:
 
التربية الإسلامية الصحة الإعلام الحقوق الجمال البيئة العلم الاقتصاد الأسرة الفن التكنولوجيا
التربية الإسلامية
الصحة
الإعلام
الحقوق
الجمال
البيئة
العلم
الاقتصاد
الأسرة
الفن
التكنولوجيا
 
بعد أن وزعنا هذه المصفوفة على أفراد عينة الدراسة الأولى والثانية حصلنا على النتائج التالية:
oالعينة الأولى: 45 طالبة وطالبا شعبة العلوم التجريبية
oالعينة الثانية 67 طالبا وطالبة شعبة الآداب العصرية
 
 
 
استنتاج 
يتبين من خلال النتائج المحصل عليها أن هناك تقاربابين الخريطة المفاهيمية للعينتين ، وبالتالي هناك تقارب في بنائهم المفاهيمي حول مفهوم التربية الإسلامية. وقد انحصر عدد المفاهيم التي لها ارتباط بمفهوم التربية الإسلامية في ستة مفاهيم هي الصحة- العلم –البيئة- الأسرة – الحقوق ، بالنسبة للعينتين مع فارق مفهوم الاقتصاد بالنسبة للعينة الأولى،  ومفهوم الإعلام بالنسبة للعينة الثانية. في حين لا توجد علاقة بين مفاهيم الجمال والفن والتكنولوجيا ومفهوم التربية الإسلامية في ذهن أفراد العينتين، وهو خلل كبير في الارتباطات بين هذه المفاهيم ومفهوم التربية الإسلامية والذي يمكن أن يكون ناتج عن عدة أسباب أهمها طبيعة المفاهيم الموجودة في مناهج المادة ، وطريقة تدريسها في مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي. 
والخلاصة أن مفهوم التربية الإسلامية يرتبط أكثر بمجال السلوك الفردي ( العقائد والعبادات) وهو ما ينافي المفهوم العام للمادة باعتبارها تقدم الإسلام كنظام حياة يشمل بالإضافة إلى العقائد والعبادات إلى الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية والأسرية، و الوقائية الصحية، والبيئية، والفنية والجمالية، وغير ذلك.
وهذا القصور في مفهوم المادة هو نتيجة طبيعية للمناهج الحالية للمادة التي تركز على مجالات العبادة والعقائد وتذكر المفاهيم الأخرى الفرعية المرتبطة بالسلوك العام تحت مكون الآداب والأخلاق دون تنظيمها في وحدات متكاملة ودقيقة تمكن المتعلم في نهاية المطاف من تثبيت المفاهيم في ذهنه بدءا بالمفاهيم الأصلية ثم الفرعية ثم المتفرعة عنها وهكذا.
كما تمكن المتعلم من إدراك الخصائص العامة للإسلام والمتمثلة في الربانية والعالمية والشمول ويدرك في ضوء ذلك أن الإسلام نظام حياة.وهو ما يقتضي إعادة النظر في مناهج المادة لتدارك هذا الخلل الحاصل في البنية المفاهيمية للتلاميذ والذي يصاحبهم في مراحل التعليم العليا 
ونقترح في هذا الصدد تصورا جديد لمناهج المادة،  وكذا المقاربات المنهجية والتربوية التي ينبني عليها ، مركزين على  مساهمتها في تنمية كفايات المتعلم وتعزيز منظومة القيم لديه ،  ونتوقع أن هذا المقترح في حال نتفيذه ، سيعيد لمفهوم التربية الإسلامية امتداداته الطبيعية، فتحقق المادة بذلك غاياتها ومقاصدها من خلال تغيير للبنية المعرفية للتلاميذ وتعزيز منظومة القيم لديه.وسنعرض هذا المقترح من خلال العناصر الآتية :
 
نحورؤية جديدة لبناء مناهج التربية الإسلامية
1. أسس بناء المناهج الدراسية
2. تشخيص الصعوبات المنهجية والمعرفية في المناهج الحالية.
3. مدخلات ومخرجات المادة حسب الأسلاك التعليمية.
4. امتدادات مادة التربية الإسلامية  في مسالك التكوين بالتعليم الجامعي
5. الوحدات والمواضيع المفاهيم المكونة لمنهاج التربية الإسلامية
 
1 أسس بناء المناهج الدراسية.
المدارس: " مؤسسات اجتماعية لتيسير تربية المتعلمين، لذلك فإن تخطيط المنهاج يحدد دائما في بنية اجتماعية، ويصمم ليسهم في تربية فئة محددة من الأطفال والشباب … ويستنتج مما تقدم أنه ينبغي لمخططي المناهج أن يأخذوا بعين الاعتبار بعض العوامل الأساسية في إطار البنية العريضة للوظائف الاجتماعية إذا ما أرادوا أن يكون المنهاج المخطط مناسبا ومفيدا"   انطلاقا من ذلك يمكننا أن نلخص أسس بناء المناهج الدراسية في : 
 
•أسس عقائدية وإيمانية.
•أسس تربوية بيداغوجية.
•أسس اجتماعية.
•أسس نفسية.
•أسس معرفية.
ففيما يتعلق بالأسس العقائدية والإيمانية ينبغي استلهام المرجعية الإسلامية ونظرتها للكون والحياة بما تحمله من قيم ومثل تحكم علاقة الإنسان بخالقه ثم بنفسه ومجتمعه وأن تكون محتويات المواد التعليمية خادمة لهذا الأساس ولا تحمل تناقضا مع ما تحمله هذه القيم من معاني سامية، وعدم اعتماد مرجعيات عقائدية مختلفة لأن من شأن ذلك أن يؤثر على البنية التعليمية ككل وعلى نفسية المتعلم بشكل خاص.
أما فيما يتعلق بالأسس التربوية والبيداغوجية فالمطلوب أن تعتمد المناهج أحدث النظريات التربوية المناسبة سواء في صياغة الأهداف العامة أو النوعية أو الإجرائية أو في بناء هياكل المواد الدراسية أو انتقاء المحتوى التعليمي للمواد أو صياغة طرق ووسائل التدريس أو اعتماد أساليب التقويم أو الأنشطة التربوية الموازية.
وينبغي أن تعتمد أسس اجتماعية في بناء المنهاج ونقصد بذلك الاستجابة للحاجات الاجتماعية المرتبطة بتنظيم العلاقات العامة داخل المحيط والاستفادة من ما يقدمه الواقع الاجتماعي المعاصر من إنجازات علمية وفكرية وتكنولوجية، وبعبارة أدق الاستجابة لحاجات المجتمع والملاءمة  بين المناهج الدراسية ومتطلبات الواقع المتجدد، فكل منهاج بعيد عن الحياة الاجتماعية معرض للفشل، ولذلك ارتفعت الدعوات في وقتنا الحاضر إلى ضرورة إدماج المؤسسات التعليمية في محيطها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي حتى تؤدي النظم التعليمية رسالتها ودورها.
ويعتمد المنهاج الدراسي أيضا على أسس نفسية تتوجه مباشرة إلى المتعلم فتراعي إحساسه ووجدانه وقدراته وتتكيف معها، فالطفل في مرحلة التعلم الأساسي يمر بفترتين أساسيتين هما:الطفولة والمراهقة ” ويتميز فيهما بنموه الجسمي والانفعالي والعقلي، وتنقسم كل واحدة من هاتين الفترتين إلى مراحل محددة لكل منها بداية ونهاية وخصائص ومميزات نفسية، وعلى أساس مراحل النمو هذه تحدد أطوار التعليم وتوضع المناهج التربوية والأهداف المتوخى تحقيقها منها“ 
أما الأسس المعرفية فتشمل مجمل المعارف التي تحملها المواد التعليمية بالإضافة إلى طرق البحث والتفكير والاستدلال المناسبة للفئة العمرية المستهدفة وينبغي أن يراعى فيها التنوع والتكامل والاستجابة لحاجات المتعلم وتجيب عن إشكالاته الذاتية أولا وتلك الناتجة عن تفاعله مع المحيط ثانيا.
وينبغي بناء كل ذلك بطريقة علمية وتعليمية سهلة التناول متعددة الأساليب تفتح الباب أمام التعلم داخل الفصل وممارسة مختلف الأنشطة التعليمية خارجه كما تؤهل لممارسة التعلم الذاتي الناقد والمنفتح.
وهناك من يضيف إلى هذه الأسس أسسا أخرى اجتماعية وثقافية وغيرها، إلا أنها في الأصل راجعة إلى الأسس التي ذكرنا، يقول الدكتور إسحاق الفرحان: " ومهما تكن الأسس التي استخلصتها، فإنها لا بد وأن تنتمي إلى واحدة أو أكثر من الأسس الحالية.
الأسس النفسية وتشمل معرفة خصائص الطفل النمائية وحاجاته وطرق تعليمه وميوله واستعداداته في مختلف مراحل نموه، والأسس الاجتماعية وتشمل معرفة طبيعة المجتمع الذي ينشئ المدارس ويديرها، وطبيعة إنتاجه الاقتصادي وتراثه الثقافي، وتغيراته الحضارية إلى جانب الإطلاع على التقدم العلمي والصناعي فيه.
والأسس الفلسفية وتشمل فلسفة المجمع في الحياة، ومثله وأهداف التربية فيه بكل مستوياتها وتصوراته لدور الإنسان في هذا المجتمع. والأسس المعرفية وتشمل البنية المفاهيمية للمادة وطرق البحث والتفكير فيها "  
 
2.  تشخيص الصعوبات المنهجية والمعرفية في المناهج الحالية.
في ضوء هذه الأسس النظرية، التي يستحضرها أغلب واضعي مناهج المادة   نحاول أن نستعرض أهم الصعوبات العملية التي تعاني منها مناهج التربية الإسلامية. 
فغير خاف أن مناهج المادة الحالية في البلدان الإسلامية تعتريها صعوبات منهجية ومعرفية تحول بينها وبين تحقيق مقاصدها المعرفية والتربوية، وتتمثل أهم هذه الصعوبات في:
• غياب مرجعية منهجية نظرية في طرق بناء محتويات المناهج الدراسية، تؤطر بناء مناهج مادة التربية الإسلامية الحالية، وخاصة الاستفادة من نتائج البحث العلمي في استراتجيات التعلم، ومعلوم أن غياب مرجعية منهجية نظرية  في بناء محتويات المادة ، يخلق صعوبات جمة في طرق تنفيذ المنهاج، ويكفي أن نشير مثلا إلى تدريس مفاهيم فرعية قبل المفاهيم الأصلية، أو إدراج مفاهيم غير مناسبة للفئة المستهدفة، أو تدريس مفاهيم دون ربطها بسياقها المعرفي والتربوي.
• اعتبار المعرفة الإسلامية هدفا من المادة وليست وسيلة للتربية على القيم، ولذلك يتم التركيز في وحدات المادة على العلوم الإسلامية كعلوم العقيدة وعلوم القرآن وعلوم الحديث والفقه وأصوله والسيرة النبوية.  
• التركيز على تلقين المعرفة عوض بنائها باعتماد أحدث استراتيجيات التعلم بمساهمة المتعلم مما يضعه في وضعية المتلقي السلبي، ولا يساعده على تنمية قدراته وكفاياته من خلال ممارسة مهارات ذهنية وسلوكية مفيدة. 
• التركيز على البعد الفردي في السلوك الإسلامي للمتعلم كالعقائد والعبادات والأخلاق، وعدم إدماج قضايا العصر الجماعية في مناهج المادة كالصحة والبيئة والحقوق والفن، والاقتصاد، وغيرها، وإبراز موقف الإسلام منها وتمكين التلميذ من معرفة شاملة عن الإسلام كنظام حياة 
وحرصا منا على المساهمة في تجاوز هذه الإختلالات وترشيد بناء مناهج المادة وطرق تدريسها، من خلال بناء منهج جديد يعتمد الأسس التالية:
• اعتماد مبدأ التدرج والاتساع في بناء المفاهيم داخل منهاج المادة في مختلف المستويات الدراسية ومراعاة قدرات المتعلم المعرفية والنفسية في استلهامها وتمثلها 
• اعتبار المعرفة وسيلة للتربية وليست هدفا مع عدم إغفال تنمية الكفايات المعرفية للمتعلمين.
• الارتباط أكثر بواقع المتعلمين من خلال إعادة صياغة وحدات المادة لتستدمج أكثر المفاهيم المعاصرة كالصحة والبيئة والاقتصاد والأسرة والحقوق والفن والجمال وغيرها ابتداء من التعليم الإعدادي، علما بأننا نعتبر أن منهاج المادة في التعليم الابتدائي يتركز على حفظ قصار السور ، والتمرس على أساسيات العقيدة والعبادة ومكارم الأخلاق، دون أن يتصنف المنهاج في وحدات دراسية تلائم الأساسيات النظرية لبناء المفاهيم، لذلك لم نركز على هذا المستوى الدراسي لأننا لا نرى أن هناك تغييرات جوهرية على محتوياته المعرفية المعمول بها في أغلب البلدان الإسلامية، لذلك اكتفينا بذكر محتويات برنامج هذا السلك بإجمال.  
• اعتبار التربية على القيم هدفا أساسيا تبدأ بالبناء السليم للمفاهيم وتصحيح التصورات في ضوء ذلك مما يدفع إلى الاقتناع فالتمثل الواعي المرسخ للقيم الإسلامية. 
وهكذا يتبلور المنهاج الجديدة لمادة التربية الإسلامية ابتداء من التعليم الإعدادي في تسع وحدات هي:
 وحدة التربية الاعتقادية.
 وحدة التربية التعبدية.
 وحدة التربية الاجتماعية والأسرية.
 وحدة التربية الاقتصادية والمالية.
 وحدة التربية الإعلامية والتواصلية.
 وحدة التربية الحقوقية.
 وحدة التربية الوقائية والصحية.
 وحدة التربية الفكرية والمنهجية.
 وحدة التربية البيئية.
 وحدة التربية الفنية والجمالية.
نحدد محتوياتها وهيكلة بنائها من خلال تقديم موجز للوحدة  وتحديد مدخلات ومخرجات  التكوين عند بداية ونهاية الأسلاك التعليمية  ، وتحديد المفاهيم الفرعية لكل وحدة من الوحدات. 
3. مدخلات ومخرجات المادة حسب الأسلاك التعليمية.
  التعليم الابتدائي
المدخلات:
يتوفر التلميذ في هذه المرحلة على قدرات وكفايات ومهارات فطرية و ذاتية اكتسبها من محيطه العام يستطيع بواسطتها التمييز بين بعض قيم الخير، وبعض قيم والشر يحتاج في مرحلة التعليم الأولي إلى تأسيسها وتنظيمها وتصنيفها وتعزيزها باعتماد الأنشطة التعليمية. 
وصف مركز لمحتوى المنهاج في هذه المرحلة:
• يتم التركيز في هذه المرحلة على محورين هامين هما: أركان الإيمان وأركان الإسلام مع التركيز على الأساسيات الملائمة لمرحلة الطفولة من الأخلاق والآداب العامة من خلال القرآن والسنة والسيرة النبوية 
• القرآن الكريم 
• العقائد والعبادات 
• السيرة النبوية 
• الحديث النبوي 
• الآداب الإسلامية 
المخرجات:
 يتوقع من التلميذ في نهاية هذه المرحلة أن يكون قادرا على:
• استيعاب أساسيات المفاهيم الإسلامية الموجهة لسلوكه الفردي وداخل الجماعة الصغيرة المحيطة به.
• أن يكون قادرا على ممارسة الشعائر التعبدية المناسبة لسنه. 
• أن يملك رصيدا معرفيا إسلاميا يؤهله لولوج السلك الثانوي الإعدادي.  
  التعليم الإعدادي:
المدخلات: وهي نفس مخرجات التعليم الابتدائي 
وصف مركز لمحتوى المنهاج في هذه المرحلة:
يتم في هذه المرحلة تعميق المفاهيم الإسلامية الأساسية في العقائد والعبادات مع اتساع المجال ليشمل التفاعل الموسع مع الحياة العامة من خلال العلاقات مع الأفراد والجماعات والمؤسسات والمحيط الاقتصادي والاجتماعي، وما يتطلبه ذلك من استيعاب القضايا المعاصرة في ضوء الإسلام كقضايا الحقوق والواجبات العامة وقضايا الأسرة والمجتمع والسلوك الاقتصادي والإعلامي وطرق التواصل مع الغير والسلك البيئي والصحي، وتوجيه ذلك بالقيم الإسلامية النابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة. 
المخرجات:
 يتوقع من التلميذ في نهاية هذه المرحلة أن يكون قادرا على:
• استيعاب أساسيا ت المفاهيم الإسلامية المنظمة لسلوكه تجاه خالقه ونفسه ومجتمعة. 
• أن يكون قادرا على الملاءمة بين الإسلام كنظام حياة وحاجة الواقع اليومي للمجتمع. 
• أن يمتلك رصيدا معرفيا نظريا وتطبيقيا يؤهله لممارسة الشعائر الدينية الملاءمة لقدراته. 
• أن يكون قادرا على توظيف مهارات الخطاب والتواصل في تعزيز القيم الإسلامية داخل محيطه.
  السلك الثانوي 
المدخلات: نفس مخرجات السلك الإعدادي. 
وصف مركز لمحتوى المنهاج في هذه المرحلة:
يتم في هذه المرحلة تعميق المفاهيم السابقة والمتعلقة بتوجيه القيم الإسلامية لسلوك التلميذ في مجالات الحياة العامة مع الانفتاح أكثر على القضايا المعاصرة والاستفادة من التوجيهات التربوية الإسلامية في عمومها وشمولها سواء تعلق الأمر بالعقائد أو العبادات أو المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والحقوقية والبيئية والفنية والجمالية والإعلامية والتواصلية مما يتيح للمتعلم التفاعل مع التراث الإسلامي وتوظيفه في خدمة المجتمع.
ويتميز منهاج المادة في هذه المرحلة بتخصصه أكثر ليلائم طبيعة التخصصات الشعب مع انفتاحه ليكون في علاقة ترابط مع مختلف المواد المكونة للمنهاج العام لمختلف المواد الدراسية. 
المخرجات :
 يتوقع من التلميذ عند نهاية هذه المرحلة أن يكون قادرا على:
• استيعاب التصور الشامل لقضايا الإسلام والحياة والمصير انطلاقا من أشكال التعلم المختلفة. 
• توظيف ملكات النقد والتحليل والتعليل والقدرة على تدبير الاختلاف واستثمار وسائط التواصل في الاقتناع والإقناع بالقيم الإسلامية.  
• التعرف على أساسيات العلوم الإسلامية والفكر والحضارة الإسلامية 
• امتلاك قدرات معرفية ومهارية تؤهله لاختيار مسلك التكوين بالتعليم العالي 
   
4. امتدادات مادة التربية الإسلامية في مسالك التكوين بالتعليم الجامعي
تنتظم الدراسة في التعليم الجامعي في شكل مسالك ووحدات وتخصصات، وقد استحضرنا في صياغة منهاج المادة امتداد التكوين في التعليم الجامعي ولذلك كان الهدف من إعادة هيكلة مكونات مادة التربية الإسلامية بهذا الشكل: 
1. تـمكين المتعلم في نهاية السلك التأهيلي من أساسيات التصور الإسلامي الشامل لقضايا الحياة والمجتمع وتزويده بالمعارف الإسلامية الأساسية.
2. وعيه بأهمية القيم الإسلامية في توجيه واستثمار المعرفة  عن طريق البحث العلمي في مختلف التخصصات الجامعية ( وهو ما نسميه بقيم المعرفة )
3. تـمكينه من استثمار تلكم التصورات والكفايات في مختلف التخصصات في مسالك التعليم العالي الأدبية والعلمية والتقنية كما توضحه الترسيمة الآتية:
 
وحدات التربية الإسلامية
في التعليم ما قبل الجامعي امتداداتها في مسالك التعليم العالي
• التربية الاعتقادية والتعبدية مسالك الدراسات الإسلامية
مسالك الدراسات الاجتماعية والنفسية
 
• التربية الاجتماعية والأسرية مسالك الدراسات الإسلامية (الأحوال الشخصية + العمل الاجتماعي)
مسالك الدراسات الأدبية  الاجتماعية والنفسية
مسالك الدراسات القانونية (القضاء والعدل)
 
• التربية الاقتصادية والمالية. مسالك الدراسات الاقتصادية
مسالك الدراسات القانونية
مسالك الدراسات الإسلامية (فقه الأموال والبيوع)
 
• التربية الإعلامية والتواصلية. مسالك دراسات علوم الإعلام والصحافة
مسالك تسيير وإدارة المقاولات
مسالك الدراسات الاجتماعية التواصلية
 
• التربية الحقوقية. مسالك الدراسات الاجتماعية
مسالك الدراسات الاقتصادية
مسالك الدراسات القانونية
 
• التربية الوقائية والصحية. مسالك الدراسات الطبية
مسالك الدراسات الحقوقية
مسالك الدراسات الاجتماعية والبيئية
 
• التربية الفكرية والمنهجية مسالك دراسات العلوم الإسلامية
مسالك الدراسات الشرعية
مسالك الدراسات التاريخية
مسالك الدراسات القانونية المقارنة
 
• التربية البيئية مسالك الدراسات العلمية في البيئة
مسالك الدراسات العلمية في الصحة
مسالك الدراسات الاجتماعية
مسالك الدراسات الاقتصادية
 
• التربية الفنية والجمالية مسالك الدراسات الأدبية والفنية
مسالك دراسات الآثار والتراث
مسالك الدراسات النفسية والاجتماعية
 
وهكذا تجد مادة التربية الإسلامية امتدادها في ترسيخ الجانب القيمي، والعلمي المعرفي الإسلامي المرتبط بمختلف المسالك والتخصصات في التعليم العالي عبر مستويات ثلاث :
 الجانب المعرفي التخصصي بالنسبة لمسالك الدراسات الإسلامية والشرعية.
 الجانب المعرفي العام بالنسبة لمسالك الدراسات الأدبية والاجتماعية والقانونية.
 الجانب التحسيسي بالقيم الإسلامية ودورها في ترسيخ الأخلاقيات المهنية والتواصلية في مختلف المسالك الأخرى.
وهكذا نكون قد أسسنا لمسار إدماج القيم الإسلامية في مناهج التعليم من معرفة القيم في التعليم ما قبل الجامعي ، إلى القيم الموجهة للمعرفة في التعليم الجامعي وبعده في الحياة العملية ، آملين أن نكون قد أسهمنا في مقاربة الموضوع نظريا وتطبيقيا مما تحصل معه الفائدة المرجوة ويتحقق به القصد والله ولي التوفيق.
 
خالد الصمدي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

أضيف بتاريخ :2015/02/13 - آخر تحديث : 2022/11/22 - عدد قراءات المقال : 11900